«استلمي الراتب ورجّعي الفرق»: هل يُلزم تحويل الرواتب إلى البنوك المدارسَ الخاصة بالقانون؟

معلمتان في مدرسة خاصة تراجعان جدول الحصص لقطة من فيديو من تصوير محمد حجازي، 2015.

«استلمي الراتب ورجّعي الفرق»: هل يُلزم تحويل الرواتب إلى البنوك المدارسَ الخاصة بالقانون؟

الثلاثاء 27 تشرين الثاني 2018

عندما تضمّن العقد الموحد لمعلمي المدارس الخاصة بندًا ينص على إلزام أصحاب المدارس تحويل رواتب العاملين إلى البنوك، أو إلى محافظ إلكترونية، بدا هذا طوق نجاة لفاتنة، التي تعمل منذ ثلاث سنوات معلمة في روضة خاصة في جرش، وتتقاضى 130 دينارًا، أي أقل بمئة دينار عن الحد الأدنى من الرواتب وهو 220 دينارًا، زائد 10 دنانير علاوة معلم. فقد ظلت طيلة مدة خدمتها تستلم رواتبها مباشرة من صاحب المدرسة، بعيدا عن أي رقابة. وتوثيق عملية الدفع إلكترونيًا كانت، نظريًا، ستحقق هذه الرقابة.

لكن أملها خاب سريعًا، لأن مالك المدرسة، استغل وقتها ثغرة في النص، أعفت صاحب العمل من تحويل الراتب، في حال وقع العامل تنازلًا خطيًا عن هذا الحق. فتقول إنه جمع المعلّمات يومها، وأبلغهن أن تجديد عقودهن للسنة الجديدة مرهون بتوقيعهن هذا التنازل، وهذا ما فعلنه جميعهن. لأن الرفض كان سيعني عدم تجديد العقد، وهو أمر لا يعاقب عليه القانون، وبالتالي فقدان المعلمة فرصة عمل، في وقت فيه مئات غيرها مستعدات لشغل تلك الوظيفة، بالشروط نفسها.

دفْع راتب أقل من الحد الأدنى للرواتب هو واحد فقط من الانتهاكات العمالية التي يتعرض لها العاملون في قطاع التعليم الخاص، وغالبيتهم الساحقة من المعلمات، إذ يشكلن 90% من 40 ألف معلم تقريبًا، يعملون في قرابة 3100 مدرسة وروضة أطفال خاصة، موزعة على محافظات المملكة.1 ويتعرض قطاع واسع من هؤلاء، إلى انتهاكات، تشمل إضافة إلى تقاضي أقل من الحد الأدنى للأجور، عدم دفع رواتب العطلة الصيفية، أداء أعمال خارج مهامهن الوظيفية، وعدم الشمول بالضمان الاجتماعي، أو دفع حصة صاحب العمل من اقتطاعات الضمان.

ولأن هذا النوع من التحايل على قرار تحويل الرواتب إلى البنوك كان منتشرًا في المدارس التي لا تدفع لمعلماتها الحد الأدنى من الرواتب، أطلقت حملة «قم مع المعلم»، وهي حملة حقوقية، تأسست العام 2015، وتعمل تحت مظلة لجنة الإنصاف في الأجور، التي ترأسها وزارة العمل واللجنة الوطنية لشؤون المرأة، أطلقت العام الماضي، حملة «رواتبنا في البنك مش تحت الطاولة»، والتي، بحشد منها، أقرّت وزارة التربية، في أيلول الماضي، نظامًا معدلًا لنظام تأسيس وترخيص المدارس، صار بموجبه تحويل الرواتب إلزاميا بالمطلق؛ فأُلغي الاستثناء المتعلق بتنازل المعلمة، ورُبط تجديد رخصة المدرسة بتحويل الرواتب. لكن حتى هذا لم يحل المشكلة، فبعد ثلاثة أشهر من بدء العام الدراسي، ما زالت فاتنة تتلقى الراتب نفسه، من مالك المدرسة مباشرة، وليست وحدها. تقول ناريمان الشواهين، وهي ناشطة في حملة قم مع المعلم، إن مدارس كثيرة، ومن مختلف أنحاء المملكة لم تطبق القرار بعد.

يحدث هذا رغم تأكيد وزارة التربية أن كون النظام صدر بعد نيل المدارس تراخيصها لهذا العام، والذي ينتهي بداية آب من كل عام، لن يعني أن بمقدورها تأجيل تطبيق القرار للسنة القادمة. إذ تقول مديرة إدارة التعليم الخاص بالوكالة في الوزارة، الدكتورة انتصار العدوان إن الوزارة لن تصادق على قوائم تعيينات العاملين في المدارس الخاصة، والمفترض الانتهاء منها آخر شباط القادم، إلّا إذا زودت هذه المدارس الوزارة بكشوفات تحويل الرواتب ابتداءً من العام الدراسي الحالي. وعدم المصادقة على كشوفات التعيينات يعني، وفق العدوان، عدم ترخيص المدرسة للعام الدراسي القادم.

تكليف وزارة التربية بتدقيق الكشوفات البنكية لمعلمي أكثر من 3100 مدرسة، هو عبء إضافي جديد ألقاه النظام الجديد على كاهل وزارة التربية. ووفق الشواهين فإن أصحاب المدارس التي لم تحوّل بعد رواتب معلميها، ربما يراهنون على أنه لن يكون هناك تطبيق فعلي له على الأرض. لهذا فإن الحملة، وفي محاولة للضغط باتجاه تطبيق القرار، تعد حاليًا قائمة بأسماء المدارس التي لم تلتزم بالتحويل. وهي ستزود وزارة التربية بها، بداية آذار القادم، أي بعد انقضاء فترة المصادقة على التعيينات، المفترض أنه سيتمخض عنها عدم تجديد رخص المدارس غير الملتزمة.

هل المشكلة في تطبيق القرار أم في القرار نفسه؟

حتى لو التزمت المدارس بتحويل الرواتب إلى البنوك، تشكك معلمات في أن يحدّ هذا من أشكال التحايل، التي يقلن إنها ما زالت قائمة. هند التي تعمل منذ ست سنوات معلمة في جرش، وتتقاضى حاليا 160 دينارًا، تقول إن صاحب العمل حوّل بالفعل رواتب المعلمات من السنة الماضية إلى البنك. فعل ذلك رغم أنه لم يكن مضطرًا، فقد كان بإمكانه أن يوقعهن على إقرارات تنازل، كما فعل أصحاب مدارس آخرون. لكنه، وفق هند: «حبّ يعمل لحاله برستيج إنو ملتزم». لكن ما فعله قبل تحويل الرواتب، هو أنه جعل المعلمات يوقعن كمبيالات بقيمة الفرق بين رواتبهن الفعلية، والرواتب المحولة إلى البنك: «أنا وقعت على كمبيالات كل وحدة بسبعين دينار. كنّا بنستلم الراتب، ونيجي ثاني يوم نعطيه الفرق وبمزّع الكمبيالة».

الممارسة السابقة، كما تؤكد نقابة المعلمين، ليس فردية، فيذكر محاميها، محمد عسكر، أنه وصل النقابة منذ بداية العام 1104 شكاوى من معلمات مدارس خاصة، تتعلق بانتهاكات عمالية مختلفة، منها 171 شكوى من إجبارهن على إعادة فرق الراتب. وأكثر الشكاوى، كما يقول عسكر، هي من عمان، تليها إربد.

تؤكد على ذلك هبة أبو غنيم، ناشطة في حملة قم مع المعلم في إربد، التي تقول إنه وصلت الحملة خلال شهري أيلول وتشرين الأول الماضيين 10 شكاوى من معلمات، تتعلق بإجبارهن على إعادة فرق الراتب إلى مالك المدرسة. وهو عدد شكاوى، تقول أبو غنيم، إنه أقل بكثير مما هو منتشر على الأرض، حيث تختار المعلمات عدم الشكوى، خوفا من عدم تجديد عقودهن.

وصل نقابة المعلمين منذ بداية العام 1104 شكوى من معلمات مدارس خاصة، تتعلق بانتهاكات عمالية مختلفة، منها 171 شكوى من إجبارهن على إعادة فرق الراتب

وزارة العمل تؤكد بدورها استقبالها شكاوى من هذا النوع. يقول مدير قسم الشكاوى في الوزارة، عامر الشوابكة، إنه وردت إلى القسم منذ أول السنة، حوالي 270 شكوى من معلمات مدارس خاصة، 60% منها تقريبًا، تتعلق بالأجور. وجزء منها هو، بالفعل، شكاوى المعلمات من إجبارهن على إعادة فرق الراتب إلى مالك المدرسة. الشوابكة قال إنه لا يمكنه تقديم رقم دقيق لهذه الشكاوى بالتحديد، لكنها: «كثيرة. وإمبارح [6 تشرين الثاني الجاري] وحده وصل أربع شكاوى».

التوقيع على شيكات وكمبيالات هو أحد أشكال استرداد فرق الراتب، كما تقول أبو غنيم، إذ هناك حالات وقعت فيها المعلمات، بداية العام الدراسي، على «سُلف» بقيمة فرق الرواتب، ووزعت هذه السلف على شكل اقتطاعات شهرية. وهذا الشكل الأخير من التلاعب، ذكره نقيب أصحاب المدارس الخاصة، منذر الصوراني، في مقابلة تلفزيونية.

وتشير معالي قطيشات، وهي ناشطة في حملة قم مع المعلم في الزرقاء، إلى حالات عرفت عنها الحملة لمدارس، حولت رواتب معلماتها إلى البنوك، لكن إدارات هذه المدارس احتفظت ببطاقات الصراف الآلي، حيث يقوم مالكوها كل شهر، بسحب فرق الراتب المستحق على كل معلمة، بأنفسهم.

المدارس الخاصة: قانون العمل هو الفيصل

لا يرى أصحاب مدارس خاصة في جزء مما يُصنف انتهاكات عمالية كذلك، بل هو في رأيهم تطبيق حرفي لقانون العمل. يقول أحمد أبو تقي الدين، وهو صاحب مدرسة خاصة في الزرقاء، إنه ليس أبدًا ضد حق المعلمات في تقاضي الحد الأدنى من الأجور، لكن ما يجب أن يفهمه الجميع هو أن قانون العمل، الذي يخضع له العاملون في قطاع التعليم الخاص، هو الفيصل. وهو قانون، مطلوب من المعلمة بموجبه أن تداوم ثماني ساعات عمل يوميًا، ستة أيام في الأسبوع. ولا يحق لها سوى 21 يومًا إجازة سنوية. وهذا معناه كما يقول، إن المعلمة تستحق الحد الأدنى من الأجر، في حال أوفت لصاحب العمل كل هذه الالتزامات، وهو ما لا يحدث في قطاع التعليم، حيث تعمل المعلمات أقل من ساعات العمل المقررة، ويعطلن أيام السبت، وما بين الفصلين، وشهري عطلة الصيف. وفي هذه الحالة، فإن عليهن ما دمن معفيات من أداء كل هذه الواجبات، أن يقبلن اقتطاع ما يوازيها من رواتبها. وهو ما يعني بحسبه، حسم قانوني لأجور أيام السبت. والتقدم بإجازة من دون راتب خلال شهري الصيف، تجعل صاحب المدرسة في حل من دفع الراتب والضمان الاجتماعي. وإلا فإنه ليس من حقهن رفض الدوام في هذه الأوقات.

تقول قطيشات إن ما بدأ كثير من أصحاب المدارس يفعلونه في مواجهة المعلمات اللواتي يطالبن بحقوقهن، هو أنهم بدأوا ونكاية فيهن، باستدعائهن إلى المدارس، أيام السبت والعطل المدرسية وجعلهن يجلسن من دون عمل : «بحكولهن مش بدكن الحد الأدنى؟ حللن رواتبكن وتعالن داومن». وتضيف أن صاحب المدرسة، يستدعي فقط المعلمة التي تجرأت وطالبت بحقوقها، «بجيبها تصفن في الحيط». وهذا في النهاية، دفع الكثير من المعلمات، خصوصا المتزوجات، والأمهات لأطفال للرضوخ: «وصلوا مرحلة صاروا يحكوا خلص يا جماعة الخير، خلينا نرجع للنظام القديم».

لكن المحامية هالة عاهد، التي تعمل مع حملة قم مع المعلم في مجال التمكين القانوني، تنوه إلى أنه ورغم أنه صحيح أن المعلمات في المدارس الخاصة يخضعن لقانون العمل، لكن المعروف أنه قانون يضمن الحد الأدنى من الحقوق للعامل، في حين أن الاتفاقيات الجماعية التي تتم بين ممثلي العمال وأصحاب العمل، ومنها العقد الموحد، تضمن في العادة حقوقًا إضافية، أكثر من تلك التي نص عليها قانون العمل، وهي قانونيًا، أولى بالتطبيق.

وترد عاهد، على القول إن المعلمات ليس لهن الحق بتقاضي رواتب مقابل الساعات أو الأيام التي لا يعملن فيها بأن هذا ليس صحيحًا، ذلك أن علاقة العامل بصاحب العمل علاقة تبعية. بمعنى أن المدرسة إذا أغلقت بعد ست ساعات عمل مثلًا، أو في أيام السبت أو في العطلة الصيفية، فإن هذا ليس ذنب المعلمة، بل هو قرار صاحب العمل الذي لا يجوز أن تتحمل المعلمة تبعاته باقتطاع ما يوازي ذلك من راتبها. ويحق لصاحب العمل، بحسبها، الحسم في حالة واحدة هي أن يستدعيها وترفض.

يقول أبو تقي الدين إن هناك قضايا مرفوعة ضد مدرسته بسبب استدعائه معلمات للدوام أيام السبت، على أساس أن استدعاءه لهن لم يكن للضرورة، في حين أنه كصاحب عمل هو من يجب أن يحدد ما هي الضرورة، وليس وزارة التربية.

لكن عاهد تقول إن العقد الموحد نظم ما يتعلق بدوام السبت، عندما نص على أن استدعاء المعلمات يجب أن يتم «للضرورة وبحسب تعليمات وزارة التربية»، وهذا يعني أن وزارة التربية هي الجهة التي لها حق تقدير إن كان الاستدعاء تم للضرورة أم لا.

وتلفت عاهد إلى أن بند «الضرورة» لا ينطبق، مع ذلك، على العطل المدرسية، فلصاحب المدرسة استدعاء المعلمات خلال الصيف، وفي عطلة ما بين الفصلين، التي نصّ العقد الموحد على أنها «للطلبة وليس للعاملين». وفي هذه الحالة فإن ما تستحقه المعلمة هو 14 يومًا إجازة سنوية، ترتفع إلى 21 إذا كانت خدمتها أكثر من خمس سنوات. ويحق لصاحب العمل أن يجعل عطلة ما بين الفصلين هي إجازتها السنوية. ورغم أن الدوام هنا غير مقيد، كما هو الحال مع أيام السبت، إلا أن صاحب المدرسة، كما تشدد، لا يجوز له تكليف المعلمات بأعمال خارج مهامهن الوظيفية. كالطلب منهن مثلًا القيام بأعمال تنظيف أو تزيين أو دهان.

تقول عاهد إن النظام لا يجب أن يكتفي بربط ترخيص المدارس بتحويل الرواتب إلى البنوك، بل كان يجب أن يربط الترخيص بكافة الحقوق العمالية التي ينتهكها أصحاب العمل

من ناحية أخرى، يلفت أصحاب مدارس صغيرة إلى أن التشديدات الأخيرة على تقاضي المعلمات حقوقهن المالية، والامتيازات المالية التي ضمنها العقد الموحد، تهدد مدارس صغيرة لن تستطيع مواصلة العمل. يقول الدكتور نعيم الفزاع، وهو مالك لروضة في قرية مرصع في محافظة جرش، إن القسط السنوي لديه هو 120 دينارًا. وهذا يعني أن شعبة مكونة من 20 تلميذًا سيدفع تلاميذها 2400 دينار سنويًا، في حين أن المعلمة المفترض أن تتقاضى الحد الأدنى من الرواتب وهو 230 دينارًا، ستتقاضى سنويًا 2760 دينارًا، وهذا يعني عجزًا ماليًا، يحصل حتى من دون احتساب رواتب المديرة والآذنة والسائق. يقول الفزاع إنه شخصيًا يلتزم بالحد الأدنى من الرواتب، وكانت الروضة في سنوات سابقة تسدد نفقاتها، من خلال زيادة عدد الطلبة في الشعبة. لكن ما حدث في السنوات الأخيرة، هو أن الوزارة باتت تشدد على عدد التلاميذ. وترافق هذا مع إقرار امتيازات مالية إضافية للمعلمات. وهذا ما أدى بالروضة أنها باتت تخسر، الأمر الذي يقول، إنه ليس مستعدًا لمواصلة تحمله.

يقول الفزاع إن الكثير من المدارس الصغيرة في القرى والأرياف تقدم خدمة لشريحة من المواطنين محدودي الدخل، بثمن معتدل. وجزء من هذه المدارس، كرياض الأطفال مثلًا، يقدم خدمة لا تقدمها أصلًا وزارة التربية، في ظل قلة عدد رياض الأطفال الحكومية. والمشكلة في التشريعات الجديدة هو أنها تعاملت مع جميع المدارس «بنفس المسطرة. المدرسة اللي أقساطها 5 أو 6 آلاف في عمان الغربية، والمدرسة اللي قسطها 10 دنانير في قرية». وهذا كما يقول سيؤدي إلى إغلاق هذه المدارس. يقول الفزاع إن الوزارة إذا كانت مصرة على انتهاج سياسة الحزم في تقاضي المعلمات كل الامتيازات المالية التي ضمنتها التشريعات، فإن عليها، في المقابل أن تدرس الواقع على الأرض، وتتقدم بخطة لدعم هذا النوع من المدارس.

وزارة العمل: لا مفتشين كفاية وعلى المعلمات أن يشكين

جميع من قوبلوا أثناء العمل على هذا التقرير، من معلمات وناشطات ومسؤولين وحقوقيين أجمعوا على أن عدد ما يصل من شكاوى إلى الجهات المختلفة التي تستقبلها أقل بكثير من الانتهاكات التي تمارس على الأرض. ومن هنا تأتي المطالبات بتشديد الرقابة على المدارس، من قبل الجهات المسؤولة، وعلى رأسها وزارة العمل، وهي الجهة المعنية بمراقبة الالتزام بالحد الأدنى من الأجور. لكن رئيس قسم التفتيش في وزارة العمل، منور أبو الغنم، يقول إنه في ظل النقص الكبير في كوادر المفتشين، فإن على المعلمات أن يساعدن الوزارة بأن يبادرن بالشكوى.

يقول أبو الغنم إن هناك حوالي 200 مفتش فقط لكل المملكة، مطلوب منهم أن يراقبوا أكثر من 200 ألف منشأة، نصفها في العاصمة عمان. ويقول إنه صحيح أن العدد قليل، لكن الوضع بحسبه لن تعالجه زيادة عدد المفتشين، فالمشكلة هي أساسا في قبول المعلمات لشروط العمل المتردية، وعزوفهن عن الشكوى. ويتساءل عما يمكن أن تفعله الوزارة، إذا كان هناك مدرسة ترتكب مخالفات، لكن المفتش الذي يزورها يجد أن أوراقها سليمة، وعندما يسأل المعلمات يدّعين أنهن يأخذن رواتبهن كاملة.

تضيف إلى ذلك مديرة مديرية المرأة في وزارة العمل، الدكتورة إيمان العكور، أن جزءًا من إشكالية تعامل المعلمات مع وزارة العمل، هو عدم فهمهن لحدود صلاحياتها؛ فكثير من الانتهاكات التي يتعرضن لها ليست من صلاحية مكاتب العمل، ومنها مثلًا، توقيع الكمبيالات والشيكات، والفصل التعسفي، وإجبار المعلمات على توقيع استقالات. فهذه كلها شكاوى مكانها المحاكم لا وزارة العمل، لكن بعض المعلمات لا يعرفن ذلك، لهذا جاءت فكرة الدعم الذي تقوم به وزارة العمل لحملة قم مع المعلم. دعم تمثّل في «تعيين ضابط ارتباط داخل الوزارة، العام الماضي، ليتواصل مع الحملة، ويرتبط بدوره مع 30 مفتشًا في مختلف أنحاء المملكة». الفكرة كما تقول العكور، هي أن تعمل الحملة حلقة وصل بين المعلمات والوزارة في إيصال الشكاوى، وذلك في محاولة للتعويض عن نقص أعداد المفتشين، من ناحية، وفي محاولة، من ناحية أخرى، لتوعية المعلمات قانونيًا، من قبل عضوات الحملة، اللواتي تلقين بدورهن دورات تثقيف بقانون العمل، والعقد الموحد.

وتتفق العكور مع ما قاله أبو الغنم من أن الوزارة ليس لديها ما تفعله إزاء معلمات اخترن قبول الظلم، ويرفضن الشكوى. وتقول إن المسألة تتعلق، في النهاية، بنوع التنشئة التي تتلقاها المرأة، والتي تكرس في وعيها فكرة أنها ضعيفة: «كنّا في البداية نقول إن بعض المعلمات لا يعرفن. لكن عندما تعرف المعلمة حقوقها وتتنازل، كيف يمكن أن أمنعها؟ والسوق عرض وطلب. هي رضيت بالسبعين أو الثمانين دينارًا. ماذا تستطيع الوزارة أن تفعل؟».

يقول أبو الغنم إن هناك حالة «خوف غير مبرر عند المعلمات. طالبي بحقك حتى لو تم فصلك والقانون سيحميك». والقانون، كما يقول أبو الغنم، سيحمي المعلمة، ليس فقط في حالة الفصل التعسفي. بل إن لها الحق في ترك العمل من دون إخطار، في حال كانت مدرستها ترتكب مخالفات.

وفق عاهد فإن التعويض المستحق للمعلمة إذا فصلت تعسفيا خلال فترة العقد، هو راتب شهر عن كل شهر من المدة الباقية للعقد، فإذا فصلت المعلمة تعسفيا، مثلًا قبل ستة شهور من انتهاء عقدها، فإنها تستحق رواتب الشهور الستة.

ما تقول معلمات إنه يمنعهن من مواجهة أصحاب العمل، هو الخوف من عدم تجديد العقد، وهو أمر، على خلاف الفصل التعسفي، لا يعاقب عليه القانون. وتجد بعده المعلمة التي طالبت بحقوقها، وقد فقدت فرصتها في العمل في أي مكان آخر. فأصحاب المدارس كما تقول أبو غنيم، منظمون، وعلى تواصل في ما بينهم، ويعممون أسماء المعلمات «اللي بعملوا مشاكل». وهي نفسها مثال على ذلك، فقد فصلت، قبل ثلاث سنوات، تعسفيًا من المدرسة التي كانت تعمل فيها في إربد، ولم تقف مشكلتها عند أن قضيتها ما زالت تراوح مكانها في المحكمة منذ ذلك الوقت، بسبب طول إجراءات التقاضي، هي أيضًا فقدت بسبب مواجهتها لمالك المدرسة، فرصتها في العمل في مدارس أخرى، وقيل لها هذا صراحة في المدارس التي تقدمت للعمل فيها.

وهذا ما تقول فاتنة إنه يمنعها من الشكوى: «قلت لو شكيت بقطع رزقي. ما في مدرسة رح تقبلني، والكل بصير يخاف مني، فسكتت». والبحث عن فرص في مدارس أخرى، كما تقول، لا يحدث فرقًا كبيرًا لأن هذا هو مستوى الرواتب لتخصصها في المنطقة التي تعمل فيها. قد تزيد الرواتب في بعض المدارس قليلًا عن غيرها، لكن التنافس شرس، في ظل شح فرص العمل أمام العدد الهائل من طالبات التوظيف. وهذا، بحسبها، ما يجعل أصحاب المدارس أقوى بكثير من المعلمات. وبالتالي فهي مسؤولية الجهات الحكومية المعنية أن تقف في وجوههم، لا أن يُطلب من المعلمات اللواتي لا يستطعن دائمًا تحمل دفع الثمن المواجهة. ففي حالتها، تقول فاتنة، إن الـ130 دينارًا التي تتقاضاها هي بالضبط قيمة أجرة الشقة التي تسكنها مع زوجها وأطفالهما الثلاثة. راتب زوجها 300 دينار، وحمْلها عنه عبء أجرة المنزل يعني المساهمة في أن أطفالهما: «رح يوكلوا ويلبسوا ويطلعوا زي الناس». وفي الأثناء فإن: «أكثر إشي بنقدر نعمله نطلب من صاحب المدرسة زيادة، فبقول عمّو، اللي مش عاجبها الله معها».

تقول عاهد إن النظام لا يجب أن يكتفي بربط ترخيص المدارس بتحويل الرواتب إلى البنوك، بل كان يجب أن يربط الترخيص بكافة الحقوق العمالية التي ينتهكها أصحاب العمل، وأن يفعل ذلك باستحداث آلية تنسيق بين وزارة التربية ووزارة العمل، بحيث لا تنال المدرسة ترخيصها إلا ببراءة ذمة من الوزارة تفيد بأنه ليس عليها مخالفات، الأمر الذي ليس مطبّقًا إلى الآن.


1. بحسب دليل المدارس المنشور على موقع الحكومة الإلكترونية، بلغ عدد المدارس ورياض الأطفال الخاصة 3148، ويعمل فيها 39958 معلمًا منهم 35954 معلمة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية