الشهادة الخالصة لعدسة ليلى العلوي

الخميس 21 كانون الثاني 2016

بقلم رند الحاج حسن

حق التنقل في سبيل التعليم أو مجرد الحركة كان حقًا لليلى، لكنه لم يكن كذلك لكثيرين غيرها. ظلم هذا الواقع حدد مصيرها كفنّانة وكمصورة. مغربية من بلد هو المحطة الأولى لمن حلم بالهجرة من وطنه، وهو محطة العبور لمن يقعون جنوبه محاولين الوصول إلى أراضي شمال البحر الأبيض المتوسط. أراضي الشمال هي الدول ذات الأسماء المرغوبة لأجل ما تكرسه من حقوق للإنسان داخل حدودها. أراضي الجنوب هي دول أيضًا ذات أسماء وتختلف عن بعضها ولكنها سويًا تسمى أفريقيا جنوب الصحراء. أفريقيّا هذه ليست مجرد بلاد أخرى تحد مغربنا، فنجاتنا أيضًا أفريقيّة.

في حديثها عن بدايات مشروعها في التصوير، تشير ليلى العلوي إلى عدم لقاء الصحفيين بالمهاجرين، وعن قلة التوثيق، لكنها في الوقت ذاته لا تصف عملها بالتوثيق، فوسيلتها هي الفن، وموضوعها كان تلك الشخوص التي تتنقل جاهدة في السعي وراء حقوقها.

قامت ليلى بعشرين رحلة لكشف وجوه أولئك الناس الذين اعتدنا أن يكونوا مجرد خبر صحفي في نشرة أخبار اليوم. فرغم تعلق ليلى بالمجتمعات التي تطرد أبنائها وتدفعهم نحو الهرب بأي طريقة، إلا أن عملها كان حول اللاجئين كبشر. لم تستخدم الكارثة المعاصرة لحلب مادة تصويرية. وإنما سعت وراء ما يدفع الإنسان إلى الاقتناع بقدرته على اجتياز الهاوية، لأن من حقه أن يكون له حق وإن لم يوجد في وطن نشأته.

أتاحت ليلى للهجرة ثلاث نوافذ في عملها «اجتيازات»، دون أن تملأها بالموت رغم أن موضوعها هو رحلة الموت. «اجتيازات» تسجيل صوتي لمسافر يوثّق فيه أفكاره حول السفر والبحر والموت. وعند البحر ينتهي العمل، فالمنصة لشخص مسافر وليست لموته.

«لن تجتاز» هو الاسم الأقسى لعمل آخر عن الفئة الأصغر عمرًا في عاقدي العزم على الهجرة، والذين يطلق عليهم اسم «الحراقة»؛ أولئك الشباب الذين لم يكترثوا لتشديدات الدول الأوروبية في إحكام إغلاق حدودها، واعتزموا «حرق الحدود». في صور ليلى أكتشف أنهم مجرد أطفال. وأشاهد عناد الطفولة خصمًا لحدود الأمم، وأحدث ليلى في نفسي: هنيئًا لك يا ليلى، شهدت أجمل ما في شبابنا قبل أن ينال منك أقبح ما في شبابنا.

الهجرة وسيلة صعبة تقترب من الاستحالة. والإرهاب يصبح الوسيلة الممكنة لمن لا يكتفي بحرق الحدود وإنما يريد حرق العالم بأسره. الإرهابيون كانوا هدف بعض الفنانين فاتضح أن الإرهاب كان أقوى من فرض حرية التعبير بالرسم أو غيره، وكان هناك ضحايا. ليلى العلوي لم تتبع تلك المعادلة، لم تشتم ولم تتشبث بالفن لأسباب ضوضائية، ولذا صارت ضحيته.

عندما نتأمل عمل ليلى، نرى العمل الفنّي والتوثيقي الرائع الذي يحصل عندما تشهد العدسة على الجمال الداخلي في الإنسان

ليس الساعون نحو اللجوء قضية ليلى الوحيدة، إذ كان لأبناء بلدها المغرب نصيب من عملها، ولذا كانت سلسلة «المغربيّون»، وهي سلسلة من الصور الشخصية لمغاربة التقت بهم وهي تجوب مختلف مناطق المغرب برفقة ستوديو متنقل. كان هدفها التقاط الكبرياء والاختلاف عند المغربيين الذين نجحت بضمهم إلى سلسلتها. عندما تتنقل بين مختلف الصور في هذا العمل، قد تدرك مدى غنى هذا الشعب بفضل تنوعه. نجاتنا تصبح إفريقية عندما يتمكن عرب شمال أفريقيا من التآلف من جديد مع أصولهم وغناهم. 

كرّست ليلى العلوي إحد أعمالها للاجئين السوريين في لبنان ولا ندري إن كان هذا العمل سيلقى قبولًا في المشرق. الكثيرون غرقوا قبل أن يكتب طفل سوريّ شعارًا على حائطٍ ذات ربيع في ٢٠١١. ولربما عدم استعانتها بتسويق الموت لن يساعد هذا العمل -الذي يتحدث عن بشرية السوريين- في الوصول لنا.

في كثير من المقابلات، تتردد ليلى في العثور على الوصف الصحيح لحقيقة عملها. هو ليس توثيقًا، والفن هو وسيلتها. ولا تجد الأريحية لإطلاق لقب فنانة عليها، فالفروق في الحقوق هي ما دفعها لرصد الشخوص الأقل حظًا، والتقاط الفروق الجميلة عند ثروة هذه البلاد الحقيقية، أعني ناسها.

وعندما نتأمل عمل ليلى، نرى العمل الفنّي والتوثيقي الرائع الذي يحصل عندما تشهد العدسة على الجمال الداخلي في الإنسان.

في آخر فرصة حصلت عليها ليلى لتشهد على الجمال الداخلي للبشر توجّهت إلى بوركينا فاسو، لتكون على موعد مع الموت، فكانت ضحية لهجوم مسلّح على مطعم كانت تتناول العشاء فيه، أصيبت بجروح، لم تكن مميتة بداية، لكنها تفاقمت لتلقى حتفها في أفريقيا التي التقطت هي وكاميرتها أجمل وأبشع ما فيها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية