كيف يعرّض نقص البيانات حول الإيدز في الأردن الناس للخطر

الأربعاء 26 نيسان 2017

بقلم جيمس كين، ترجمة أنس الحوراني

حصدت متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) أرواح أكثر من 34 مليون فرد، ويتّمت عشرات الألوف من الأطفال عبر السنين. لكن الوضع في تحسن مستمرّ بشكل عام؛ إذ يوجد الآن أدوية جديدة وفعّالة، كما ارتفع متوسط العمر المتوقع للـ36 مليون فردًا الذين يعيشون مع فيروس الإيدز ليصبح أعلى مما كان عليه قبل عقد. إلا أن الصراع مع فيروس الإيدز ما يزال يواجه الكثير من العقبات والعوائق، خصوصًا في المناطق التي لا تواكب الاتجاهات العالمية، ومن أبرزها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لطالما اضطُر الأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز للكفاح من أجل الوصول إلى الخدمات الصحية الحكومية بشكل متساوٍ وعادل، لكن ما الذي يمكن تحقيقه إذا كانت الحكومات، وخصوصًا العربية منها، ستستمر بإنكار وجود الأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز بين مواطنيها، وترفض نشر بيانات حول أوضاعهم؟

أوضح تقرير أصدرته منظمة الأمم المتحدة بعنوان «كيف غيّر الإيدز كل شيء» أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي إحدى منطقتيْن فقط في العالم ما تزال نسبة تشخيص الأفراد فيها بفيروس الإيدز ترتفع كل عام. وقد كشف التقرير الذي نُشر عام 2015 أن عدد الحالات التي شُخصت بفيروس الإيدز بين عامي 2000 و2015 قارب الـ 22,000 حالة، ما يعادل ارتفاعًا بنسبة 26% في حالات الإصابة بفيروس الإيدز.

علاوة على ذلك، ورغم الجهود الهائلة المبذولة على المستوى الدولي لتقليص عدد الوفيات المرتبطة بالإيدز، وخصوصًا ضمن الفئات الديموغرافية الأكثر تعرضًا لذلك، إلا أننا نجد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما تزال خارج السرب. وقد أظهرت إحصائية رسمية صدرت عام 2014 أن حوالي12,000 فردًا قد توفوا بسبب الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع تضاعف عدد الوفيات المرتبطة بالإيدز بين عامي 2000 و2014، فمن المنطقي أن نفترض وجود مستوى من الإهمال حيال القضية في الدوائر الحكومية، يعكسه غياب البيانات.

دون إصدار تقارير سنوية دقيقة، ستبقى الحكومات وهيئات الخدمات الصحية والمنظمات غير الحكومية جاهلة بتغير الأوضاع، وبالتالي عاجزة عن التصرف بشكل ملائم.

إذا كانت حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفشل في إصدار تقارير دقيقة حول معدلات الوفيات، فالسؤال المنطقي هو: لماذا؟ لماذا تفشل الهيئات الحكومية بإصدار التقارير والدراسات والمسوح الاستقصائية اللازمة؟ قام التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة المذكور أعلاه بدراسة مستوى وصم الأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز بالعار. وأظهرت النتيجة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أسوأ منطقة في العالم من حيث وصم هؤلاء الأفراد بالعار. مثلًا، أجاب أكثر من 80% من سكان المنطقة بـ «لا» على سؤال: «هل تشتري خضروات طازجة من صاحب محل مصاب بالإيدز؟». لذلك يمكن القول أن وصمة العار الطاغية على آراء أفراد مجتمعات كمجتمع الأردن، على سبيل المثال، تتمظهر في عدم قدرة الحكومة أو رفضها لإصدار تقارير دقيقة للمسائل المتعلقة بفيروس الإيدز. إذا كان الأمر كذلك، فإن الحكومة تخرق التزامها بخدمة كل المواطنين على حد سواء، وعدم إهمال وتعريض فئات بعينها من المواطنين للخطر.

إن فئات المواطنين الذين تشكل التقارير غير الدقيقة في هذا المجال خطرًا عليهم، حسب منظمة الأمم المتحدة، هي: متعاطو المخدرات عن طريق الحُقن، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، وعاملو الجنس (ذكورًا وإناثًا). هذه الفئات هي نفسها المُستهدفة لدى برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز (UNAIDS)، التي يحث عاملوها حكومات العالم على إيلاء الاهتمام اللازم بجهودهم في مكافحة الإيدز. إن عدم قدرة الحكومة الأردنية على إجراء إحصائيات سنوية حول فيروس الإيدز والإصابة به بين هذه الفئات الثلاثة بالتحديد يُمثل مشكلة مُمنهجة توارثتها الحكومات المتعاقبة، تؤدي بالمحصلة إلى التمييز ضد أي مواطن يقع ضمن إحدى تلك الفئات وتعرضه للخطر.

ما موقع الأردن بالمقارنة ببقية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

يوضح موقع UNAIDS أن البيانات التي يقوم البرنامج بنشرها حول مدى انتشار فيروس الإيدز وتغير أنماطه إنما «تقوم الحكومات بجمعها وإرسالها لبرنامج UNAIDS في نهاية شهر آذار من كل عام»، ما يعني أن أي نقص في البيانات هو مسؤولية الحكومات التي لا تصدر تقارير سنوية.

بين عامي 2011 و2014، كانت الجزائر الدولة العربية الأكثر التزامًا بنشر البيانات. وقد تعاونت الحكومة الجزائرية مع برنامج UNAIDS لإصدار أربعة تقارير سنوية في السنوات الأربع التي كانت تدرس فيها حالة عاملات الجنس، وركّزت ثلاثة من التقارير الأربعة على الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال. وعلى غرارها، فقد قامت لبنان بإصدار تقارير سنوية تناولت انتشار فيروس الإيدز لدى الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال في الأعوام من 2011 إلى 2014. أما الأردن، فلم تنشر أية بيانات إلا مرة واحدة في السنوات الأربع هذه، عام 2013.

يوضح الرسم البياني التالي من برنامج UNAIDS كل البيانات المنشورة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتي تتناول على وجه التحديد نسبة المصابين بالإيدز ضمن فئة الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال. ما يبيّنه هذا الرسم هو أنه في حين تلتزم بعض الحكومات، كالحكومة الجزائرية، بإصدار التقارير، إلا أن الأغلبية الساحقة من حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تنشر البيانات بشكل دائم. هذه الدول الأربع هي الوحيدة التي أصدرت تقارير خلال تلك الفترة.

ما أهمية إصدار التقارير السنوية؟

يمكن القول إن البيانات التي نشرتها الحكومة الأردنية عام 2013 ما تزال مفيدة. وبما أنها أشارت إلى انخفاض مستوى انتشار فيروس الإيدز لدى الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال وعاملات الجنس الإناث، فلِمَ على هذه القضية أن تكون أولوية لدى الحكومة؟ للإجابة على هذا السؤال، علينا أن نفحص البيانات التي نشرتها الدول الأخرى في المنطقة. فلبنان، على سبيل المثال، أوردت عام 2013 انتشار فيروس الإيدز بنسبة 2.5% بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال. أما الأردن، فأوردت في نفس العام انتشارًا بنسبة تقل عن الـ 1%. مع ذلك، وفي العام التالي، أوردت الحكومة اللبنانية أرقامًا أظهرت تضخماً هائلًا في نسبة انتشار فيروس الإيدز لدى المُنتمين إلى فئة الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال، وكانت النسبة أعلى من 27%. النقطة المُستفادة من المثال اللبناني هي أنه دون إصدار تقارير سنوية دقيقة، ستبقى الحكومات وهيئات الخدمات الصحية والمنظمات غير الحكومية جاهلة بتغير الأوضاع، وبالتالي عاجزة عن التصرف بشكل ملائم. ونتيجة لذلك، ستصبح الخدمات المتوفرة للأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز غير كافية بسرعة.

لقد تحدثنا مع شارافدزون بوبوراخيموف، أحد المنسقين الدوليين لدى «واي بير» (Y-Peer)، المنظمة الحكومية التي أطلقها وموّلها صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، الناشط في معالجة مسائل كزيادة الوعي حول فيروس الإيدز في الدول العربية. وقال «من أجل العمل على الوقاية من فيروس الإيدز ومعالجة قضايا الصحة الجنسية والإنجابية للشباب والمراهقين، فإن وجود بيانات حكومية وغير حكومية صحيحة وموثوق بها أمر بالغ الأهمية. وبالنسبة إلى شبكة Y-Peer، فإن امتلاك بيانات مُعتمدة يساعدنا على تطوير وتطبيق برامج فعّالة تعنى بفئات الشباب العمرية المُعرضة للخطر، والمناطق التي لديها أعلى معدلات العدوى».

ما هي عواقب إصدار تقارير غير صحيحة؟

إن نقص التقارير الصحيحة يُعرّض حياة مواطني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخطر. بل يمكن القول أنه قد عرّضها بالفعل للخطر، فقد تضاعفت نسب الوفيات المرتبطة بالإيدز في المنطقة منذ عام 2000. إن الحكومات التي تبني سياساتها الصحية على دراسات إحصائية قديمة أو غير دقيقة ستعجز عن التعامل مع مسألة كهذه وستتسبب بخروجها عن السيطرة.

من بين المجالات الأساسية التي تفشل فيها حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا توفير المضادات الفيروسية الفعّالة للأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز، وتوفير فحوص لفيروس الإيدز وشتى الأمراض المنقولة جنسيًا للسكان بشكل عام، وللفئات الثلاث المُستهدفة من قبل الـ UNAIDS بشكل خاص. بالنسبة لتوفر المضادات الفيروسية الفعّالة للأفراد الذين يعيشون مع فيروس الإيدز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تُقدّر الـ UNAIDS أن ما لا يزيد عن 14% ممن يحتاجون العلاج يتلقونه حاليًا. كما أن فحص فيروس الإيدز ليس شائعًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب الـ UNAIDS، إذ لم تتعدَ نسبة الفاحصين في أي دولة الـ 30%.

إن فيروس الإيدز ليس مرضًا فيروسيًّا فقط، وإنما سياسيًّا أيضًا

يؤثر نقص التقارير الصحيحة على هذا الوضع بطريقتين. أولًا، يتسبب شح الدراسات المتوفرة وعدم انتظامها وعدم دقتها بضعف استثمار الحكومات في وسائل مكافحة وعلاج الإيدز، مما يجعل هذه الخدمات، إن وجدت، غير كافية أو ملائمة. ثانيًا، فإن ضعف التقارير يمنع المواطنين من قياس مدى تعرضهم للخطر شخصيًا، مما قد يزيد من احتمالية ممارستهم لسلوكيات تعرضهم للخطر، والتي بدورها تتسبب بارتفاع نسب الإصابة بفيروس الإيدز. هذا كله ضمن مجتمع يوصم الفئات الأكثر تعرّضًا للإصابة بالإيدز بالعار. هناك، على سبيل المثال، وفرة من الأمثلة على زواج الكثير من الرجال الذين يمارسون مع الرجال من نساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يعني أن سلوكياتهم التي قد تعرضهم للخطر ستعرّض زوجاتهم للخطر أيضًا، ودون معرفتهم. بزيادة الدراسات المنشورة حول هذه المسألة، ستزيد نسبة الأفراد الذين سيفحصون أنفسهم وبالتالي سيعرفون إن كانوا مصابين بفيروس الإيدز أم لا، وستقل المخاطر العامة المرتبطة بالسلوكيات الجنسية.

في السعي لتقليص نسبة الوفيات المرتبطة بالإيدز، فإن أحد أهم الأمور هو تشجيع الأفراد على الفحص. لكن المجتمعات التي ينتشر فيها العيب والعار تثني الأفراد المعرضين للخطر عن الفحص بشتى السُبل. لذلك، فإن مسؤولية الحكومة هي تحدي وصمة العار هذه، لتشجع الأفراد المعرضين للخطر على إجراء الفحوص اللازمة. لكن هذا ليس ما يحدث حاليًا. فالحكومات تعزز من وصمة العار هذه، وتُخضع نفسها لثقافة العيب، على حساب احتياجات مواطنيها الصحية. إن فيروس الإيدز ليس مرضًا فيروسيًّا فقط، وإنما سياسيًّا أيضًا.

والآن، بعدما مر موعد تقديم التقارير الدولية حول الإيدز  للـ UNAIDS مؤخرًا، سيكون من اللافت معرفة ما إذا أجرت الحكومة الأردنية أي دراسات هذا العام، بعدما مرّت أربعة أعوام على صدور آخر دراسة.


تم إعداد هذا التقرير بدعم من مؤسسة صحافيون من أجل حقوق الإنسان Journalists for Human Rights.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية