الانتقاء غير الطبيعي: البنت والولد في عصر التكنولوجيا الحيوية

الخميس 01 آذار 2018
تصميم مايا عامر

اعتمد علم تحسين النسل في الماضي على سياسات قمعية اشتهر بها النظام النازي على وجه الخصوص عندما تبنى في الثلاثينيات قوانين وأحكام عنصرية تحدّ من تكاثر الفئات التي اعتبرها النظام مصدر تهديد لتمدد العرق الآري. فباشر بممارسة إبادات جماعية ممنهجة وإجراء عمليات تعقيم قسرية. وبالرغم من إدانة هذه الممارسات بعد الحرب العالمية الثانية والحد منها إلا أن تحسين النسل بقي هاجسًا يلاحق البشرية إلى يومنا هذا، ولكن بحلّة مُختلفة وأكثر «ليبرالية» تندرج تحت التطور العلمي والتكنولوجي.

إن تفضيل المولود الذكر عن الأنثى ليس ظاهرة جديدة، ولكن بينما اتّبعت الوسائل القديمة التخلُّص من الطفلة الأنثى بعد ولادتها، أو إهمالها، أتاحت التكنولوجيا الحديثة والتي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين وأهمها السونار، التخلص من الإناث قبل ولادتهن عن طريق إجهاضهنّ. أما في أوائل التسعينات فأصبح التفضيل ممارسًا حتى قبل الحمل وذلك عن طريق اختيار جنس الجنين باستخدام تقنية «التشخيص الجيني ما قبل الزرع» (PGD).

لقد سمحت هذه التقنية باختيار جنس الجنين قبل نقله للأم وذلك عن طريق فحص جينات أو كروموسومات الجنين وإرجاع الأجنة الحاملة للجنس المرغوب به إلى الرحم عبر التلقيح الصناعي أو ما يُعرف بأطفال الأنابيب. وبينما استُخدمت التقنية بداية لدواعي طبية مكّنت العلماء من الكشف عن بعض الأمراض والحد من الأمراض الوراثية كالهيموفيليا والثلاسيميا إلا أنها أخذت منحىً اجتماعيًا بحتًا عندما خُفّفت شروط استخدامها لاحقًا لتصل إلى تحديد جنس الجنين بشكل رئيسي.

تتعدد أسباب تفضيل الذكور عن الإناث، ولكنها غالبًا ما تتعلّق بالميزات المُجتمعية التي يحصل عليها الذكر مثل حقه في الوراثة ونقل اسم العائلة إضافة إلى الصورة النمطية السائدة التي تُحمّل الذكر مسؤولية صون العائلة وإعالة الوالدين عند الشيخوخة. صرّح مكتب الإحصاء السكاني في عام 2012 أن عدد الإناث المولودات في العالم ينقص مليونًا ونصف سنوياّ جرّاء التمييز.

ماذا عن الأردن؟

لا يوجد قانون في الأردن يمنع أو يُشرّع استخدام تقنية التشخيص الجيني، ولكن سبق أن صدر في العام 2009 مشروع قانون حول استخدام التقنيات الطبية المُساعدة على الإنجاب لا يزال موجودًا في ديوان التشريع والرأي إلى هذا اليوم. تحظر المادة العاشرة من مشروع القانون «استخدام التقنيات الطبية المُساعدة في انتقاء الجنس» إلا في حال تعلّق سبب الانتقاء بتفادي أمراضٍ وراثية مرتبطة بجنس الجنين. هذا وكانت دائرة الافتاء الأردنية قد أصدرت فتوى شرعية حرّمت فيها كذلك استخدام التقنية لدواع غير طبية «لِما في ذلك من المحاذير الشرعية كفتح الباب أمام العبث العلمي بالإنسان، واختلال التوازن بين الجنسين، والتعرض لاختلاط الأنساب، وكشف العورات». من جهة أخرى صدر عن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي أن استخدام التقنية لدواعي تحديد الجنس حلال، ما يُظهر تضارب آراء العلماء المسلمين حيال هذا الموضوع.

يعتبر الدكتور عارف الخالدي، أخصائي واستشاري نسائية وتوليد ورئيس الجمعية الأردنية للخصوبة والوراثة، أن للتقنية فوائد تعود على الأسرة والمجتمع ككل إذا تمّ ضبطها بأحكام أخلاقية تمنع تعزيز التمييز بين الذكور والإناث.

يقول الخالدي أنه يتفهم رغبة الأزواج بإنجاب أطفال من الجنسين خاصة إذا كانت تحكمهم منظومة اجتماعية قائمة على الأدوار الجندرية. وبما أنّ الأزواج في وقتنا هذا وبسبب غلاء المعيشة لم يعد بمقدورهم إنجاب الكثير من الأطفال، وهو الأمر الذي عادةً ما يحصل انتظارًا للطفل الذكر، يرى الخالدي أن العملية توفر حلًّا مُناسبًا للمشكلة. كما وأوضح أنّ العملية تحدّ من التفكك الأسري الذي كثيرًا ما ينتج عن غياب طفل ذكر بالعائلة، فإما أن يُطلّق الزوج زوجته أو يتزوج عليها، بالرغم من أنّ تحديد جنس المولود يعتمد عليه لا عليها. بالتالي يوفر التشخيص الجيني بنظر الطبيب حلًّا لعوارض سلبية ناتجة عن التمييز المُتجذر في المجتمع.

ولتجنّب العواقب السيئة التي قد تنتج عن الإسراف في استعمال هذه التقنية مثل اختلال التوازن بين الجنسين يشترط الخالدي على أن تكون المرأة الساعية لإجراء العملية في عيادته إما كبيرة في العمر أو لديها طفلان أو أكثر من الجنس نفسه. «لا أقبل بإجراء العملية لزوجين تزوجا حديثًا يُطالبان بذكر» قال الخالدي، خلال مقابلة أجرتها معه حبر، أوضح فيها أن غالبية الحالات التي تأتي إليه تختار أن يكون الجنين ذكرًا.

يُقدّر الخالدي عدد النساء اللاتي يخضعن لعملية أطفال الأنابيب فقط لتحديد جنس الجنين، أي أنهن لا يعانين من عقم أو صعوبات في الحمل، بأنه يتراوح بين 1500 و2700 في السنة الواحدة، ما يشكّل 10-15% من عدد النساء الكلي اللاتي يخضعن لعمليات أطفال الأنابيب، والذي يتراوح عددهن ما بين 15 إلى 18 ألف حالة بالسنة. وبحسب الخالدي يستقبل الأردن بعض الحالات من بلدان يُمنع فيها إجراء العملية لدواعي تحديد الجنس مثل بلجيكا والمملكة المتحدة والسعودية.

امتداد آفاق الهندسة الوراثية

في ظل تطور علم الجينات وخاصة بعد الاكتشاف الحديث لتقنية كريسبر- كاس 9 التي سهلّت وخفضت تكلفة التعديل الجيني بطريقة غير مسبوقة، يبدو أنّ «تصميم الأطفال» لم يعد من المستحيلات. يدور النقاش اليوم حول إمكانية اختيار لون عيون الجنين وصفات أخرى قد يُفضلها الوالدان والمآلات الأخلاقية التي تترتب عليها.

قد يكون لهذه التكنولوجيا منافع عديدة تصب في مصلحة البشرية ولكن في الوقت نفسه كيف يُمكن أن نضمن عدم احتكارها من قبل أصحاب التكنولوجيا والمال الذين قد يستخدمونها لإحداث تمييزات بين فئات المُجتمع المختلفة للحفاظ على عرق أو جنس مُعيّن. ألن ينتهي بنا المطاف حينها إلى عالَم ألدوس هكسلي الذي يعد الإنجاب جزءًا من خط إنتاج رأسمالي تُسيطر عليه المُعدّات والآلات؟

___________________________________________________________

يمكنكم الاستماع إلى قصة مُنى التي خضعت لعملية «التشخيص الجيني ما قبل الزرع» في حلقة من إعداد صوت.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية