هل يمكن أن يكون خجل الطفولة مفيدًا؟

الأحد 12 كانون الأول 2021
تصوير ديفيد لورنز، أ ف ب.

نشر هذا المقال للمرة الأولى بالإنجليزية في مجلة «سايكي» في 23 تشرين الثاني 2021.

في أول يوم لها في المدرسة، تقف فتاة في السادسة من عمرها على العشب بالخارج، متشبثة بخوف بساق أمها. تعمل معلمتها مع والديها على إقناعها بالدخول إلى المدرسة. عندما تعلم الفتاة أنها ستنفصل عن والديها لدخول مبنى جديد مليء بأشخاص جدد، تبدأ في البكاء. تتوقف عن البكاء فقط عندما تلاحظ أن الآخرين يراقبونها. خلال الأسبوعين الأولين من فصلها الدراسي الجديد، لا تتطوع الفتاة لتتحدث عندما يوجه معلمها أسئلة للفصل. في الاستراحة، تقف بجانب الحائط، تراقب الأطفال الآخرين وهم يركضون حول الملعب. عندما تعود إلى المنزل، يكون سلوكها مختلفًا: يمكن سماعها تضحك وتثرثر، بصوت أعلى وأكثر جرأة مما كانت عليه في المدرسة. عندما تصبح بيئة المدرسة مألوفة أكثر، فإن سلوكياتها هناك ستكون أقرب إلى سلوكياتها في المنزل. طالبة الصف الأول هذه خجولة.

إذا كنت أبًا أو أمًا أو مقدم رعاية أو معلمًا، فقد تعرف طفلًا يتفاعل مع الأشخاص غير المألوفين والسياقات الاجتماعية بطريقة مماثلة. رغم اختلاف التعريفات، إلا أن الخجل غالبًا ما يتسم بالحذر أو الخوف أو التحفظ  في المواقف الاجتماعية الجديدة. عنصر الجدّة مهم: كما في المثال أعلاه، نتوقع أن تبدو سلوكيات الأطفال الخجولين في سياق جديد أقرب إلى سلوكهم في سياق مألوف بمرور الوقت. في العديد من الأماكن، لا سيما في أمريكا الشمالية، يُنظر إلى التواصل الاجتماعي والحيوية بشكل إيجابي، ويُشجيع الأطفال على التحدث في سياقات مختلفة والتواصل مع أقرانهم والثقة بمعلميهم. نتيجة لذلك، غالبًا ما ينظر الآباء والمعلمون إلى خجل الأطفال على أنه عيب أو سمة سلبية يجب التغلب عليها.

ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن 10% إلى 15% من الأطفال يظهرون الخجل باستمرار، ونحن نعلم أن الميل إلى إظهار الخوف والتجنب في المواقف غير المألوفة موجود في مختلف الكائنات، والثقافات، والأجيال. على عكس اضطراب القلق الاجتماعي -وهو اضطراب نفسي قابل للتشخيص، يؤدي إلى إعاقة الحياة اليومية بشكل كبير- يعتبر الخجل عادةً سمة شخصية طبيعية من قبل الباحثين والمتخصصين في الصحة العقلية. يشير انتشار الخجل في كل مكان إلى أنه يمتلك على الأرجح بعض الوظائف التكيفية، أو ربما لم يكن قد تطور واستمر. في الواقع، هناك دليل على أن الخجل ليس دائمًا عيبًا أو مشكلة، وأنه يمكن أن يكون تكيفيًا في بعض المواقف.

بدل محاولة إخراج الأطفال من خجلهم، قد يكون من المفيد التفكير في كيف أن الاختلاف الفردي في الشخصيات هو ما يجعل العلاقات الاجتماعية غنية وحيوية.

توصلت دراسة إلى أن الأطفال الخجولين قد يكونون أكثر استعدادًا لإدراك واكتشاف التهديدات الاجتماعية في بيئتهم مقارنة بالأطفال غير الخجولين. عندما يواجه الأطفال موقفًا اجتماعيًا جديدًا، كتقديمهم إلى زميل جديد أو إلى شخص بالغ، فمن المرجح أن ينظر الأطفال الخجولون إلى هذا على أنه أمر مخيف. وفقًا لذلك، قد يُظهرون الحذرالتحديق عن كثب) كاستراتيجية سلوكية لمعرفة المزيد حول التهديد الاجتماعي المحتمل، أو التجنب (كتجنب النظر إليهم مباشرةً) كاستراتيجية لحماية أنفسهم من التهديد الاجتماعي المتصوّر.

من المحتمل أن تكون الاستجابات السلوكية للأطفال الخجولين في المواقف الاجتماعية الجديدة مدعومة بالتغيرات في أجسادهم وأدمغتهم. على سبيل المثال، عندما يدخل طفل خجول موقفًا اجتماعيًا جديدًا، فمن المحتمل أن يشعر بتسارع دقات القلب أو يبدأ في الشعور بالحرارة. الاختلافات في الاستجابات السلوكية والعصبية والفسيولوجية عندما يواجه الأفراد الخجولون موقفًا اجتماعيًا جديدًا قد ترتبط بخصائص أخرى ذات صلة، مثل الحذر، الذي ارتبط بالخجل لدى النساء.

رغم أن الكشف عن التهديدات المتزايدة والحذر قد يبدوان كخصائص سلبية، إلا أنهما يمكن أن يؤديا وظائف تكيفية مهمة للأطفال، لأن البشر هم نوع اجتماعي استثنائي. بالإضافة إلى مواجهة التهديدات الجسدية المحتملة في البيئة (مثل التجويع أو العنف)، يواجه البشر أيضًا تهديدات اجتماعية محتملة (مثل النبذ). نظرًا لأن الأطفال الخجولين يميلون إلى «النظر قبل أن يقفزوا»، فمن المرجح أن يكتشفوا التهديدات المحتملة، مما قد يدفعهم إلى التصرف بحذر أكبر في المواقف الاجتماعية. على سبيل المثال، قد تلاحظ الطفلة الخجولة بسهولة أكثر وجود متنمر أو طفل آخر غير لطيف، بسبب انخفاض عتبة اكتشافها للتهديد. قد تمتنع عن الكشف عن المعلومات الشخصية الخاصة بها على الفور، وتبدأ في اتخاذ قرار دقيق حول ما إذا كانت ستصبح صديقة لهذا الشخص. هنا، يمكن للحفاظ على مسافة أن يحمي الطفل الخجول من أن يصبح هدفًا للتنمر. قد تساعد هذه العوامل في حماية الأطفال الخجولين من الصراع الاجتماعي والتقييمات الاجتماعية السلبية.

إن الأسلوب اليقظ والملاحظ الذي يظهره العديد من الأطفال الخجولين أثناء مشاهدة أقرانهم من بعيد قد يخدم وظيفة في التطور الاجتماعي المعرفي. على سبيل المثال، قام الباحثون بفحص نظرية العقل -وهي إحدى جوانب الإدراك الاجتماعي التي تتضمن القدرة على النظر من وجهة نظر الآخرين- من خلال قراءة قصص الأطفال ومطالبتهم بوصف وشرح سبب قيام الشخصيات بخيارات معينة أو قيامهم بأفعال معينة. وجد هذا العمل دليلًا على أن خجل الأطفال الصغار مرتبط بتفسيرات أكثر عمقًا تتعلق بالقصص. قد يتعلم بعض الأطفال الخجولين ويفهمون بشكل أفضل كيفية تطور المواقف الاجتماعية، من خلال المراقبة الدقيقة لأقرانهم، وكونهم مستمعين جيدين في المواقف الاجتماعية. عندما يشق الأطفال طريقهم عبر التفاعلات الاجتماعية، يمكن أن تكون هذه المهارات مفيدة في تطوير الصداقات والحفاظ عليها.

توصلت دراسة إلى أن الأطفال الخجولين قد يكونون أكثر استعدادًا لإدراك واكتشاف التهديدات الاجتماعية في بيئتهم مقارنة بالأطفال غير الخجولين.

يمكن أيضًا أن ينظر الأقران والمعلمون وأولياء الأمور إلى الأطفال الخجولين على أنهم يتمتعون بصفات إيجابية مرتبطة بخجلهم. قد تشير التعبيرات السلوكية الشائعة عن الخجل، مثل الابتسام الخجول والاحمرار، إلى أن الأطفال الخجولين مهتمون بالتفاعلات الاجتماعية، ولكنهم قلقون ومشغولون بكيفية نظر الآخرين إليهم. نظرًا لأن العديد من الأطفال الخجولين يفضلون تجنب الصراع الاجتماعي أو العقاب من أجل البقاء بعيدًا عن دائرة الضوء، فقد يكونون أكثر ميلًا للالتزام بالأعراف الاجتماعية. اقترح البحث النوعي السابق أن الأطفال الخجولين غالبًا ما يُقيّمون بحسن التصرف، والاجتهاد، والتوافق، وهي خصائص يمكن أن تؤدي إلى تقييمات اجتماعية أكثر إيجابية.

رغم هذه المزايا المحتملة للأطفال الخجولين، من المهم ملاحظة أن الخجل يمكن أن يسبب بالفعل ضعفًا للبعض. إذا تخيلنا أن الطفلة البالغة من العمر ست سنوات، التي قدمناها في بداية هذا المقال، لم تتكيف مع بيئتها بعد أن كانت في المدرسة لعدة أسابيع أو أشهر، فمن المحتمل أنها ستكون أكثر عرضة لمواجهة صعوبات نفسية اجتماعية، مثل أعراض القلق الاجتماعي. ومع ذلك، فالخجل ليس حكمًا بحياة من الوحدة أو حياةً صعبة.

في الواقع، قد تكون بعض العواقب السلبية المرتبطة بالخجل على الأقل نتيجة للقيمة الثقافية الموضوعة على التواصل الاجتماعي في أمريكا الشمالية. في الصين، على سبيل المثال، حيث يُقيّم الخجل تقليديًا بشكل أكثر إيجابية، ارتبطت بعض جوانب الخجل بالتكيف النفسي الاجتماعي الإيجابي، بما في ذلك ارتباطه إيجابيًا بالقبول الاجتماعي وسلبيًا بالوحدة. تشير الأبحاث العابرة للثقافات إلى أن التصورات المجتمعية وتصورات الوالدين عن الخجل قد يكون لها تأثير على المخاطر المرتبطة به.

بالنسبة للآباء ومقدمي الرعاية والمعلمين الذين يهتمون بالأطفال الخجولين في حياتهم، نقترح بديلًا لرؤية الخجل على أنه عيب، يتمثّل في إعادة صياغة الخجل باعتباره النقيض المكمّل للاجتماعية.

بدل محاولة إخراج الأطفال من خجلهم، قد يكون من المفيد التفكير في كيف أن الاختلاف الفردي في الشخصيات هو ما يجعل العلاقات الاجتماعية غنية وحيوية. من خلال النظر في الوظائف التكيفية للخجل، يمكننا أن نخفف بعض القلق بشأنه ونبدأ في رؤية الأطفال الخجولين بطريقة أكثر إيجابية.


راها حسن طالبة دكتوراه في برنامج علم النفس الإكلينيكي في جامعة ماكماستر في هاميلتون، كندا. يركز بحثها على تأثير المزاج بما في ذلك الخجل والتنظيم الذاتي على التكيف الاجتماعي والعاطفي والنفسي في مرحلة الطفولة.

كريستي بوول هي زميلة ما بعد الدكتوراه في جامعة واترلو، كندا. تدرس التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال، مع التركيز على أصول ونتائج الخجل المزاجي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية