يلاحظ من يمر بمركبته من منطقة «تلة الرمل» في بلدية معدي بمحافظة البلقاء التجمعات السكانية العشوائية المنتشرة على جوانب الطريق. تعود هذه المساكن في معظمها لعمال مصريين يعملون في المزارع القريبة.
تنتشر هذه المساكن على طول الشارع الرئيسي الذي يربط بين قرى دير علا، تكاد تكون قرىً صغيرة شيّدها العمال المصريون في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من الخدمات الأساسية، وتشكل خطرًا على كل من يعيش فيها، وتذكر بالعشوائيات المنتشرة على أطراف المدن المصرية الكبرى.
يعمل معظم العمال الذين يعيشون في تلك المساكن بما يسمى نظام المياومة، أي أنهم يتقاضون أجورهم بحسب عدد ساعات عملهم يوميًا. ويتقاضون نحو دينار إلى دينار ونصف مقابل ساعة العمل، ويأتي معظهم إلى الأردن عن طريق سمسار تصاريح، يعمل عادةً على بيع التصريح للعامل بمبالغ تفوق تكاليفه الحقيقية، مقابل منحه حرية العمل في أي مكان، مع بقائه الكفيل القانوني لهذا العامل.
يبني العمّال هذه المساكن باستخدام المواد الزراعية الأوّلية، وبخاصة البلاستيك الذي يستخدم في البيوت المغطاة وأنابيب الري، بالإضافة إلى مخلفات عبوات السماد والكرتون وغيرها، ويستخدمون الصفائح الحديدية والخشب للسقوف والأبواب.
يقول العمال إن تكلفة بناء المسكن تصل إلى نحو 200 دينار، توزع عادةً على كل من يشارك في العيش فيه، والذين يصل عددهم في بعض الحالات إلى ثمانية اشخاص يعيشون في مساحة صغيرة جدًا.
تفتقر هذه المساكن العشوائية في معظمها إلى الخدمات الأساسية باستثناء الكهرباء، والتي يتم تمديدها عبر أسلاك أرضية منتشرة بشكل عشوائي بين المساكن من البقالات أو المساكن الحضرية القريبة، مقابل دفع أجرة شهرية تصل إلى نحو 20 دينارًا. أمّا مياه الشرب فيتم توفيرها عبر شرائها وتخزينها في أماكن قريبة من المساكن، وبالنسبة للصرف الصحي فقد صنع العمال المهاجرون شبكة صرف صحيّ بدائية مكشوفة بين المساكن.
يقول العامل المصري شاهر عبد الرحمن، والذي يعمل في الأردن ويعيش في تلك المساكن منذ العام 1993، إن هذه المساكن موجودة منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبدأت بمجموعة بيوت عشوائية على جانب الطريق لكنها سرعان ما تحولت إلى شكلها الحالي.
عبد الرحمن، والذي ينتمي إلى مدينة سوهاج المصرية، يقول إن العمال يفضلون هذه المساكن لأنها قريبة من الأراضي الزراعية، وقد باتت معروفة لكل أصحاب المزارع الذين يرغبون في تشغيل العمال، لذلك أصبح من الصعب تركها رغم محاولة صاحب المزرعة التي أقيمت عليها المساكن طردهم أكثر من مرة.
رشاد مهدي الذي جاء إلى الأردن عام 2004 يقول «وضعنا زي ما أنت شايف، ما بنقدرش نتحرك من هنا، أو نسكن في مكان تاني، الفلوس الي بنحصلها يا دوب تكفي مصاريف، ويا دوب بنهاية الشهر نودي 100 دينار لأهلنا في مصر».
في الخامسة صباحًا، يستعد المزارعون للعمل. وخلال تناول الإفطار الذي كان عبارة عن كعكة يغمّسها في الشاي، قال سليم: «أنا جيت هنا علشان اشتغل كسايق تراكتور، واشتغلت، لكن كل يوم كنت أوقع بمشكلة مع الأمن، ما كانوش يسمحولي اشتغل الشغلانة دي. في ناس مننا بشتغل بالبلد دي من 30 سنة، ووضعها زي ما هوّه».
المبنى الإسمنتي الوحيد في المنطقة هو المسجد.
ينتمي معظم العمال المصريين المهاجرين في تلك المنطقة إلى محافظة سوهاج، والتي يصفها البعض بأنها «عاصمة الفقر في مصر». وهذا ما يفسّر، ربما، قبول العمال المصريين العيش في العشوائيات وبهذه الظروف.
لا يعرف الفقر صغيرًا أو كبيرًا، فبين تلك المساكن العشوائية وجدنا الستينيّ «العم أحمد» الذي كان يكتفي بالجواب على كل سؤال وجهناه له بـ«الحمد لله على كل حال».