«هاي شو مطلّعها لحالها؟»: أن تكوني «معاقة» في الأردن

«هاي شو مطلّعها لحالها؟»: أن تكوني «معاقة» في الأردن

الثلاثاء 16 أيار 2017

وفق أرقام رسمية، فإن نسبة الإعاقة، بجميع أنواعها ودرجاتها، في الأردن، هي 13% من عدد السكان، منها 35% تقريبًا إعاقات حركية. وفي بلد بلغ عدد سكانه تسعة ملايين ونصف تقريبًا، فإن هذا يعني أن ما يقارب مليونًا وربع المليون، يعانون بشكل أو بآخر من أحد أنواع الإعاقات، منهم أكثر من 400 ألف معاقٍ حركيًا.

السؤال هو أين هؤلاء في الفضاء العام؟

تشترط القوانين توفير تسهيلات بيئية تيسّر تنقل المعاقين حركيًا. إذ نصّت على ذلك كودة متطلبات البناء الخاص بالمعوقين، التي صدرت استنادًا إلى قانون البناء الوطني، وتُلزم بهذه التسهيلات المؤسسات العامة والخاصة، من وزارات وبنوك ومكاتب بريد ومدارس وجامعات ومجمّعات تجارية كبرى، وملاعب ونواد رياضية، وغيرها. كما نصّ على الأمر نفسه، قانون حقوق الأشخاص المعوقين. ومع ذلك، فنحن نسير في الشوارع، ونرتاد الأماكن العامة، ونذهب إلى أعمالنا، وبالكاد نرى أحدًا على كرسي متحرك أو «ووكر»، ذلك أنه ما من تفعيل حقيقي لهذه القوانين.

التقت «حبر» بثلاث نساء روين شهاداتهن عن تجربة الخروج إلى الحياة العامة مع إعاقة حركية، وفيها بعض الإجابة عن السؤال.  

إيمان: «أنا ما فكرت هيك!»

في ذيل سيرتها الذاتية، أضافت إيمان الملاحظة الآتية: «أنا عندي إعاقة حركية». فعلتْ ذلك رغم أنها تعرف أن صعوبة السير لديها، لا تنتقص بأي حال من المؤهلات المطلوبة لشغل الوظيفة التي كانت تتقدم إليها، معلّمة لغة إنجليزية.

قبل أن تحصل على وظيفة إدارية في مؤسسة حكومية، طُلبت للكثير من المقابلات الشخصية، وفي اللحظة التي كانت تدخل فيها إلى مكان العمل، كانت تلتقط نظرة الدهشة في عيني المسؤول عندما تقعان على قدميها. وقد اكتشفت بعد تكرّر الموقف أنها كانت تُستدعى للمقابلة لأن المعنيين لم يكونوا يقرؤون السيرة الذاتية إلى آخرها.

لم يكونوا صريحين تجاه رفضهم المسبق لها بسبب إعاقتها، لكن هذا كان واضحًا، كما تقول، من نظراتهم وأسلوب كلامهم. مرّة واحدة، كان أحدهم مباشرًا معها. كان مدير مدرسة. «بس دخلت، اتطلع عليّ من تحت لفوق وحكى لي: أنا ما فكرت هيك! فحكيت له: ولا أنا فكرت هيك!».  

كانت رحلة البحث عن عمل صدمتها الكبرى بمجتمعٍ، تقول إنه، يرفض المعاقين «وبحاول يبعدنا عنه». وتعلّق ساخرة على التعاطي الاجتماعي «الكلامي» مع ذوي الإعاقة «المجتمع لطيف كثير لحدّ ما تحكي له بدّي وظيفة (..) هون بيجي الجدّ».

هذا الرفض لم يكن واضحًا بالنسبة إليها من قبل. على الأقل ليس بهذه الحدّة. فهي تنتمي إلى بيئة اجتماعية «محافظة جدًا» تضع قيودًا بالغة الشدّة على حركة الإناث، وللمفارقة، فقد ساعدها هذا على أن تعيش طفولة ومراهقة متوازنة لم تشعر فيها، كما تقول، بنقصٍ حقيقيٍ نتيجة ولادتها بإعاقة حركية، ففي المحيط الذي عاشت فيه، لم يكن للبنات من غير ذوات الإعاقة، كما تقول، حرية حركة أكثر ممن يعانين من إعاقة. «كان يا دوب نروح على الجيران».

إضافةً إلى ذلك، كانت محظوظة، لأن المدرسة الحكومية التي درست فيها، وقضت فيها وقتها مناصفة مع البيت، وفّرت لها خبرة إيجابية، فزميلاتها قبلنها وتعاونّ معها، والمعلمات كنّ يشركنها حتى في بعض الأنشطة الرياضية، «أحيانا كانوا يعدّلوا على النشاط بس علشان أقدر أشارك». بعد الثانوية العامة، حصلت على سيارة لتذهب إلى الجامعة، وبشكل عام، كانت حياتها الجامعية امتدادًا، كما تقول، لخبرتها المدرسية.

لكن، وبمرور الوقت، بدأت إيمان تدرك «التهميش المزدوج» الذي تعانيه النساء ذوات الإعاقة في مجتمعنا، فهامش الحرية الممنوح للمرأة أصلًا ضيق، وعندما تكون هذه المرأة بإعاقة فإن الهامش يضيق أكثر نتيجة الخوف المبالغ فيه عليها. ويتعمق هذا التهميش في البيئات الضعيفة اقتصاديًّا، فالنساء المعاقات، كما تلفت، غالبًا لا يعملن. وبالتالي هنّ أيضا «عبء اقتصادي» على أسرهن، وهذا يعيق الحركة أكثر، لأن العائلة ستكون مضطرة لأن تدفع مثلًا كلفة التنقل.

الآن، في هذه المرحلة من حياتها، وبعد أن امتلكت أدوات يفترض أن تساعدها على الخوض في الحياة العامة، مستغلّة النضج والتحصيل العلمي والاستقلال المادي، فإن إيمان تصطدم منذ لحظة خروجها من المنزل بحقيقة أن العالم ليس مفتوحًا لها كما هو لمن لا يعانون من صعوبة المشي مثلها. إنها تصطدم بعشرات التفاصيل الصغيرة التي تعيق انسياب حركتها: الأرصفة العالية التي لا تستطيع صعودها باستخدام عكازيها ولا تتوفر فيها منحدرات عندما تكون على كرسيها المتحرك، مداخل المحلات التجارية التي لها عتبات عالية، المؤسسات الحكومية والخاصة التي لا يتوفر فيها مصاعد ويكون المكتب المعني بإنجاز معاملتها في طوابق علوية، وفوق كل هذا، عدم توفر مرافق صحية يمكنها استخدامها. إنها بيئة معادية لذوي الإعاقات.

ومع أنها تمتلك سيارة، إلّا أنها تتحرك في مسارات محددة. وفي كل الأماكن التي تزورها لأول مرة فإن أول ما تفكر فيه هو إن كان المكان مهيأً أم لا. وفي كل مرّة، يجب أن تجري ما تقول إنه عملية «تحرٍ» عن المكان الذي ستذهب إليه، سواءً كان منزلا تزوره لأول مرة، أو قاعة أفراح مثلا لتلبية دعوة إلى عرس. تتصلُ وتسألُ عن الطابق الذي يوجد فيه المكان الذي ستقصده، هل هناك درج؟ هل هناك مصعد؟ هل المدخل مهيأ؟ وفي الغالبية الساحقة من الحالات تكون الإجابة هي لا.

في الحالات القليلة التي يقال لها فيها إن المكان مهيأ، فإن إيمان قد تعلمت أن تسأل عن التفاصيل، «في الانتخابات الماضية حكوا إنهم زبّطوا مداخل المدارس اللي كانت مراكز اقتراع، بس في كثير منها كان التصويت في الطابق الثاني وما في مصاعد، (…) بيحكولك في مصعد في قاعة الأفراح، وبس تروحي بتلاقي إنو في مصعد بس ما في رمبة* على الباب». وحتى عندما يكون المكان المقصود في طابق أرضي، ويكون مزوّدًا بمنحدر، فإن هذا أيضًا لا يحل المشكلة بالضرورة، لأن الكثير من المنحدرات، كما تؤكد إيمان، نُفّذت بطريقة خاطئة، كأن يكون انحدارها حادّا، يحتاج معه ذو الإعاقة إلى مساعدة.

من أجل ذلك، فإن حركتها محدودة جدًا، ففي التسوق مثلًا، هي تذهب حصرًا إلى المولات، لأن هناك إمكانية للتجول فيها. لكنها لا تستطيع التجول في الأسواق العادية المفتوحة. ومن بينها السوق القريب من بيتها، بل تضطر للذهاب إلى مول في منطقة بعيدة عن بيتها.

في المحصلة، تجد أن عليها، في الكثير من المواقف، أن تصطحب أحدًا معها، أو تطلب المساعدة من أشخاص موجودين في المكان الذي تقصده؛ فلإنجاز معاملة مثلًا، يصعد مرافقها لينجز المعاملة أو تطلب  من أحد في الطابق الأرضي ليبلغ الموظف المعني كي ينزل.

في الأيام التي تتوقع فيها أن تبقى في الخارج لوقت طويل، فإنها تمتنع من الصباح عن شرب الماء، لأنها تعرف أنه في الغالب لن يكون هناك حمام. وهي تلفت إلى أن الحمام المناسب بالنسبة إليها هو «الإفرنجي» الذي تسمح طبيعة إعاقتها لها باستخدامه، إذ أنها تستطيع الدخول إليه بعكازيها. أما بالنسبة للحمامات الخاصة بمستخدمي الكراسي المتحركة، وتكون واسعة المساحة، ومزوّدة بقضبان حديدية يمسك بها ذو الإعاقة للنزول عن الكرسي، فإنها، كما تقول إيمان، شبه معدومة، بما فيها المؤسسة الحكومية التي تعمل فيها.

مشكلة حاجتها شبه الدائمة لأن يكون معها مرافق في الأماكن التي تذهب إليها، وغالبًا يكون هذا المرافق هو أمّها أو واحدة من صديقاتها، لا تقتصر فقط على إحساسها بأنها «مربّطة»، هناك أيضًا إحساسها بانعدام «الخصوصية»، فكل تفاصيل حياتها مكشوفة رغمًا عنها، «مرّات بكون بدّك تعملي إشي ما بدّك حدا يعرف فيه، ما بتعرفي تعمليه. ما في خصوصية أبدا (…) هذا إشي بمسّ بالكرامة».

جميلة: ثقل الإحراج المستمر

تستخدم جميلة جهازًا طبيًا يساعدها على المشي، وذلك بالتناوب مع كرسي متحرك، بحسب طبيعة المكان الذي تكون فيه. لا تملك سيارة، وكانت إلى ما قبل سنوات قليلة، تستعين لتنقلها بالباصات العمومية وسيارات الأجرة. تصف تجربة ركوب الباص، فتقول إنها تبذل مجهودًا هائلًا لتتمكن من صعود درجتي الباص، ثم مجهودًا آخر لتصل إلى مقعدٍ قريبٍ قدر الإمكان من الباب لتنزل بسهولة. تفعل ذلك متجاهلةً نظرات الركاب المصوّبة إليها. ثم عندما تجلس أخيرًا، فإنها كثيرًا ما تسمع تعليقات من قبيل، «هاي شو مطلعها من البيت لحالها؟ (..) أنا عارف كيف أهلها مخليينها تطلع لحالها؟». وحدث أكثر من مرة أن اقتربت منها امرأة وسألتها: «كيف أهلك بخافوش عليك بخلّوك تطلعي لحالك؟».

بديل الباصات العمومية هو سيارات التاكسي التي تقول إن أصحابها يرفضون غالبًا التوقف لها، خصوصًا عندما تكون وحدها، لأن هذا يعني أن السائق مضطّر للنزول ووضع الكرسي المتحرك في الصندوق الخلفي، إضافة إلى أن «كثير سواقين بخافوا الكرسي يجرّح السيارة». لهذا هي تستعين الآن بسيارات أقارب وصديقات للوصول إلى الأماكن التي تريد الذهاب إليها، وهي، على أي حال، أماكن محدودة جدًا.

درستْ جميلة إلى الصف «الثالث الإعدادي»، في مدرسة لم تكن مهيّئة ولو بالحد الأدنى لذوي الإعاقة، لكنها استطاعت تدبّر أمرها لوجود أخواتها معها في المدرسة، واللواتي كنّ يساعدنها. إلى أن جاء يوم وقعت فيه وكسرت ساقها، فبقيت في الجبس شهرين لم تعد بعدهما إلى المدرسة. وقد انخرطت في مرحلةٍ لاحقة في أنشطة رياضية خاصة بذوي الإعاقة، ما ساهم في ملء جزءٍ من وقتها، بعد أن عجزت عن الحصول على أي فرصة عمل.

«البيئة نفسها بتعمل إعاقة، بتطلعي بتلاقي مية عائق بوجهك، وبتضطّري كل مرّة تنادي حدا يساعدك. البلد كلها طلوع ونزول. بتمشي في الشارع بنزل عجل الكرسي في حفرة وما بتعرفي تطلعي منها (..) حتى الرمبة بتكون عالية. تخيلي حتى رمبة المعاقين ما يقدر المعاق يطلع عليها؟».

تروي جميلة أنها ذهبت مرة إلى أحد المولات لتجد المدخل محاطًا بحواجز من من دون أي ممر يمكن لذي الإعاقة المرور منه، وعندما اشتكت للعمال على الباب أجابوها «روحي اشتكي للمدير، فحكيت لهم طيب روحوا جيبولي ياه عشان أنا مش قادرة أوصله».

لهذا هي تذهب إلى أماكن محددة لشراء حاجياتها، وهي أماكن ليست حتى مهيأة بشكل كامل، فهناك مثلًا مول كانت تتردد عليه، وكان مزوّدًا بحمّام لذوي الإعاقات، «بعد فترة صغيرة حوّلوا الحمام لغرفة غيار أطفال. حكينا للإدارة بس ما عملوا شي». تلفت جميلة إلى أن مجرد وجود حمّام «إفرنجي» لا يحل المشكلة دائمًا حتى لمن تسمح طبيعة إعاقتهم باستخدامه، وهم ذوو الإعاقة القادرون على النهوض من كراسيهم المتحركة، فهذه الحمّامات تكون ضيقة المساحة ولا تسمح بدخول الكرسي. وهذا يضعها في مواقف بالغة الإحراج عندما تضطّر لأن تطلب من أحد أن يأخذ الكرسي كي تتمكن من إغلاق الباب، ثم تفتح الباب لتنادي على أحد ليجلب لها الكرسي.

لتجنب كل ذلك تأخذ احتياطاتها مسبقا فتمتنع عن الأكل والشرب لفترة كافية قبل الخروج، وفي أحيان كثيرة تلغي الفكرة، «بقول لحالي وين بدي أروح أبهدل حالي».

بالكاد تقوم جميلة بأي زيارات اجتماعية، فكل الذين تعرفهم تقريبًا، بما فيهم أخواتها، يسكنون في مبانٍ لا يمكنها دخولها، وإذا فعلت فإنها تحتاج إلى شخصين يحملانها ويصعدان بها الدرج. تقول إن هذا الإحساس الدائم بأنها بحاجة إلى مساعدة الآخرين «محرِج»، إضافة إلى أنه يجعلها أسيرة لظروف الآخرين ومزاجهم. ورغم أنها تحاول دائمًا أن تكون «خفيفة» على الآخرين لكن هذا لا يمنع أنها تشعر أحيانًا بأنها عبء.

لقد بحثت كثيرا عن فرصة عمل، لكن افتقادها للمؤهلات العلمية يقف عائقًا أمامها. لهذا تتمنى لو أن بإمكانها أن تفتتح مشروعًا صغيًرا تعتاش منه، لكن انعدام التهيئة البيئية يمنعها من ذلك. «كثير بنات قاعدين بدون شغل (…)، بتطلّع على كل هالمولات المعبية البلد وبفكرْ لو يفتحوا إشي يساعد الناس تعيش، بدل راتب التنمية اللي ما بطعمي خبز».

رانية: «يا ماما اطلعي معانا»

عاشت رانية كل طفولتها ومراهقتها بين بريطانيا والولايات المتحدة، حيث كانت تدرس وتتلقى العلاج لإعاقتها الحركية، كونها تعاني صعوبة في المشي، تضطرها للاستعانة بجهاز طبي، وأحيانًا لاستخدام كرسي متحرك. وفقط، عندما عادت إلى الأردن، شعرت أنها «معاقة». في هذين البلدين تقول إنها عاشت حياتها إلى الأقصى، فكانت تتعلم وتتنقل وتمارس ما تريد من أنشطة من دون أن تقف إعاقتها حاجزًا أمامها، ثم عندما عادت إلى الأردن بدأت الصراع مع الأرصفة وعتبات المحلات التجارية. إضافة إلى الصراع مع عدم وجود مرفق صحي ملائم في المؤسسة الحكومية التي تعمل فيها، فتضطّر إلى «حصر» نفسها إلى حين عودتها إلى المنزل، الذي يبعد قرابة النصف ساعة عن مكان عملها.

لرانية طفلتان في الثامنة والعاشرة، تقول إنهما قبل أن تكبرا، كانت تعتمد بالكامل على زوجها، «يعني لو كان بدّي كيس شيبش من الدكانة، لازم هو يروح يجيبه».

شبه انعدام التهيئة البيئية لذوي الإعاقة حرم رانية وما زال يحرمها من جزء كبير من طفولة ابنتيها، بالتحديد ذلك الجزء المتعلق بالأنشطة خارج المنزل، مثل مشاوير الترفيه، والتسوق. وكذلك الأمر بالنسبة النشاطات التي تقيمها مدرستهما، بما فيها أيام أولياء الأمور التي يكون فيها المعلمون والمعلمات موزعين على الغرف الصفية في أماكن متفرقة منها صفوف في طوابق علوية. وهي في الحالات التي تضطر فيها للذهاب إلى المدرسة، يجب أن تتصل قبلها بيوم بالإدارة، فتحدد الموعد الدقيق لمجيئها، والمعلمين الذين تريد الالتقاء بهم، كي تتمكن المدرسة من تهيئة موقف لسيارتها في الساحة الخلفية، ويكونوا قد أحضروا لها المعلمين المطلوبين.

زوجها، كما تقول، هو الذي يتولى كل هذا، هو الذي يحضر النشاطات التي تشارك فيها ابنتاهما، وهو الذي يصطحبهما للترفيه، «يعني لو أنا رحت معهم، بصير بدو يدير باله عليهم وعليّ».

ورغم أنها تحاول إفهام طفلتيها أن الأمر ليس بيدها، إلّا أنهما لا زالتا غير قادرتين على استيعاب الوضع تمامًا، وفي كل مرة تبدآن بالإلحاح عليها، «بصيروا يحكوا يا ماما اطلعي معنا. ما بصير تضلي حابسة حالك في البيت (…) نفسنا نمشي معك في الشارع، نفسنا نروح معك على الدكانة».

مرّة في الشهر، تقول رانية إنها تخرج في رحلة تسوّق مع زوجها والبنتين، ويكون هذا إلى مجمع تجاري. صحيح أنه يمكنها التجول في المجمّعات، لكنها لا تفهم لماذا يجب أن تكون الأرضيات دائما من السيراميك الأملس الذي لا يراعي وضع من يجدون صعوبة في السير، فتضطر بسبب ذلك للتشبث بذراع زوجها كي لا تزلّ قدمها وتقع. وتقول إنها رغم ذلك تظل على أعصابها. أحيانًا، تستخدم الكراسي المتحركة التي توفرها بعض المجمّعات التجارية، لكن معظمها، كما تقول، يحتاج إلى صيانة، فإمّا أن تكون العجلات غير سلسة أو يكون هناك نقص في أحد مسندي القدمين أو كليهما. وتقول إنّه في إحدى المرات، كان هناك حبل بدلًا من مسندي القدمين، «يعني الواحد بدّو يمشي بكرامة، مش يمشي والناس تتطلع عليه وهو ساند رجليه على حبل، أو حاطط إجر على الثانية».

تقول رانية إنه يحدث كثيرًا أن تقرر في منتصف المشوار أنها لن تكمل، فتجلس على مقعد، وتطلب من زوجها وطفلتيها أن يكملوا هم ثم يعودوا إليها. ورغم ذلك، هي تعدّ نفسها محظوظة لأن زوجها يدعمها، فلا تتخيل كيف كانت حياتها ستكون من دونه، «أنا عندي حدا يساعدني، بس بتخيل لو حدا ما عنده هاي المساعدة، رح ينعزل ويصير يرضى بأقل الأشياء».


* الممر المنحدر المصمم لعبور الكراسي المتحركة.

تم إعداد هذا التقرير بدعم من مؤسسة صحافيون من أجل حقوق الإنسان Journalists for Human Rights.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية