«لا، أنا مش جبارة»: ناجيات من سرطان الثدي يروين قصصهن

طبيبات أردنيات يشاركن في مسيرة للتوعية بسرطان الثدي في عمان في يوم المرأة العالمي عام 2014. المصدر: جيتي إيمجز.

«لا، أنا مش جبارة»: ناجيات من سرطان الثدي يروين قصصهن

الأربعاء 31 تشرين الأول 2018

شهر تشرين الأول من كل عام هو شهر التوعية بمرض سرطان الثدي، ودعم مريضاته. وأحد أكثر أشكال هذا الدعم فعالية هو رواية قصص النساء اللواتي حاربن المرض وانتصرن عليه. فقصصهن تمنح اللواتي ما زلن يخضن معركة العلاج أملًا في النجاة من مرض، ما زال في أذهان الكثيرين، مقترنًا بالموت.

لكن، في غمرة احتفائنا بالناجيات، يحدث كثيرًا أن نختزل تجاربهن مع المرض في نتيجتها النهائية، وهي الشفاء. ونتجاهل، ربما لكي لا نبث أي مشاعر سلبية في اللواتي ما زلن قيد العلاج، أن الطريق إلى الشفاء بالضرورة حافلة بلحظات اليأس والضعف، وربما الخذلان.

في ما يلي، قصص أربع نساء مع المرض، يحكين فيها عن الطريق الشائكة التي قطعنها نحو الشفاء.

آلاء (46 سنة)

هجرني زوجي بعد أول جلسة كيماوي، عندما بدأت عندي أعراض الغثيان والاستفراغ، لأنه اعتقد أن هناك أبخرة تتصاعد من القيء، ستصل إليه، وتصيبه بالعدوى. ورغم أنني كنت أعمل ممرضة، وأكدت له أن السرطان غير معد، ألا أنه لم يقتنع قط بعكس ذلك.

أصبت بالمرض قبل ست سنوات. وكان قد مضى على زواجي وقتها 16 سنة، لم أنجب خلالها لأن زوجي كان مصابًا بالعقم. كانت إصابتي بمثابة الصفعة لي، فقد كان دعم مريضات سرطان الثدي، والتوعية بالمرض جزءًا من عملي. بالنسبة لي، كان هذا مرض يصيب الأخريات رغم أنني طبعًا ما كان يجب أبدًا أن أفاجأ، فقد توفيت أمي بالسرطان، وأصيبت به بعدها أختي. لهذا كنت مرشحة قوية.

اعتدت أن أجري لنفسي فحصًا ذاتيًا كل شهر، واكتشفت في أحد الأيام كتلة صغيرة جدًا، كانت أقل من 1 سم. ذهبت في اليوم التالي وأجريت الفحص، وقرروا لي خزعة. عندما سلموني ورقة تحليل الخزعة، ودخلت بها على الأطباء ليبلغوني بالنتيجة، كان ما يزال لدي أمل «قلت لحالي ما بظن سرطان. هي بس كتلة صغيرة وبتروح». لكنني خفت عندما بدأ الثلاثة يتناقشون «قلتلهم ما تحكوا بالإنجليزي. إذا في سرطان إحكوا وأنا رح أتقبل».

لكنني طبعًا لم أتقبل، صرخت، وبكيت وبدأت أقول «ليش أنا؟ ليش ترك الكل وإجالي؟». ثم طلبت إعادة الخزعة. لكنهم أقنعوني أن النتيجة مؤكدة. وأن الجيد في حالتي أن اكتشاف الورم تمّ في مرحلة مبكرة أولًا، وثانيًا أنه محصور، ولن يكون هناك بالتالي داع لاستئصال الثدي، بل سيكتفون بإزالة الورم، مع جزء بسيط من الأنسجة حوله.

خضعت للعلاج الكيماوي قبل الجراحة، وكانت هي المرحلة التي بدأ فيها زواجي ينهار. اصفرّت بشرتي، فقدت حواجبي ورموشي، وبدأ شعري يسقط بالتدريج، صرت أستيقظ من النوم وأجد خصلًا من الشعر على المخدة. وأثناء الاستحمام تنزل خصل في البانيو. أصبح هناك الكثير من الفراغات في فروة رأسي، وبدأت تصدر من زوجي تعليقات جارحة. قال لي في إحدى المرات «روحي شوفي منظرك، والله زي اللي برجلي». فأخذت ماكينة حلاقته، دخلت الحمام وحلقت رأسي، وارتديت الحجاب داخل المنزل. ولم أسمح له برؤيتي من دونه. لكن رآني مرة بالصدفة، فقال لي «يعني شو الفرق بينك وبين أي زلمة أصلع؟». أنا نفسي لم أكن قادرة على رؤية نفسي بشكلي الجديد. ولم أكن قادرة حتى على لمس جلدة رأسي بأصابعي. لهذا كنت أستحم وأنا أضع طاقية على رأسي، أبللها بالماء والشامبو وأفرك بها رأسي، ثم أنشفه وأكون قد جهزت طاقية نظيفة أضعها مباشرة.

لماذا احتملته؟

لأنني كنت وحيدة. والداي متوفيان، وأسكن بعيدًا عن أخوتي وأخواتي، الذين كنت ألتقيهم بضع مرات كل سنة. ولم أكن قد أخبرتهم أصلًا بمرضي، لأنني لم أستطع جعلهم يخوضون مجددًا المعاناة التي خاضتها العائلة مع مرض أمي وأختي. «لما كنا نلتقي ويسألوني شو مالك متغيرة، كنت أحكي معي فقر دم حاد». لم يكن خيار الانتقال إلى منزل أي واحد منهم مطروحًا، لأنني كنت في وضعي ذاك بحاجة إلى أن أكون في بيتي. «في بيوت الناس كيف بدك تعيطي أو تصرخي؟ مين بده يتحملك؟». ثم إن هذا كان بيتي الذي أمضيت كل سنوات عمري، وشقاء عملي في تجهيزه وتعفيشه. ولم أستوعب فكرة أن أترك كل هذا له.

«في بيوت الناس كيف بدك تعيطي أو تصرخي؟ مين بده يتحملك؟».

أقنعت نفسي أن هذه مرحلة عابرة وستمر. وأنني سأنهي العلاج وأعود ويعود زواجي كما كان. أمر لم يحدث، لأنني اكتشفت بعدها أنه متزوج بالسر. حدث هذا في الفترة التي كنت أتلقى فيها العلاج الكيماوي. وعرفت بعدها أن هذا كان بتأثير من والديه. «كانوا يحكوله شو بدك فيها؟ روح شوف حياتك، شوف عمرك». فغادرت المنزل مباشرة، وذهبت إلى منزل أختي. وهذه كانت اللحظة التي عرفت فيها عائلتي بمرضي. فقد كنت منهارة، نفسيًا وجسديًا، وطلبت منهم أخذي إلى مركز الحسين للسرطان.

أقمت عند أختي فترة، تحسن خلالها وضعي الصحي. وكنت قبلها قد تعرفت على مجموعة تعمل في المبادرات التطوعية، بشكل خاص في مجال دعم مرضى السرطان، وكانوا خليطًا من مرضى سابقين، وآخرين. فبدأت أعمل معهم، وساعدوني على استئجار شقة، جهزوها لي بأثاث مستعمل. لقد أمضيت جزءًا كبيرا من فترة علاجي «والوجع مغطي على كل إشي ثاني»، لكنني في هذه الشقة استرجعت حياتي، وبدأت التركيز على فكرة الشفاء «قلت لحالي أنا اللي دعمت الكل، ليش ما أدعم حالي؟».

وقبل سنة تزوجت من رجل عمره الآن 80 سنة. هو طيب جدًا وحنون. بعد ستة شهور من زواجنا نبتت لي كتلة في ثدي الثاني، كشف الفحص الأولي أنها سرطانية. وقتها فكرت أنني أبدًا لن أعيد تجربتي مع زوجي الأول. فذهبت إلى زوجي الحالي وقلت له «هاي أنا فحصت وطلع عندي سرطان. من هسا، ما بدك خلينا نخلّص الموضوع. حكالي أنا عيوني إلك». الحمد لله، نتيجة الخزعة أثبتت أنه ليس السرطان.

لقد استعدت الآن عافيتي ونشاطي. وقبل فترة قريبة، رأيت زوجي السابق، وكانت الدهشة واضحة عليه «سألني يعني ما مُتّي؟ قلتله لا ما متت. هيني عايشة أحلى عيشة».


 

نغم (40 سنة)

كان عمري 35 سنة عندما أصبت بالمرض. شعرت بالكتلة في صدري وأنا أرضع ابنتي الصغرى. اعتقدت وقتها أنه تجمع حليب، فتجاهلت الأمر. وعندما فطمت ابنتي بعدها بسنتين، كانت الكتلة قد تضخمت كثيرًا. فذهبت إلى مستشفى البشير، حيث أخبرني الأطباء أنه سرطان في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة متقدمة جدًا. خطر لي مباشرة أطفالي الثلاثة «الدنيا لفّت فيّي، وقلت يا ربي مين بده يربي أولادي؟».

لم أفهم الكثير مما يحدث لي وقتها. ففي «البشير»، عدد مرضى السرطان كبير جدًّا، والمكان ضيق، وليس لدى الأطباء والممرضات وقت للمرضى. لكن لكي أكون عادلة، فإن تعامل الكوادر الطبية في قسم السرطان أفضل بكثير من تعاملهم في الأقسام الأخرى. وكنت ألاحظ أن مرضى السرطان يحظون دائمًا بتعاطف خاص. لكن هذا لم يلغ حقيقة أنه لم يكن لدى أحد وقت لأكثر من إعطاء العلاج. فقط وقت إبلاغي بمرضي، قابلني الجراح، وقال «[نغم]، إنت عندك سرطان، وبدنا نستأصل الثدي. وهاي مش نهاية الحياة». بعدها صرت أذهب، لأجد في كل مرة طبيبًا مختلفًا من الأطباء المقيمين. الذين لا يفعلون أكثر من تقديم العلاج، وتحديد الموعد التالي.

«الدنيا لفّت فيّي، وقلت يا ربي مين بده يربي أولادي؟».

تعلمت سريعًا أنني يجب أن أجد أخريات مررن بالتجربة ذاتها، وأستفيد منهن. وقد تعرفت بالفعل على كثيرات ممن أكملن علاجهن. هؤلاء لم يقدمن لي فقط الأمل في الحياة، وأنا أرى أنهن شفين، وعدن إلى حياتهن الطبيعية، لقد قدمن لي نصائح لم يكن لدى الأطباء الوقت لتقديمها. تعلمت مثلًا أثناء فترة العلاج الكيماوي وسقوط الشعر ألا أستخدم الشامبو العادي، وأستبدله بشامبو أطفال، لأن فروة الرأس تكون بالغة الحساسية وقتها. تعلمت أنني يجب أن أرتدي فانيلة من القطن الأبيض تحت ملابسي لمنع الأنسجة الصناعية من ملامسة مكان العملية. ومع ذلك، فقد فاتني الكثير، مثلا اكتشفت مؤخرًا بعد أن تقابلت مع سيدة عولجت في مستشفى خاص، أن هناك تمارين خاصة لليد في الجانب الذي استؤصل الثدي منه، كي تسترجع قوتها. اكتشفت ذلك بعد فوات الأوان، ويدي الآن ضعيفة جدًا، «مجرد ديكور».

أكبر أطفالي كان وقتها في الصف السادس. لم أخبره بالمرض، لكنه كان يسمع من المحيطين أنني أتلقى العلاج الكيماوي. وفي يوم عاد من المدرسة، وسألني «ماما إنت عندك سرطان؟». واتضح أن المعلمة شرحت لهم عن العلاج الكيماوي لمرضى السرطان. قلت له إنني أصبت به وشفيت. لكن الأمر لم يعد كما كان بعدها، فقد بدأت ألاحظ أن أطفالي صاروا يعيشون حالة خوف مستمرة. وكانوا يظلون في حالة قلق في كل مرة أخرج من البيت، خوفًا من ألا أعود. ومرة عدت من جلسة كيماوي ونمت، ثم استيقظت على ابنتي الصغرى، ولم تكن قد أكملت الثالثة، تربت على رأسي وهي تقول «يا لُبْ ماما طيب. يعني يا رب ماما تطيب».

أجريت لي عملية الاستئصال، مع عملية تجريف للغدد اللمفاوية تحت الإبط والكتف من الخلف. وبقيت من دون عملية ترميم ثلاث سنوات ونصف، لأن الأطباء رفضوا إجراء العملية لي.

بعد أن أنهيت العلاج الكيماوي الذي تلا الاستئصال، طلبت من الطبيب أن يحولني إلى الترميم، فقال لي «على شو مستعجلة، استنيلك كمان سنتين». قال لي وقتها إن الترميم لا يجرى إلا بعد الشفاء التام. لكنني عندما قابلت أحد الجراحين بعدها نفى ذلك. ورغم ذلك ظللت كل هذه السنوات بثدي مبتور، وحفرة في إبطي وكتفي. ثم قبل سنة ونصف، أصبت بورم حميد قرب الثدي المبتور، وعندما تقررت لي جراحة لإزالته «دبرت واسطة» وأجريت لي عملية الترميم.

لم يعدني الترميم بالطبع إلى ما كنت عليه، لكن الأمر لا يقارن بما كان عليه الوضع قبله. لقد كانت تلك السنوات من أصعب سنوات حياتي «يعني شعرك لو قصيتيه غلط ما بتحبي حدا يشوفه، كيف لما صدرك يروح». ورغم أن زوجي ظل يقول لي إن كل ما يهمه هو أنني بخير. إلا أنني لم أسمح له أبدا برؤية هذه المنطقة. فقط بعد العملية مباشرة، كنت مضطرة لأنه كان يغير لي الضمادات، ويساعدني في الاستحمام.

لقد شوّه هذا المرض جسدي، لكنني خرجت منه بأفضل صداقات، هي الصداقات التي بنيتها أثناء جلسات العلاج الكيماوي «لحد هسة عندي صاحبات من أيام الكيماوي». في غرفة الكيماوي تكون هناك 11 امرأة يتلقين الجرعات في وقت واحد «اللي تعيّط على شعرها، واللي تعيّط على جوزها بدّه يتركها». لكننا مع ذلك اجتزنا العلاج معًا. وعدنا إلى حياتنا. وما زلت أتذكر كلمة قالها لي أحد الممرضين وأنا في واحدة من لحظات ضعفي «رح تشوفي كيف كله رح يصير ذكرى».

تعامل الناس معي كما لو أنني مرشحة دائمة للموت. وفي كل مجالس العزاء التي أحضرها، يجب أن تكون هناك واحدة تذكرني بأن هناك من لم يكن مريضًا ومات، في حين أنه «سبحان الله إنت المريضة ظليتي».

إلى الآن لدي مشكلة مع الناس. في كل مرة ألتقي فيها بأشخاص يعرفون بمرضي، أجدهم يحدقون في صدري. قبل أيام كنت في عرس «وأنا بس أسمع أغاني على طول بطاريتي بتشغل»، قمت أرقص، ولاحظت أن عيون النساء معلقة بصدري. ويتجاوز الأمر التحديق إلى الأسئلة التي تمس تفاصيل خاصة. يسألني الناس إن كنت استأصلت ثديًا واحدا أم الاثنين. يسألون إن كنت استأصلت الثدي بكامله أم في جزء منه. وتأتي هذه الأسئلة في أحيان كثيرة من غرباء ألتقيهم أثناء مراجعاتي للمستشفى.

يضايقني كثيرًا أن الناس في كل مكان أذهب إليه تقريبًا يذكرونني بإنني كنت مريضة. ففي كل لقاء مع أي شخص يجب أن يثار موضوع مرضي، حتى لو كان هذا على شكل دعاء «إن شاء الله ما بربي ولادك غيرك. يا عمي بدكم تدعولي ادعولي، بس بظهر الغيب. مش ضروري قدامي». يتعامل الناس معي كما لو أنني مرشحة دائمة للموت. وفي كل مجالس العزاء التي أحضرها، يجب أن تكون هناك واحدة تذكرني بأن هناك من لم يكن مريضًا ومات، في حين أنه «سبحان الله إنت المريضة ظليتي».

معي توجيهي، لكنني كنت دائمًا أعمل من المنزل لمساعدة زوجي الذي يعمل سائقًا، براتب متدن، فتعلمت شغل السنارة، وأيضًا كنت أشتري وأبيع زينة الحفلات ومستلزمات الجاتو من المنزل. وأتذكر موقفًا طريفًا حدث معي بعد عمليتي مباشرة، وأنا بين النوم واليقظة، بدأت المرأة في السرير المجاور تسألني عن نفسي فأخبرتها عن عملي. وهنا أوصتني على كاكاو. وعندما اتصل زوجي ليخبرني أنه قادم وسألني إن كنت أريده أن يحضر شيئًا، طلبت منه كاكاو «فرط من الضحك وحكالي وااال يا [نغم]، بتبيعي وبتشتري بالمستشفى؟ قلت له شوف، المرض إشي والتجارة إشي ثاني». أعرف أن هذا صعب جدًا، لكنني أعتقد أن بعض المرح يساعد في العلاج. أتذكر مرة أن جزءًا من إجراءات العلاج كان يتطلب وضع نقاط بالوشم الدائم في المنطقة المصابة، لتكون هاديًا لفني الأشعة يعتمد عليها في توجيه الأشعة «لما عملوها قلتلهم الله يسامحكم، حاطين وشم وحاطين، كان رسمتولي فراشة وقلب حب».

مؤخرا افتتحت محلًا، لأوسع عملي، وصرت أقضي فيه جزءًا كبيرًا من ساعات النهار «لازم اشتغل. إذا ما اشتغلت بوكل حالي». قبل المحل كنت أظل أتحسس جسدي، مرعوبة من فكرة أن يعود لي المرض، وأظل أقول «هون كتلة، هون دعدورة».

قبل أيام كان لدي مراجعة لصورة روتينية. بعدها نادتني الممرضة، وقالت إنهم بحاجة لإعادة الصورة. أصابني الرعب، لأنه خطر لي مباشرة أن هناك شيء خاطئ. أعطوني بعدها الورقة المسجل فيها النتيجة لأريها للطبيب الذي لم يحن موعدي معه بعد. «أنا بفهمش على لغة الدكاترة. بس في الورقة أربع خانات مكتوب فيها كلها (No). بفكر هذا معناه إني أربعة جيد».


 

مروى (30 سنة)

ذهبت إلى الفحص بعد ستة أشهر من اكتشافي الورم في صدري، وكان هذا قبل أربع سنوات. كنت في السادسة والعشرين، تخرجت قبلها بسنوات قليلة من كلية الهندسة، فتاة جميلة، متعلمة وسعيدة، وكل حياتها أمامها. كانت كتلة صغيرة. أمضيت الستة أشهر أبحث في الإنترنت عما يمكن أن تكون. وكان يطمئنني أنه لا تاريخ للمرض في عائلتي، وأن السرطان، كما أخبرني الإنترنت، هو مجرد واحد من احتمالات عديدة، فقد يكون ورما حميدًا، كيسًا دهنيًا أو كيس دم. لكن مع نموها شهرًا بعد شهر، لم يعد من الممكن التأجيل أكثر.

كانت أمي معي عندما أخبرني الطبيب أنه السرطان، وأتذكر وقتها ردّة فعلي الغربية، ضحكت، وقلت له: «طيب، شو بدنا نعمل؟».

لماذا كانت هذه ردّة فعلي؟ في تلك اللحظة حملت همّ كل الألم الذي سأسببه لأهلي، فقبلها بأقل من سنتين قتل أخي الأصغر في حادث سيارة، وكان في الرابعة والعشرين من عمره. كنت أعرف أنه لم يكن عادلًا لهم أن يخوضوا مرة أخرى، وبهذه السرعة، تجربة فقدان ابن آخر. وهذا ما حدث، فقد دخل والداي في مرحلة اكتئاب شديد، احتاجا فترة طويلة لتجاوزه.

من ناحية أخرى، أعتقد أن جزءًا من ردّة فعلي هو أنني لم أكن قد استوعبت تمامًا الصدمة، رغم أنني ذهبت للفحص وأنا أعرف أن السرطان هو أحد الاحتمالات. ظللت هادئة لأسبوع، ثم بعدها كنت أتحدث مع صديقة لي أشرح لها وضعي. عندما توقفت فجأة عن الكلام، وبدا أنني استوعبت فجأة الذي حدث لي، وبدأت بالبكاء.

قرر لي الأطباء جلسات علاج كيماوي قبل الجراحة. وكان الورم قد تضخم إلى 6 سم تقريبًا. بعد الجرعات الثلاث الأولى، اتضح أن جسمي لم يستجب، وان الورم تضخم أكثر، فاضطر الأطباء إلى التسريع بإعطائي نوعًا آخر من الكيماوي، كان أشد فتكًا. فقدت شعري وحواجبي ورموشي. وارتديت الباندانا طوال الوقت، لم أنظر إلى نفسي في المرآة ولم أسمح لأحد من أهلي أن يراني بدونها، وكنت أرتديها تحت الحجاب عندما كنت أخرج. لكنني بعد شهرين تقريبًا، وصلت إلى مرحلة بدأت أتقبل فيها نفسي، وصرت أكثر استعدادًا لرؤية نفسي. وخططت لفعل ذلك. ثم حدث موقف مع أمي عندما دخلت غرفتي فجأة في اللحظة التي كنت أرتدي فيها الباندانا. كانت ردة فعلها عنيفة. انتفضت، وأشاحت بوجهها سريعًا وخرجت من الغرفة. هذا الموقف أعادني إلى نقطة الصفر، ومضى وقت طويل بعدها، حتى استجمعت نفسي، وأخذت القرار برؤية نفسي. وقفت أمام المرآة مغمضة العينين، ثم فتحتهما ووجدت نفسي أقول «خلص.. خلص».

لدي إعفاء طبي، لكنه لا يشمل عمليات الترميم. «بقولوا هاي عملية تجميل. بتقدري تعيشي من دونها».

أخبرني الطبيب أن هناك ثلاث خيارات جراحية مطروحة: استئصال الورم وحده، أو استئصال الورم مع جزء من المنطقة المحيطة به، وأخيرًا استئصال الثدي بكامله. والأخير، هو الخيار الذي حاول الطبيب إقناعي باتخاذه، لقطع الطريق على عودة المرض. لكنني رفضت، لأنني لم أستوعب أن يحدث هذا لي. الفكرة التي سيطرت عليّ «أنا خلص بطّلت بنت. كيف بدي أتطلع على حالي؟ إذا موضوع شعري ما تقبلته كيف اتقبل إنه صدري راح؟».

في النهاية استؤصل الورم مع المنطقة المحيطة به. واحتجت إلى عملية ترميم، لم أجرها إلى الآن، لأنها تكلف حوالي 2000 دينار، لا أملكها، ولا أريد تحميل أهلي عبئها. لدي إعفاء طبي، لكنه لا يشمل عمليات الترميم. «بقولوا هاي عملية تجميل. بتقدري تعيشي من دونها».

على كل حال، بترميم أو من دونه، أنا الآن، في ما يتعلق بفرص الزواج، في مكان آخر تمامًا غير الذي كنت فيه قبل الإصابة. أنا أنتمي إلى بيئة محافظة، من النوع الذي تتم فيه الزيجات بشكل تقليدي. كنا في بيتنا نستقبل طوال الوقت النساء الغريبات اللواتي يبحثن لأبنائهن أو أخوانهن عن عروس. وكن يأتين بترشيح من أقارب أو جيران، وهذا انتهى الآن. «الجيران اللي كانوا يودولنا عرسان بطّلوا». لقد حدث مرة أن تلقينا اتصالًا من امرأة لا نعرفها قالت إنها تريد أن تأتي لتراني، وخمنت أنها لا تعرف بمرضي. فأخبرتها. صمتت المرأة للحظة ثم قالت «هيك الموضوع بخوّف. بدنا نفكر»، فطلبت منها ألا تأتي.

لهذا أنا أفضل الآن الزواج غير التقليدي. أعتقد أن الشباب أكثر مرونة من أمهاتهم وأخواتهم، اللواتي يكون لهن في الزواج التقليدي كلمة كبيرة في الموضوع «لا يعني لا». أيضًا في الزواج غير التقليدي، يكون لدي فرصة أفضل للتأكد من أن الشخص يتقبلني حقيقة «وإنه ما راح يعايرني بالسرطان أو بالعملية، لأنه كثير منتشر موضوع المعايرة». قبل أشهر قليلة، تعرفت من خلال عملي على شاب مطلق، ولديه طفل. تقرب مني بهدف الزواج، فأخبرته مباشرة بمرضي. قال إنه يتقبل الأمر من ناحية المبدأ، لكنه يريد أولًا التأكد من وضعي الصحي. «حكيتله وضعي اللي بتشوفه. هيني بروح وباجي. عندي بس مراجعات. وبعد 3 سنوات بخلص العلاج تمامَا». بعد فترة حدث بيننا جدال على أمر سخيف، فقال لي «احمدي ربك إني اطلعت عليك. فحكيتله مش أنا اللي بتعاير. الله معك».

في البداية أثر فيّ كثيرًا هذا التحول في نظرة المجتمع لي، والتحوّل الكبير في فرص زواجي، لكنني بعدها بدأت أنظر إلى الأمر من زاوية إيجابية. صرت أقول لنفسي إن الكلام الجارح الذي أسمعه، هو فرصتي لأعرف أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مناسبين. وأنا لست مستعدة للتنازل والزواج من شخص لا أكون مقتنعة انه مناسب. أنا لا أطلب المستحيل. أنا مثل أي فتاة أخرى، لدي معايير لمن أريد الزواج منه. وهناك أشياء لدي استعداد للتنازل عنها، وأخرى لست مستعدة للتنازل عنها. ويجرحني افتراض الناس أنني يجب أن أتنازل عن معايير أساسية في من سأرتبط به فقط لأنني أصبت بمرض. مثلا، تعرفت قبل فترة على شخص، عن طريق صديقة لي. كان متقبلًا لوضعي. لكنه منذ البداية طلب مني أن أكف عن عمل تطوعي أقوم به في قسم الأطفال في مركز الحسين للسرطان. هناك أطفال أتواصل معهم باستمرار، أتابع وضعهم مع أهاليهم، وأحضر معهم مراجعاتهم إلى المركز. هذا النشاط هو واحد من الأشياء التي تعينني على مواصلة الحياة. سألته عن السبب، فاكتفى بأن قال «ما بحب هاي الشغلات». وانا لن أتزوج شخصًا سيعاملني بهذه الطريقة.

حدث بيننا جدال على أمر سخيف، فقال لي «احمدي ربك إني اطلعت عليك».

انخراطي في العمل التطوعي مع مرضى السرطان هو واحد من الأنشطة الأساسية في حياتي. المسألة أكبر من مجرد فعل الخير، أنا آخذ من هؤلاء بقدر ما أعطيهم. وعندما تضيق بي الحياة أذهب إليهم، وأشعر فورًا بالراحة. أنا بين مرضى السرطان أكون في مجتمعي، بين أناس مروا بالمعاناة ذاتها، ولم يعودوا حتى بحاجة للشكوى لبعضهم. «مش محتاجة تقعدي تحكي أنا هيك وهيك صار معي، مش محتاجة».

بعد ما يقارب الأربع سنوات، أجد أن أسرتي الصغيرة تعايشت مع مرضي. ولم يعد يحضر المرض في تواصلنا إلا عندما يكون هناك ما يستدعي ذلك. مثلًا، أن يكون لدي موعد وأطلب من أحد أن يذهب معي أو ما شابه. لكنني أجد صعوبة كبيرة في حمل الآخرين، من جيران وأقارب على نسيان أنني مريضة، وعدم تذكيري بذلك في كل مرة نلتقي. ويحدث كثيرًا أن يتم ذلك بطريقة بالغة الأذى، عندما يظلون يربطون السرطان بالموت. إنهم لا يستوعبون أن علاج المرض تطور بشكل هائل، وأن حالات الشفاء أكثر من الوفيات «بحكولي إوعي تفكري إنه فلانة ماتت يعني إنت رح تموتي. طيب أنا ما بفكر إني رح أموت. بدكم أظل أفكر بالموت حتى ترتاحوا؟».

صحيح أنني الآن، وبعد سنوات من العلاج، أشعر أنني جسديًا أضعف مما كنت عليه، وهذا يجعلني عندما أنظر خلفي أنتبه للأشياء التي كانت لدي، ولم أعرف قيمتها إلا بعد أن فقدتها، لكن تجربتي مع المرض جعلتني في الوقت نفسه أكتشف في نفسي قوة لم أكن أعرف أنها موجودة. صرت أكثر قدرة على التحكم في غضبي، وعلى امتصاص غضب الآخرين. صرت أقدر على استيعاب الآخرين، ربما لأنني بحاجة إلى أن يستوعبوني. بشكل عام، صرت أكثر صبرًا بكثير، وردة فعلي على ما يحدث هي غالبًا «هذا ولا إشي جنب اللي شفته».


 

سلمى (59 سنة)

عندما ظهرت نتيجة الخزعة، وتأكد أنني مصابة بالسرطان، أول ما خطر لي هو «الحمد لله، إجت فيّ، مش بالأولاد».

كنت أعرف أنني سأتقبل المرض، وأتعامل معه بعقلانية، أمر لم أكن متأكدة إلى أي حدّ كنت سأنجح فيه في ما لو كان أحد أولادي هو المصاب. وأعتقد أن هذا هو أكثر ما ساعدني في اجتياز رحلة العلاج الشاقة؛ لقد كانت لدي دائما القدرة على اكتشاف جانب مضيء في أكثر المواقف قتامة. لهذا عندما خرجت من المستشفى بثدي واحد، كنت أشعر بالسعادة، لأنني فكرت وقتها أنهم استأصلوا السرطان، عوضًا عن التفكير أنهم استأصلوا ثديي.

بدأ كل شيء العام 2009، عندما اكتشفت كتلة صلبة في ثديي الأيمن. كانت آخر صورة ماموغرام أخذتها العام 2003، وانقطعت بعدها لأن الحياة شغلتني، فقد كنت منقسمة بين مسؤولياتي تجاه بيتي وزوجي وأبنائي الثلاثة، وعملي الخاص، وهو مصنع صغير للمنظفات، كان يستنزف الكثير من وقتي، لأنني كنت أنجز بنفسي معظم الأعمال بنفسي، بما في ذلك تسليم الطلبيات.

لم أفزع كثيرًا عندما اكتشفت الورم، لأنه ليس هناك تاريخ للمرض في عائلتي، لكن كان يجب أن أتأكد. ولأن طبيبي الخاص كان قد تقاعد للتو، كان علي البحث عن آخر. وأنا أضحك عندما أتذكر أنني اخترت الطبيب الذي ذهبت إليه وقتها لأنه كان من السهل إيجاد مكان لاصطفاف السيارة بالقرب من عيادته. لم يفحصني هذا الطبيب سريريًا، بل اكتفى بفحصي بجهاز ألترا ساوند قديم جدًا، أخبرني بعده أنني مصابة بشدّ عضلي. أردت التأكد أكثر، فقررت إجراء المزيد من الفحوص.

أجريت صورة ماموغرام، ذهبت بعدها إلى طبيبة لتجري فحصًا آخر. كان وجهها خاليا تمامًا من أي تعبير، وهي تنقل الآلة من الثدي الأيمن إلى الأيسر، وهذا طمأنني، فقلت لها مازحة «إن شاء الله السرطان بس بواحد». وهنا فجّرت في وجهي الصاعقة؛ قالت: «آه، بس بواحد». وقبل أن أستفيق من الصدمة، بادرتني بمفاجأة ثانية، وهو أن الورم وصل إلى الغدد اللمفاوية. «كنت جاية لحالي، ومش جايبة حدا معي. منيح كنت متمددة».

من هنا بدأت رحلة العلاج. أخبرني الأطباء أن المرض في المرحلة الثالثة، وأنني سأخضع للعلاج الكيماوي في البداية، قبل استئصال الثدي.

قلت لها مازحة «إن شاء الله السرطان بس بواحد». وهنا فجّرت في وجهي الصاعقة؛ قالت: «آه، بس بواحد».

كانت هذه صدمة لعائلتي، بالتحديد لابني الأصغر الذي كان في الخامسة عشرة من عمره، وكان أصلًا متأثرًا بغياب أخيه وأخته اللذين كانا يدرسان في الخارج. أصيب بالاكتئاب. وبدأ يعاني نوبات هلع. فكنت أعود من جلسة الكيماوي، وأجلس على طرف سريره ممسكة بيده إلى أن ينام. وهذا ما جعلني أدرك من البداية أنني يجب ألا أقع فريسة للفزع والحزن. «صرت أفكر إنه أولادي بحاجتي، إذن أنا مش لازم أموت هلأ».  

كنت معروفة في العائلة بأنني سيدة المهمات الشاقة. واستسلامي كان سيعني انهيار القريبين مني. لهذا قررت أنني سأستمر بحياتي. فلم أنقطع عن عملي، ولا عن التزاماتي العائلية. بل زدت عليها وقتها مهمة إضافية. والدي كان توفي قبلها بسنة تقريبًا، وترك لي شقة فقررت الانتقال إليها. وتوليت عملية تجديدها بنفسي «في وقت العلاج الكيماوي، كنت أخلص شغلي في المصنع، وبعدين أروح أدور على المحلات أختار بلاط وسيراميك ولمبات».

إذا سأل أحد عائلتي إن كان العلاج الكيماوي قد أتعبني ستكون الإجابة لا، لكن هذا ليس صحيحًا «كانوا يحكولي إنت جبارة. لا، أنا مش جبارة». لقد هدّني العلاج، وأصابتني خلاله الكثير جدًا من أوقات الضعف. عندما فقدت شعري وحواجبي ورموشي، وبدأت أظافري تتكسر، عندما انقطعت شهيتي وصار طعم الماء مرّا. كانت تأتي أوقات أتساءل فيها «ليش أنا؟ يا رب أنا شو عملت؟».

لكنني كنت أتذكر دائمًا أنني يجب أن أبحث عن الجوانب المضيئة. عندما فقدت رموشي اكتشفت أن عيوني مكحلة بشكل طبيعي. وعندما فقدت معظم شعري، وذهبت لحلاقته في الصالون، وبدأت دموعي تنزل وهم يحلقونه لي على الصفر، «انتبهت جلدة راسي ما فيها عيوب». اشتريت باروكة لكنني لم ارتدها سوى مرتين بداية مرضي. الأولى في عرس، لأنني «ما كان بدي يصيروا يحكوا ليش ويا حرام». والثانية عندما استقبلت ابني في المطار، وكانت المرة الأولى التي يراني فيها بعد معرفته بخبر مرضي. باستثناء ذلك، كنت أبقى من دونها في المنزل، وفي الخارج ارتدي باندانا أو طاقية.

عندما أنهيت الكيماوي، وقرروا لي عملية الاستئصال، صادف أن موعدها كانت بعد يوم من ذكرى زواجي الـ25. كنت في المستشفى قبلها بيوم، فقلت للأطباء «هيني حجزت الغرفة، والليلة طالعة مع جوزي. حدا بدو مني إشي؟».   

أجريت لي عملية الاستئصال، وزرع لي الأطباء مكانه، في اليوم ذاته،  ثديًا صناعيًا من السيليكون. بالطبع هو ليس كالطبيعي، لكنه على الأقل يبدو كذلك مع ارتداء الملابس. الخيار الثاني كان ارتداء حمالة صدر خاصة مزودة بثدي يلبس ويخلع. وقد رفضت ذلك لأنه ليس عمليًا.  

أجريت عملية الاستئصال مع تجريف للغدد اللمفاوية، وهذا ترك لي حفرة في منطقة الإبط. وأستطيع القول بثقة إن علاقتي الحميمة بزوجي لم تتأثر «ولا عمره حسسني إنه في إشي ناقص». صحيح أنني لا أسمح له أن يرى هذه المنطقة. لكن هذا بسببي وليس بسببه. لقد ظلت نظرته إليّ كما هي. وأعتقد أن هذا سببه هو طبيعة علاقتنا. أنا امرأة عملية جدًا في ملابسي، وهيئتي. وهو تعرف علي بهذه الصورة وأحبني كذلك. وعندما فقدت أحد أجزائي الأنثوية، كان هناك قاعدة صلبة ظلت تسند هذه العلاقة. وأعتقد أن هذا هو أكبر دعم حصلت عليه.

الدعم النفسي هو ركيزة أساسية في العلاج من هذا المرض. وإذا كان لي أن أسدي نصيحة لمن تمر بهذه التجربة فهي ابحثي عن الدعم وقدميه. وهذا ما أرى أن مرضى السرطان يفعلونه في ما بينهم في ظل شح أطر الدعم المؤسسي. في بداية مرضي أخبرتني صديقة عن قريبة لها عولجت من المرض، فطلبت لقاءها. تحدثت معي تلك السيدة مطولًا عن تجربتها، وأرتني مكان الثدي المستأصل، وكيف يبدو بعد الترميم. وهذا خفف كثيرًا عليّ. بعدها صرت أنا أفعل الأمر ذاته. صرت في مراجعاتي عندما أرى في غرفة الانتظار، سيدة والقلق باد عليها، أذهب وأتحدث إليها، وأعطيها النصائح التي أعطتني إياها أخريات في بداية مرضي «لو بتشوفي الأسماء بتلفوني، كلها فلانة كانسر، فلانة كانسر».

نصيحة أخرى، تعلمي أن تكوني شريكة في علاجك. لقد كنت حريصة على أن أفهم كل شيء، وكنت أسجل أسئلتي على ورقة آخذها معي في مواعيد الأطباء. الطبيب هو المتخصص نعم، لكن هذا لا يتعارض أبدًا مع حق المريض في أن يفهم تفاصيل ما يحدث له.

لقد غيرتني هذه التجربة إلى الأحسن. أنا الآن أهدأ بكثير عما كنته من قبل «صار كثير صعب حدا يستفزني». صرت أكثر تقديرًا للنعم في حياتي. وصرت أكثر قدرة على الاستمتاع بحياتي، وتخصيص المزيد من الوقت لنفسي. في الماضي كنت أضع الجميع قبلي، زوجي، أولادي، بيتي وعملي. وكنت أؤجل الأشياء التي تخصني. لم أعد أؤجل. تركت عملي في مصنع المنظفات، وتقاعدت. في الحقيقة، لم أتقاعد تمامًا. في الصباح أخصص وقتي للعمل التطوعي لصالح مرضى السرطان، وبعد الظهر أعطي دروسًا خصوصية لأطفال في العائلة. وأنا سعيدة أكثر من أي وقت مضى.

* تم تغيير جميع الأسماء إلى أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية صاحباتها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية