أين يذهب الأهالي بأطفالهم في العطلة الصيفية؟

أين يذهب الأهالي بأطفالهم في العطلة الصيفية؟

السبت 08 تموز 2017

(الصوّر أرشيفية، بعدسة حسام دعنة)

أين يذهب أطفالي؟

هذا هو السؤال الذي تحمله العطلة الصيفية كل عام لآلاف الآباء والأمهات ممن لديهم أطفال في المدارس، فتضعهم وأطفالهم أمام تحدي ملء ساعات طويلة من الفراغ، ظهرت فجأة مع انقضاء آخر يوم من أيام الدوام المدرسي. لدى الأسر تجارب مختلفة في التعامل مع هذا التحدي، تختلف بحسب أعمار الأطفال وعددهم في الأسرة. لكن ما يبدو أنه العامل الأكثر تأثيرا في تحديد شكل العطلة الصيفية للأطفال وأسرهم هو المستوى المادي لهذه الأسر؛ ففي وقت لا تدعم الحكومة فيه، بشكل مؤسسي، برامج صيفية لتلاميذ المدارس، تصبح الطريقة التي ستستثمر فيها العطلة مرهونة بقدرة الأسرة على تحمل كلفة البرامج التي توفرها مؤسسات القطاع الخاص. وهذا في النهاية ما يحوّل العطلة لبعض الأطفال إلى فرصة ينمون فيها اجتماعيًا وثقافيًا في بيئات آمنة، فيما لا يكون أمام أطفال آخرين إلا الشارع أو البقاء حبيسي المنزل.

في ما يلي ثلاثة نماذج لثلاث أسر مختلفة، التقتها «حبر»، تروي كلّ منها كيف يقضي أطفالها العطلة هذا الصيف:  

نور: «ينعدموا طفولتهم ويروحوا يشتغلوا مع أبوهم أهون ما يظلوا في الشارع».

في الشقة التي تقيم فيها نور، هناك خلف الباب بلاطة مخلوعة، وفي مكانها حفرة بحجم علبة لبن صغيرة، سمحت، قبل بضع سنوات، لأطفالها بحفرها في الأرضية كي يلعبوا «دواحل».

البديل الوحيد أمام نور، الأم لأربعة أولاد وبنت تتراوح أعمارهم بين 17 و5 سنوات، كان تركهم ينزلون ليلعبوا الدواحل في الشارع، وهو أمر لم يكن بوسعها السماح به للأطفال الذين كانوا وقتها دون التاسعة، «الشارع اللي إحنا ساكنين فيه معبّى سيارات بسوقوها مجانين، وكمان السيارات اللي صافة قدام البيوت (…) الأولاد بنطّوا من بينها للشارع فجأة من دون ما يكونوا السواقين شايفينهم»، تقول نور.

ليست السيارات فقط ما كان يخيفها وما يزال، هناك أيضًا حقيقة أن الشارع ليس مكانًا آمنًا للأطفال في أعمار صغيرة، عندما يكون من السهل التغرير بهم. «يعني كل قصص الخطف اللي سمعنا فيها ..إشي مرعب. عشان هيك بحكي يلعبوا زي ما بدهم في الدار، بس يكونوا قدّام عيوني».

لهذا، إضافة إلى الدواحل، تسمح نور لأطفالها باللعب، داخل المنزل، بالكرة وقيادة «البسكليت»، وتتحمل كسر المصابيح والمزهريات وزجاج البوفيه وتلف طلاء الجدران والإطارات الخشبية للأبواب.

مقابل ألا ينزلوا إلى الشارع،  تستقبل أصحابهم في البيت فيجتمع لديها في الشقة أكثر من سبع أو ثمانية أطفال

بل كانت، في أيام كثيرة، ومقابل ألا ينزلوا إلى الشارع،  تستقبل أصحابهم في البيت فيجتمع لديها في الشقة أكثر من سبع أو ثمانية أطفال، يلعبون الكرة، ويطاردون بعضهم بعضًا، ويخرجون البطانيات والمخدات من غرف النوم إلى الصالة ليصنعوا بها خيامًا.

طوال السنوات السابقة، كيفية قضاء أطفالها أوقات فراغهم شكّلت همًّا بالنسبة لنور. خلال أيام المدرسة، يكون الهم أقل، لأن ما يتبقى بعد عودتهم من المدرسة وإنجازهم واجباتهم هو ساعات قليلة. المشكلة الحقيقية هي في العطل، عندما يكونون في حالة فراغ طوال اليوم.

تسجيلهم في واحد من النوادي الصيفية التي تقيمها المدارس في منطقتها قد يكون حلًا، لكنها وزوجها لا يمكنهما تحمل كلفة النوادي. إلى ما قبل أشهر قليلة كان زوجها يعمل في الطوبار، ثم اضطر بسبب ركود حركة البناء في البلد إلى تغيير مهنته، فافتتح محلًا صغيرا لبيع الألعاب. ولا يسمح الدخل الذي يجنيه بتسجيل الأطفال في واحد من هذه النوادي. لقد استطاعت نور فعل هذا مرتين فقط  قبل سنوات، عندما كان لديهما ثلاثة أطفال فقط، اثنان منهم في سن المدرسة، فسجلتهما مقابل رسم مقداره 50 دينارًا عن الطفل الواحد، وكانت مدة النادي شهرين.

في النادي تعلموا السباحة وكانوا يلعبون كرة قدم ويخرجون في رحلات، ومرة خيّموا ليلة في أحد المتنزهات. كانوا آنذاك يعودون إلى البيت وقد فرّغوا طاقاتهم، وتعلموا مهارات جديدة واكتسبوا أصدقاء جدد. لكنه أمر لم يعد بإمكانها تكراره، «أولادي صاروا خمسة، بشوف إعلانات النوادي.. أقل واحد فيها بمئة دينار» تقول نور. لهذا فإن البديل لأطفالها صار الجلوس في البيت، مشاهدة التلفزيون معظم ساعات النهار والليل، والكفاح في محاولتهم اللعب في المساحات الضيقة المتاحة.

رغم أن أيام المدارس متعبة جدًا بالنسبة لنور، لأنها تتحمل وحيدة عبء تدريسهم بعد عودتهم من المدرسة، لكنها تقول إنه «على الأقل بغيبوا عني كم ساعة في النهار، بيهدى راسي شوي (…) وبعمل الأشياء اللي ما بقدر أعملها معهم». هذه «الأشياء» هي إنجاز أعمال المنزل «بهدوء»، الذهاب إلى السوق لشراء حاجيات المنزل، وأيضًا القيام بالزيارات الاجتماعية، التي لا يمكنها فيها اصطحاب الخمسة.

العطلة الصيفية هي كابوسها السنوي، فيها ينقلب النظام رأسًا على عقب، وتصبح حركتها محدودة جدًا، لأنها خلال دوام المدرسة تستطيع الخروج وهي مطمئنة لوجود أطفالها في المدرسة، لكنها في العطلة لا تستطيع تركهم وحدهم في المنزل، خصوصًا عندما كانوا أصغر سنًّا. ثم هناك الضجيج المستمر من ساعة استيقاظهم إلى نومهم، وهو خليط من الأصوات الصادرة عن التلفزيون والصراخ الناجم عن الشجار على القنوات.«الصغار بدهم طيور الجنة والكرتون، الكبير أفلام أجنبية، والوسطاني أفلام مصرية (…) كبسة الريسيفر خربانة، وما بتتغير القناة إلا بالريموت. اللي بيصحى أول بحطّ على القناة اللي بدو ياها وبيخبي الريموت»، تقول.

عندما وصل أكبر ابنيها إلى عمر 12 و13 سنة، وهو العمر الذي لم تعد فيه «تمون» عليهما ليبقيا في المنزل، بدأت بإرسالهما مع والدهما إلى الطوبار، حيث كانا يساعدانه في بعض المهام الخفيفة، واستمر هذا الحال لسنوات رغم اعترافها بقسوته عليهما. «الشمس بتكون حامية نار، وكل يوم والثاني كانوا يرجعولي مغزوزين مسامير، بس كنت بحكي مش مشكلة، ينعدموا طفولتهم ويروحوا يشتغلوا مع أبوهم أهون ما يظلوا في الشارع» تقول نور.

الآن، سيمضي الاثنان عطلة الصيف مع والدهما في محله الجديد، في حين سيبقى لديها في المنزل ثلاثة، أكبرهم في الثانية عشرة، وهو بالذات يسبب لها قلقًا شديدًا، لأنه بدأ يخرج إلى الشارع بدراجته الهوائية. فإضافة إلى خوفها من السيارات، هناك مشكلة أنه يرفض ارتداء خوذة، لأن ارتداءها ليس شيئًا مألوفًا لدى الأطفال في حيّهم، فكما تقول «بعتبروها إشي غريب. لو لبسها رح يصير ملطشة إلهم».

نور بدأت تشعر بالكآبة تجاه الموضوع قبل بداية العطلة، لأنها، كما في كل سنة، سترى أطفالها الذين أمضوا شهورًا طويلة في الدراسة المضنية، يسقطون في الفراغ القاتل، وتتحول العطلة الصيفية من فرصة ينمون فيها إلى صراع بينها وبينهم.

باسم: «بتمنى لو إنو بيئات العمل عنّا آمنة بحيث أكون مطمئن عليها تشتغل وتتعلم الاستقلالية»

«أنا محظوظ»، يقول باسم، الأب لطفلتين في التاسعة والثانية من العمر، لأن الكلفة المادية للنوادي الصيفية ليست مصدر قلق بالنسبة له ولزوجته. كما أن طبيعة عمل الاثنين لا يحكمها نظام ساعات عمل صارم، ما يوفر لهما حدًّا أدنى من المرونة يمكنهما من التعامل مع ارتباك النظام الذي تخلفه عطلة المدارس.

يملك باسم شركة للبريد المحلي، وتعمل زوجته معالجة نفسية في عيادتها الخاصة. ومنذ البداية، كان التحدي الأكبر بالنسبة لهما هو إيجاد ناد صيفي يقدم للأطفال أكثر من خدمة الـ«babysitting»، وهذا ما يقول إنهما وجداه في النادي الذي ستلتحق به ابنته هذا الصيف، ويكلف 300 دينار شهريًا دون المواصلات.

هناك الكثير من الخيارات في عمان، لكن الكثير منها كما يقول، يحكمها نفس تجاري، ولا تقدم أنشطة نوعية، وهذا واضح من لغة الإعلان ومن خطاب القائمين عليها. «يعني بحس الواحد إنهم بدهم يوصلوا رسالة للأهل: بدكوش أولادكم يظلوا في وجوهكم طول النهار؟ هاي مكان تحطوهم فيه»، يقول باسم.

ما بحثا عنه منذ البداية، هو وزوجته، هو ناد يزاوج بين الترفيه وتعليم المهارات اليدوية وتنمية المهارات الاجتماعية. وهذا الصيف بالتحديد، كان أمامهما تحدٍ إضافي، هو أن ابنتهما التي ستنتقل إلى الصف الرابع، تحتاج دروس تقوية، لهذا كان لا بد من العثور على ناد يقدم هذا النشاط التعليمي، لكن بطريقة متوازنة مع النشاطات الترفيهية، فكما يقول «بالنهاية هاي إجازتها، وهي بتستحقها».

يقول باسم أن المشكلة التي واجهته هذا الصيف بالتحديد هي أن شهر رمضان تزامن مع بداية العطلة الصيفية، وجميع الخيارات «الجيدة» المتاحة كانت لنواد أجلّت نشاطاتها إلى ما بعد العيد. فكان هناك فترة شهر فراغ بعد نهاية العام الدراسي، عكس ما حدث في السنوات السابقة، عندما كانت هذه الفترة لا تزيد على أسبوع أو عشرة أيام.

اضطر باسم وزوجته إلى وضع ابنتهما في رعاية جدتيها، وهي تجربة يقول إنها «مش ضارة، بس كمان مش مفيدة». فمعظم الساعات تقضيها الطفلة على جهاز «التابلت» تشاهد برامج ترفيهية، ومع أن الجهاز، كما يقول، مبرمج بحيث يحدد عدد ساعات المشاهدة ونوعية المحتوى المعروض، لكن قضاء خمس أو ست ساعات في مشاهدة محتوى ترفيهي محض، ليس نوع النشاط بالتأكيد الذي يرغب أن تقوم به ابنته. «بسّ المشكلة مش في الجدات. يعني لو البنت معنا [الوالدان]، بفكر إنه إحنا كمان مش رح يكون عنّا خيارات كثير لإدارة الوقت، ممكن رح يكون الوضع أفضل شوي، بس مش كثير» يقول باسم.

بالنسبة له النوادي الصيفية هي الخيار الأمثل لاستثمار وقت الأطفال في الصيف، فهي لا تقدم الترفيه فقط، لكنها أيضًا تسدّ نوعًا آخر من الفراغ تأتي به العطلة، وهو انقطاع الأطفال عن شبكاتهم الاجتماعية المكونة من رفاقهم في المدرسة. لهذا يقول أنهم مع مجموعة من العائلات الصديقة، من الذين اضطروا مثلهم إلى وضع أطفالهم في رعاية الأجداد أو أقارب آخرين، حاولوا تطبيق فكرة أن يتجمع الأطفال في منزل مختلف كل مرة، ليقضوا الوقت في اللعب مع بعضهم بدل قضائه وحيدين على أجهزتهم، ولكن «للأسف ما زبط الوضع. في كثير ناس ظروفها ما كانت تسمح إنهم يستقبلوا أطفال عائلات ثانية».

إضافة إلى النادي الصيفي، اهتم باسم بأن يعثر لابنته على ناد لتحفيظ القرآن. لأنه، كما يقول، مهتم بأن تنشأ ابنته والإسلام جزء من هويتها، وبرأيه حفظ القرآن يمكن أن يساهم في ترسيخ هذا البعد من الهوية. ويضيف أنها «طبعًا رح تكبر ورح تقرر إيش بدها تكون، لأن الدين لا يورّث، بس في المرحلة الحالية، أنا مهتم أربيها على القيم اللي بعتقد إنها صحيحة» .

المشكلة بالنسبة لباسم هي أن غالبية دور تحفيظ القرآن المنتشرة، هي تلك التقليدية بصورتها «النمطية والكئيبة»، والتي تثير في العادة هواجس ترسيخ التعصب والانغلاق. لهذا اعتنى بأن يبحث، كما يقول، عن مركز يتبنى القائمون عليه نوعًا من الفهم «المنفتح» للدين، وينتهج مقاربة مختلفة لمسألة تحفيظ القرآن. ويضيف باسم «على الأقل من خلال تجربتي الشخصية ومعرفتي ببعض أشخاص من القائمين على مركز معين وملاحظتي لطريقة دمجهم تحفيظ القرآن مع أنشطة ترفيهية وتثقيفية أخرى، ممكن أحكي إنه مركز جيد. مش اللي بدي ياه تمامًا، بس مقارنة مع النوع السائد من مراكز تحفيظ القرآن ممكن أحكي هذا المركز جيد نسبيًا».

التجربة التي يتمنى لو أنه بإمكان ابنته خوضها بعد بضع سنوات، ويعرف أنها ستحرم منها لأسباب تتعلق بالبيئة والثقافة، هي تجربة العمل في الصيف

رغم أنه «محظوظ» كما يقول لأن ظروفه تسمح له بأن يوفر لابنته فرصة جيدة لاستثمار عطلتها، لكن التجربة التي يتمنى لو أنه بإمكان ابنته خوضها بعد بضع سنوات، ويعرف أنها ستحرم منها لأسباب تتعلق بالبيئة والثقافة، هي تجربة العمل1 في الصيف، الشيء الذي يفعله المراهقون تقليديًّا في عطلهم الصيفية في الكثير من بلدان العالم المتقدمة، حيث يعملون في بيع الجرائد أو في المطاعم، أو غيرها من مهن تتناسب مع قدراتهم وأعمارهم. يقول إنه مقتنع بأن الخبرة الحقيقية بالحياة يكتسبها الفرد خارج المدرسة، بل حتى خارج الجامعة التي تشكّل في بلادنا، كما يقول، تجربة «محدودة»، تكاد تقترب في ذلك من  تجربة المدرسة.

لكن خيار العمل شبه معدوم، خصوصًا لدى الفتيات، «بتمنى لو إنو بيئات العمل عنّا آمنة بحيث أكون مطمئن عليها تشتغل وتتعلم الاستقلالية (…) بشوف أحيانًا في بعض محلات أولاد أو بنات بيساعدوا، في محلات سوبر ماركت مثلًا، بس بلاحظ إنو غالبًا بيكون في علاقة عائلية مع صاحب المحل»، يقول.

أمر آخر يتمنى لو كان متاحًا للأطفال في العطل الصيفية، وهو متاح بشكل منظم في بلدان أخرى، هو الأنشطة التطوعية المنسجمة مع رغبات الأطفال أنفسهم. «صحيح ممكن الناس يعملوا تطوع على الصعيد الشخصي. مثلا قبل فترة رحت مع بنتي على متنزه غمدان وما كان في مكان نظيف نقدر نقعد فيه، فنظفنا جزء من المكان (…) بس المسألة بتضل أكبر من مبادرات فردية. المسألة بحاجة لتدخل مؤسسي» يقول باسم. فهذه الأنشطة التطوعيّة ليست متاحة بشكل مؤسسي منظم، أو هي، كما يقول، ليست، على الأقل، منتشرة بما يكفي في الأردن. ومع ذلك يقول إنه يفكر بأن يبادر هو نفسه بخلق فرصة لابنته، فوالدته منتسبة إلى ناد صحي تابع لجمعية خيرية، ومعظم مرتاداته من كبيرات السن: «بفكر جديًّا في المستقبل أصير أبعث بنتي على النادي مع جدتها تساعد في النظافة مثلًا لساعتين أو ثلاث كل يوم».

رند: «أنا الميزة عندي إنه عندي ولد واحد. لو كان عندي طفل تاني ما كان ممكن أقدر أسجل في هيك مكان»

خيار الجدات ليس متوفرًا هذا العام، تقول رند، التي تعمل وزوجها في مجال الصحافة، ولديهما طفل سيلتحق بالصف الأول العام المقبل. والدتها بدأت، كما تقول، تعاني من مشاكل صحية، في حين أن والدة زوجها قررت في سن التاسعة والخمسين أن تلتحق بسوق العمل للمرة الأولى في حياتها، وهي تعمل الآن في صالون تجميل.

السؤال الذي يواجههما كأي أبوين يعملان خارج قطاع التعليم في العطل المدرسية هو «وين نروح بالولد؟». إنه سؤال لا يقتصر على ثلاثة أشهر الصيف، فهناك أيضا شهر عطلة الشتاء.

[الاعتماد على الجدات والأجداد] أمر «ظالم» للطفل الذي يمضي الوقت وحيدًا ويشعر بالملل، وظالم أيضًا للأجداد لأنه يقيد حركتهم ويرهقهم.

تسجل رند ابنها في ناد صيفي في العادة، لكنها كانت تعتمد على الجدتين في الفترات الانتقالية بين انتهاء المدرسة وبدء نشاطات النادي. وأيضًا بعد انتهاء دوام النادي في الساعة الثانية بعد الظهر. لقد كانت تضطر إلى ذلك، رغم أنه، كما تقول، أمر «ظالم» للطفل الذي يمضي الوقت وحيدًا ويشعر بالملل، وظالم أيضًا للأجداد لأنه يقيد حركتهم ويرهقهم.

هذا العام، كان هناك فترة أسبوعين تلت انتهاء العام الدراسي، قبل أن يفتح النادي أبوابه، اضطرت فيها رند وزوجها إلى إرسال الطفل إلى الحضانة التي كان فيها قبل دخوله المدرسة، ولم يكن هذا مريحًا أبدًا له،  «كان حاسس حاله في المكان الغلط»، تقول رند.

بعد الأسبوعين، سجلته في ناد وجدت بعد البحث أنه يناسب ميول ابنها. ففي السابق كانت قد سجلته في ناد معظم أنشطته رياضية، وهو أمر لم يحبه ابنها، الذي تقول إنه يميل أكثر نحو المهارات اليدوية. الدوام في النادي الجديد من الساعة العاشرة إلى الثانية، والرسم هو 75 دينارًا في الأسبوع، وهذا، كما ترى، مبلغ «كبير جدًا» عند النظر إلى نوعية النشاطات التي يمارسها الأطفال وهي «قراءة قصص ورسم وطبخ. يعني كلها نشاطات مش مكلفة أبدًا. بستغرب ليش الرسوم هيك غالية».

تلفت رند إلى أن من يلحقون أبناءهم في هذا النادي ينتمون إلى طبقة ميسورة، فتقول «اللي مسجلين أولادهم هناك من الناس اللي بيقدروا يدفعوا، من طبقة أعلى منّا. أنا الميزة عندي إنه عندي ولد واحد. لو كان عندي طفل تاني ما كان ممكن أقدر أسجل في هيك مكان».

تضيف رند أن أمرًا آخر يجعل الكلفة غير منطقية، وهو مقارنة رسم النادي برسم المدرسة. فهي وزوجها يدفعان 2400 دينار رسمًا سنويًّا لمدرسة ابنهما، وعند تقسيطها على 8 أشهر، فإن الرسم الأسبوعي يكون 75 دينارًا، «كيف يعني؟ والمدرسة بتداوم ساعات أطول وبتحتاج جهد وموارد أكبر؟»، تتساءل رند.

رحلة البحث عن ناد صيفي تبدأ، كما تقول، نهايات العام الدراسي، في «جروب» الأهالي في مدرسة ابنها على «واتس آب». وهم لا يفعلون ذلك لتبادل الخبرات فقط، بل لأن هناك قناعة بأن تسجيل الأطفال من الصف نفسه في النادي نفسه يجعلهم ينسجمون أكثر. في هذه المجموعة، الهاجس لا يكون الأقساط، بل ساعات الدوام، لأن النوادي الصيفية تبدأ في العادة بين 9:30 و10، وهذه مشكلة للموظفين الذين يبدأ دوامهم قبل ذلك، «حاليًا رمضان ساعد شوي لأن الدوام يبدأ أصلًا متأخر، بس بعدين في مشكلة» تقول رند.

عملها بشكل مستقل لا يعني أنه لا مشكلة لديها، فكثير من المهام تتقاطع مع وجود ابنها في المنزل، فكما توضح «أنا بحتاج ست ساعات عشان أخلص كل المطلوب مني. فلما بغيب [الطفل] 4 ساعات بس، هذا معناه ترحيل ساعتين شغل لوقت تاني».

إضافة إلى أنها تتشارك بعض المسؤوليات مع زوجها، فهي طوّرت مع الوقت، آلية لتنفيذ المهام بوجود طفلها، ويساعدها على ذلك، كما تقول، أن بيئة العمل التي تتحرك فيها هي بيئة «تقبل» الأطفال، فهي تأخذه أحيانا إلى اجتماعات، وتكون قد أحضرت له أوراقًا وأقلام تلوين. كما أنها تعلمت أن تعيد توزيع المهام، فتنجز الالتزامات التي لا علاقة لها بالعمل في وجوده، لتوفر الوقت لمهام أخرى «تحتاج إلى تركيز».


[1] الحدّ الأدنى للسن المسموح بها للعمل هو السادسة عشرة، وفق المادة (73) من قانون العمل الأردني، رقم (8) للعام 1996.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية