هل تُمنح ضحايا الاغتصاب حق الإجهاض؟

هل تُمنح ضحايا الاغتصاب حق الإجهاض؟

الثلاثاء 12 نيسان 2016

«كنت أحس إنه في شيء ثقيل ضاغط على صدري كان يمنعني من إني أتنفس. هذا الشعور ضل معي لحد ما ولدت. بعد ما صحيت من عملية الولادة بس حسيت إنه همّ وراح عني»، هكذا لخصت مرام* مشاعرها خلال فترة حملها الناجم عن اغتصاب.

حملت مرام في سن 14 عامًا، بعد أن اغتصبها حارس البناية التي تسكن فيها. لم تبلغ أيًا من ذويها عن حادثة الاغتصاب، لخوفها من ردة فعل الأب والمجتمع، والشعور بالذنب والعار، وتهديدات الحارس.

«بدا الحمل يبيّن وأنا في الشهر الخامس، ما كنت أعرف إني حامل، بس نتيجة للتغييرات في جسمي رحت عند الدكتور مع زوجة أبوي، فجأة تغيرت ملامح الدكتور وصار شكله شي تاني، قالي إنتِ حامل». حينها اتصل الطبيب بالشرطة، ليتم تحويل مرام بعد التحقيق معها في إدارة حماية الأسرة إلى دار حماية فتيات الرصيفة.

«كنت أتمنى الإجهاض. كل ليلة كنت أحلم كوابيس، كنت أشعر وكأنه بداخلي كائن مشوّه أو وحش عم يشلّني ويمنعني من الحياة. وقت زيارة الطبيب كنت ما أنظر على جهاز الألتراساوند. ولدت بعملية قيصرية وكان بنج كامل، بعد الولادة سألتني الممرضة إذا كنت بدي أشوف البيبي رفضت، سمعت منها إني ولدت بنت بس ما قبلت أشوفها».

في اليوم التالي لولادتها، التقت مرام موظفة في وزارة التنمية الاجتماعية وأبلغتها برغبتها بالتنازل عن الطفلة. ورغم طلب الموظفة التمهل في اتخاذ القرار، إلا أن مرام أصرت على رغبتها ووقعت على إثبات تنازل عن الطفلة التي تم نقلها لدار رعاية الأطفال. «كان في محاولات من الجاني لتصويب الوضع وإنه نتزوج عشان يطلع من السجن، بس أنا رفضت»، تقول مرام. «كمان عرضت عمتي إنه ترعى الطفلة بس أنا رفضت لإني ما بدي أشوفها، هي شي بحياتي بتمنى أنساه».

يبلغ عمر الطفلة اليوم حوالي عامين، ولا تبدي مرام أي فضول لمعرفة شكلها أو مصيرها. غالبًا ما يتم إدماج الأطفال كحالة ابنة مرام في برنامج الاحتضان أو الأسر الراعية البديلة، خصوصًا أن الأم تنازلت عن حضانتها ورعايتها.

فيما يجرم القانون الأردني الإجهاض بشكل عام، ويحصره بحالات طبية محدّدة؛ كأن يكون استمرار الحمل يشكل خطرًا على حياة الأم، فإن منظمات نسوية تطالب بضرورة إباحة الإجهاض في حالات الاغتصاب وحمل السفاح، نظرًا للطبيعة القاسية والاستثنائية في هذه الحالات، لكن هذه المطالب يواجهها تيارٌ آخر يرفض الإجهاض باعتبار أنه «إنهاء لحياة طفل بريء ليس له علاقة بأسباب قدومه إلى هذه الحياة».

يقرّ أصحاب الاتجاه الأخير بمرارة تجربة الحمل الناجم عن الاغتصاب والسفاح، ولذلك يلفتون إلى إجراءات وقائية أخرى تمنع حدوث الحمل في هذه الحالات وهي «رزمة الوقاية عقب التعرض للعنف الجنسي»، معتبرين أن «الإشكالية تكمن في أن هذه الرزمة لغاية اليوم غير معتمدة من قبل وزارة الصحة».

غياب إجراءات الوقاية من الحمل

تقول طبيبة النسائية والناشطة في حملة كسب وتأييد استخدام وسائل منع الحمل بعد الاعتداء الدكتورة منال التهتموني إن غياب دليل إجراءات للتعامل الوقائي مع حالات الاغتصاب معتمد من وزارة الصحة يعد الإشكالية الأبرز التي تواجه مقدمي الرعاية لضحايا العنف الجنسي، وتعرقل الحماية من وقوع الحمل، إضافة إلى أن خدمات الصحة الإنجابية في الأردن هي حكر على المتزوجات.

«المبدأ الأساسي في الطب الوقاية وليس التدخل، أي أن المطلوب الوقاية من حدوث الحمل في الاعتداءات الجنسية، وليس الانتظار لحين حدوث الحمل والإجهاض لاحقًا»، تقول التهتموني، موضحةً أن الآثار النفسية والاجتماعية والصحية الصعبة للاعتداء الجنسي تتضاعف في حال حدوث حمل.

من هذا الباب، توضح التهتموني ضرورة توفير مخرج للوقاية من الحمل دون الاضطرار للإجهاض. «طبيًا يوجد وسائل لتنظيم الأسرة لاحقة للاتصال الجنسي وهي ما تعرف بوسائل تنظيم الأسرة الطارئة، عالميًا يتم استخدام هذا العلاج إلى جانب مجموعة أخرى من العلاجات التي تمنع  انتقال الأمراض الجنسية كالإيدز للضحية تشكل بمجموعها حزمة الوقاية ما بعد وقوع الاغتصاب».

توصي منظمة الصحة العالمية بعقار ليفونورجسترل (Levonorgestrel) كوسيلة منع حمل طارئة تمنع حدوث الحمل خلال ثلاثة أيام من الاتصال الجنسي، ويعدّ الوسيلة الأنجع للحماية من الحمل في حالات الاعتداءات الجنسية، لكن هذا العلاج غير مقرّ من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء، وغير متاح في الأردن.

يقول المدير العام لمؤسسة الغذاء والدواء الدكتور هايل عبيدات إن «أيًا من الشركات (مستودعات الأدوية) لم تتقدم لتسجيل عقار ليفونورجسترل في الأردن»، مضيفًا أن هناك «جدلًا عالميًا حول استخدام هذه الأقراص من ناحية أخلاقية ودينية وقانونية».

بحسب عبيدات فإن أي عقار يدخل المملكة يتوجب تسجيله في المؤسسة التي تقر العقار بعد تقييمه من قبل اللجنة القانونية لجهة مطابقته للمواصفات والمتطلبات الوطنية «والأخذ بعين الاعتبار كل المحاذير الموجودة».

على مدار سنوات، طالبت مؤسسات المجتمع المدني وخاصة النسوية منها، ومؤسسات الأمم المتحدة بالسماح باستخدام هذه الرزمة مع النساء المغتصبات، حتى وإن لم تتقدم الضحية بشكوى، بحيث يسمح للأطباء بوصفها كأي عقار آخر. إلّا أن هذه المطالبات واجهت معارضة من القطاع القانوني والشرطة كون العنف الجنسي من جرائم الحق العام والتي توجب التبليغ.

تستغرب التهتموني قرار المؤسسة العامة للغذاء والدواء بعدم السماح بدخول العقار إلى الأردن ورفض الحكومة اعتماد الرزمة، وتقول «لا يختلف هذا العقار عن غيره من أدوية منع الحمل، فهو يبقى وسيلة لمنع الحمل وليس الإجهاض، جميع المبررات التي يمكن طرحها لمنعه غير مقنعة».

يتفق مدير المركز الوطني للطب الشرعي الدكتور قيس القسوس في الرأي مع التهتموني ويقول إن عقارات منع الحمل الطارئة هي وسيلة لمنع الحمل قبل حدوثه، ولا يعد استخدامها بأي حالة من الأحوال إجهاضًا. فالليفونورجسترل يعمل على تغيير المحيط أو البيئة الرحمية، بحيث لا تستطيع الحيوانات المنوية تلقيح البويضة، أو لا تستطيع البويضة الملقحة الانغراس في الرحم.

يوضح القسوس أن حزمة الوقاية كانت معتمدة في مرحلة سابقة، تحديدًا مع بداية تأسيس إدارة حماية الأسرة، إذ كانت تُقدم لضحايا العنف الجنسي، وكانت عقارات منع الحمل الطارئة متوفرة لبضعة سنوات، لكنها انقطعت بعد ذلك، ولم تعد الإشكالية التي تواجه الأطباء الشرعيين عدم اعتماد هذه الحزمة في التعامل مع ضحايا العنف الجنسي فحسب، فحتى لو عمد الطبيب إلى صرف علاج منع الحمل فإنه غير متوفر في الصيدليات حاليًا.

ترى أخصائية الطب الشرعي في عيادات إدارة حماية الأسرة الدكتورة إسراء الطوالبة أن «عدم اعتماد بروتوكول طبي للتعامل مع ضحايا العنف الجنسي مرده البيروقراطية وبطء الإجراءات لدى وزارة الصحة، فضلا عن قناعات لدى البعض غير صحيحة عن مجموعة العلاجات في الحزمة».

وتقول «شخصيًا عند تعاملي مع ضحايا للعنف الجنسي ووجود احتمالية لحدوث حمل لدى الضحية، أعمد الى تحويل الضحية إلى عيادات النسائية، لاتخاذ إجراءات باستخدام عقارات منع الحمل الطارئة المتاحة محليًا، لكن يبقى هذا الإجراء فرديًا».

وتزيد «حاليًا يوجد مبادرات من منظمات أممية كصندوق الامم المتحدة للسكان واليونيسيف لتدريب العاملين مع ضحايا العنف الجنسي على استخدام حزمة الوقاية والتي تشمل أدوية منع الحمل الطارئة ومنع انتقال الأمراض الجنسية، لكن متى ستطبق؟ هذا يعتمد على السرعة في اتخاذ القرار».

لكن القسوس يلفت إلى إشكالية أخرى أساسية عند الحمل الناجم عن الاغتصاب والسفاح، فيقول إن «استخدام حزمة الوقاية يحمي من الحمل في حال كان التبليغ خلال ثلاثة أيام من وقوع الاعتداء أو الاتصال الجنسي، لكن في حالات كثيرة لا يتم التبليغ عن الاعتداء إلا بعد بروز مظاهر الحمل، لتصبح الخيارات القانونية المتاحة محدودة جدًا، خصوصًا في ظل القوانين الأردنية التي تجرّم بالمجمل الإجهاض».

تشريعات وطنية تحكم الإجهاض

تحكم مسألة الإجهاض ثلاثة تشريعات وطنية، أولها قانون العقوبات والذي يجرم الإجهاض وينص على عقوبات بحق المرأة التي تقوم بإجهاض نفسها والشخص الذي يجهضها، إلى جانب قانون الصحة العامة والذي يجيز الإجهاض في حال شكّل خطرًا على حياة الأم أو صحتها، وأخيرًا الدستور الطبي والذي ينظم مسألة الإجهاض.

المادة 321:
كل امرأة أجهضت نفسها بما استعملته من الوسائل، أو رضيت بأن يستعمل لها غيرها هذه الوسائل، تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

المادة 322:
من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات. وإذا أفضى الإجهاض أو الوسائل التي استعملت في سبيله إلى موت المرأة، عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة مدة لا تقل عن خمس سنوات.

المادة 324:
تستفيد من عذر مخفف المرأة التي تجهض نفسها محافظة على شرفها.

المادة 325:
إذا كان مرتكب الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل طبيبا أو حراجًا أو صيديليًا أو قابلة، يزاد على العقوبة المعينة مقدار ثلثها.

المادة 12:

يحظر على أي طبيب وصف أي شيء بقصد إجهاض امرأة حامل أو إجراء عملية إجهاض لها، إلا إذا كانت عملية الإجهاض ضرورية لحمايتها من خطر يهدد صحتها أو يعرّضها للموت.

المادة 21:

أ – يحظر على الطبيب إجراء الإجهاض الاختياري بأية وسيلة إلا إذا كان استمرار الحمل خطرًا على حياة الحامل، ويشترط حينئذ:

1 – أن يتم الإجهاض من قبل طبيب مختص وبموافقة طبيب مختص آخر في مستشفى مرخص.
2 – أن يحرر محضر بتقرير الحاجة الملحة للإجهاض قبل إجراء العملية.
3 – أن تنظم منه أربع نسخ أو أكثر حسب اللزوم يوقعها الأطباء والمريضة وزوجها أو وليها وتحفظ نسخة في إضبارة المريضة.

ب – وإذا رفضت الحامل إجراء العملية رغم توضيح الطبيب لها خطورة وضعها فعليه الامتثال لإرادتها بعد تثبيت معارضتها.

 

يخضع قانون الصحة العامة للتعديل حاليًا، ورغم وجود مطالبات من قبل منظمات نسويّة لإباحة الإجهاض في حالات السفاح والاغتصاب، لكن مصادر وزارة الصحة تؤكد أن التعديلات لن تطال جزئية الإجهاض. كما يؤكد الناطق باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي أن المقصود بتأثير الحمل على صحة وحياة المرأة، هو فقط الصحة الجسدية ولا يشمل المفهوم الصحة النفسية أو خطورة تعريض المرأة لجريمة بداعي «الشرف».

في العام 2014 أصدرت دائرة الإفتاء فتوى حول إجهاض الحمل الناجم عن اغتصاب، لم تنص على إباحة الإجهاض صراحةً كما لم تحرّمه. وجاء فيها أنه «كوْن الحمل الناتج عن جريمة الاغتصاب سببًا في تعظيم أذاها وإثارة الفتنة والعداوة في المجتمع، رأى مجلس الإفتاء إرشاد الضحية إلى مراجعة دائرة الإفتاء للنظر في ملابسات القضية، والاطلاع على ظروف الحمل وما يؤثر في الحكم الشرعي، لتنظر كل حالة على حدة، وتصدر الفتوى بخصوصها بما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، فالضرورات تقدر بقدرها».

مطالبات بإباحة الإجهاض في حالات الاغتصاب

في مقابل هذا التردد، ترى الناشطة النسوية والمستشارة القانونية لاتحاد المرأة المحامية هالة عاهد أن «إباحة وقوننة الإجهاض في حالات حمل الاغتصاب والسفاح يعد ضرورة قصوى»، معتبرة أن البدائل الأخرى المطروحة كإجراءات الوقاية لن تكون فاعلة في حال تطبيقها أردنيًا.

«واقعيًا لا يوجد ثقافة جنسية أو خدمات صحة إنجابية لليافعين»، تقول عاهد، «أضف إلى ذلك أن الضحية في حالات الاغتصاب والسفاح غالبًا لن تتمكن من التبليغ خلال الفترة الزمية المحددة بثلاثة أيام. أمام تلك المحددات فإن الخيار الوحيد المتاح إجهاض الحمل حال حصوله».

تلفت عاهد إلى النتائج النفسية المدمرة للحمل على الضحية في هذه الحالات، معتبرة أن «عدم قوننة الإجهاض سيضاعف من مأساة الضحية ويجعلها عرضة لانتهاكات أخرى».

تعد آلاء* ضحية مركبة لاعتداء جنسي داخل الأسرة وضحية كذلك للإجهاض غير الشرعي والاتجار بالبشر.

بدأت معاناة آلاء مع وصولها لسن البلوغ، إذ ظلت لفترة طويلة ضحية استغلال جنسي مارسه والدها المدمن على الكحول. دخلت آلاء إلى دار حماية الفتيات المعنفات لأول مرة في سن 12 عامًا، حين تم توقيف والدها حينها بتهمة هتك العرض، ليتعهد العم برعاية ابنة شقيقه. بعد مدة، أفرج عن الأب لعدم كفاية الأدلة في جريمة هتك العرض، ليعاود الاعتداء جنسيًا على ابنته ما تسبب بحملها سفاحًا.

تقول آلاء أنها لم ترغب بالتقدم بشكوى لأن ذلك كان سيعني حتمًا العودة إلى دار رعاية الفتيات، والإقامة هناك بمثابة السجن بالنسبة لها. لجأت آلاء إلى أحد صديقاتها التي تعرفت عليهن في الدار والتي وفرت لها وسيلة للإجهاض عن طريق حبوب عقار قرحة غير مرخص، لتنجح آلاء في إجهاض الجنين في الأسبوع السادس من الحمل.

«كان ثمن الإجهاض القبول بالزواج من قريب لصديقتي. لم أمانع حينها، شعرت أنها فرصة لي للخروج من مأزقي مع أبي. لكن بعد الزواج اكتشفت أن الهدف من الزواج كان استغلالي للعمل في مجال الدعارة»، تقول آلاء.

ترى عاهد في قضية آلاء نموذجًا للتبعات الخطرة التي قد تلحق بضحايا الاغتصاب جراء اللجوء للإجهاض غير الشرعي، فضلًا عن إمكانية التعرض لمضاعفات صحية خطرة أو الاستغلال المالي من قبل الأطباء في حال حدوث الإجهاض في عيادة طبيب.

اللجنة الوطنية لشؤون المرأة كانت قد رفعت اقتراحًا لوزارة العدل بتعديل قانون العقوبات بحيث يبيح الإجهاض في حالات الاغتصاب والسفاح خلال الأسابيع الأولى، لكن تلك الاقتراحات لم يتم الأخذ بها في المسودة الأولى للقانون الجديد.

فسرت اللجنة مطلبها حينها بأن «النساء يلجأن في حالات سفاح الأقارب أو الاغتصاب إلى وسائل غير مأمونة للتخلص من الحمل مما يترتب عليه مخاطر صحية قد تودي بحياة الحامل، هذا عدا عن المشاكل الاجتماعية التي تترتب على إنجاب سيدة لطفل هو بنفس الوقت شقيقها أو ما شابه ذلك».

تؤكد الأمينة العامة للجنة الوطنية سلمى النمس على ثبات مطالب اللجنة تجاه مسألة الإجهاض، وتقول «السماح بالإجهاض في هذه الحالات حماية لحق المرأة من مخاطر صحية جسدية ونفسية، فضلًا عن تجنب إشكاليات اجتماعية للمرأة والطفل، والذي غالبا ما سيكون مرفوض مجتمعيًا».

تبين النمس «حاليًا يوجد نقاش حول مقترح إباحة الاجهاض في هذه الحالات، هل من المطلوب أن تتقدم الضحية إلى القضاء للحصول على موافقة على الاجهاض أم إجراء الاجهاض ومن ثمة وقف الملاحقة؟». وتتابع «الحصول على قرار قضائي غالبا ما يتطلب أشهر طويلة بالتالي ليس خيارا منطقيا في هذه الحالات».

أي حياة للطفل الناتج عن الاغتصاب؟

يرى الطبيب الشرعي الدكتور هاني جهشان في دعوات قوننة الإجهاض بشكل عام «تجاوز لحق الجنين بالحياة عبر السماح بقتله بنصوص قانونية»، معتبرًا أن الحل الأخلاقي والقانوني يكون بالعمل على الوقاية من الحمل قبل حصوله، إن كان بالتوعية العامة لعموم الفتيات والنساء، أو بتطوير خدمات الطب الشرعي واستخدام منع الحمل الاستدراكي (الطارئ) مباشرة عقب حصول الاغتصاب.

من جهة أخرى، تقول التهتموني أن قوننة الإجهاض لن تحد من المخاطر الناجمة عنه، فإجراؤه في المستشفى تحت رقابة طبية «يقلل من المضاعفات لكن ذلك لا يمنع أن عملية الإجهاض بحد ذاتها عملية لها مضاعفات قد تكون غاية في الخطورة خصوصًا إذا تمت في مرحلة متقدمة من الحمل»، فضلاً عما أسمته إشكالية التعدي على حياة الجنين.

وتضيف أن قوننة الإجهاض تبقى من أكثر القضايا جدلية، ليس فقط في الأردن بل في العالم كله، «نتيجة لصعوبة المعادلة بين رغبة السيدة التي تحمل الطفل في أحشاءها وبين حق الجنين في الحياة، وهي معادلة تستوجب تحقيق المصلحة الفضلى للطرفين، وقد يميل المكيال بشكل أكبر للطرف الأضعف في المعادلة»، على حد تعبيرها.

لكن عاهد ترى أن المسألة ليست فقط حق المرأة في تقرير مصيرها في إنهاء حمل غير مرغوب به أو إبقائه، بل نوعية الحياة التي سيعيشها الطفل الناتج عن الاغتصاب أو السفاح كذلك، «في ظل وجود ثقافة اجتماعية وتشريعات تمييز ضد الأطفال المولودين خارج الزوجية وتجعل منهم أكثر عرضة للتمييز المجتمعي».

في مقابل ذلك، ترفض المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان «ميزان» المحامية إيفا أبو حلاوة تبرير الإجهاض بنوعية الحياة التي سيعيشها الطفل، معتبرة أن «الأصل أن يتم تعديل التشريعات التمييزية واتخاذ الخطوات القانونية اللازمة لحماية حق الأطفال في الحياة الكريمة وحماية حقوقهم كاملة».

وتطالب أبو حلاوة بضرورة إلزام الأب البيولوجي للطفل المولود خارج إطار الزواج، بما في ذلك الناجم عن الاغتصاب، بحقوق طفله من الحق في النسب والتوسع في اعتماد فحص الحمض النووي لإثبات نسب الطفل لأبيه، إلى جانب الحقوق الأخرى كالرعاية والنفقة والمشاهدة وغيرها من الحقوق المترتبة على إقرار النسب.

وتلفت أبو حلاوة إلى أنه حتى في حالة استحالة إعادة دمج الطفل مع أسرته البيولوجية، تتوفر خيارات تضمن الحياة الكريمة للطفل كبرنامج الاحتضان والأسر الراعية البديلة. «المطلوب هنا تعزيز هذه البرامج الأسرية البديلة وتوفير حماية أكبر لحقوق الأطفال بها».

* تم تغيير الأسماء بناء على طلب صاحباتها لحماية خصوصيتهن نظرًا لحساسية الموضوع.

 * تم إعداد هذا التقرير بالتعاون مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية