رأي

هل الحضانات المؤسسية لوحدها كافية لتعزيز مشاركة النساء في سوق العمل؟

الأربعاء 26 تشرين الأول 2016
في حضانة وزارة التنمية الاجتماعية. تصوير حسام دعنة.

ما إن تطرح قضية مشاركة المرأة الاقتصادية حتى يتم ربطها مباشرة بموضوع الحضانات المؤسسية وأهمية تطبيق المادة 72 من قانون العمل التي توجب على المؤسسات توفير حضانات لرعاية الأطفال لغاية سن الرابعة.

لا مجال للخلاف على أهمية تطبيق المادة لجهة مساعدة الأمهات العاملات في إيجاد أماكن آمنة لأطفالهن تضمن قرب الطفل من والدته وصون حقه في الرضاعة الطبيعية خلال السنة الأولى من حياته، إلى جانب العنصر المادي بالحد من استنزاف رواتب العاملات، حين تصل رسوم الحضانة في بعض الأحيان إلى نصف أجورهن.

لكن هل فعلًا البيئة الصديقة للمرأة هي فقط مكان العمل الذي يوفر الحضانة لأطفال العاملات؟ وهل بتوفير الحضانة تنتهي التحديات؟

بعيدًا عمّا يقال على المنصات وفي المؤتمرات والندوات، فإن ما تعانيه النساء أكبر بكثير من مسألة إيجاد الحضانة المناسبة. هي تركيبة معقدة من انعدام كفاءة وسائل النقل العام وتسلط المدراء ونظام ساعات العمل الجامدة، والعقلية الذكورية الأردنية التي رغم تفضيلها للمرأة العاملة باعتبارها «مصدر دخل» إضافي، إلا أنها لا تزال ترفض المشاركة في أي عمل يخص المنزل، والأهم من هذا كله عقدة الذنب التي تسيطر علينا معشر الأمهات.

قد أكون من القليلات المحظوظات بوظيفة توفر لي ميزة ساعات العمل المرنة، وإمكانية العمل من المنزل، وتفهم رؤسائي في العمل لواجباتي الأسرية. وبعد التجربة والانتقال بين أكثر من وظيفة، كان بعضها حكوميًا، فإن الصحافة برأيي من أكثر المهن مناسبةً للأمهات.

ورغم أني أعتبر نفسي محظوظة كوني لم أشعر بعد بأنني مضطرة لترك عملي لغاية رعاية أبنائي، لكن هذا لا ينفي حقيقة أنني كثيرا ما أشعر بذنب التقصير والإحباط والفشل على المستويين؛ أمومتي أولًا ومسيرتي المهنية ثانيًا.

هذا الشعور لم يأتِ في سنوات أمومتي المبكرة، فخلال السنوات الأربع الأولى كنت بحالة أفضل بكثير مما أنا عليه اليوم. كان التحدي الوحيد سابقًا هو رسوم الحضانة التي كانت تلتهم نحو ثلث دخلي شهريًا. رغم ذلك، لم أعتبر ارتفاع رسوم الحضانة مشكلة كبيرة. فبالنهاية، كنت أشعر أن طفلتي في مكان آمن نظيف يلبي جميع احتياجاتها وهذا كان كافيًا للتخلص من عقدة الذنب.

التحديات بدأت بعد أن دخلت ابنتي الروضة، ومع وجود شقيقها بات العبء مضاعفًا. في مرحلة الروضة، لا تتجاوز ساعات دوام الأطفال الواحدة والنصف ظهرًا، ما يعني أن الطفل سيمضي عددًا من الساعات ليس بقليل لحين عودة والدته من العمل.

أما المعضلة الحقيقية فهي الإجازة الصيفية وإجازة منتصف العام الدراسي، ففي حين يحدد قانون العمل عدد أيام الإجازات السنوية للعاملين بـ21 يومًا كحد أعلى، تحدد وزارة التربية والتعليم مدة الاجازة الصيفية بـ3 شهور. ورغم وجود خيار النوادي الصيفية، لكنها في غالبها تبدأ بعد ساعات الدوام الرسمي وتنتهي قبل ساعات الدوام الرسمي، ما يعني استحالة هذا الخيار في كثير من الأحيان. ويبقى الخيار الوحيد بقاء الأطفال لدى الأقرباء أو برعاية عاملة المنزل لحين عودة الأم.

ليست الإشكالية في الشخص الراعي للأطفال خلال تلك الفترة فقط، بل بعقدة الذنب المتضخمة بأني هدرت أيام إجازة اطفالي بإجبارهم على البقاء أمام شاشة التلفاز، عوضًا عن قضائها في المتنزهات والهواء الطلق.

وبما أن العطلة الصيفية انقضت، وانتهت مرحلة الروضة وبدأنا مرحلة جديدة هي الصف الأول، فإن تحديات جديدة ستطفو على السطح لم تكن ظاهرة سابقًا. نعم إنها مهمة التدريس ومتابعة الواجبات المدرسية التي تثقل كواهل أطفالٍ وأمهاتهم.

متابعة الواجبات المدرسية تحديدًا ما زالت مهمة حصرية للأم، يرفض الأب المشاركة بها بحجة إنه «ما عنده طولة بال»، فيما تشعر الأم أنها في سباق مع الزمن لإنهاء الواجبات بين ساعة دخولها إلى المنزل، والتي غالبًا ما تكون السادسة مساءً، واقتراب ساعة نوم الأطفال حوالي الثامنة. كما أن أي تقصير أو انتقاد من المعلمات لأداء الطفل هو في الحقيقة انتقاد لأداء الأم في رعاية شؤون أبنائها الأكاديمية وليس انتقادًا للطفل نفسه. هذا غير عقدة الذنب مجددًا التي تصيب الأم في حال نسيت ترتيب الكتب حسب الجدول اليومي، أو لم ترسل عن غير قصد ورقة الواجب المدرسي.

هذا العام وحده، تخلت ثلاث من أمهات الأطفال في صف ابنتي عن وظائفهن بسبب تعارض العمل مع حاجات أطفالهن. ورغم أنهن كن قد وصلن إلى مراتب إدارية متقدمة في المؤسسات التي يعملن بها، إلا أن غياب نظام ساعات العمل المرنة كان السبب وراء هذا الانسحاب. في حالتي وحالة أمهات أخريات، رفضنا التقدم في الوظيفة أو ترقيات ما لأنها ستعني حتمًا ساعات عمل أكثر، فيما تخلت أخريات عن وظائف ضمن تخصصهن للعمل كمعلمات طمعًا بالاستفادة من ساعات العمل القصيرة والعطل الموسمية.

قد تساهم الحضانات المؤسسية في تأخير انسحاب النساء من سوق العمل، لكن المشكلة لا تنحصر في توفير بيئة عمل صديقة للمرأة، إنما ضرورة خلق بيئة وطنية صديقة للطفل، تراعي احتياجاته وتضمن له حقوقه، وتخفف من وطأة عقده الذنب غير المنتهية التي تتملك الأمهات.  

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية