بالرغم من أن أحمد الكيلاني مُقتنع بأن الطريقة التقليدية للزواج هي الأنسب له، إلّا أنه، في الوقت نفسه، يُدرك محدوديتها. بعدما وجد أن نسبة القبول تجاهه قليلة، خاصة وأنه يعاني من وضع صحي خاص، وبعد أن وجد نفسه غير مُقتنع بالفتيات اللاتي تعرّف عليهن عن طريق الخطّابات، ارتأى أنّ المشكلة لا تكمن في جوهر أو مبدأ الزواج التقليدي بل بالوسائط المستخدمة.
تنحصر الوسائط التقليدية المتعارف عليها في الأردن في الأهل والخطّابات، واللواتي يعتبر أحمد أن تمثيلهنّ النيابي للطرفين هو الذي يُعقّد العملية ويؤدي إلى مواقف مُحرجة. في أغلب الأحيان، يقول أحمد، «بروح الشب وعيلته ليزوروا البنت وبتفاجؤوا إنه مش متل ما انحكالهم». وحتى في حال نجح الوسيط بتمثيل الطرفين على أفضل وجه يعتبر أحمد أن عدد الشريكات المحتملات اللواتي يمكن له التعرف عليهنّ عبر هذه الوسائط محدود جدًا. لذلك بدأ يفكر بطريقة بديلة يستطيع من خلالها أن يُمثّل نفسه بطريقة أفضل وأن يتعرف على عدد أكبر من الشريكات، لكن من دون المساس بالأعراف والتقاليد.
وهذا بالضبط ما كانت تبحث عنه فرح* التي تتفق بأن مشكلة الزواج التقليدي تتعلق بالوسيط وليس بالنهج بحد ذاته. إلّا أن فرح على عكس أحمد لا تعاني من التمثيل الضعيف للوسائط، بل من عدم وجود وسائط من الأساس. «أهلي محافظين، ما بحبوا يدلّوا على بناتهم (..) من منطلق إنّه عيب يعني بنتي مش ناقصها إشي فكيف أنا آجي أدل عليها»، تقول فرح التي وجدت أن أهلها لن يساهموا في تعريفها على شركاء محتملين للزواج ما يعني أنها مُضطرة أن تنتظر الشاب أن «يدق باب بيتها» دون تدخلهم. الأمر الذي تعتبره غير منطقي. «صار عندي فضول أعرف كيف ممكن أرتبط، كيف الناس بدها اتشوفني أو تحكي عني (..) ما لقيت قدامي إلا الفيسبوك».
شعرت فرح أن الإنترنت بمثابة نافذة يستطيع الآخرون رؤيتها من خلالها، فبدأت بالبحث عن مواقع معنية بتعارف طالبي الزواج بطريقة تقليدية وشرعية. أنسب ما وجدته بعد البحث كان صفحة «زواج الأردن» على الفيسبوك.
فيسبوك: الخطّابة العصرية
بعد التفكير بحلول لمشكلته اتضح لأحمد كما لفرح أن الإنترنت سيمكّنه من تحقيق معادلته فأنشأ صفحة على الفيسبوك في العام 2013 يستطيع المشتركون من خلالها عرض مواصفاتهم ومواصفات الأشخاص الذين يرغبون بالتعرف عليهم، وذلك عن طريق تعبئة نماذج يقوم الفريق الإداري للصفحة بترقيمها ونشرها على الحائط من دون الكشف عن هوية صاحب/ة الطلب.
بعد ذلك يتصفح المستخدمون النماذج المعروضة على الصفحة، وفي حال وجدوا أن أحد الطلبات يناسبهم فإنهم يرسلون رقم الطلب للفريق المسؤول عن الصفحة، والذي بدوره يخبر صاحب/ة الطلب برقم النموذج التابع للمعجب/ة. في حال تم تبادل الإعجاب يقوم الطرفان بتبادل الحديث للتعرف على تفاصيل أكثر عن بعضهما البعض، ولكن لا يكون التواصل مباشراً بل عن طريق الفريق المسؤول الذي ينقل الحديث ما بينهما للحفاظ على هويتيهما. إذا اتفق الطرفان يتم منح الرجل رقم والدة الفتاة لترتيب الزيارة الأولى.
وصل عدد المشتركين على الصفحة ما يقارب العشرين ألفًا، أما عدد النماذج التي تم تعبئتها فبلغ 13 ألفًا. كما ونجحت الصفحة، إلى حد الآن، في تزويج ما يُقارب المئة ثنائي بحسب أحمد.
من خلال هذه الصفحة تمكنت فرح من التعرف على ما يُقارب ستة أشخاص. ورغم أنها مثل أحمد لم تتزوج بعد، إلا أنّ فرح ما زالت تعتبر أنها كانت مُحقة بشأن الإنترنت، فالفيسبوك لم يكن بمثابة نافذة أتاحت لها الفرصة لأن يراها الآخرون فحسب بل وأن تراهم هي أيضاً، فعبر التخفّي وراء هوية رقمية استطاعت أن تُبدي هي إعجابها بشركاء محتملين. وهو أمر يستحيل عليها فعله في الواقع إذا أرادت الحفاظ على سمعتها وعلاقتها مع أهلها ومُحيطها. «ما في مجال إني والله أجي أحكي لشب أنا مُعجبة فيك»، تقول فرح مستاءة من انحصار دورها في العلاقات في انتظار الشاب أن يُبدي إعجابه بها.
التواعد عبر الإنترنت
تُمثل صفحة زواج الأردن واحدة فقط من مجموعة من المواقع والتطبيقات المُشابهة لها منها «اتعرف.كوم» أو «مسلمة.كوم» وصفحات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبينما تهدف صفحة زواج الأردن إلى تزويج المشتركين، فإن هناك مواقع وتطبيقات أخرى بدأت تنتشر في السنوات الماضية تهدف إلى التعارف، بغض النظر عن الغاية التي يتعارف لأجلها الأشخاص.
ويبدو أن هذه المواقع والتطبيقات والتي تندرج تحت مظلة «التواعد الرقمي» تلقى رواجاً كبيراً، على الصعيد العالمي على الأقل. تُشير واحدة من الدراسات إلى أن إيرادات قطاع «التواعد الرقمي» في العالم ستبلغ 1.4 مليار دولار في العام الحالي، ومن المتوقع أن تزيد العوائد بنسبة 4% سنوياً لتصل إلى 1.6 مليار في العام 2022.
رغم وجود تطبيقات للتواعد محلية مُخصصة للمستخدمين العرب بشكل أساسي منها تطبيق «صدفة» أو «دردشاتي»، نجد أن لتطبيق «تندر» (Tinder) الذي وصل عدد مستخدميه حتى 2015 إلى خمسين مليون منذ انطلاقته عام 2012، منهم متابعون من الأردن والعالم العربي.
تستخدم حلا* التطبيق للعثور على شركاء يُمكنها أن تختبر معهم علاقة قصيرة الأمد نظراً إلى أنها لا تعتقد أنه «من السهل إني أبني أي علاقة طويلة الأمد أو فيها محبة عالية لشخص عن طريق تطبيق».
لكن لانا والتي تستخدم تندر كذلك، ترى أن التطبيق يُتيح لها المجال كي تجد شركاء تستطيع أن تبني معهم علاقات جديّة قد تطول. والدليل على ذلك علاقتها مع أحمد الذي تعرّفت عليه عبر التطبيق ومضى على علاقتهما ما يقارب السبعة أشهر وما زالت مستمرة.
يعتمد تطبيق تندر والتطبيقات المشابهة له على خوارزميات تُطابق ما بين المُستخدمين الذين، على عكس صفحة أحمد، يُمكنهم التواصل مع بعضهم البعض مباشرة من دون الحاجة لتدخل أي شخص غيرهما.