«هذا سيل مش طبيعي»: روايات من يوم الجمعة

كوادر الدفاع المدني أثناء البحث عن مفقودين قرب جسر الراشدية في قرية مليح بمحافظة مادبا حيث جرفت السيول عددًا من المواطنين. تصوير دانة جبريل.

«هذا سيل مش طبيعي»: روايات من يوم الجمعة

الإثنين 12 تشرين الثاني 2018

ظهر الجمعة 9 تشرين الثاني، أخذ زيد الحديثات ستًا من بناته السبع في جولة بعد الغداء، لقطاف الزيتون بحسب رواية، أو بهدف «تغيير الجو» بحسب رواية أخرى من روايات السيدات في منزل عائلة زيد في قرية مليح بمحافظة مادبا. إلّا ان ذلك المشوار لم ينتهِ بسلامة، عندما هطلت الأمطار بكثافة شديدة ولمدة قصيرة، وتشكّلت سيول داهمت منازل جرفت معها سيارات، كان منها سيارة زيد.

في الساعة الواحدة بعد منتصف ليل الجمعة، أضاء الدفاع المدني جسر الراشدية في مليح، للبحث عن زيد ومن تبقى من بناته، بعد أن انتشل مواطنون ورجال أمن جثمان ابنته بشرى من السيارة عصر الجمعة، وبقيت شقيقاتها الخمس الأخريات مفقودات.

بعدها بساعتين، أرسل الدفاع المدني جثتي الأربعيني زيد و ابنته إيمان إلى مستشفى النديم في مادبا، بعد أن سبقتهم للمستشفى جثة هبة التي عثروا عليها عند «السيل الكبير» في وادي الوالة. فيما عثر الدفاع المدني على جثمان الأخت الكبرى، وعد، صباح السبت في منطقة الكسارات في وادي الهيدان.

أما نور، ذات الخمس سنوات، فقد غابت شمس الأحد، ولم تزل مفقودة، يبحث عنها 500 من الكوادر الأمنية المختصة، يمشطون المنطقة ما بين البحر الميت وبلدية لب ومليح في مادبا، حيث جرفت السيول سيارة والدها، قبل أن يُعثر على جثمانها صباح الإثنين في وادي الهيدان.

وحدها الابنة الخامسة، هداية، تمكنت من النجاة من السيارة عندما صعدت على شجرة زيتون، ليجدها محمد أبو نار الذي يسكن قرب ذلك المكان.

من تلك العائلة بقيت الأم الثلاثينية، وطفلة لا تتجاوز العامين، بقيتا في المنزل ولم ترافقا زيد وبقية البنات في تلك الرحلة. أما هداية، تقول قريباتها أنها في حالة صدمة، ما يمنعهن من السؤال كثيرًا عمّا حصل يومها، وبالتالي عدم وضوح تفاصيل ما حدث في السيارة.

كوادر الدفاع المدني أثناء البحث عن مفقودين قرب جسر الراشدية في قرية مليح بمحافظة مادبا حيث جرفت السيول عددًا من المواطنين. تصوير دانة جبريل.

السيل الذي جرف زيد، تشكّل في منطقة مادبا، وجرى في وادي الوالة، وصبّ في البحر الميت، في نقطة مجاورة للسيل الذي جرف قبل أسبوعين 21 شخصًا في وادي زرقاء ماعين كانوا في رحلات سياحية للمنطقة.

إلا أن الأمطار هذه المرة لم تقتصر على مادبا ووديانها، فقد غمرت السيول كذلك الطريق الصحراوي في المنطقة ما بين بلدتي ضبعة والزميلة التابعتين للواء الجيزة بمحافظة العاصمة، وجرفت معها أمًا وابنتيها وغطّاسًا من كوادر الدفاع المدني كان يحاول إنقاذ العالقين في تلك المنطقة. كما جرت الأودية في مناطق وادي موسى ومعان والطفيلة والبتراء والجفر، وأدت لوفاة طفلة في منطقة روضة الأمير راشد قرب الجفر بعدما داهمت المياه منزل عائلتها. كذلك أصيب العشرات، وتم إخلاء نحو 4 آلاف سائح في البتراء ونقل نحو 1000 ساكن في مناطق الأودية من أماكن مختلفة في الأردن.

صباح الأحد، قال رئيس الوزراء عمر الرزاز إن هناك «مشكلة» في البنى التحتية والخدمات، تعقيبًا على ما حدث من وفيات وإصابات جرّاء السيول، مؤكدًا على «أن وعي المواطن من المخاطر هو الأساس في الوقاية منها». إلا أن عشرات الناس ممن قابلتهم حبر تحدثوا عن سيول لم يسبق لهم مشاهداتها أو التعرض لها، وتفاوت شكل تجاوب الناس معها من شخص لآخر.

يعرض هذا التقرير بعض روايات ما حدث يوم الجمعة وظروف تلك الوفيات والإصابات، في محاولة لفهم ما حدث وكيف تعامل الناس معه.

خريطتان توضحان مواقع أحداث يوم الجمعة. تصميم مايا عامر.

سيارات جرفها السيل عن الطريق

توفي جرّاء سيول يوم الجمعة 13 شخصًا، منهم تسعة داهمت السيول سياراتهم على الطريق. فإلى جانب زيد وبناته، توفيت أم بكر وابنتاها، ميساء ورواء، وهنّ في طريقهن إلى منزلهم في قرية الزميلة، القريبة من بلدة ضبعة، قادماتٍ من مادبا.

نهار ذلك اليوم، بدأت كميات كبيرة من الأمطار تهطل في مناطق وسط وجنوب الأردن. تحديدًا، في الزميلة المحاذية للطريق الصحراوي، بدأ هطول الأمطار حول الرابعة عصرًا بحسب مختار القرية رويّد مسعد المسلم. بعد ساعتين، يقول المختار ومزارعون في المنطقة إن جدار بركة مائية، يسميه أبناء المنطقة «سدًا»، داخل مزرعة خاصة انهار، ما أدى تزايد فيضان المياه ووصولها إلى شارع الخدمات ومن ثم إلى الشارع المحاذي المفتوح للسيارات في الطريق الصحراوي، إضافة إلى انسداد عبّارات تصريف المياه لشدّة السيول والمواد الثقيلة التي حملتها معها.

يقول أحد مزارعي المنطقة إنه تحدث سابقًا مع المسؤولين عن المزرعة التي يتواجد فيها جدار البركة وخطورتها، نظرًا لإقامتها قرب مجرى وادي القِدرة، ما يعرضها للسيول بحسبه، بالإضافة لاحتمالية أن تغمر المَزارع المحاذية لها والطريق الصحراوي القريب منها إذا فاضت.

يقول الناطق الرسمي باسم وزارة المياه عمر سلامة، إن السبب الرئيسي لفيضان المياه هو التغيّر المناخي الذي نتج عنه هطول كميّات كبيرة من الأمطار، في مناطق محددة، ولفترات زمنية مكثّفة. بالإضافة إلى أن المنطقة معرّضة للسيول بحكم قربها من الوديان. وقلل سلامة من أثر الانهيار في الحوض المائي، كمسبب للحادثة، بسبب محدودية ما يحتويه من مياه، في تشكيل السيول وإغراق الشارع.

كانت سيارة أم بكر على الطريق الصحراوي عندما داهمت المياه الشارع، ومعها ابنتاها وبنات زوجها وابنها والسائق. علقت السيارة، وبدأت المياه تغمرها بحسب ما تروي زهرة، إحدى الفتيات الناجيات.

«الباب عيّا يفتح؛ ظلّيت أدفش فيه لما فتحته وطلعت أختي، وطلعت أنا، وطلّعنا السايق وأخوي [عبدالله]»، تضيف زهرة.

حاولت زهرة ومن خرجوا معها من السيارة مساعدة أم بكر وباقي الفتيات، لكن بابها لم يفتح ، ورفضت ابنتاها (12 سنة وأربع سنوات) ترك أمهما والخروج. فتوفي ثلاثتهم وأنقذ الباقون الذين جلسوا على ظهر السيارة لقرابة الساعتين حتى استطاع أهل المنطقة مساعدتهم.

يقول المختار رويّد أنهم عندما وصلوا إلى الطريق الصحراوي وجدوا «السد [جدار البركة] فالت، والشارع كله مي؛ بحر». كما وجدوا العديد من العالقين على يمين الطريق الصحراوي، بالاتجاه القادم من عمان، حيث تتواجد عبّارات تصريف لمياه السيول. «كان واحد مبسّط بسحاحير فواكه وانسحب [وسط المياه]»، يقول رويّد. «وفي واحد سعودي ساحبته المي؛ لافة بيه السيارة الجيب. وفي راعي ديانا ساحبته الميّ».

كانت تلك «الديانا» تقلّ سلمان الطنشات، طالب التوجيهي في مدرسة بتير الثانوية، الذي يعمل في الزراعة، بالإضافة إلى صديقه السائق، قادمين من بني حمّاد في الكرك باتجاه عمّان لإيصال حمولة من البندورة. «اللي صار، تفاجأوا بالمَي، داهمتهم بنزول ضبعة بعد الاستراحات، وقلبوا بالعبّارة [داخل] السيل، وراحت الديانا وراح هو والبندورة معه»، يقول إبراهيم الطنشات، عم سلمان.

استطاع السائق الخروج من المياه، بحسب المختار، إلا أن مرافقه سلمان اختفى. حاول شباب من القرية البحث عنه، ووجدوه بالقرب من عبّارة مياه، ومن ثم نقله الدفاع المدني إلى مستشفى البشير لكنه توفي قبل أن يصل، بحسب عمه.

سحّارات البندورة التي كانت «ديانا» الطنشات تقلها تغلق عبارة على الطريق الصحراوي (أعلى). ومجرى المياه التي داهمت الطريق من الحوض المائي (يمين). وجدار الحوض المنهار قرب الزميلة (يسار). تصوير آلاء النوافلة.

إلى جانب أهالي القرية الذين شاركوا بعمليات البحث، كان الغطّاس حارث الجبور، من الدفاع المدني، قد توجّه إلى داخل العبارة للبحث عن المفقودين، إلا أن الجبور توفّي بعد أن تعرّض لإصابة بسبب وقوع كتلة صخريّة عليه، أثناء عمليات الإنقاذ، بحسب ابن أخيه عمر طراد الجبور.

كان الجبور على وشك أن يبدل ملابسه بعدما أبلغه قائده بانتهاء مهمته، لكنه عندما عرف عن وجود عالقين داخل العبارة نزل إلى المياه بكامل عدّته، وحاول فتح مجرى العبّارة، إلا أن حجرًا باغته وسقط عليه فتسبب في إغمائه وغرقه. بعدها، أُسعف إلى مستشفى النديم في مادبا، إلا أنه توفي قبل أن يصل.

الجبور الذي كان ينتظر طفله الثاني، يقطن في منطقة أم بُطنة/الموقّر، وكان يقضي إجازته مع عائلته عندما تلقّى أوامر من الدفاع المدني بالالتحاق بالكوادر في موقع المواطنين العالقين في الزميلة قرب الطريق الصحراوي يوم الجمعة، لينهي خدمة امتدت تسع سنوات.

سيل لم يشاهده الناس من قبل

يعيش الشقيقان العوايشة في خيم قريبة من مجرى سيل الوالة، ويعملان مزارعين في تلك المنطقة ومناطق مجاورة لها قرب وادي الهيدان، ما يجعلهم يبقون في خيم قرب تلك المناطق. وعلى بعد أمتار من خيمهما، تقع مدرسة النزهة للبنين، ويدرس فيها أبناء العوايشة. «لو إنها منطقة خطرة ما بنوا مدرسة عليها، صح ولا لأ؟»، يسأل سليمان العوايشة، أحد الشقيقين.

لم يغادر الشقيقان المنطقة ليلة الجمعة رغم شدة السيول، التي قضت على أراضِ كانا قد زرعاها، وأسقطت عامود كهرباء، وأضعفت جسر الإسمنت الذي يمتد فوق مجرى السيل باتجاه خيمتهما. فاكتفيا بإرسال أفراد العائلة لمنزل ابن عمهما الذي يعلو الخيم ببضع أمتار، ليبيت الجميع هناك تلك الليلة ويعودوا في الصباح.

السيول في مجرى الوالة، ومدرسة النزهة التي أُخلي إليها عدد من سكان المنطقة. تصوير دانة جبريل وشاكر جرار. 

يوم الخميس، الذي سبق ليلة السيول، زار الشقيقين العوايشة أشخاصٌ من جهات رسمية بحسبهما، حذروهما من البقاء في مناطق سكنهما، ليوقعّا على تلقيهما ذلك التحذير. «إحنا طول عمرنا سكان وديان ونعرف نتعامل مع السيول»، يقول صالح العوايشة. «اللي بغرقوا همَّ سياح أو ناس أول مرة ييجوا الوديان».

ما يقول سليمان العوايشة إنه كان تحذيرًا يصفه مدير قضاء مليح صخر الهقيش بأنه تعهد أخذته جهات من وزارة الداخلية من سكان مجاري السيول بضرورة مغادرة مناطقهم. لكن عددًا منهم لم يغادر رغم تلك التحذيرات. «إحنا عمال وبنشتغل بالزراعة. وين بدنا نروح؟»، يقول حسين رمضان، اللاجئ السوري والمقيم في خيمة في وادي الوالة منذ خمس سنوات.

في الساعة السادسة من مساء الجمعة، أصدرت وزارة المياه بيانًا قالت فيه إن سدّ الوالة سيفيض بعد ساعات، نظرًا لشدة الهطول وبلوغ مخزون السد نسبة 100% من طاقته الاستيعابية البالغة 8.18 مليون م3. بعد ساعتين، أعلنت الحكومة فتح مدارس وجوامع كدور إيواء لسكان مناطق الأودية وجريان السيول، وبدأت عمليات إخلاء في العديد من المحافظات.

قبل فيضان سدّ الوالة، انتقل حسين وعائلته إلى مدرسة الوالة «القديمة» كما يعرفها الأهالي، المغلقة منذ مدة، «بعدين أجت دورية وقالت في ضغط ع السد وفي خطورة عليكم هون، وطلعونا من المدرسة بعد المغرب. جينا بسيارات مدنيين ودفاع مدني»، يقول حسين. ومثله في ذلك كان فرحان وإبراهيم، اللاجئَان السوريان اللذان يعيشان في خيم بمنطقة الوالة، لكنهما بقيا في خيمهما إلى أن داهمتها الأمطار، فأخذ كل منهما أفراد أسرته وجاءا إلى مدرسة السواعدة التي فُتحت لإيواء من تم إخلاؤهم. نام أفراد الأسرتين على الأرض ليلة الخميس/الجمعة، حالهم حال نحو 250 شخصًا آخرين كانوا في المدرسة حتى ظهر الأحد، بحسب الهقيش.

في المدرسة، أخذت بعض الأسر تتشارك الغرف الصفية، معظمهم من السوريين الذين يحملون وثائق لجوء ويعيشون على امتداد سيل الوالة لعملهم في المزارع. تشاركت بعض الجهود المحلية مع وزارة الداخلية في فتح المدرسة ظهر الجمعة، وحاول الأهالي مساعدة النازحين في نقلهم للمدرسة وتوفير الطعام والأغطية، وبات المعظم ليلته على الأرض ومبتلًا من الأمطار. «ثاني يوم صحينا مريضين. بدنا مصاري نروح على مستشفيات»، يقول فرحان.

وصلت مساعدات الهيئة الخيرية الهاشمية يوم السبت، محملة بفرشات وأغذية. أخذ اللاجئون المعونات وهم يسألون عن الخيم، التي تعني لهم موعد عودتهم لمناطق سكنهم في الوالة.

في المدرسة حضرت أيضًا عائلة أبو علي القادمة من مليح، حيث داهمت المياه منزلها يوم الجمعة. يقول الزوجان إنهما اتصلا بالدفاع المدني ولم يأتِ أحد، فصعدا إلى الطابق الأعلى حيث يسكن باقي أفراد العائلة. وتقول أم علي إنهم لم يعرفوا عن فتح المدرسة مساء الجمعة، فعندما أعلنت الحكومة فتح دور الإيواء كانت الكهرباء منقطعة عن سكان مليح نتيجة انفصال التيار الذي استمر لأربع ساعات، ولم تكن هناك وسائل اتصال لمعرفة للأخبار. في اليوم التالي، عرفت العائلة من شيخ الجامع الذي كان يتجول بين العائلات ليبلغهم عن مراكز الإيواء، فجاءت العائلة لأخذ بعض المساعدات بعد داهمت الأمطار كل ممتلكات المنزل.

يقول إبراهيم، الأب لسبعة أطفال، إنه عندما يأخذ خيمته سيعود للمكان ذاته الذي كان يقيمها فيه، حيث يعمل في الزراعة ويتقاضى ما بين الـ5 و10 دنانير يوميًا، بعدما خرج من مخيم الزعتري الذي لجأ إليه قبل خمس سنوات، دون أن يفكر ما الذي سيحصل في حال تكررت السيول والأمطار.

صباح الأحد، بقيت مدرسة السواعدة مغلقة أمام الطلبة. ويقول المحامي فيصل الشخانبة، وهو أحد السكان المحليين المتعاونين مع اللاجئين، إن اللاجئين السوريين لم يحصلوا على خيم جديدة بعد، وعادوا لمدرسة الوالة القديمة بعد أن تلقوا وعودًا من جهات رسمية بالحصول على خيم، بحسب الهقيش.  

مواطنون ولاجئون سوريون تم إخلاؤهم إلى مدرسة السواعدة قرب الوالة. تصوير شاكر جرار.

عاش راعيًا ومات وحده

إلى جانب من جرفتهم السيول وهم داخل مركبات، كعائلة الحديثات وأم بكر وبناتها، ومن داهمتهم السيول في منازلهم كطفلة الجفر، مات أنس زنّون ذو الثلاثة والعشرين عامًا وهو بين الجبال يرعى أغنام عائلته التي نجح في إنقاذها، لكنه غرق هو.

عاش أنس في مليح، ودرس للصف الثامن، قبل أن يترك المدرسة ليعمل في رعي الأغنام. فاعتاد أن يأخذ أغنام العائلة للرعي في تلك الجبال، فيخرج صباح كل يوم ويعود مساء. يوم الجمعة، بدأ تساقط الأمطار عصرًا، ووصل قطيع الغنم للمنزل لوحده فخرج شقيق أنس للبحث عنه، بحسب سليمان زنّون، والد أنس، الذي يعتقد أن ابنه تمكن من إيصال الأغنام للمنزل وعاد لإحضار الحمار الذي علق في أحد السيول. «كان بده يقطع السيل، الحمار ما قطعش، دقر، خاف من السيل، وهو بسحب الحمار، أجا السيل سحبه»، يقول سليمان.

راح أفراد العائلة يبحثون عن أنس طيلة الليل. «لقينا بلوزته بالوادي، عرفنا إنه ساحبه السيل، بس ما عرفنا عاد، وين بده يحطه، بعيد، قريب، الله أعلم». يقول سليمان. «الصبح الساعة 8، الشباب، مواطنين، لقوه بالوالة، بالسيل الكبير».

عند تلك النقطة، التي يقيم عندها العوايشة، قرب مدرسة النزهة، تمكن الدفاع المدني من إيجاد جثمان كل من أنس وهبة، إحدى بنات زيد الحديثات، بعدما وصلت السيول المتدفقة من جبال مليح لتلك المنطقة في جريانها باتجاه الهيدان والبحر الميت.

«نفس الوادي اللي هو قطعه، حتى لو جاب سيل، أي واحد يقطعه. بس هذا سيل مش طبيعي»، يقول والد أنس، كما تقول السيدات في منزل عائلة الحديثات إن ما شاهدنه لم يكن منظرًا اعتدن عليه. «سمعنا تحذيرات الأرصاد، بس طول عمرهم يقولوا مطر وسيول وما بصير زي ما بحكوا»، تقول إحدى السيدات.

بحسب العديد من أهالي مليح، لم يستمر المطر أكثر من ساعة، لكن السيول كانت سريعة جدًا. تقول وزارة المياه إن هطول الأمطار خلال 48 ساعة في المنخفض الأخير شكّل ما نسبته 6.3% من نسب الهطول طويل الأمد في كل الأردن، ووصلت سدود المياه الرئيسية الـ14 في المملكة لـ26% من كامل طاقتها التخزينية. وسط كل ذلك، ما يزال بعض سكّان الأودية لا يعرفون ماذا سيفعلون في حال تكرار ما حصل.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية