عندما تطلب الزوجة الطلاق

عندما تطلب الزوجة الطلاق

الثلاثاء 29 آذار 2016

حين وصلت يسرى إلى طريق مسدود في حياتها مع زوجها، لم تمتلك الإمكانات التي تحتاجها لرفع قضية افتداء، أو خلع بحسب التسمية القانونية السابقة، ما كان سيمكّنها أن تختصر على نفسها طريق المحاكم الطويلة ومناقشة تفاصيل حياتها الخاصة في المحكمة، لأنها لم تستطع إعادة مهرها المقدم والتنازل عن نفقتها ومهرها المؤخر.

«أنا بيني وبينه ما في تواصل نهائي. أبوي حكى له إنه أنا بتنازل عن كل حقوقي بس يطلقني على أساس ما ندخل محاكم وحمّة بال، ما رضي. فاضطرينا نفوت المحكمة»، تقول يسرى.

اضطرت يسرى إلى رفع قضية تفريق للشقاق والنزاع، وهو ما أدخلها في مسار مطوّل من الإثباتات والتحكيمات، ظلت تراجع المحكمة فيه لتحصيل حقوقها لأكثر من سنة.

قد يُنظر إلى قانون الأحوال الشخصية الأردني بوصفه أكثر إنصافًا للنساء في ما يتعلق بالطلاق، مقارنة مع ما يشابهه من القوانين في العالم العربي، إذ وفّر أنواعًا مختلفة من الطلاق، تسعى لخلق توازن بين إمكانات الرجل وإمكانات المرأة، من بينها الافتداء. لكن سير القضايا في المحاكم الشرعية يكشف الكثير من التفصيلات التي يكبّل تعقيدها النساء.

بدائل غير متكافئة

divorce1نظريًا، وفّر قانون الأحوال الشخصية بتعديلاته الأخيرة منافذ للنساء الساعيات للطلاق، تضع أمام كل سلطة للرجل فرصة مقابلة للنساء. فمقابل قدرة الرجل وحده على الطلاق بالإرادة المنفردة بما يستوجب دفعه للمهر المؤخر والتزامه بالنفقة، تستطيع المرأة أن تتنازل عن مهرها المؤخر ونفقتها وأن تعيد لزوجها مهرها المقدم لتطلب الطلاق عبر الافتداء، أو الخلع بالتسمية السابقة للتعديل الأخيرة للقانون عام 2010. كما تستطيع رفع قضية تفريق للشقاق والنزاع. لكن عمليًا، ليست كل الخيارات مفتوحة.

حين اتجهت يسرى للمحكمة، صدر حكم بشأن نفقتها وزيارة ابنتيها إيناس وريماس في وقت قصير، وتمت المصادقة على طلاقها في قضية التفريق للشقاق والنزاع بعد أربع جلسات، لكن مرحلة التحكيم وتقدير الضرر على الطرفين وبالتالي التعويض المالي وتقسيم الأموال المشتركة، والتي تختص بها قضايا الشقاق والنزاع وحدها، امتدت لأشهر بعد ذلك.

«قبل قضية الشقاق والنزاع رفعت نفقة ورفعت استزارة للبنات. النفقة على طول طلعت بعد ثاني جلسة، حكمولي بستين دينار. والاستزارة حكمولي كل أسبوع»، تقول يسرى. «بعدين صار إشي اسمه حلفان يمين للطرف التاني لإني أنا اللي رافعة القضية (..) هو ما رضي يحلف، فطلع حكم بالطلاق».

ورغم أن القاضي حكم لها بالطلاق، إلا أن تحصيلها لما يترتب على ذلك من أموال يتم في عملية منفصلة. «حوّلونا من المحكمة لعند حكمين بيكونوا محاميين، بيسمعوا مني وبيسمعوا منه عشان يقّدروا لي قديش ضل إلي من حقوقي عليه. بيجمعوا المتقدم والمتأخر وبيشوفوا مين المتضرر أكثر من الثاني وبيحسبوله».

ورغم أن يسرى وطليقها اقتربا من التوصل لاتفاق بعدما قضى الحكمان بمنحها 65% من مجموع مهرها، إلا أن خلافها مع طليقها حول مصوغاتها الذهبية التي باعتها لسداد ديون السنة الأولى من الزواج، أدى لتعليق الحكم، وجرّ جلسات أخرى مدّت في عمر القضية، خاصة بعد أن أصبح طليقها يتغيب عن جلسات المحكّمين.

divorce2هذه المماطلة لم تكن لتحدث لو كانت الحالة معاكسة، أي لو كان الرجل قد رفع القضية ووجد المحكّمون أن الضرر الأكبر وقع عليه لا على المرأة، لاضطرت أن تودع المبلغ المترتب عليها في صندوق المحكمة قبل أن يصبح الحكم نافذًا، بحسب المستشارة القانونية في اتحاد المرأة الأردنية المحامية هالة عاهد.

أمر شبيه ينطبق كذلك على التحصيل المالي في قضايا الافتداء مقابل قضايا الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل. فبينما يستطيع الرجل تقسيط المؤخر إن لم يستطع دفعه دفعة واحدة في حالة الطلاق بالإرادة المنفردة، لا يُحكم لصالح المرأة بالطلاق في حالة الافتداء إلا بعد أن تكون قد أعادت كامل المهر الذي استلمته من زوجها. كما أن النفقة في حالات الطلاق بالإرادة المنفردة، إن لم يُتفق عليها رضائيًا، تصبح رهنًا برفع الزوجة لقضية تطالب فيها بها، بعد أن يقع الطلاق ويسجل.

يقول مفتش المحاكم الشرعية د. أشرف العمري إن اشتراط إعادة المهر من أجل الافتداء مستند لحديث نبوي، وهذا هو أساس اعتماده في قانون الأحوال الشخصية. وتعليقًا على مسألة التقسيط، يقول العمري إن المرأة غير مضطرة للجوء إلى هذا النوع من الطلاق، لذا «إذا أرادت أن تختار هذا الطريق وأن لا تفصح عن الأسباب [وراء الطلاق]، هي الآن ملزمة بنتائج هذا الطريق التي رسمها القانون».

شرط إعادة المهر يجعل الافتداء خيارًا نظريًا فقط لكثير من النساء. تقول هالة عاهد إن الممارسة الفعلية لهذا الحق تقتصر على النساء المقتدرات ماديًا، القادرات على العمل والإنفاق على الأبناء. «لا يمكن أخذ موضوع الطلاق والانفصال بشكل منفصل عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي. (..) هناك سيدات ما معهم مواصلات يوصلوا المحكمة».

هل يحل شكل من الطلاق محل آخر؟

يقول العمري إن عدد قضايا الافتداء تناقص بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2010 بما يسهّل دعوى الشقاق والنزاع، وهو التعديل الذي صدر عن مجلس الوزراء في قانون مؤقت ما زال ينتظر إقراره في مجلس الأمة. إذ أُعطي القاضي صلاحية التحقق في قضايا التفريق للشقاق والنزاع، فلم تعد المرأة مكلفة بالإثبات بالبينة كما كان القانون السابق. «لما سهّلنا للمرأة طريق الشقاق والنزاع أصبحت غير مضطرة أن تلجأ للافتداء. كانت تلجأ له لأنها كانت تعاني من صعوبة في الإثبات في دعوى الشقاق والنزاع، وبالتالي تأخذ وقت أطول وأحيانًا لا تستطيع أن تثبت حالة الشقاق والنزاع وترد الدعوى ويضيع عليها الوقت ولا تستفيد».

في المقابل، تقول عاهد إن القانون بات يقبل النظر في أي سبب تقدمه المرأة في قضايا الشقاق والنزاع، لكن مدى تحقق القضاة في القضية يتفاوت، وقد يغرقون في البحث والسؤال، أو يطلبون شهودًا للتحقق الأسباب التي تزعمها الزوجة، بما يحد أحيانًا من الاستفادة من التسهيل الذي أقره تعديل القانون.

التقارير الإحصائية السنوية لدائرة قاضي القضاة تظهر تناقصًا حادًا في القضايا الواردة (الجديدة) للافتداء أو الخلع بين عامي 2010 و2011، أي بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية. بينما تزايدت ببطء أعداد قضايا التفريق للشقاق والنزاع على الفترة ما بين عامي 2006 و2014. وفي الحالتين، تظل الأعداد أقل بكثير من حالات الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل.

لكن بالنظر إلى نتائج القضايا المنظور فيها (الواردة والمدورة) في الفترة نفسها، تشير الأرقام إلى أن عدد القضايا المسقطة، أي التي لم يحكم فيها للنساء بالطلاق، ظل دومًا أكبر من عدد القضايا المفصولة، أي التي حُكم فيها بالطلاق.

هذه النسبة العالية من القضايا المسقطة تذكر بالنقاش الذي كان دائرًا حول جواز أو إمكانية فتح باب الافتداء أمام المرأة، عندما كان مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية قيد البحث. إذ كان بعض النواب يدفعون في القراءة الأولى للمشروع نحو اقتصار الافتداء على الزيجات قبل الدخول، بحسب عاهد، لكن ذلك التوجه لم يؤخذ به.

يقول العمري أن الأصل في الافتداء أن لا تُسأل المرأة عن الأسباب وأن يؤخذ بأي من مبرراتها لطلب الطلاق، لكن تجربة عاهد في المحاكم قادتها للاعتقاد إلى أن بعض القضاة لا يقفون دومًا على نفس المسافة من الطرفين. «للأسف نحن كمحاميات قد ننصح الموكلة أن تظهر مسكينة، لأن أي اعتداد بالنفس يظهر أمام القاضي قد يتم اتهامها فيه إنها هي [السبب في الطلاق]»، تقول عاهد. «يعني كم نعمل على تمكين النساء، لكن في لحظة من اللحظات نطلب منها أن لا يعلو صوتها».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية