انتخابات الجامعة الأردنية: في أمل

الأحد 09 نيسان 2017
من الدعاية الانتخابية قبيل انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية. تصوير جنى قزاز

تعتبر انتخابات مجالس الطلبة الجامعية فرصة مهمة لقياس مدى تطور العمل الطلابي وملامسة مزاج الطلبة والقضايا التي تشغل بالهم وتحركهم. وللأسف، كثيرًا ما يتم ربط ظاهرة «العنف الجامعي» بالانتخابات، ويتم التعامل مع تلك الظاهرة كنتيجة للعملية الانتخابية، وليس بصفتها تمظهرًا لعوامل اجتماعية وسياسية مركبة.

لكن قراءة نتائج انتخابات مجلس اتحاد الطلبة في الجامعة الأردنية الأخيرة، قد تؤشر إلى أنه في حال توفرت عدة شروط تتعلق بطبيعة النظام الانتخابي والتشريعات الناظمة للعملية الانتخابية، إضافة إلى شروط ذاتية وموضوعية لها علاقة بتطور الكتل الطلابية وتعاون إدارة الجامعة، فإن  العملية الانتخابية الجامعية يمكن أن تدور بشكل أكثر نضجًا، لتنعكس بدورها على مجمل الحياة الجامعية، وتفتح المساحة للطلبة ليلعبوا دورًا طليعيًا في المجتمع.

في الانتخابات التي أجريت يوم الخميس الماضي، بلغ عدد طلبة الجامعة الأردنية الذين حق لهم الاقتراع 40996 طالبًا وطالبة. وبلغ إجمالي المرشحين، سواء على مستوى القوائم النسبية المغلقة بشقيها (على مستوى الكليات وعلى مستوى الجامعة)، أو على مستوى الأفراد، 466 طالبًا وطالبةً، تنافسوا على 102 مقعد، منها 87 مقعدًا على مستوى الأقسام والكليات، و15 مقعدًا على مستوى الجامعة. وبلغت نسبة الاقتراع العام على مستوى الجامعة 54.7%، بينما بلغت نسبة الاقتراع على مستوى القوائم 42.4%.

تحولات النظم الانتخابية الجامعية

طرأت عدة تغييرات على نظام انتخاب مجلس اتحاد طلبة الجامعة الأردنية في العقدين الأخيرين، وتركت هذه التغييرات أثرًا كبيرًا ومباشرًا على مجمل العملية الانتخابية وشكل العمل الطلابي في الجامعة. فقد حرم نظام التعيين -المعتمد بين عامي 2000 و2008- الطلاب من انتخاب نصف ممثليهم في اتحاد طلبة الجامعة، بعد أن أعطى النظام رئيسَ الجامعة الحقَ بأن يعين نصف المجلس ورئيسه، ليتم انتخاب النصف الآخر انتخابًا مباشرًا من قبل الطلبة. في العام الدراسي 2008-2009، وفي ظل رئاسة الدكتور خالد الكركي، ألغي «التعيين» بالكامل، وبهذا استعاد الطلبة الحق بانتخاب ممثليهم جميعًا، وأُقر نظام الصوت الواحد الذي أصبح إلغاؤه أو تعديله بعدها مطلبًا من مطالب الحركة الطلابية.

تم تعديل النظام الانتخابي عام 2012، في ظل رئاسة الدكتور إخليف الطروانة، ليُمنح الطالب صوتين؛ صوتًا للقائمة النسبيّة المغلقة على مستوى الجامعة، والمكونة من تسعة مقاعد، وصوتًا للمقعد الفردي على مستوى الكليات والأقسام، التي بلغ عددها في ذلك العام الدراسي 85 مقعدًا. وجرت انتخابات اتحاد الطلبة في العامين الدراسيين 2013-2014 و2014-2015 بالنظام الانتخابي نفسه.

لم تُجرَ انتخابات في العام الدراسي 2015-2016 بسبب الاعتصام المفتوح الذي خاضه ودعمه عدد كبير من الطلبة في ذلك الحين، بهدف إسقاط قرار رفع الرسوم الدراسية. لذا، تم التمديد لمجلس اتحاد الطلبة للعام الدراسي 2014-2015 عامًا واحدًا مع إجراء انتخابات تكميليّة للمقاعد الشاغرة في الاتحاد السابق في حال تخرج طالبٍ أو فصل آخر.

في العام الدراسي الحالي، قدّم نادي العقل وحقوق الإنسان، ممثلًا برئيسه الطالب سمير مشهور، مقترحًا لتعديل نظام انتخاب اتحاد طلبة الجامعة بالتشاور مع الكتل الطلابية. وتضمن المقترح أن تُجرى الانتخابات على مستويين: أولًا، تعتبر كل كلية دائرة انتخابية واحدة يتنافس فيها المرشحون ضمن قوائم. وثانيًا، رفع عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة من تسع مقاعد إلى 27 مقعدًا.

في نهاية شباط 2017، تم تعديل مجموعة من البنود في تعليمات اتحاد الطلبة الصادرة عن مجلس الجامعة في تشرين الثاني 2016، وطالت هذه التعديلات بشكل رئيسي المادة رقم 7 والمادة رقم 8 تحت الفصل الثالث، والمرتبطة بتوزيع الدوائر الانتخابية، فكان التعديل الرئيس على عدد مقاعد القائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة لتصبح 15 مقعدًا، بدلًا من تسعة.

أما التعديل الثاني، فجاء باعتبار كل كلية ذات قسم واحد دائرة انتخابية واحدة، وتتم فيها الانتخابات من خلال قوائم نسبية مغلقة وبعدد مقاعد يتناسب مع عدد طلابها، بحيث يكون الحد الأدنى لمقاعد الكلية ثلاثة مقاعد. وشمل هذا التعديل سبع كليات ذات قسم واحد، مثل كلية الحقوق وكلية التمريض.

أما التعديل الثالث، فكان منح الطالب في الأقسام التي تحتوي على أكثر من مقعد (أي التي تضم أكثر من 900 طالب وطالبة)، كقسم الهندسة المدنية وأصول الدين والمحاسبة مثلًا، عدد أصوات بعدد المقاعد المخصصة للقسم. للتوضيح نطرح المثال التالي:

طالب الهندسة المدنية له ثلاثة أصوات: صوتان على مستوى القسم بحكم وجود مقعدين في قسم الهندسة المدنية، كونه يضم أكثر من 900 طالب، وصوت للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

طالب التمريض له صوتان: صوت للقائمة النسبية المغلقة على مستوى كلية التمريض، كونها من الكليات ذات الاختصاص الواحد، وصوت للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

طالب قسم الرياضيات له صوتان: صوت على مستوى قسم الرياضيات بحكم وجود مقعد واحد في القسم، وصوت للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

قراءة في نتائج الانتخابات

تنافست ست قوائم على القوائم النسبية المغلقة على مستوى الجامعة، أربع قوائم رئيسية، وقائمتان «صفر صوت» يتم تسجيلها لغايات تكتيكية انتخابية (لتلافي احتمالية رفض أو عرقلة عمادة شؤون الطلبة لترشح بعض الطلاب). بلغ عدد الأصوات للقوائم على مستوى الجامعة 17384 صوتًا، حيث نالت قائمة النشامى (تيار وطني أردني) 7266 صوتًا بنسبة 41.8%، فيما حصلت قائمة أهل الهمة (تيار إسلامي) على 6387 صوت بنسبة 36.7%، واستطاعت قائمة العودة (تيار وطني فلسطيني) أن تحصل على 2669 صوت بنسبة 15.3%، وتمكنت قائمة التجديد (تيار يساري) من الحصول على 1008 أصوات بنسبة 5.8%. وتعكس هذه النتائج عددًا من التحولات التي طرأت على مستوى الكتل الطلابية، والتي سنفصّلها أدناه.

كتلة النشامى

شاركت هذه الكتلة لأول مرة في انتخابات العام الدراسي 2013-2014 وحصلت حينها على 5460 صوتًا بنسبة 29.3% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة. بينما حصلت على 7181 صوتًا بنسبة 35.6% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة في انتخابات العام الدراسي 2014-2015، وحازت في الانتخابات الحالية على 7266 صوتًا بنسبة 41.8% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

من الملاحظ أن شعبية كتلة النشامى في تصاعد مستمر من دورة انتخابية إلى أخرى، وقد يعزى هذا التصاعد في اعتقادي إلى عدة أسباب، منها ما يلي.

أولًا، الخدمات الواسعة التي تقدمها الكتلة للجسم الطلابي داخل الجامعة، وهذا ما أكده مجموعة من الطلبة الذين سألتهم عن السبب الذي دفعهم للتصويت لقائمة النشامى يوم الانتخاب، بالإضافة إلى النشاطات الثقافية والتوعوية المتنوعة التي تعقدها الكتلة باستمرار.

ثانيًا، البرنامج الانتخابي للقائمة الذي احتوى على مجموعة من المطالب الطلابية منها إعادة حفل التخرج إلى استاد الجامعة كما كان معمولًا به في السابق، بالإضافة إلى مطالبتهم المستمرة بإقرار نظام الفصلين الدراسيين خلال العطلة الصيفية بدلًا من فصل واحد، إضافة إلى مطالب أخرى.

ثالثًا، انخراط كتلة النشامى شيئًا فشيئًا في النشاطات الطلابية ذات الطابع السياسي، ومشاركتهم مع الكتل الطلابية الأخرى في ذلك، كالنشاط الطلابي المناهض لاتفاقية الغاز مع «إسرائيل».

رابعًا، التطور الملحوظ في خطاب الهوية الوطنية الأردنية، حيث كثيرًا ما تم اتهام الكتلة من قبل الكتل الطلابية المنافسة باعتمادها المفرط على التحالف مع التجمعات والقوى العشائرية. وكنت قد تحدثت مع الطالب هشام سوالقة، أحد قياديي هذه الكتلة، وأشار بوضوح إلى أن الكتلة تطورت كثيرًا وأصبحت أكثر نضجًا من السابق في بناء تحالفاتها، وأن التوجه العام الذي اتبعته القائمة في هذه الانتخابات ركز على بناء أوسع قدر ممكن من التحالفات التي تقوم على «برنامج أبناء النشامى المتجاوز للهويات الفرعية»، على حد تعبيره. وهذا ما أكده الطالب سمير مشهور رئيس نادي العقل وحقوق الإنسان في الجامعة، حيث قال إن هناك تطورًا ملفتًا في كتلة النشامى، ويمكن لمسه من خلال التنوع الموجود في قائمتهم الانتخابية، حيث احتوت القائمة الانتخابية على طلاب وطالبات، من أصول شرق أردنية وفلسطينية وشركسية، ومسلمين ومسيحيين. وهذا ما أكدته أيضًا الطالبة لينا جهاد، العضو في قيادة قائمة التجديد. لكن يُؤخذ على هذه الكتلة، في اعتقادي، عدم تصدير الطالبات في مواقع متقدمة في ترتيب القائمة، وهو الأمر الذي يتيح لهن أن يدخلن دائرة المنافسة على مقاعد القائمة.

من وجهة نظري، أمام كتلة النشامى تحديات كبيرة في المرحلة القادمة تفرضها ضرورة تشكيل جسم طلابي ديمقراطي، وبناء هيئاتها القيادية بشكل منتخب ديمقراطيًا، مما يمكنها من لعب دورٍ أكبر متجاوزة المعيقات التي تكمن بالتشكيلات الانتخابية القائمة على الهويات الفرعية الضيقة.

قائمة أهل الهمّة

تعتبر قائمة أهل الهمة الشكل المعبر عن التيار الإسلامي في الجامعة الأردنية، والذي من الملاحظ من خلال نتائج الانتخابات أنه يشهد تراجعًا ملحوظًا في شعبيته داخل الجسم الطلابي مقارنة بالسنوات السابقة.

حصل التيار الإسلامي في انتخابات العام الدراسي 2012-2013 على نسبة 52.8% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة، وحينها كان هذا التيار متمثلًا بقائمة جيل النهضة، بينما أحرز التيار الإسلامي من خلال قائمة أهل الهمة في انتخابات 2013-2014 بنسبة 42.5% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة. ورافق هذا التراجع تراجع آخر في انتخابات العام الدراسي 2014-2015 حيث حصلت قائمة بصمة أمل على نسبة 39.9% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة، وإن كانت قد حافظت تقريبًا على عدد الأصوات التي حصلت عليها عدديًا مقارنة بالدورة التي سبقتها. واستمر تراجع التيار الإسلامي في الجامعة الأردنية في انتخابات هذا العام، حيث حصلت قائمة أهل الهمة في الانتخابات الحالية على بنسبة 36.7% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

من الملاحظ أن شعبية التيار الإسلامي في تراجع مستمر من دورة انتخابية إلى أخرى، وقد يعزى هذا التراجع باعتقادي إلى عدة أسباب، أولها، تراجع المشروع السياسي للتيار الإسلامي على أثر التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة والأردن في السنوات الست السابقة. ثانيًا، الانقسامات التنظيمية الكبرى التي تعرض لها التيار الإسلامي في الأردن، سواء على مستوى حزب جبهة العمل الإسلامي أو جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، والتي انعكست بالضرورة على عمل التيار الإسلامي داخل الجامعات. ثالثًا، ظهور أطر طلابية أخرى كقائمة النشامى والتجديد، دخلت حيز المنافسة في السنوات الأخيرة. ورابعًا، تركيز البرنامج الانتخابي لقائمة أهل الهمة على نقاط عامة وفضفاضة غير قابلة للقياس في كثير من الأحيان، كأن يقال في البيان الانتخابي أن القائمة تسعى إلى تحقيق «استثمار طاقات الطلبة في مشاريع فاعلة لخدمة الجامعة والنهوض بالوطن» أو «الاهتمام بقضايا وطننا الحبيب الأردن والتفاعل الإيجابي معها» أو «تمثيل الطلبة تمثيلًا مشرفًا أمام الجامعة والمجتمع والشراكة مع القوى الطلابية للدفاع عن القضايا العادلة والمشروعة».

أخيرًا، يحسب لقائمة أهل الهمة أنها القائمة الوحيدة، في هذه الانتخابات، التي صدّرت طالبات مرشحات في مواقع متقدمة بترتيب القائمة، مما أتاح الفرصة لحصول طالبتين على مقعدين من أصل ستة مقاعد حصلت عليها القائمة على مستوى الجامعة.

قائمة العودة

تمثل قائمة العودة التيار الوطني الفلسطيني داخل الجامعة الأردنية، الذي كان ينظم نفسه من خلال كتل طلابية متعددة تعدّ نفسها بشكل أو بآخر امتدادًا تاريخيًا لتوجهات حركة فتح في الأردن، كالوحدة الطلابية والشبيبة الطلابية.

انطلقت قائمة العودة بتاريخ 12/12/2012 «بعد استحداث نظام القوائم من قبل رئاسة الجامعة الأردنية» كما تشير صفحة القائمة على الفيسبوك. وخاضت القائمة الانتخابات في ذلك العام الدراسي وحصلت على نسبة 29.8% من عدد المصوتين للقائمة المغلقة على مستوى الجامعة.

تراجعت شعبية القائمة في انتخابات العام الدراسي الذي تلاه، إذ حصلت على نسبة 21.8% من عدد المصوتين للقوائم المغلقة على مستوى الجامعة. وتمكنت قائمة العودة من المحافظة على نفس عدد الأصوات، تقريبًا، في انتخابات العام الدراسي 2014-2015. لتشهد القائمة تراجعًا ملحوظًا في انتخابات الجامعة الحالية، حيث حصلت على 2669 صوتًا بنسبة 15.3% من عدد المصوتين للقائمة النسبية المغلقة على مستوى الجامعة.

ويعزو أحمد الغول، القيادي في قائمة العودة، تراجع شعبية القائمة إلى تأجيل الانتخابات 2016، التي كان تأجيلها يصب في مصلحة تيارات طلابية أخرى، على حد تعبيره. بالإضافة لذلك، أكد الغول أن تراجع نشاط القائمة كان له أثرٌ مباشرٌ على تراجع الكتلة التصويتية للقائمة.

باعتقادي، أحد الأسباب الرئيسية لتراجع قائمة العودة هو غياب البرنامج الطلابي واقتصار برنامجها على المقولات التقليدية والرموز الهوياتية لقضية فلسطين، وعدم الأخذ بعين الاعتبار بأن «الكتلة الاجتماعية الطلابية» التي تعتمد عليها القائمة كتلة متغيّرة ومتبدلة باستمرار بحكم واقعها الاجتماعي والسياسي، لهذا فإن طريقة مخاطبتها والتعاطي معها ليس أمرًا ثابتًا. لذلك كان من الممكن أن تطرح قائمة العودة القضية الفلسطينية في سياق محلي مرتبط بالواقع السياسي للأردن، وغير معزول عن القضايا المطلبية الطلبة.

قائمة التجديد

تعبّر قائمة التجديد عن التيار اليساري داخل الجامعة الأردنية. وخاضت هذه القائمة الانتخابات لأول مرة في الدورة الحالية وتمكنت من الحصول على 1008 صوت بواقع 5.8% من مجموع الأصوات على مستوى القوائم. وتعتبر النسبة التي حصلت عليها القائمة نسبة جيدة إذا أخذنا بعين الاعتبار الغياب الواضح للتيار اليساري في الجامعات الأردنية في الفترة السابقة من جهة، وأن هذه هي التجربة الأولى التي تخوض فيها كتلة التجديد الانتخابات كقائمة.

استطاع هذا التيار تشكيل قائمة انتخابية متنوعة من خلال تصدير طالب من أصول أردنية على رأس القائمة مما ساهم في تغيير الانطباعات السابقة عن هذا التيار بوصفه ذي توجه يساري فلسطيني.

باعتقادي، طرحت قائمة التجديد برنامجًا انتخابيًا أكثر وضوحًا من برامج القوائم الأخرى، تحديدًا قائمة العودة وقائمة أهل الهمة. حيث تضمّن البرنامج الانتخابي لقائمة التجديد مطالب طلابية واضحة تسعى هذه القائمة لتحقيقها، مثل «تعديل نظام تأديب الطلبة وضرورة الربط بين المخالفات والعقوبات من خلال نصوص واضحة في دليل الطالب» أو «تخفيض الرسوم الدراسية لبرنامجيْ الموازي والماجستير».

بالإضافة إلى ذلك، ساهم انخراط هذا التيار بالقضايا السياسية على مستوى الأردن وفلسطين في توسيع قاعدته التصويتية داخل الجامعة. حيث تضمّن برنامجهم الانتخابي ضرورة «مواجهة الفكر الظلامي المتطرف من خلال الندوات الحوارية وإشاعة أجواء الديمقراطية وتقبل الآخر» و«مجابهة التطبيع مع العدو الصهيوني خاصة في الجانبين الأكاديمي والثقافي».

وقد تكون قائمة التجديد استفادت أكثر من الكتل الأخرى من مشاركتها في الاعتصام المفتوح المتعلق برفع الرسوم. فكوادر الكتلة ومناصروها لديهم القدرة على مخاطبة الطلبة بخطاب الاعتصام بشكل أكثر اتساقًا مع ذاته من الكتل الأخرى كالعودة والإسلاميين، وذلك بحكم الخلفية الفكرية لكوادر الكتلة. فالكتلة التي ترفع شعار مجانية التعليم تستطيع أن تتكيف وتنخرط وتستفيد من اعتصام للرسوم أكثر من كتل طلابية تركز على قضايا أخرى، وإن شاركت في الاعتصام في حينه.

باعتقادي، أمام هذا التيار تحديات كبيرة تكمن بإمكانية توسيع انتشار القائمة على مستوى الكليات والأقسام داخل الجامعة، وذلك من خلال فتح حالة من الجدل والنقاش بين أوساط الطلبة حول برنامجهم وتوجهاتهم التي ترتبط بمفاهيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية واستغلال حالة الفراغ التي قد يخلقها تراجع التيار الإسلامي في الجامعة.

مجموع النسب في الأشكال أعلاه في كل عام دراسي بمفرده قد لا يساوي مئة بالمئة، نظرًا إلى وجود قوائم أخرى تم إهمالهم لضآلة نسبتها.

خاتمة

قبيل إجراء انتخابات الجامعة، كتب الصحفي فهد الخيطان في جريدة الغد مقالًا بعنوان «الوضع لا يطاق» حول الترتيبات الأمنية الخاصة بهذه الانتخابات، معبرًا عن امتعاضه مما وصلت إليه الأمور في الجامعة الأردنية، واعتبر أن «المرء يستطيع أن يجزم بأن إدارات المرحلة العرفية في جامعاتنا كانوا أرجل في تحمل مسؤولياتهم، وصون هيبتها، وأن طلاب الأمس ليسوا بمثل طلاب اليوم أبدًا، تفوقوا أخلاقيًا على الجيل الحالي، وأكثر وعيًا ودراية بما يدور حولهم، شعورهم بالولاء للوطن الكبير يتفوق على هوياتهم الفرعية بكل أشكالها. إسلاميو ويساريو وجماعة شؤون الطلبة في تلك الأيام أرقى بمئة مرة من إخوان ورفاق اليوم».

بعيدًا عن التصور -الذي أختلف معه- للتفوق الأخلاقي لهذا الجيل أو ذاك، فلكل جيل قضاياه السياسية والاجتماعية التي تنعكس على سلوكه وعقليته وقدرته على قراءة الأمور. فـ«الوعي» و«الدراية» و«الشعور بالولاء للوطن» ليست قضايا مطلقة منفصلة عن مسألة السلطة، بكونها المُشكّل الرئيسي للواقع الاجتماعي الذي يحكم وعي الناس وشعورهم وتعبيرهم عن هوياتهم.

المتابع لنقاشات بعض الطلبة من مختلف التوجهات الفكرية على صفحات التواصل الاجتماعي بعد صدور نتائج الانتخابات يرى نقاشًا واعيًا، فالحوارات التي تدور بين هؤلاء الطلبة لتفسير وتحليل نتائج انتخابات الجامعة تثبت أن الصورة ليست سوداوية إلى هذا الحد، وأن هذا الجيل -إن صح التعبير- ليس أقل وعيًا من أجيال سابقة.

برأي الكثير من الناشطين من القوى الطلابية والعديد من المراقبين، وبالإضافة إلى مشاهدتي الشخصية، فقد امتازت هذه الدورة بدرجة عالية من الهدوء مقارنة بالدورات السابقة. وكما كان من الواضح أن حالة الاحتقان المبنية على الانتماءات الفرعية والجهوية، كانت أقل حدة بكثير من السابق، وذلك لأسباب عديدة.

فأولًا، انعكس تعديل نظام الانتخاب والعمل المشترك بين الكتل على نضوج حالة الوعي الطلابي من جهة، وتوسيع رقعة التحالفات بين القوى الطلابية، مما أسهم في التقليل من التبعات السلبية التي تسببها التحالفات على أسس الهويات الفرعية الضيقة من جهة أخرى. وكان ملاحظًا أن المشاجرات المحدودة وأشكال التوتر كانت سائدة في انتخابات الأقسام (المقاعد الفردية) أكثر بكثير من انتخابات القوائم على مستوى الكليات والجامعة.

ثانيًا، كان لإدارة الجامعة، ممثلة برئيسها الدكتور عزمي المحافظة، دور إيجابي من خلال تعديل نظام الانتخاب وخلق مساحات تواصل مع القوى الطلابية، على حد تعبير الطالب سمير مشهور رئيس نادي العقل وحقوق الإنسان، والطالب هشام سوالقة من القائمين على قائمة النشامى.

ثالثًا، يعزو بعض الطلبة، الذين تحدثت معهم، تراجع المشاجرات الطلابية إلى الدور الذي لعبه الأمن الجامعي من جهة، وعدم تساهل الجامعة مع هذه المشاجرات من خلال الإجراءات التأديبية التي أقرتها الجامعة في المرحلة السابقة من جهة أخرى.

ختامًا، فإن ما شهدته الجامعة الأردنية يوم الانتخابات يدعو للتفاؤل إلى حد ما. من الصعب القول إن الجامعة طوت صفحة المشاجرات والتشنّجات القائمة بين الطلبة على أساس هوياتي، التي كثيرًا ما تظهر على السطح أثناء الانتخابات، إذا اتفقنا أن الجامعات امتداد للمجتمع وليست مجتمعًا قائمًا بذاته. لكن مقارنتها بسنوات سابقة يظهر تقدمًا ملحوظًا، وهذا يضع مسؤولية مشتركة على إدارة الجامعة والقوى الطلابية ومؤسسات الدولة لتطوير نظام الانتخاب من أجل النهوض بالعمل الطلابي، وهو ما سينعكس بالضرورة على المستوى الوطني ككل.

* كل الشكر للطالب سمير مشهور، رئيس نادي العقل وحقوق الإنسان والصديق رأفت الزرو على ما قدموه لي من مساعدة قيّمة أثناء إعداد هذه المادة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية