ما الذي يحدث في الجامعة الأردنية؟

الخميس 03 آذار 2016

«معتصمين باستمرار، حتى يسقط القرار»
«مين قال الطالب مات؟ هيو بيهتف بالساحات»

هذه كانت بعض هتافات الطلبة المعتصمين منذ الأحد 28 شباط أمام رئاسة الجامعة الأردنية، اعتراضًا على قرار رفع رسوم ساعات البرنامج الموازي والدراسات العليا. هذا القرار صدر في حزيران/يونيو 2014، واعترضت عليه الحراكات الطلّابية منذ يومه الأول وقامت بتنظيم أكثر من 25 فعالية، معظمها كانت وقفات احتجاجية أمام الرئاسة، على مدار السنة والنصف الأخيرة. وجاءت فكرة الاعتصام المفتوح بعد استنفاد جميع الطرق المتاحة للعمل والاعتراض، ويقول الطلبة المنظمون له أنه لن ينتهي إلّا مع التراجع عن القرار.

بدأت القضية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013، عندما أجرت إدارة الجامعة الأردنية دراسة تهدف إلى حساب معدل تكلفة تدريس الطالب سنويًا، وخَلُصت إلى أنّ هناك عجزًا ماليًّا كبيرًا لدى الجامعة، وأنّ الطالب يدفع فقط 50% من كلفة دراسته، بحسب رئيس الجامعة، د. اخليف الطراونة.

هذا العجز دفع مجلس أمناء الجامعة للتوصية برفع رسوم البرنامج التنافسي العاديّ في جميع الكلّيات، لكن هذه التوصية لاقت معارضةً من قبل إدارة الجامعة نظرًا لضرورة الإبقاء على مقاعد التنافس برسوم مقبولة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولاحتمال حدوث اعتراضات كبيرة على قرار رفعها. لذا لجأت الإدارة ومجلس الأمناء إلى رفع رسوم ساعات برنامجيْ الموازي للبكالوريوس (بنسب تتراوح ما بين 30% – 100%) والدراسات العليا (بنسب تتراوح ما بين 100% – 180%). الطراونة قال أنّ الإدارة حاولت جاهدةً إيجاد حلّ بديل قبل رفع الرسوم، فخاطبت الحكومة وشركات محلية وعددا كبيرا من خرّيجيها لتحصيل المزيد من الدعم لكن دون فائدة، فوجدت أنّ الحل الأنسب هو رفع الرسوم على الطلاب دون المساس بالبرنامج التنافسي العاديّ.

وفي شهر أيلول/سبتمبر 2014، أي بعد صدور القرار بثلاثة أشهر، شكّلت مجموعة من الطلاب من كافة التوجّهات والقوى الطلابية «التجمع الطلابي لإلغاء قرار رفع الرسوم» بهدف إسقاط هذا القرار، الذي كان قد صدر في فترة امتحانات تليها عطلة، ودون أيّ إعلان أو تنويه مسبق، مما جعل من الصعب على الطلبة تشكيل حراك بردة فعل سريعة ومباشرة.

JU student protestما دفع لتشكيل هذا التجمّع هو اعتبار أنّ القرار مجحف جدًا بحقّ فئات واسعة من الشعب الأردني ويخلّ بالحق الدستوري في تكافؤ الفرص بين الأردنيين، ناهيك عن أنّه خطوة أخرى في مسيرة إدارة الجامعة نحو تحويلها إلى مجرد مؤسسة ربحية استثمارية تتاجر بالتعليم، وتتجاهل كونها جامعة حكومية يجب أن تُدعَم حكوميًا بالشكل الكافي لتتفرّغ للعملية التعليمية.

يرى هشام العياصرة، أحد أعضاء الهيئة التنفيذية للتجمّع، أنّ الدراسة التي قامت بها الجامعة لحساب تكلفة دراسة الطالب لم تأخذ بعين الاعتبار الكثير من المشاريع الاستثمارية التي تدرّ على الجامعة مبالغ طائلة. كما يستغرب التجمّع إصرار الجامعة على حل رفع الرسوم وعدم بذل مجهود أكبر لإيجاد حلّ يحمي مصالح الطلبة، كونهم ليسوا المسؤولين عن حل مشاكل عجز الجامعة المالي وخسائرها السابقة من تأسيس فرع العقبة، ومن استثماراتها في البورصة.

من جهة أخرى، فإنّ استراتيجيات الخصخصة هذه لا يمكن التنبّؤ بما ستصل إليه، سواء عن طريق إبرام المزيد من العقود التجارية للاستثمار في الجامعة أو عن طريق إصدار قرارات أخرى مثل «الدفع قبل التسجيل» الذي عُمل به في نفس الفترة أيضًا. لذا لن يكون من المستغرب أن نسمع قريبًا عن رفع رسوم البرنامج التنافسي العاديّ أيضا، خاصّة أن استراتيجية التعليم العالي تنص حرفيًا على «رفع رسوم البرنامج العادي وتوحيدها وبخاصة التخصصات ذات الرسوم المنخفضة جدًا وذات الإقبال الشديد»، مما يعني أن رفع رسوم البرنامج التنافسي سيأتي لاحقًا ما لم تتم مواجهة نهج الخصخصة بأكمله.

وسياسات الخصخصة هذه لم تحسّن من الخدمات الأساسية الواجب توفّرها للطالب، ولم يشعر الطالب حقّا بأن شيئا تغيّر على البيئة التعليمية، سوى عبر وجود المزيد من الأكشاك والمعارض التجارية التي تشجع الاستهلاك، وتوفّر مجموعة من الخدمات بأسعار غير منافِسة.

university of jordan shops

وتدافع إدارة الجامعة عن القرار أيضا باعتباره لن يمسّ سوى طبقة معيّنة من الناس لأن نسبة مقاعد الموازي لا تتجاوز 30%، كما يقول الطراونة أنّ الدراسات العليا ليست جزءًا أساسيًا من التعليم الذي يجب على الدولة أن تدعمه بالضرورة. لكن التجمع الطلابي والحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الطلبة «ذبحتونا» يقولون أنّ نسبة طلبة الموازي أعلى من هذا بكثير، وأنّ من يدرس عبر هذا البرنامج ليس بالضرورة أن يكون من الطبقة الغنيّة.

كيف تعاملت الجامعة مع الاعتصام؟

تبدأ فعاليات الاعتصام يوميًا الساعة الثالثة عصرًا، أمام رئاسة الجامعة والمكتبة الرئيسية، وتستمر إلى الساعة الثامنة صباحًا من اليوم التالي، حيث تُعلّق ليتسنّى للطلبة الذهاب إلى دوامهم المعتاد ثم العودة إلى مكان اعتصامهم. ويشارك العديد من طلاب الجامعة في فعاليات الاعتصام نهارًا ومساءً، فيما يزداد عدد الذين يبيتون في الاعتصام بشكل يوميّ.

لزمت إدارة الجامعة الصمتَ في اليومين الأوّلين من الاعتصام، باستثناء دعوتها في اليوم الأول لبعض الطلاب المعتصمين إلى الحوار مع رئيس الجامعة. لكن رئيس الجامعة ظهر في اليوم الثالث للاعتصام كضيف على إحدى الإذعات المحلّية مع عضو التجمع الطلابي هشام العياصرة، في حوارٍ طرح فيه كلّ من الطرفين وجهة نظره. وكان الرئيس في ذات اليوم قد صرّح أن الاعتصام من تنظيم جهات خارجية تشمل أحزابًا يسارية بشكل رئيسي وجبهة العمل الإسلامي. كما قال بأن توقيت الاعتصام مشبوه كونه يتزامن مع وجود لجان لتقييم إدارة الجامعة، ولأنه يأتي قبل الانتخابات الطلابية القادمة في نهاية دورة الاتحاد الحالي الذي يريد أن «يسوق فيها» بأنّه الحامل الوحيد لهذا المطلب -على حد تعبيره- لتحقيق مصالح شخصية أو فئوية. كما انتقد رئيس الجامعة مكان الاعتصام على اعتبار أن طلبة المكتبة وطالبات السكن ينزعجون من أصوات الهتافات، وهو زعم لا دليل عليه، إذ أن طالبات السكن تعاونّ مع الاعتصام، وأحضرن الأغطية والأغذية للطلبة المعتصمين.

إن هذا المستوى من التوافق بين عدد كبير من طلبة الجامعة لم يتحقق منذ فترة طويلة، وهو يتجاوز الاتجاهات السياسية المختلفة. كما أن معظم التصريحات تتمّ باسم التجمع الطلابي وليس باسم اتحاد الطلبة أو باسم كتلة معينة، ورئيس اتحاد الطلبة نفسه كان عضوًا في «التجمع الطلابي لإلغاء قرار رفع الرسوم» قبل أن يصبح رئيسًا للاتحاد أصلًا.

ورفضت إدارة الجامعة السماح بدخول وسائل الإعلام لتغطية فعاليات الاعتصام، مما دفع الطلبة إلى التواصل مع هذه الوسائل عبر الإنترنت، كما حدث مع قناة الجزيرة مباشر، أو بالتفاعل من وراء بوابة الجامعة الرئيسية.

University of Jordan Protestتُوجّه بعض الانتقادات للتجمع الطلابي، من قبل طلاب الجامعة أنفسهم أو من غيرهم، بأنّ عمل الفعاليات الاحتجاجية كان يجب أن يتزامن مع عمل أفقيّ نحو توعية طلبة الجامعة بأهمّية هذه القضية بأساليب أكثر تنوعًا وإبداعًا، لتكون هناك كتلة حرجة تستطيع الضغط بشكل أكبر على المسؤولين. وتتنوع أسباب عدم مشاركة طلبة الجامعة في الاعتصام من اللامبالاة بالقرار كونه لا يمسّ الطالب شخصيًا، مرورًا بعدم علمه به أو وعيه بأهميته أصلًا، ناهيك عن عدم الإيمان بطريقة الاحتجاج والاعتصام نفسها من قبل البعض، وانتهاءً بالخوف من المشاركة في اعتصام قد يضرّ الطالب، رغم أن الرئيس قال في لقائه مع إذاعة الجامعة أن من حق الطلبة الاعتصام، وأنه لن يتم تحويل أيّ من الطلبة المشاركين إلى لجان تحقيق أو ما شابه ما لم يخرقوا أيّا من تعليمات الجامعة.

ربما لن يحقق الاعتصام مطلبه، لكن يحسب للمشاركين فيه أنّه يعيد للعمل الطلّابي صورة العمل المركّز نحو حقّ وقضية أساسية مشتركة في حياة أي طالب جامعي، ألا وهي الرسوم الجامعية وحق التعليم للجميع، ولأن المشاركين في هذا الاعتصام يفرضون أنفسهم كجدار حقيقي ورمزيّ أمام سياسات الخصخصة وتحويل التعليم العالي إلى مجرد تجارة.

*مجد السليتي طالب في الجامعة الأردنية، ومشارك في الاعتصام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية