أشهر 50 خرافة في علم النفس الشعبي: نقد الأساطير الشائعة حول السلوك الإنساني

الثلاثاء 25 تشرين الأول 2016

«صناعة علم النفس الشعبي ترسم، بطرق لا حصر لها، ملامح عالم بدايات القرن الحادي والعشرين».

يعتبر علم النفس «الشعبي» مصدرا خصبا للخرافات. وقد خلق لدى كثير منّا الانطباع بأن ما نعرفه عن علم النفس صحيح، مع أن كثيرًا مما نعرفه عن هذا العلم هو مزيج من الخرافات، أو الأساطير، أو المفاهيم المغلوطة، أو أنصاف الحقائق التي قد تبدو مقنعة.

يأتي كتاب «أشهر 50 خرافة في علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة الشائعة حول سلوك الإنسان»، المترجم هذا العام إلى اللغة العربية، لتفكيك وهدم هذه الخرافات. أو كما يقول مؤلفو الكتاب في مقدمته: «هو أول كتاب يفحص وجهة النظر الكاملة لعلم النفس الشعبي الحديث، وأول كتاب يضع المفاهيم المغلوطة ذات الصلة بعلم النفس تحت مجهر الأدلة العلمية».

إذًا، الكتاب يبدأ، عمليا، بالتفريق أو التمييز بين علم النفس «العلمي» أو الأكاديمي، وعلم النفس الشعبي، وهو تفريق أو تمييز لابد منه، سيما وأن ترجمة عنوان الكتاب في اللغة العربية، خلافا لعنوانه الأصلي، لا تشير إلى هذا التمييز.

علم النفس الشعبي، كما يفهم من الكتاب، هي تلك التصورات أو الادعاءات التي تضخها يوميا وسائل الإعلام وكتب مساعدة الذات وأفلام هوليوود والصحف الصفراء، وتختلط فيها الخرافات والأساطير والمفاهيم المغلوطة المنافية للبحث العلمي في علم النفس عن السلوك الإنساني، وتصبح مقبولة أو صحيحة لدى الناس.

طالما أنه «لا بد أن يبدأ العلم بالخرافات وبنقد الخرافات»، كما يقول كارل بوبر. فإن الكتاب يبدأ بفصل يتناول فيه كيف تنشأ الخرافات والأفكار والمغلوطة، ويحاول أن يتناول «المصادر العشرة» للخطأ، التي لا بد أن يحيط بها التفكير النقدي العلمي.

هذه المصادر ستشكل «أدوات محو الخرافة» التي سيستخدمها الإنسان ما عاش. وهي أدوات منهج عمليّ تصلح عمليا لدحض الخرافة من حياتنا ومن الفكر الإنساني، وليس فقط من علم النفس. هذه الأدوات هي:

أولًا، تناقل الأحاديث: دائما ما نخلط بين شيوع حديث أو عبارة ما وصحة هذا الحديث أو العبارة.

ثانيًا، الرغبة في الأجوبة السهلة: الحياة اليومية ليست سهلة، والتأقلم معها صعب، «وليس غريبا أن نتشبّث بالأساليب التي توفر لنا وعودًا قاطعة بالتغيير». الكثير من الناس تكون تصوراتهم ومواقفهم مبنية على تناقل أو تواتر الأحاديث، وغالبا ما نسمع تعبيرات «ثقافة شفهية» «سماعية»، لوصف ثقافتنا العربية، أو أننا أمة تنتمي إلى «ثقافة نقلية» وليس إلى ثقافة عقلية.

ثالثًا، الإدراك الانتقائي والذاكرة الانتقائية: «نحن نادرا ما ندرك الحقيقة كما هي تمامًا، فنحن نراها من خلال مجموعة عدساتنا التي تشوّه الرؤيا». أي أننا نميل، مثلا، إلى التركيز على «الأحداث الشائقة» وننسى «الأحداث التافهة»، ما يؤدي إلى الارتباط الوهمي، أي نتخيل وجود مجموعة من الارتباطات لا وجود لها علميا.

رابعًا، استنتاج علاقة سببية من الارتباط: ارتباط شيئين أو حدثين، لا يعني وجود علاقة سببية بينهما. «عندما يتلازم متغيران أو يرتبطان، لا ينبغي لنا بالضرورة أن نفترض وجود علاقة سببية مباشرة بينهما، فهناك تفسيرات أخرى محتملة».

خامسًا، منطق «إذا وقع حدثان متتاليان»، فالحدث التالي يكون بسبب الحدث الأول: ليس بالضرورة أن يكون الحدث (أ) سببا في وقوع الحدث (ب) لمجرد أنه وقع أولا.

سادسًا، التعرّض لعينة مختارة: كثيرًا ما نخلط بين عينة عشوائية وعينة مختارة أو منحازة. تغذي التغطية المغلوطة لوسائل الإعلام هذا الخلط. وغالبًا ما يقع المعالجون النفسيون، كثير من المشتغلين في العلوم الاجتماعية الأخرى، بهذا الخلط. يميل الأطباء، مثلا، إلى المبالغة في تقدير درجة صعوبة الإقلاع عن التدخين من قبل المدخنين، لأنهم يتعرضون لعينة منحازة، أي يقابلون فقط الأشخاص غير القادرين على الإقلاع عن هذه العادة بمفردهم، فيستعينون بالطبيب لمساعدتهم.

سابعًا، التفكير بمنطق درجة التمثيل: غالبا ما نقيم تشابها بين شيئين على أساس التماثل الظاهر، «إذا كنا نسير في الشارع ورأينا رجلا مقنعًا يعدو خارجًا من بنك ممسكًا بيده بندقية، سنحاول الابتعاد عنه قدر الإمكان. يرجع ذلك إلى أن الرجل «يمثل»، أي يشبه إلى حد بعيد سارقي المصارف كما تصوره الأفلام، لكن قد تكون هذه مزحة، أو عملية تصوير فيلم تجري في المكان». لكن الحرض أفضل من الندم.

ثامنًا، الطرح المضلل للموضوعات في وسائل الإعلام: كثيرًا ما تتناول وسائل الإعلام ظواهر نفسية عديدة، وربما ينطبق الأمر على أغلب المعلومات العلمية، لكنه تناول تعوزه الدقة. غالبا ما تتناول وسائل الإعلام هذه الظواهر على أنها أكثر إثارة مما هي عليه حقيقة.

تاسعًا، التهويل في التعبير عن جوهر الحقائق: بعض خرافات علم النفس، وربما أغلب الخرافات، ليست خاطئة تمامًا، لكنها تكون مبالغات في ادعاءات تحتوي قدرًا ضئيلًا من الحقيقة.

عاشرًا، الخلط في المصطلحات: يرى كثير من الناس أن الأشخاص المصابين بالفصام يمتلكون شخصيات متعددة، ويعود هذا الاعتقاد المغلوط إلى تفسير مصطلح «فصام» الذي يعني «عقلًا منقسمًا». الخلط في المصطلحات والمفاهيم، والخلط بين المصطلح والمفهوم سائد جدا في منطقتنا العربية، لأسباب عديدة، ودائما ما نسمع عن «حاجتنا لضبط المفاهيم والمصطلحات»، وعندما نقرأ مقالا أو نسمع رأيا لرجل سياسة أو مثقف سنلحظ بوضوح، مثلا، الخلط بين مفاهيم الدولة، الحكم، نظام الحكم، السلطة، المجتمع، الخ.

يناقش الكتاب، أسباب سهولة وقوعنا فريسة سهلة لخرافات علم النفس. وربما يكون على رأس تلك الأسباب أنها تنطبق والمنطق البديهي، وأحد أهداف الكتاب التشجيع على «الشك» بالمنطق البديهي، «فالعلم منطق لا يقوم على البديهة».

كما يناقش الكتاب ميلنا لرؤية أنماط قد لا تكون موجودة، وحقيقة أن «الحس السليم» أو الحس العام أو المنطق البديهي و«الفطرة» غالبا ما تخدعنا. والعلم يتطلب منا دائما وضع استنتاجاتنا المسبقة جانبًا وإخضاعها للنقد والمنهج العلمي.

توسّعت في عرض هذا الفصل من الكتاب، لأنه بالنسبة لي، وربما للكثير من القراء، الفصل الأهم في الكتاب. فهو، كما أسلفت، عرض مكثف وواضح للمنهج العلمي في النقد والتفكير، يصلح لتقييم أي فكرة أو معلومة نسمعها أو نقرأها، ويجعلنا نضعها موضع التفكر والشك قبل التسليم بها.

في الفصول اللاحقة يتناول الكتاب من خلال تحليل معمق أكثر 50 «خرافة» منتشرة في علم النفس، ويقترح أيضا حوالي 250 خرافة أخرى، يمكن أن تتناولها بحوث أخرى. يعرض الكتاب جذور هذه الخرافات ولماذا يؤمن الناس بها؟ وماذا تقول لنا الأبحاث العلمية عن هذه الخرافات موثقة بمصادر علمية موثوقة.

يقسم الكتاب الخرافات على أحد عشر فصلًا، يتناول فيها خرافات في: «قدرة الدماغ» أي الخرافات الشائعة حول المخ والإدراك؛ «من المهد إلى اللحد» أي الخرافات عن النمو والشيخوخة؛ «ذكرى ما مضى» وفيه خرافات عن الذاكرة؛ «تعلم مهارات جديدة» وفيه خرافات عن الذكاء والتعلم؛ «تبدل حالات الوعي» وفيه خرافات عن الوعي؛ «شيء في صدري» وفيه خرافات عن العواطف والدوافع؛ «الكائن الاجتماعي» وفيه خرافات عن سلوك التعامل؛ «اعرف نفسك»، وفيه خرافات عن الشخصية؛ «حزين وغاضب ومزعج» وفيه خرافات عن المرض العقلي؛ «اضطراب في المحكمة»، وفيه خرافات عن علم النفس والقانون؛ «مهارات وعقاقير»، وفيه خرافات عن العلاج النفسي.

بعض الأمثلة على الخرافات الشائعة التي ينقدها الكتاب:

– معظم الناس لا يستخدمون إلا 10% فقط من قدرة المخ: تشير الأدلة إلى عدم وجود أي مناطق غير مستغلّة بالمخ، كل الأسانيد التي تؤيد هذه الخرافة ضعيفة.

– الحاسة السادسة ظاهرة علمية ثابتة ومعترف بها: الدعم العلمي المؤيد لوجود الحاسة السادسة ضعيف، على أن الكثيرين يعتقدون بها، ذلك أن المواد الإعلامية التي تتناول الظواهر الخارقة تلاحقنا منذ الطفولة.

– المراهقة هي حتما مرحلة اضطراب نفسي: عزز علماء نفس «شعبيّون» وأفلام وكتب الصورة عن أن فترة المراهقة تنقلب إلى دراما عائلية، لكن الأمر وإن كان لا يخلو من بعض المصاعب، قد لا يكون كذلك. وهذا ما تتحدث عنه الدراسات العلمية والثقافات الأخرى التي يظهر فيها المراهق شخصًا مسالمًا، وتكون المراهقة فترة هدوء في الثقافات غير الغربية.

– يمر معظم الناس بأزمة منتصف العمر في الأربعينيات أو في أوائل الخمسينيات من عمرهم: ظهر مصطلح أزمة منتصف العمر في 1965، واستغلته صناعة السينما كثيرًا، لكن الأسانيد العلمية لا تدعمه كثيرًا. ومثلًا، تزيد حالات الطلاق في المرحلة العمرية التي تسبق مرحلة«الأزمة» عن الحالات التي تقع في سني الأزمة المفترضة. بالإضافة إلى أن مرحلة منتصف العمر ممكن أن تشهد ذروة الأداء النفسي السليم. ولا توجد أدلة علمية كثيرة تؤيد الاعتقاد الشائع بأن النساء يعانين حالة مماثلة لأزمة منتصف العمر التي يمر بها الرجال عندما يرحل الأبناء عن البيت، أو ما يسمى «متلازمة العش الخالي».

– يقترن التقدم في العمر عادة بزيادة الشعور بالتذمر وأعراض الشيخوخة: التقدم في العمر لا يعني الدخول في حالة الاكتئاب وفقدان الرغبة الجنسية، ومع ذلك يشعر الناس برهبة من التقدم في السن، ومن فقدان الذاكرة خصوصًا، هناك بحوث علمية تثبت العكس.

– يفيد التنويم المغناطيسي في استعادة ذكريات الأحداث المنسية: النتيجة القائلة أن التنويم المغناطيسي يمكن أن يعزز الذكريات الزائفة هي نتيجة لا تقبل النقاش.

– أثبت الباحثون أن الأحلام لها معنى رمزي: مهّدت كتابات سيجموند فرويد الطريق لصناعة تفسير الأحلام المتنامية التي تدار من المنازل. لكن التحقق الدقيق من روايات الأشخاص للأحلام يظهر أن كثيرا منها لا يبدو متخفيا خلف الرموز. ويرفض العلماء الفكرة القائلة بأن هناك صورا بعينها تظهر في الأحلام تحمل معاني رمزية عامة.

– يساعد التحليل النفسي الجنائي في حل القضايا: الدعم العلمي للتحليل النفسي الجنائي ضعيف للغاية. نجاح خبراء التحليل النفسي الجنائي في تقدير الخصائص العامة للمذنبين يزيد زيادة ضئيلة عن غير الأخصائيين.

– من الأفضل التعبير عن الغضب تجاه الآخرين على كبته داخلنا. تشير الأدلة إلى أن التعبير عن الغضب يعزز ويؤدي إلى مزيد من العدوان فقط.

هذه مجرّد عيّنة من الخرافات الخمسين التي يتناولها الكتاب، وكلها مثيرة وتتعلق بجوانب حياتنا كافة وربما نتداول أكثرها يوميا، خاصة تلك المتعلقة بالمرض النفسي والعقلي والعقاقير أو تلك التي تروّجها السينما والدراما التلفزيونية عن علم النفس والمحاكم أو عن العلاقات العاطفية.

ينتهي الكتاب بفصل عن «اكتشافات علم النفس التي يصعب تصديقها، لكنها صحيحة»، مثل الاكتشاف القائل أن «أمخاخنا تحتوي على ما يقرب من ثلاثة ملايين ميل من الوصلات العصبية إلى الوصلات الموجودة بين خلايا المخ، ولو مدت لوصلت القمر وعادت 12 مرة». والاكتشاف القائل أن «المرضى الذين عانوا من سكتات دماغية في الفص الجبهي الأيسر، مما أدى الى فقدان شديد للنطق عندهم، يمتازون عن غيرهم من الأفراد الأصحاء في تمييز الكذب».

قراءة هذا الكتاب تطرح تحديًا حقيقيًا على القارئ، خاصة من يعتقد بواحدة أو عدد من الخرافات التي تناولها الكتاب. وربما تطرح تحديًا لكل من يقرأ الكتاب بغض النظر عن مدى اهتمامه بعلم النفس، ذلك أن الكتاب، حتى لو كان فيه أخطاء معرفية فإنه يحث بمنهجه على التفكير النقدي والمنهج العلمي، والتخلي عن المعتقدات الشائعة والاستنتاجات المسبقة، وإخضاع أي فكرة أو تصور للبحث العلمي والنقد، والقبول بإمكانية خطأ ما قد يراه عامة الناس صحيحًا.

معلومات الكتاب

الكتاب: أشهر 50 خرافة في علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة الشائعة حول سلوك الإنسان
المؤلّفون: سكوت لينفيلد وستيفن جاي لين وجون روشيو وباري بايرستاين.
المترجمون:  محمد رمضان داود وإيمان أحمد عزب. مراجعة حسام بيومي محمود ومحمد إبراهيم الجندي.
الناشر بالعربية: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، 2016، الطبعة الخامسة.

One response to “أشهر 50 خرافة في علم النفس الشعبي: نقد الأساطير الشائعة حول السلوك الإنساني”

  1. layla says:

    يكفي أن يكون الكتاب من اختيار الأستاذ ” محمد عمر ” ، ناهيك عن عرضه بلغة سهلة لا أثر فيها لذلك الشغف الطفولي باللغة الوحشية المتقعرة ، حتى أسارع مثل كثيرين غيري إلى اقتنائه وقراءته ، وما إن بدأت حتى طالعتني المقدمة التي أشار فيها مؤلفو الكتاب إلى الجهد الهائل الذي بذلوه لجعل هذا الكتاب سهل الفهم لعامة الناس ، فآثروا لذلك إبقاء استخدام اللغة المتخصصة في الحدود الدنيا ، ليستمتع بالكتاب الأخصايون وغيرهم ممن لا يتوافرون على معرفة أكاديمية بعلم النفس .
    وقد أشار الأستاذ ” محمد عمر ” في عرضه لكتاب ” رأس المال في القرن الواحد والعشرين ” إلى أن المؤلف عمد أيضًا إلى استخدام لغة سهلة نسبيًا ، وإلى سرد لا يخلو من المتعة ، ليصل كتابه إلى المتخصص وغير المتخصص ، أظن أننا بحاجة إلى دراسة جادة لمعرفة سر ولع كتابنا العرب مفكريهم ونقادهم، بالغموض الشديد ، حتى أن أبسط المناهج اليسيرة الجميلة تتحول في أقلامهم – كما قال الدكتور صلاح فضل – إلى لوغاريتم يصعب فك لغزه، يستوي في ذلك المشارقة منهم والمغاربة !
    شكرًا جزيلًا .

Leave a Reply

Your email address will not be published.