«الأوتاكوز»: مجتمع الأنيمي والمانجا في الأردن

رسم ديانا العبادي.

«الأوتاكوز»: مجتمع الأنيمي والمانجا في الأردن

الثلاثاء 08 كانون الثاني 2019

لم يخطر ببال أحمد وشاكر يومًا أن للرسوم المتحركة التي تتحدث بألسنة كويتية في مسلسل «عدنان ولينا» أي ارتباط باليابان. ربما لم تكن معلومة مهمة أصلًا بالنسبة لهما كطفلين مبهورين بألوان جميلة على الشاشة، وقصة شيقة عن عالم ما بعد كارثي انهار في العام 2008، وبطل قوي ومرح يسير في رحلته بمساعدة أصدقائه. لكن الشابين، اللذين أصبحا من مدراء مجموعة «اسألني عن الأنيمي» على فيسبوك اليوم، عَرَفَا في لحظة ما من العمر، وبعد مشاهدة عدد كبير من المسلسلات الكارتونية، أن لهذا المسلسل وأشباهه اسمًا آخر، هو «الأنيمي»، وأنه مدبلج ومقصوص بشكل مخلٍّ عن أصل يابانيّ.

تعود أصول الأنيمي، والتي تعني باليابانية الرسوم المتحركة، إلى سينما الرسوم المتحركة. ويعود أقدم فيلم رسوم متحركة ياباني، عُرض على الملأ، لعام 1917. تقول الباحثة ماريا روبيرتا نوفيلي إن أصول الأنيمي تعود أيضًا إلى فن الإيماكيمونو (Emakimono) الذي نشأ في القرون الوسطى في اليابان، حيث تُروى القصص عن طريق رسومات، أو أشكال محمولة باليد، بالإضافة إلى العديد من وسائل القص عبر التاريخ، مثل الكاميشيباي (فن القَصّ باستخدام الصور) أو البونراكو (عرض العرائس).[1] 

ومنذ نشأة الأنيمي، حاولت الحكومة اليابانية تنظيمه وتوجيهه عن طريق تأسيس ما عُرف عام 1911 بلجنة التربية الشعبية التي عُنيت بكل ما له علاقة بالترفيه، ووجّهت، أو موّلت، العديد من منتجي الأنيمي في عديد المرات أثناء الكوارث والحروب لبث النسخة الحكومية من «الروح الوطنية» في الشعب، أو صورتها عن اليابان وشكلها أمام العالم.[2] 

«الأوتاكو» تعني الشخص الشغوف بأمرٍ أو هواية ما، لدرجة أنه لا يترك منزله حتى لا يتوقف عن ممارستها. وقد باتت الكلمة، في العديد من الثقافات الشعبية في بلدان كثيرة من بينها الأردن، تشير إلى الشخص المهتمّ بالأنيمي والمانجا، وهي القصص المصورة غير المتحركة، ويتابعها باستمرار.

في هذا التقرير، قابلنا مجموعة من الأوتاكوز الأردنيين ليحدثونا عن مجتمع الأنيمي والمانجا في الأردن، وعن بداية التحوّل من المدبلج إلى الأصلي، وعن مجموعات المهتمّين بالأنيمي على فيسبوك وأنشطتها، بالإضافة إلى قراءة المانجا وتأليفها.

متابعة الأنيمي والمانجا في الأردن

يعزو شاكر اللحّام (22 عام، طالب هندسة ميكانيكية) معرفته بالأنيمي إلى ثقافة الإنترنت، حيث أنه كان مثل جميع أقرانه يشاهد برامج الكارتون على التلفاز، إلى حين وفّر الإنترنت له معرفة الأصل الياباني لتلك المسلسلات، ووفّر أيضًا منصّات يشاهد من خلالها أنيميّاته المفضّلة. وكان أول أنيمي يشاهده شاكر بأصله الياباني هو ناروتو. «كان أول إشي بلشت متابعته بشغف؛ حلقة بحلقة وأسبوع بأسبوع. لحّقته لما خلص الجزء الأول (2006) لمّا كان [ناروتو] صغير، واستمرّيت لحد ما كبر (ناروتو شيپودِنْ)».

وبحسب أحمد أبو غوش (24 عام، مهندس طبي) فإن الاختلاف كان كبيرًا بين النسخة الأصلية والمدبلجة. حيث كان الحذف والإضافة في النسخة العربية يؤثر على المحتوى بسبب بعض الاختلافات الثقافية التي كان يعتقد مركز الدبلجة ربما أنها غير مناسبة للمتلقي العربي، «غوغو بدراغون بول مات 7 مرات يمكن، ولما يرجع (لأنه خالد)، الدبلجة بتحكيلك إنه كان بالمستشفى مع إنك بتكون شفت قلبه اتفجّر». ويعتقد شاكر، أن مركز الزهرة السوري للدبلجة، على سبيل المثال، كان لديه مجموعة من القيم التي يريد إيصالها للشباب العربي من خلال تعديلاته على الأصل، فغطى جسم ران في أنيمي المحقق كونان (ميه-تان-تيه كونان) مثلًا. ناهيك عن الأداء الصوتي الهزيل للممثلين في النسخة العربية، بحسب شاكر.

وانطلاقًا من ثقافة الإنترنت أيضًا، ظهرت العديد من مجموعات الفيسبوك التي كانت حلقة وصل ما بين الأوتاكوز في الأردن، ومكانًا لتبادل الخبرات. تقول مها شاتي (25 عام، موظفة في أحد البنوك) أنها، ومجموعة من أصدقائها، أسسوا مجموعة «محبّي الأنيمي في الأردن» (Anime lovers in Jordan) عام 2008 على فيسبوك، «عملنا الجروب ونحنا لسا بالمدرسة وطلاب بعمر 15 سنة. كانت الفكرة من الجروب يكون مكان نلمّ فيه كل الناس بالأردن يلي بيفهموا بالأنيمي وبحبوه»، حيث لم يكن العديد من الناس يعرفون أن هناك نسخة أصلية مما يشاهدونه مدبلجًا على التلفاز برأيها.

تغلب الميمز، والمواد الترفيهية إجمالًا، على محتوى مجموعات وصفحات الفيسبوك المتعلقة بالمانجا والأنيمي بحسب إحدى مديرات مجموعة «اسألني عن الأنيمي»، إسراء عرار (24 عام، مدرّسة ومساعِدة بحث في إحدى الجامعات). إلا أن للنقاش حول سلاسل المانجا والأنيمي، خصوصًا التي لم تنتهِ بعد، يحتل حيّزًا جيّدًا من النقاش، بحسب أبو غوش، حيث تُطرح فرضيات لمستقبل المانجا أو الأنيمي وتحليلات للأحداث الأخيرة. وبحسب مها، فإن النقاش يمتدّ أيضًا للحديث عن الثقافة اليابانية بشكل عام، وأسئلة عن اللغة اليابانية، بالإضافة إلى الألعاب.

ميمز مبنية على الأنيمي. 

وفقًا لرأي مها شاتي الذي يتفق معه بقية الأوتاكوز الذين تحدثنا معهم، فإن الفترة العمريّة ما بين 15 – 25عام تشكّل الجزء الأكبر من أعضاء تلك المجموعات. ويشير شاكر اللحام وأحمد أبو غوش إلى أن الفئة الكبرى المستهدفة من الأنيمي والمانجا هي التي تقع ما بين 13 و17 عامًا، وربما يتجلّى ذلك في تصنيف الأنيمي والمانجا بناء على العمر المناسب للمشاهد/القارئ، لا الاكتفاء فقط بالتقسيم حسب الموضوع، كالآكشن، والرومانس، والكوميديا والرياضة، والمقامرة، وسلايس أوف لايف (slice of life)، وغيرها الكثير. ويتابع شاكر: «الحكومة اليابانية كثير بتدقق على استديوهات [الإنتاج] وعلى الأنيميات المعروضة، الشخص هاظ (من 13 – 17) رح يحضر الأنيمي وتتقولب شخصيته بناء عليه».

تُعرَض الأنيميّات في اليابان، بحسب أبو غوش، في أوقات تتناسب مع الأعمار المستهدَفة؛ «مثلًا أنيمي زي «أتاك أون تايتنز» (+17) بينعرض على العشرة أو 11 المسا، عشان يضمنوا يكونوا الأطفال نايمين». إلا أن معظم جمهور المانجا والأنيمي في منطقتنا لم يعد محكومًا بشدة لتعقيدات البث التلفزيوني، والشكر يعود للإنترنت. فبحسب إسراء عرار، تمثّل المواقع العربية التي توفّر عرض الأنيميات ومطالعة المانجا مترجمة إلى العربية المصدر الأساسي للأوتاكوز في المنطقة للاطلاع على معظم، إن لم نقل جميع، الأعمال التي تصدر حديثَا في اليابان، بالإضافة للكلاسيكيّات. وتشير أرقام تقرير صناعة الأنيمي لعام 2017، الصادر عن جمعية الأنيميشن اليابانية، إلى شحّ عقود البث المرخّصة للأنيمي في المنطقة العربية، بالرغم من توافرها الغزير على الإنترنت. إلا أنه من الجدير بالذكر، بحسب شاكر، أن أمام محبي قراءة المانجا ورقيًّا خيارات محدودة في الحصول عليها: إما طلب المانجا من متاجر الأونلاين أو شراءها من المحال النادرة التي تبيع المانجا في الأردن.

إضافة إلى ذلك النشاط الإلكتروني في المجموعات، فالعديد منها تدعو لفعاليات على أرض الواقع تكون بحجم صغير (مثل تبادل سلاسل المانجا والأنيميات أو بيع بعض المنتوجات)، أو بحجم أكبر، في محاكاة لما يُعرف بالكوميك-كون، وهو ملتقى يشمل العديد من الأنشطة مثل ألعاب الفيديو، ومبارزات البطاقات، ومسابقات أجمل كوزبلاي (تنكّر)، وفنون الأوريغامي، وغيرها الكثير، بحسب مها. إلا أن «نجاحها محدود عشان قلّة الخبرة بإدارة إيڤنتات بهاد الحجم. برأيي بدها وقت طويل لتصير مشابهة للإيڤنتات العالمية»، برأي إسراء.

زوار في الكوميك-كون الأول في السعودية، في جدة عام 2017. أسوشييتد برس.

المانجا والأنيمي كمنتج محلّي

يعتقد شاكر اللحام وأحمد أبو غوش أن المانجا والأنيمي تتميّز عن الكوميكس والكارتون حول العالم بشكل جوهريّ بعدة مميّزات. كنقطة انطلاق، فإن كلمة «أنيمي» تدلّ على أن السلسلة أُنتجَت في اليابان، بالإضافة إلى أن للأنيمي، بحسب اللحام وأبو غوش، نمطًا خاصًّا من الرسم. ناهيك، بحسب شاكر، عن القصة والأبطال؛ حيث أن طيف الأنيمي الواسع يجمع الكثير من الأبطال، بعضهم يمتلكون قوى خارقة، وآخرين هم بشر مثلنا يعانون مما نعانيه في حياتنا اليومية. ويضيف شاكر: «90% من الأنيميات بكون البطل عنده هدف مستحيل بالنسبة لقدراته، وباللحظة هاي [بداية الأنيمي] ما عنده القدرات إنه يحقق هذا الهدف. شو الإشي العظيم اللي إنت رح تعمله عشان توصل للحلم تبعك؟ هاي هي القصة»، ويتابع: «سبايدر مان لإيش بده يوصل؟ بده ينقذ المدينة؟! حرب مستمرة بين الخير والشر وخلص. بينما في الأنيمي تحقيق أحلام».

إلا أن لديانا العبّادي، مؤلفة المانجا الأردنية (32 عامًا)، رأيًا أقلّ راديكاليّة في الأمر، حيث تقول: «لا أحب التفريق بينها، فبنظري، المظلة التي يقف تحتها فن المانجا، والكوميكس، والمانوها أو الغرافيك نوفل هي مظلة واحدة عنوانها فن سرد القصص باستخدام تناغم بين الرسومات والكلام».

بدأت ديانا علاقتها مع الأنيمي والمانجا منذ المراهقة، وامتلكت أول كتاب من سلسلة مانجا عندما كانت في الجامعة. تخرجت من الجامعة الأردنية حاملةً شهادة الهندسة المعمارية عام 2009، إلا أنها اتجهت فورًا للعمل كراوية قصص مصوّرة، على حد تعبيرها. «هدفي مذ كنت مراهقة كان أن أشارك العوالم، والشخصيات، والقصص التي في مخيّلتي مع من حولي، وكنت مصرّة على أن لا ألتزم بأي عمل خارج هذا المجال»، تقول ديانا.

ومن أجل تحقيق ذلك الهدف، عملت ديانا، أثناء فترة دراستها، على صقل مهاراتها عن طريق التدرّب على رسم قصص كانت قد كتبتها في السابق، «لم أكن أحب المانجا أبدًا، ووقتها لم أكن قد قرأت أي مانجا من قبل لأنه، بنظري، كان الأنمي أروع وأقوى، وفيه موسيقى. لم أكن أعلم أن قراري برسم قصة قصيرة كتجربة وتدريب سيفتح لي بابًا لعالمٍ، لي فيه بيت، وعمل، ورحلة».

عملت ديانا بشكل حرّ، بعد أن بدأت تعلّم الرسم وصقل مهاراتها فيه، كمصممة شخصيات لمدة ثلاث سنوات. وفي عام 2011، بدأت بنشر حلقات من المانجا الخاصة بها «...Grey is» على نفقتها الشخصية وفي موقعها الإلكتروني الخاص. «في عام 2012، نُشرت القصة في إسبانيا باللغة الاسبانية. ونُشرت ثلاث قصص لي في كتب ومجلات في اليابان. كما أُنتج فيلم قصير صامت لإحدى قصصي الفائزة في مسابقة المانجا الصامتة العالمية»، تقول ديانا.

تتحدث مانجا «…Grey is» عن قصة صداقة شخصين يمثّلان التآلف والصراع ما بين العقل والقلب، على حد تعبير ديانا. «القصة عن شابين، أحدهما عاطفي واسمه (Black) إلا أنه أمهق بشعر أبيض، ويطغى البياض على لباسه. أما الآخر عقلاني واسمه (White)، ومثل صديقه، شكله الخارجي من شعر ولباس يخالف اسمه. هما صديقان منذ الطفولة، طفولة لم تكن سهلة لكليهما، مما دفعهما لاختيار طريق واحد للتعامل مع مصاعب الحياة، والابتعاد عن الوسطية، أو كما يسمّيناها «الرمادية»، مما أثّر طفولةً وشبابًا على حياتهم ونفسياتهم». تتعامل القصة مع مواضيع العنف الأسري والاكتئاب، وعن العلاقات العائلية التي تبحث عن أرض مشتركة ما بين العقل والقلب، كما تصفها ديانا.

صفحتان من مانجا «…Grey is» لديانا العبادي.

لا تزال مانجا ديانا العبّادي نتاج عملها وحدها؛ كتابةً، ورسمًا، وإنتاجًا، وتوزيعًا (ورقيًّا وإلكترونيًّا)، وهي التي تعمل يوميًا دون عطل بين 6 ساعات و14 ساعة. «عندما أكون في سفر أو فترة طباعة الكتب تقلّ هذه المدة ولكن هي مستمرة يوميًّا. معدّل عدد الصفحات [التي أنجزها] شخصياً بين صفحتين يوميًّا إلى خمسة». وتتوقع ديانا استمرار المانجا في الصدور لبضع سنين قادمة. يعود ذلك للإقبال الشديد على المانجا والأنيمي في منطقتنا، بحسبها، وللمتابعة الواسعة لعملها «…Grey is».

تشير ديانا إلى انتشار فكرة تأليف المانجا في المنطقة العربية شيئًا فشيئًا، فهناك العديد منها مثل: قصة «13:05» المنشورة في مجلة إعصار، تأليف أماني بدران، و«Odis» لسارا محمد، وEnios لفراس العميرين، بالإضافة إلى سوار الذهب، تأليف قيس صدقي برسم أكيرا هيميكاوا. إلا أن هذا الانتشار، برأي مها شاتي، لا يزال في طور البدايات، ويحتاج رعاية ودعمًا.

بالإضافة لتوافر العديد من الشباب الذين بنوا معرفتهم باللغة اليابانية شيئًا فشيئًا، من خلال المتابعة وبعض الدراسة، حتى صاروا مترجمين في منصّات بث الأنيمي العربية، وفقًا لما يقوله شاكر وأحمد.

وتعتقد إسراء عرار أن مشهد المانجا والأنيمي في الأردن والمنطقة العربية ينقصه الاعتراف بأنه مناسب لطَيْفٍ واسع من الأعمار، يمتد من الطفولة إلى الكهولة. حيث تمثّل صفحات المانجا وحلقات الأنيمي، عادةً، ساحة للنقاشات الفلسفية والاجتماعية من خلال ما يواجهه أبطال تلك القصص، حسب عدد من الدراسات.

في مقطع من مانجا Enios لفراس العميرين.

  • الهوامش.

    [1] Floating Worlds: A Short History of Japanese Animation, Maria Roberta Novielli, CRC press, 2018, p. 1

    [2] نفس المصدر، ص 6.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية