25 عامًا من الخبرة في صالونات التجميل لم تعرف لمى* خلالها بيئةَ عملٍ لائقة تحفظ لها الحد الأدنى من حقوقها العُمّالية.
توقفت لمى (38 عامًا) عن الدراسة عام 1993، حين كانت في الثالثة عشر من عمرها، وتوجهت للعمل كوافيرة. تعلّمت المهنة، وبدأت تمارس مهمّاتٍ محددة، ثم تطوّرت مهاراتها من خلال التدريب والعمل داخل الصالونات حتى أصبحت خبيرة. ومع مضي السنوات تحوّل عملها إلى حاجة ملحّة لمساندة زوجها، الذي يعمل موظف استقبالٍ في إحدى مؤسسات القطاع الخاص براتب شهريّ يبلغ 300 دينار.
أتمّت لمى في الصالون الذي تعمل فيه حاليًا ثماني سنوات؛ فاتها خلالها كثيرٌ من عطلات الأعياد مع بناتها، هي الأم لثلاث فتيات، «بناتي تعودوا على هاد الوضع وتأقلموا، لإني من زمان على هالحال، بحاول أعوّضهم بيوم إجازتي عن غيابي، وبالأعياد بحاول أروّح بكير لأقضي باقي اليوم معهم».
يبلغ راتبها، بعد كل هذه السنوات، 350 دينارًا، ويزيد قليلًا في حال اضطرّت للعمل في يوم إجازتها الأسبوعي.
أما وحيدة* (41 عامًا) فهي تعمل في هذا المجال منذ ثماني سنوات فقط، تنقّلت خلالها بين سبع صالونات، إلا أنها لم توقع مع أيٍ منها عقد عمل، وكلّما مرّ على أحد هذه الصالونات موسمُ ركودٍ، كأن يحلّ فصل الشتاء مثلًا، كانت وحيدة تُفصل من العمل.
وهي تعمل حاليًا في صالونٍ تقوم فيه بمهمات متنوّعة جدًا، وتتقاضى راتبًا يبلغ 350 دينارًا، تعينُ به زوجها في نفقات البيت. إلا أنها لا تحظى بأجرٍ عن ساعات العمل الإضافية، ولا تحصل على حقها في الإجازات السنوية، وتُخصم الإجازات المرضية من راتبها.
يقول أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، إنّ قطاع صالونات التجميل غير منظّم، ويتعرض العاملون فيه إلى انتهاكات عمالية عديدة، من بينها أن معظمهم يعملون بدون عقود عمل مبرمة مع أصحاب الصالونات، ويتقاضون رواتب دون الحد الأدنى للأجور، ولا وجود لساعات عمل محددة، فبعضهم، ذكورًا وإناثًا، يعملون 12 ساعة في اليوم، ولا يُسجَّل كثير منهم في الضمان الاجتماعي.
أمّا إياد سمارة، نقيب أصحاب صالونات التجميل، فيعزو مشكلة عدم تنظيم القطاع لعدّة أسباب من بينها تهميش الجهات الرسمية للنقابة، وعدم إشراكها في اتخاذ القرارات التي تمسّ هذا القطاع سواء المتعلقة بإصدار تعليمات أو أنظمة أو تعديل على قانون العمل.
ورغم أن قانون العمل الأردني يحفظ للعمّال الحق بإجازة سنوية، وإجازات مرضية، والحق في الحصول على أجر لقاء العمل الإضافي إلا أنّ عددًا كبيرًا من العاملات في صالونات التجميل أكدن حرمانهنّ من الإجازات والعطل الرسمية، بل إن بعضهنّ يُحرمن من الإجازة الأسبوعية.
جرّبت لمى أن تطلب حقّها في الإجازة السنوية، فأجابتها ربة العمل: «أنا ما عندي إجازات ولا مغادرات، وما عندي إجازات سنوية ولا مرضية، اللي عاجبه يقعد، واللي مو عاجبه بلاش»، بحسب لمى.
مهمّات لا تنتهي
تقول ليندا كلَش، مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة، إن من المشاكل التي تعاني منها العاملات في قطاع صالونات التجميل بالإضافة لساعات العمل الطويلة وتدني الأجور والحرمان من الإجازات، إضافةُ مهماتٍ لا يكون متفقًا عليها عند التعاقد، ولو شفويًا: «فبالإضافة لمهام التجميل المختلفة يقع على عاتق الموظفة القيام بمهام إضافية كالتنظيف، ولا تقوم عادة بالاعتراض لأنها بحاجة لمهنتها وبحاجة للأجر الذي تتقاضاه».
وهو الأمر الذي تؤكّده لمى التي تقول أنّ صاحبة صالون، سبق وعملت فيه، اعتادت أن تلقي على عاتقهنّ مهامّ وصلت أحيانًا لمطالبة العاملات بإعداد الطعام لها: «علينا تنظيف الصالون، نعمل قهوة، بتجيب نلف دوالي ونعمل تبولة».
التهرب من الضمان الاجتماعي
تقول وحيدة: «بالسبع صالونات يلي اشتغلت فيهم، صالون واحد بس دخلتني فيه صاحبته بالضمان»، أما لمى فتقول: «دخلتني صاحبة الصالون أنا والموظفة التانية بالضمان لمدة تسعة أشهر بعدين طلعتنا، لإنه الضمان كان شرط حتى تستقدم [عاملة] فلبينية، ولما طَلبِت قالت ما بقدر أعطي راتب وأحط ضمان».
يقول موسى الصبيحي، الناطق الإعلامي للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أنّ قطاع صالونات التجميل من القطاعات الاقتصادية التي تعاني من نسب تهرب عالية جدًا في شمول العاملين فيها بالضمان الاجتماعي. وبحسب بيانات المؤسّسة فإنّ عدد المشمولين بالضمان الاجتماعي من العاملين والعاملات في صالونات التجميل والحلاقة حتى شهر شباط من هذا العام بلغ حوالي 2989 شخصًا يعملون في 1900 صالون، في حين يزيد عدد العاملين في الصالونات، بحسب تقديرات المؤسسة، عن ثلاثين ألف عامل وعاملة، يعملون في حوالي عشرة آلاف صالون للرجال والسيدات.
وتختلف الأرقام المتوفرة، حول أعداد العاملين والعاملات في صالونات التجميل بين تقديرات نقابة أصحاب صالونات التجميل وبين أرقام الضمان الاجتماعي، وبين أرقام مديرية تنظيم العمل المهني.
يرى عوض، في هذا «التضارب» بالأرقام، مؤشّرًا على انتشار صفة العمل غير المنظم في هذا القطاع، وأن العاملين فيه غير محميين، ويتعرضون لانتهاكات كبيرة أهمها غياب الحماية الاجتماعية.
عدم الاستقرار في العمل
مشكلة أخرى تعاني منها العاملات في صالونات التجميل، وهي عدم الاستقرار الوظيفي، وكثرة التنقل بين الصالونات.
تروي وحيدة كيف تعرضت للفصل من العمل مرتين، في المرة الأولى طلبت منها صاحبة الصالون دون سابق إنذار البحث عن عمل جديد لعدم قدرتها على إعطائها أجرًا، وفي المرة الثانية اضطرت لأن تأخذ إجازة اضطرارية من العمل في صالون بلغت مدة عملها فيه عامين، فأخبرتها صاحبة الصالون في اليوم التالي ألا تعود إلى العمل، دون أن توضح لها السبب. تقول وحيدة: «أنا عندي بيت أجار وقروض ومصاريف، أنا طلعت أشتغل عشان أوخد هاد الراتب القليل عشان نتساعد أنا وزوجي مع بعضنا، لما تفنّشت كلشي تخربط».
ضعف الرقابة والتفتيش
يُرجع عوض تعدد الانتهاكات في قطاع صالونات التجميل وكثرتها إلى ضعف نظم التفتيش وضعف فعاليتها. أمّا كلش، فتحدثت عن عدم وجود تفتيش مكثف ومستمر، إضافة إلى أنّ أعداد المفتشين غير كافية للتفتيش على القطاعات الاقتصادية كلها.
تذكرُ لمى تجربةً وحيدةً لها مع فرق التفتيش التي تزور الصالونات، سواء أكانت تابعة لوزارة العمل أو وزارة الصحة أو مؤسسة الضمان الاجتماعي: «بس مرة وحدة، إجا مفتش الضمان، لمّا جابت صاحبة الصالون (العاملة) الفلبينية، وكانت مفهميتنا إنه إذا سأل عن الراتب نحكي 190 دينار وانه احنا متدربات».
«بمصّوا دمنا لآخر نفس (..)، لو في رقابة بختلف اختلاف كلي».
يؤكد الصبيحي قلّةَ أعداد المفتشين وعدم القدرة على تغطية كافة المؤسسات، ويقول إنّ المنشآت المسجلة بالمملكة تزيد عن 200 ألف منشأة في مختلف القطاعات الاقتصادية، والمشمول منها بمظلة الضمان الاجتماعي حوالي 50 ألف منشأة فقط. أمّا عدد المفتشين فيبلغ 140 مفتشًا لكل محافظات المملكة، ويضيف: «الآن إحنا دخلنا في مرحلة صعبة جدًا كضمان اجتماعي بحيث إحنا بنغطي كل المنشآت يلي بالمملكة يلي بتشغّل واحد فأكثر».
ويبلغ عدد مفتشي وزارة العمل 230 مفتشًا يغطّون حوالي 56 ألف منشأة موزعين في مختلف المحافظات، بحسب محمد الخطيب، الناطق الإعلامي باسم الوزارة. ويضيف أنّ من يتعرض لانتهاك في مكان عمله فعليه أن يتصل أو يتوجه إلى إحدى مديريات التفتيش ويسجل ملاحظته ليتم التحقق منها والقيام بإجراء مناسب لصاحب العمل، ويقول إن مديريات التفتيش «لا تستطيع أن تشتغل إلا من خلال تقديم شكوى معينة أو من خلال الجولات التفتيشية اللي بنقوم فيها».
ومن جهته يؤكد الصبيحي أنّ إدارة التفتيش التابعة لمؤسسة الضمان وأقسامها المنتشرة في كل المملكة تتلقى يوميًا شكاوى من عاملين في مؤسسات مختلفة تتعلق بعدم امتثال أصحاب العمل لقانون الضمان وشمولهم على أساس بياناتهم الحقيقية عبر قنوات مختلفة.
تقول كلش أنّ العاملة تخشى، عادة، من فقدان فرصة العمل إذا قدّمت شكوى ضد صاحب العمل، لعدم وجود وسائل حماية للعامل ولعدم وجود ضمانات له في حال بلّغ عن انتهاكات بحقه، ولعدم وجود آلية سريعة للبت في الشكوى.
ويفترض عوض أن على مديريات التفتيش التابعة للجهات المعنية أن تعمل على نظام العينات وألا يعتمدوا فقط على نظام الشكوى وأن يكون التفتيش مفاجئًا.
تشير وحيدة إلى أنها فكرت بتقديم شكوى في إحدى المرات التي فصلت بها من العمل، لكنها تراجعت موضحةً أن السبب وراء عدم تقديمها لأي شكوى حتى الآن هو تخوفها من «الإجراءات الطويلة والمعقدة. وحدة من البنات يلي بعرفهم قدمت شكوى وظلت عالقة سنتين حتى تنازلت وتراجعت عنها بدون ما تحصل على إشي». وتقول عن تعرضها والعاملات للاستغلال من قبل بعض أصحاب العمل: «بمصّوا دمنا لآخر نفس (..)، لو في رقابة بختلف اختلاف كلي». وتوضح أن سبب بقائها في العمل يعود لحاجتها للمال، وهو ما ينطبق على لمى: «لو ألاقي مكان الراتب فيه أحسن وفيه إجازات، مباشرة بترك».
يُذكر أنه أثناء إعداد هذا التقرير قامت صاحبة الصالون بفصل وحيدة من العمل، وتُوضح أنّ سبب الفصل: «بدها تجيب موظفة جديدة براتب عالي، فنزلت من راتب موظفة ثانية وحطت راتبها على راتبي لتعطيه للجديدة، هي بطبيعتها دايمًا بتغير الموظفات، ولتضغط عليّ طلبت مني أوقع على «كومبيالات» وعلى ورقة إني استلمت جميع حقوقي ولما رفضت حكتلي الله معك ما بتلزميني».
يرى سمارة، أنّ من أسباب وجود الانتهاكات هو جهل العامل وصاحب الصالون بحقوقهم وواجباتهم، وأنّ هذه الانتهاكات ليست على نطاق واسع فمن يقبل بحقوق منقوصة كالأجر الذي يقل عن الحد الأدنى للأجور يكون متدربًا، وبمجرد أن يصبح ذو خبرة سيرتفع الأجر الذي يتقاضاه، على حد قوله. ويوضح أن النقابة تقوم بأنشطة مهنية لتوعية أصحاب الصالونات بأي قانون أو نظام يصدر.
«طالما لا يوجد نقابات عمالية فعالة وكفؤة ومستقلة وحرة (..) ستتزايد الانتهاكات في هذه القطاعات».
أما عن دور النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، فيوضح رئيسها خالد أبو مرجوب أنه من الصعب الوصول لكل صالون في المملكة كونه قطاع مترامي الأطراف وعدد الصالونات كبير، «لأجل ذلك بنعمل اتفاقيات قطاعيّة مع نقابة أصحاب الصالونات، حتى تكون أي إشكالية بتعرضوا لها أو أي منفعة أو مكسب بنحققه إلهم بكون بشكل كامل»، وفي ما يخص الانتهاكات فيؤكد أنه يتم السعي لحلها مع نقابة أصحاب صالونات التجميل وإن لم تُحَل يتم التوجه لوزارة العمل، ويتم تبليغها بالانتهاكات وبالمكان الذي حدث فيه الانتهاك.
ويعلق عوض على هذا الأمر: «آلية متابعة المشاكل بهذا الشكل، ليس عملًا نقابيًا، هذا أصبح زي كإنه شكاوى لوزارة العمل أشبه بالعمل الحكومي، إذا وصلتهم شكوى بتابعوها، والغالبية الساحقة من العاملات بعرفوش إنه في إلهم نقابة، (..) بالتالي هذا النموذج لن يكون فعال بتحسين ظروف العمل في هذا القطاع».
وهو ما تؤكده لمى ووحيدة إذ لا يعرفن بوجود نقابة تشملهنّ كعاملات في قطاع صالونات التجميل.
وترى كلش أنه من اللازم أن يكون هناك نقابة للعاملين في صالونات التجميل لتستطيع معرفة مشاكلهم الخاصة المتعلقة بقطاعهم وتعمل على حلّها وتسعى لتحسين ظروفهم.
ويوضّح عوض أن الإطار الذي تعمل به النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة واسع جدًا، ومن الصعب أن تغطي نقابة واحدة كل هذه القطاعات، ويوضّح :«المطلوب أن يكون لهم نقابة وحدهم، وإلى حين ذلك مطلوب تغيير آلية عمل النقابة بحيث تقوم بمتابعة شؤون أعضائها وترصد الانتهاكات وتقوم بدور رئيسي في حقوقهم وتقوم بنشر الثقافة العمالية وتضغط على أصحاب الأعمال لتحسين الشروط، هذا هو العمل النقابي».
ويضيف أنّ أهم سبب أدى إلى تراجع ظروف العمل وزاد من الانتهاكات في قطاع التجميل وفي أغلب القطاعات؛ عدم وجود نقابات عمالية خاصة بهم، لأنّ النقابة العمالية هي القّوة الاجتماعية التي تستطيع إنفاذ القانون «طالما لا يوجد نقابات عمالية فعالة وكفؤة ومستقلة وحرة وأعضاؤها بنتخبوا قياداتها لن تتحسن ظروف العمل بشكل ملموس، وستبقى هذه القطاعات قطاعات تتزايد فيها الانتهاكات».
* تم تغيير الأسماء حفاظًا على خصوصية أصحابها.
– تم إعداد هذا التقرير بدعم من مؤسسة صحافيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).