نقص الكوادر يؤثر على عمل مستشفيات ميدانية ويؤخر تشغيل أخرى

السبت 13 آذار 2021
موظفون في مستشفى معان الميداني الذي لم يُشغّل بعد. تصوير عمّار الشقيري.

بين كانون الأول 2020 وبداية شباط من العام الجاري، أنشأت وزارة الصحة أربعة مستشفيات ميدانيّة في كل من إربد وعمان ومعان والعقبة، لتخفيف العبء عن الكوادر الصحيّة في المستشفيات الحكومية التي تستقبل مرضى كورونا، وتفريغ هذه المستشفيات للتعامل مع الحالات المرضية المعتادة. فيما أنشأت الخدمات الطبيّة الملكية مستشفيين ميدانيين عسكريين في إربد والزرقاء.

طلبت وزارة الصحة أواخر العام الماضي من ديوان الخدمة المدنية 2000 موظفٍ لتعيينهم وتشغيلهم في المستشفيات الميدانية التابعة لها، كما أعلنت عن حاجتها لشراء خدمات أطباء اختصاص، وكلفت كوادر من المستشفيات والمراكز الحكومية للعمل في هذه المستشفيات، مع إعلان عدد كوادر كل مستشفى عند افتتاحه.

لكن على الأرض، لم تكن أعداد الكوادر العاملة مطابقة للمعلن عنها، إذ لم تلتحق بعض الكوادر بالمستشفيات الميدانية؛ كونها كانت تعمل ضمن التشغيل التجريبي وبغير طاقتها الكاملة، كما كُلّفت بعض الكوادر بالعمل في مستشفيات أخرى تابعة للوزارة، وانتدب بعضٌ آخر للعمل في مراكز إعطاء اللقاحات، فيما انشغل آخرون بالتدريب لرفع كفاءتهم في التعامل مع مرضى كورونا، وتوقف بعضهم عن العمل لفترةٍ بسبب إصابته بفيروس كورونا، وآخرون لم يلتحقوا بعد بالمستشفى المعينين له لعدم جهوزيّته.

تنقل شهادات بعض كوادر المستشفيات الميدانية التابعة لوزارة الصحة الضغط الواقع عليهم بسبب هذا النقص، وأثره على الرعاية الصحيّة التي تقدّم للمرضى. فيما تسبّب عدم استقبال مرضى كورونا في أحد هذه المستشفيات بارتفاع نسب الإشغال في مستشفى حكوميّ كان من المفترض أن يتفرّغ لمعالجة المرضى من غير حالات كورونا المستجد.

مستشفى عمّان الميداني: نقص الكوادر مستمر

«كانت [حالته] ممتازة، وفجأة نزل الأكسجين»، يقول سيف،[1] أحد ممرضي مستشفى عمان الميداني، عن حالة مريضٍ مسنٍّ دخل المستشفى مصابًا بكورونا قبل أسابيع. أسرع سيف، ومعه ممرض آخر، لنقل المريض إلى وحدة العناية الحثيثة ووضعه على جهاز تنفس اصطناعي نافذ، وفي الطريق «حطيت إيدي أقيس النبض، مفيش نبض»، يقول سيف.

على الفور أجرى سيف وزميله إنعاشًا لقلب المريض ورئتيه (CPR)، وما إن وصلنا إلى وحدة العناية حتى توفي المريض، «[كان]عرقنا بسيل من كل مكان، وصار إرباك مخيف للمرضى». يعتقد سيف أن سبب ما حدث هو قلّة المراقبة المكثفة لحالة المريض بسبب نقص الكادر؛ إذ انخفضت نسبة الأكسجين للمريض بسرعة، ولم يسعفهما الوقت لإنقاذه.

في أيّام أخرى، وخلال مناوبات المساء، كان سيف والممرضون الذين معه يحتاجون إلى استشارة أخصائيّ بشأن حالةٍ من الحالات، لكنهم واجهوا صعوبة في إيجاد أحدهم: «كله [طبيب] عام، في باطني، مرات واحد موجود، ومرات بندوّر عليه»، يقول سيف.

افتتح هذا المستشفى في حرم مستشفى الأمير حمزة يوم 20 كانون الأول الماضي لاستقبال مرضى كورونا، بسعة تبلغ 408 أسرّة، منها 84 سريرًا مخصصًا للعناية الحثيثة. وخصّصت وزارة الصحة لهذا المستشفى كادرًا من 1100 موظف موزعين بين كوادر طبية وتمريضية ومساندة وإدارية، منهم 300 ممرض، جزءٌ منهم يحمل درجة الدبلوم، فيما يقدّر مدير المستشفى خلدون خضر عدد أطباء الاختصاص خلال المناوبة الواحدة بخمسة أطباء، بين طبيب اختصاص ومقيم، بالإضافة إلى 18 طبيبًا عامًا. لكن لم يلتحق كامل الكادر بالعمل نظرًا لأن المستشفى ليس بطاقته الاستيعابية الكاملة.

في أحد الأيام قبل أسابيع، كان سيف، وثلاثة من زملائهِ الممرضين، قد قضوا 24 ساعة من العمل المتواصل داخل أحد أجنحة مستشفى عمّان الميداني السبعة. وبالكاد وصل الممرضون الأربعة إلى نهاية المناوبة صباح اليوم التالي من شدّة الإنهاك؛ إذ وصلَ عدد المرضى في الجناح يوم مناوبتهم 43 مريضًا، أي ممرضٌ واحد لكل 10 مرضى تقريبًا. خلال الساعات الأخيرة للمناوبة، كان أحد الممرضين يصيح «أنا تعبت، مش قادر يا عمي، بدي أروّح».

يقول خضر إنَّ جزءًا من كادر المستشفى حديثو التعيين في الوزارة ولا يملكون خبرة للتعامل مع مرضى كورونا، لذا جرى توزيعهم على مستشفيات حكوميّة تعاملت مع مرضى كورونا مثل البشير والأمير حمزة؛ لرفع كفاءتهم قبل إلحاقهم بالمستشفى الميداني. بالإضافة إلى أن تشغيل المستشفى كان تجريبيًا ولا يسمح بأن يعمل بكامل طاقته من الكوادر والأسرة.

في تلك الأيّام التي ناوب فيها سيف وزملائه، وصلت نسبة إشغال أسرّة المستشفى إلى 50%، وأُرهق الكادر التمريضيّ حسب شهادات متطابقة لممرّضين عاملين في المستشفى، فأعلنت إدارة المستشفى يوم 25 شباط عن تقنين دخول مرضى كورونا وتحويلهم إلى مستشفى الأمير حمزة. «كان في توقيف لفترة بسيطة لضبط الأمور الإدارية، وضبط أمور الكوادر الطبية»، يقول خضر.

مع بداية آذار الجاري عاود المستشفى الميداني استقبال المرضى بشكل اعتيادي، لكن ضغط العمل على كوادر التمريض لم يتغير كثيرًا، إذ أشرف حينها سيف ومعه ثلاثة ممرضين على 30 مريضًا، ما أدى إلى تدني الرعاية المقدمة للمرضى. «في ناس بتهرب (..) ما بتقعد، بتقولّك أنا يا عمي إذا أدويتي ما أخذتها. أكسجيني بنزل، ما بتيجوا تشوفوني»، يقول سيف.

بحسب معايير المجلس التمريضي الأردني، فإن الحدّ الأدنى من نسبة الممرضين للمرضى في قسم العناية الحثيثة هي ممرضٌ واحدٌ لكل مريضين، وممرضٌ واحدٌ لكل ثلاثة مرضى في الطوارئ والعناية المتوسطة.

ووفقًا لروايات متطابقة، سُحب عدد كبير من كادر التمريض للعمل في مراكز إعطاء اللقاحات ضد كورونا، وكان أغلبهم ممن يحملون درجة الدبلوم. في أحد الأجنحة، سُحب ثلث الكادر التمريضي مما زاد الضغط على الممرضين المتبقين. «والله ما فيّي حيل أوقف على رجلي، الوضع سيء، وأكثر مما إنك تتصور، أفوت ألبس لباس العزل (..) سبعة الصبح وبشلحه الساعة ثلاثة»، يقول سيف.

إضافة إلى ما سبق، ساهم عدم تلقي بعض الممرضين للقاح كورونا بإصابة بعضهم بالفيروس، وتقليل عدد العاملين منهم. حتى بداية آذار، لم يكن سيف وزملاؤه في الجناح قد تلقّوا اللقاح كما يقول، وقد أصيب بعضهم بكورونا المستجد. ويقول أحد رؤساء فرق التمريض في جناح آخر إن نسبة الذين تلقوا اللقاح في جناحه حتى بداية آذار منخفضة.

أما خالد ربابعة، نقيب الممرضين، فيقول إن التقصير في تلقيح العدد الكافي من الكادر التمريضي حدث في البداية، وأن عدد متلقي اللقاح منهم لم يرقَ إلى مستوى أهمية عمل الكادر التمريضي الذي يتعامل مع المرضى بشكل مباشر، لكن المشكلة بحسبه قد حُلّت إذ جرى حصر أسماء الممرضين العاملين في المستشفى لغايات تلقيحهم جميعًا. ويؤكد خضر كذلك على حلّ المشكلة بعد التنسيق مع وزارة الصحة والمركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.

وقد أعادت إدارة المستشفى مؤخرًا بعض كوادرها، حيث كانوا يعملون في المستشفيات الحكومية الأخرى، فيما يواصل البعض الآخر تدريبه. يقول خضر إن «حاليًا الأعداد ممتازة»، مضيفًا أنهم يعملون حاليًا من أجل فتح المستشفى بطاقته الكاملة، بعد تشغيله جزئيًا في السابق.

معان الميداني: لم يعمل بعد

منتصف شباط الماضي، أصيبت زوجة نضال العفوري، المقيم في معان، بفيروس كورونا المستجد، فاصطحبها ليلًا إلى مستشفى معان الميداني. كان المستشفى مُضاءً عندما وصل إليه، لكنه تفاجأ أن بوابته مغلقة، ليخبره الحارس أن المستشفى لم يعمل بعد.

كان المستشفى قد افتتح يوم 23 كانون الأول 2020، في حرم مستشفى معان الحكومي، بسعة 246 سريرًا، 48 سريرًا منها للعناية الحثيثة، وقد خصّصت له وزارة الصحة 496 موظفًا. وعندما طلبت وزارة الصحة من ديوان الخدمة المدنية موظفين للعمل في المستشفيات الميدانية، رشّح الديوان 81 موظفًا من محافظة معان والبادية الجنوبيّة، فيما استعانت الوزارة بكوادر عاملة في المستشفيات والمراكز الصحية لتشغيلهم فيه على نظام التكليف؛ أي أن تلتحق كوادر من المستشفيات الحكوميّة بالمستشفى الميداني، ورشّحت باقي المعينين من خارج المحافظة، بحسب جاء في ردّ[2] الحكومة على سؤال نيابيّ.

لم يشيّد في المستشفى الميداني سكناتٌ لمبيت الكوادر، ما تسبب بعدم التحاق بعض الكوادر ممن يسكنون خارج المحافظة وفقًا لأحد الأطباء في المحافظة. فيما يقول مدير المستشفى حسين كريشان إنه لم يتسلّم المستشفى من الوزارة بعد.

مدخل مستشفى معان الميداني. تصوير عمّار الشقيري.

من جهتها، لم تستلم وزارة الصحة المستشفى من المتعهّد، لعدم تشييده سكنات لكوادر الأطباء والممرضين من خارج المحافظة أو ممن يسكنون بعيدًا عن المستشفى، وتشترط الوزارة إنهاء المتعهد بناء السكنات لاستلام المستشفى، بحسب راتب غنيم، مساعد الأمين العام للخدمات في وزارة الصحة.

عند بدء التشغيل التجريبي للمستشفى، ظهرت مشكلة في خزّان الأكسجين وشبكة الإمدادات. يقول محمد الضمور، المقاول المشرف على تسليم المشروع، إن الخزان قد استبدل، متوقعًا أن ينتهي العمل ويُسلّم المشروع خلال أقل من شهر، مضيفًا أن الأخطاء البسيطة تحدث في كل المشاريع، لكن هذه الأخطاء قد تعيق التسليم في حالة المستشفيات المختصة بالوبائيات، على حد قوله.

وبحسب أمجد أبو درويش، مدير مديرية صحة معان، فقد أنشئ هذا المستشفى للتعامل مع مرضى كورونا فقط، وتفريغ مستشفيات إقليم الجنوب للحالات الطبيّة الأخرى. إلا أن مستشفيات الجنوب -بما فيها مستشفى العقبة الميداني- ظلّت تستقبل مرضى كورونا، ومنها مستشفى الكرك الحكومي، الذي بلغ إشغال الأسرّة فيه مطلع الأسبوع الحالي 19 سريرًا من أصل 28 مخصصة لاستقبال مرضى كورونا، بحسب تصريحات معاذ المعايطة، مدير المستشفى لقناة المملكة.

عيّنت وزارة الصحة في مستشفى معان الميداني موظفين جدد، وكلّفت آخرين من مستشفيات ومراكز صحية أخرى. لكن ليس بين المعينين الجدد طبيب اختصاص واحد. وقد التحق بالعمل حتى السادس من آذار 206 موظفًا من إجمالي الكادر المخصص للمستشفى، بحسب مدير المستشفى حسين كريشان، مشيرًا إلى أن أعداد الملتحقين بالعمل متغيرة باستمرار، نظرًا لأن جزءًا من الكادر يعمل في مستشفيات أخرى.

عندما عرف العفوري أن المستشفى الميداني لم يعمل بعد، أخذ زوجته إلى مستشفى معان الحكومي، حيث أخذت لها صورة طبقية، لكنه لم يعرف إذا كان يتوجّب إدخالها إلى المستشفى، لأنه لم يجد فيه طبيبًا مختصًا بالصدرية ليسأله عن ذلك، فأرسل الصورة إلى أطباء أصدقاء له في عمان، ليخبروه بضرورة إدخالها المستشفى، فما كان منه إلا أن أخذها إلى عمّان.

لا يتوافر في مستشفى معان الحكومي أخصائي صدرية، وينسحب الأمر على محافظة معان وفقًا لأبو درويش. وثمة نقصٌ في تخصصات أخرى في معان، وفي الجنوب عمومًا، وفقًا لأحد الأطباء في المحافظة.

لم تعّين الوزارة أطباء اختصاص جددٍ للعمل في معان الميداني، إنما كلّفت عددًا من العاملين في مستشفياتها للأخرى بالعمل في هذا المستشفى. وقد التحق بالمستشفى 18 طبيبًا من أصل 52 مخصصين له.

ويبلغ عدد الممرضين الذين عُيّنوا في المستشفى 263، بين ممرض قانوني ومشاركٍ بدرجة دبلوم، فيما يبلغ عدد الأطباء العامين المعيّنين 159 طبيبًا.

العقبة وإربد الميدانيين: نسب الإشغال ما زالت متدنية

يستقبل مستشفى العقبة الميداني مرضى كورونا من مدينة العقبة وإقليم الجنوب عمومًا، كرديف لمستشفى معان الميداني المعطّل وفقًا لمديره كامل الحوراني، وتبلغ سعة المستشفى 216 سريرًا، منها 56 سريرًا مخصصًا للعناية الحثيثة، فيما خصّصت الوزارة لهذا المستشفى كادرًا من 200 موظفًا، منهم 130 ممرضًا و30 طبيبًا عامًا.

لا يُعاني المستشفى من نقص في الكوادر نظرًا لقلّة أعداد المرضى فيه، إذ بلغت نسبة الإشغال يوم السبت الماضي 3 مرضى في العناية الحثيثة، و18 على أسرّة العزل. 

مستشفى العقبة الميداني، تصوير عمار الشقيري.

كذلك، يقول عماد أبو اليقين، مدير المستشفى الميداني في إربد، إن المستشفى لا يعاني من نقصٍ في الكوادر. وكانت وزارة الصحة خصصت له 700 موظف، منهم 550 من الكوادر الطبيّة بين ممرض وطبيب وفني أشعة. ولم يعمل المستشفى بكامل طاقته حتى مطلع هذا الأسبوع، إذ ما زال في طور التشغيل التجريبي.

ويبلغ عدد الأسرة في المستشفى 300 سريرًا، 48 منها مخصص للعناية الحثيثة، وقد بلغت نسبة الإشغال في المستشفى حتى مساء 8 آذار 50% من أسرّة العناية الحثيثة، و12% من أسرّة العزل، بحسب أبو اليقين.

أخيرًا، أعلن مستشفى الملك المؤسس قبل يومين عن إيقاف العمل في العيادات الخارجية وإيقاف جميع العمليات المجدولة حتى إشعار آخر، باستثناء الحالات الطارئة، «لتوفير الخدمة المناسبة لمرضى كورونا [فيه]». بالقرب من المستشفى نفسه، كان مسؤول ملف كورونا في وزارة الصحة، وائل الهياجنة، قد وقف قبل أشهر داخل مستشفى إربد الميداني أثناء إنشائه، قائلًا إن المستشفيات الميدانية ستكون على المدى البعيد «إضافة استراتيجية لمخزون وزارة الصحة من الأسرّة والعيادات والمراكز المتخصصة»، وأن إنشاءها جاء لتخفيف العبء عن الكوادر الصحية.

  • الهوامش
    [1] أسماء مستعارة بناءً على طلب أصحابها.
    [2] صفحة 460.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية