نوّاب جاهات!

الخميس 14 أيار 2015
parliament-laws-in-2-years

بقلم تمارا خزوز

(نشر هذا المقال على عمّان نت).

جريمة مقتل الطبيب أبو ريشة تضاف إلى سلسة الجرائم البشعة التي نتحمل مسؤوليتها كمجتمع قبل أن نلقي اللوم على الدولة وسياساتها، لأننا باختصار نخاف ونجبن من أن نكسر التابوهات «المصطنعة» ونناقشها. بالرغم من إلغاء العمل بقوانين «العطوة العشائرية»، وكل ما يتعلق بها منذ عام ١٩٧٦، إلإ أنها أضحت عرفًا سائدًا يفضي إلى إطلاق سراح كل ما هب ودب وأعطائه فرصة لتكرار جريمته أو إكمالها كما حدث في مقتل أبو ريشة.

شكاوى متكررة من تفشي «الخاوة» التي عادت للظهور في بعض المحافظات، وتنفذها مجموعات خارجة عن القانون تتحين الأجهزة الأمنية الفرص للقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة، ويعيقهم سحب المواطنين لشكواهم وإسقاط الحق الشخصي تحت ضغط شديد من «الوجهاء» و«الوسطاء» وإكراما لـ«الجاهة العشائرية». هذه الجاهة لا يقتصر دورها على تكفيل المعتدين بل يتعدى ذلك إلى تخجيل المتضررين للتنازل عن تعويضاتهم وهم بأمس الحاجة إليها دون أن يهتز للوجهاء الكرام جفن.

يحكى أن عاملًا مصريًا تعرض لحادث دهس من قبل مراهق في محافظة مادبا، وقام كفيله بالتنازل عن جميع مستحقاته تدريجيًا لـ«وجه الجاهة الكريمة» إلى أن فقد العامل أعصابه وصرخ في وجه الكفيل والجاهة: «الجاهة دي تخرس خالص».

لسنا ضد الصلح وعدم اللجوء الى القضاء، فذلك من شأنه تخفيف العبء على المحاكم والجهاز القضائي وأعفائه من البت في كل صغيرة وكبيرة. ولا نريد لطبيعة الحياة العصرية القاسية أن تلغي من قاموسنا الإجتماعي معاني التكافل والتضامن والمبادرات الطيبة المتمثلة بزيارة أهل المعتدى عليه والتخفيف عنهم وأخذ الخاطر.

هؤلاء أنفسهم أعداء الدولة المدنية والحقوق المتساوية بين المواطنين، وهم أنفسهم أعداء التطور والحداثة، إذ يعيقون أي تعديل أو تشريع يؤسس لمزيد من الحريات وتطوير المجتمع.

لكننا ضد التمسك بتطبيق أعراف قبلية قديمة تحل محل القانون وتعيق تقدم الدولة المدنية. فما حاجتنا في هذا الزمن لتعزيز مفهوم حماية «خمسة الجاني» في ذهنية شبابنا ومراهقينا، ولماذا يدفع أبناء عمومة الجاني «من الجد الخامس للقاتل أو الجاني» ثمن فعلته ويخشون ردة فعل عائلة المجنى عليه؟ ولماذا نعطي أولادنا المبرر لممارسة مزيد من العنف والإيذاء على سبيل «الفزعة» و«فورة الدم»؟ لماذا أكون مسؤولا ًعن سوء تصرف قريب لي لم أره في حياتي بمجرد أننا نشترك باسم العائلة؟ كيف يكون في زماننا العصيب هذا ما يعرف بـ«الجلوة العشائرية» فتنتقل العائلة وأبنائها من موظفين وطلاب من مكان سكنهم بين ليلة وضحها بسبب ذنب لم يقترفوه؟

نحن نتحدث هنا عن قوى جديدة في المجتمع امتهنت ترؤس الجاهات والعطوات، تارة تنصب نفسها تنصيبًا وتارة يفرضها متزلف أو منتفع، ولا تمت للأصول والقواعد العشائرية بصلة فلا هم من «أهل الدار»، ولا هم «الأخ الأكبر»، ولا يعلمون عن العائلات وظروفها شيئًا، فلا يكفلون إذا اقتضت الحاجة ولا يملكون أدنى تأثير على مرتكبي الجرائم والحوادث، لأنهم ببساطة لا يعرفونهم، ويعيشون الازدواجية في ممارستهم اليومية فيعيشون بين المجتمعات المدنية ويمارسون طقوسها ثم يفرضون أعرافًا قبلية عند إدارتها.

يتمثل الخطر بأن من بين هذه القوى أعيانًا ونوابًا يُعهد إليهم حماية القانون ومراقبة منتهكيه، لكنهم بدلًا من ذلك يتسابقون لترؤس الجاهات والعطوات والضغط لإسقاط الحقوق الشخصية وتكفيل المجرمين والتدخل لتغيير التقاير الطبية بالمستشفيات. يتعاملون مع الناس بوصفهم مستودعًا لأصواتهم الانتخابية وأداة لتعزيز مكانتهم لدى السلطة.

هؤلاء أنفسهم أعداء الدولة المدنية والحقوق المتساوية بين المواطنين، وهم أنفسهم أعداء التطور والحداثة، إذ يعيقون أي تعديل أو تشريع يؤسس لمزيد من الحريات وتطوير المجتمع، كيف لا وهم يعلمون جيدًا أنهم أول المتضررين فمزيد من الحريات يقابله مزيد من الرقابة، ما يعني تقليص امتيازاتهم. هؤلاء هم التركة الثقيلة التي ورثناها عن قانون الصوت الواحد الذي أفرز نوابًا يمتهنون الجاهات والعطوات بدلًا من القيام بواجبهم التشريعي والرقابي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية