الأمومة في غياب الإنجاب والزواج

الخميس 19 نيسان 2018

«الأم» في اللغة العربية هي نفسها «الوالدة» أي التي تلد. ولأن اللغة ليست إلا انعكاسًا لمفاهيم المجتمع، فإن هذا يعني أننا غالبًا ما نجد الأمومة محصورة ضمن إطارها البيولوجي. ولكن عشرة أمّهات في الأردن استطعن أن يتحدين هذه الصورة النمطية عن طريق ممارسة أدوارهن كأمهات من دون الحاجة للولادة أو للزواج.

أتاح برنامج الأسر الراعية البديلة الذي انطلق منذ عام 2010 الفرصة لفئات مختلفة من المجتمع من ضمنها الأمهات العازبات رعاية أطفالٍ فاقدين للسند الأسري، وهو أمر لم يكن ممكنًا في الماضي. فقبل إطلاق البرنامج كانت الرعاية البديلة للأطفال في الأردن محصورة ضمن نظاميْن لا يزالان قائمين إلى اليوم: النظام الأول هو الرعاية المؤسسية وتكون عبر دور الرعاية، و النظام الثاني يكون عبر الاحتضان الذي يَنقل الأطفال من العيش في دار رعاية إلى العيش مع أسرٍ تقوم برعايتهم دون الانتساب لها. هذا وتشترط تعليمات برنامج الاحتضان أن يكون طالب الاحتضان أسرة قائمة مكوّنة من زوجين، وتشترط عدم قدرتهما على الإنجاب، وأن يكون الأطفال المُحتضنين مجهولي الوالدين وأن تقل أعمارهم إجمالًا عن السنتين.

أتى برنامج الأسر البديلة كحلٍ للعوائق التي تنتج عن هذه المُتطلبات المفروضة على الأسر وكذلك الأطفال، فأصبح بإمكان الأمهات العازبات أو الأسر التي تضم أطفالًا من الأساس أن يرعوا الأطفال، كما ولم يعد السن أو خلفية الأهل من ضمن المحدّدات التي يتم وفقها إلحاق الأطفال بالبرنامج.

طُوّرَ برنامج الأسر الراعية البديلة ليكون رديفًا لبرنامج الاحتضان وبديلا لدور الرعاية. تقول الدكتورة روان إبراهيم، المستشارة لدى جمعية الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) والمديرة السابقة للمشروع الذي أسس البرنامج بالتعاون مع جامعة كولومبيا وبتمويل من اليونيسف إلى جانب وزارة التنمية الاجتماعية وجهات أخرى.

وبحسب المتحدث الرسمي باسم وزارة التنمية فواز الرطروط فقد تم رعاية ما يقارب 200 طفل منذ إنطلاق البرنامج، عشرة منهم رعتهم أمهات عازبات والبقية أسر مكوّنة من زوجين.

«يوجد الكثير من النساء اللاتي يُردن دعم هذه الفئة من الأطفال، فلماذا نُبقيهم في دور الرعاية؟» تسأل إبراهيم مُشيرة إلى أهمية إخراط النساء العازبات ضمن الرعاية البديلة. وقد كان مُعظم هؤلاء النساء، بحسب إبراهيم، نساء عاملات في الأربعينيات من العمر.

«جواي هادي الأم الباحثة عن طريقة انو يكون عندي طفل باحترام الشريعة والعرف بس بدون ما أنا أنجب، وبنفس الوقت بدون ما أتزوج»، تقول نسرين، وهي أم عزباء رعت ابنها كِنان عن طريق برنامج الأسر الراعية البديلة. كانت نسرين قد تطلّقت منذ فترة ولم يسنح لها أن تنجب طفلًا خلال فترة زواجها، فلجأت بداية إلى برنامج الاحتضان ولكنها لم تكن تلبّي الشروط، بسبب كونها عزباء، إلى أن تم إطلاق البرنامج الرديف.

للالتحاق بالبرنامج كان على نسرين أن تقدم طلبًا لدى وزارة التنمية الاجتماعية لتخضع من بعده إلى تقييم نفسي واجتماعي من قبل فرق تطبيقية تضم أخصائيين نفسيين واجتماعيين، فرق مخوّلة بمُقابلة طالبي الرعاية وزيارة منازلهم للتأكد من أمانها على الأطفال. وبعد اجتياز التقييم تُصدر المحكمة قرارًا ينتقل بإثره الطفل إلى منزل الشخص الراعي بشكل رسمي.

لا يقتصر دور الوزارة على مطابقة الأسرة مع الطفل بل وتقوم كذلك بزيارات لمتابعة تطور وصحة الأطفال ما بعد الدمج.

إقصاء الذكور العازبين

يسعى برنامج الرعاية البديلة إلى تنويع أشكال الأسرة عن طريق الاعتراف بالنساء العازبات أسرًا بديلة قادرة على الرعاية، وفي ذلك مواجهة واضحة للصورة النمطية حول ماهية العائلة، إلا أن صورة نمطية أخرى لا تزال قائمة. فبينما يسمح البرنامج للآنسات العازبات برعاية الأطفال، يمنع العازبين الذكور من فعل ذلك، بحسب الرطروط.

تذكُر إبراهيم أنه خلال مدة تولّيها البرنامج تقدّم رجلان عازبان للرعاية وتم رفضهما بالرغم من أنّ أحد الرجلين كان مُطلقًا وكانت قد تركته زوجته لعدم قدرته على الإنجاب. تعتقد إبراهيم أن إقصاء الرجلين أهدر فرصة مهمة خاصة أن إحداهما أراد أن يرعى مراهقًا وهو أمر، رغم أهميته، نادر جدًا، إذ أنّ معظم الأسر تُفضّل رعاية الرُّضع.

أما مبرر إقصاء الرجال فيستند بحسب إبراهيم على دراسات خاصة بالإساءة للأطفال تُشير بأن نسبة الذكور المسيئين والمستغلين أعلى من نسبة الإناث. تتفهم إبراهيم هذه المخاوف ولكنها تعتقد أنه يمكن تفاديها بإخضاع طالب الرعاية لتقييم معمق وشامل كالذي تخضع له باقي الأُسر والسيدات. كما وتؤكد أن نسبة الذكور العالية لا تنفي احتمالية الإساءة من قبل النساء أو الأزواج.

يشمل البرنامج في الوقت الحالي ثلاث محافظات هي عمان، الزرقاء وإربد ولكن من المنوي توسيعه إلى محافظات أخرى. هذا وتعمل الوزارة على إصدار مشروع نظام مُخصص لضبط وتنظيم الرعاية البديلة في الأردن بما يتضمن ذلك برنامج الاحتضان وبرنامج الأسر الراعية البديلة.

يُمكنكم الاستماع إلى قصة نسرين وكِنان في هذه الحلقة من إنتاج صوت.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية