حملة المشاركة في التعداد العام: تخبّط واستخفاف بالمواطن

الإثنين 30 تشرين الثاني 2015

بقلم سارة القضاة

أغنية «وين ساكن» التي بثّها التلفزيون الأردني ضمن حملة الترويج للمشاركة في التعداد العام للسكان والمساكن الذي انطلق اليوم، وجدت طريقها سريعًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتصبح نكتة يتداولها الأردنيون تعليقًا على الحملة تحت وسم #وين_ساكن و #التعداد_السكاني و #بدها_تعرف_الدولة_وين_ساكن.

من المؤسف أن تتحول حملة وطنية لمشروع يجري مثله كل عشر سنوات في العديد من دول العالم إلى مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن الأغنية تبدو فعلًا مناسبة للحملة؛ تقليديةٌ من حيث الألحان، وركيكةٌ من حيث الكلمات والأداء، وغير مترابطةٍ ولا منطقية، وتثير الضحك عند مستمعيها، فتحار بين تصديقها أو التعامل معها كمجرد نكتة. وهذا ما كان، إذ استخدم المواطنون الأغنية كأداة للتهكم على التعداد العام.

حملة التعداد بمجملها لم تكن أفضل حالًا من الأغنية، لم يساعدها وجود أزمة ثقة أساسًا بين المواطن والحكومة، وزادها سوءًا الخطأ الذي ارتكبته الحكومة بتضمين الاستمارات لخيار «دولة إسرائيل» في إجابات أحد الأسئلة مما أدى إلى انطلاق حملة شعبية للمطالبة بتعديل الاستمارات. هذا أدّى إلى تعليقات من قبل العديد من المواطنين بأن هناك أهداف سياسية خلف التعداد السكاني، وهو ما نفاه نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم محمد نيبات، وشدد على نفيه رئيس الوزراء عبد الله النسور. إضافة إلى إعلان الحكومة تعديل الاستمارات وإزالة ذكر «إسرائيل».

ضعف الحملة الإعلامية والإعلانية للتعداد العام وعدم وضوحها زاد من الفجوة بين المواطن والحكومة، فبدلًا من توضيح طبيعة المعلومات والبيانات التي سيتم جمعها وأهميتها في التخطيط والتنمية، لجأت الحملة إلى شعارات فارغة استهانت بعقلية المواطن الأردني وتعاملت معه بسذاجة، فربطت بين التعاون مع دائرة الإحصاء والواجب الديني، مما أثار حفيظة كثير من المواطنين. فمثلًا كتب الإعلامي والكاتب باتر وردم على صفحته على الفيسبوك أن ربط الحملة بواجب ديني «استهبال» و«محاضراتٌ أخلاقية فارغة». وأضاف: «كل ما هو مطلوب “اخي المواطن اختي المواطنة نرجو تعاونكم مع دائرة الإحصاءات العامة لإنتاج قاعدة بيانات سليمة عن التعداد السكاني في الأردن؟. صعبة هاي؟ أعتقد بأن اهم معلومة يجب توفرها في الإعلان هي ارشاد المواطنين لكيفية التأكد من هوية المكلفين رسميا باعداد الاحصاء ودخول المنازل وتفريقهم عن اي لصوص يمكن ان يستغلوا الموقف».

census promotion

كما انتقد مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي ذكورية الخطاب الموجه في الإعلانات التي تم نشرها في الصحف، فكتب الناشط أحمد حُمّيض: «عندي مشكلة مع اللغة الموجهة للرجال فقط: «أخي المواطن». فكرت تجاوزنا في الحكومة هاي اللغة الذكورية».

إضافة إلى ذلك، فاقمت الحكومة من أزمة الثقة بينها وبين المواطن في توقيت إعلان الإجازة، إذ تعاملت على أنها القطب الوحيد في المعادلة، متناسيةً أن هناك مصالح لدى المواطنين قد تتعطل، وأن هناك أشخاصًا لديهم التزامات تحتم عليهم العمل في هذا اليوم. فأعلنت عن العطلة في منتصف اليوم، وحذرت المواطنين من الذهاب إلى العمل.

بالطبع هناك عدة سيناريوهات لإجراء التعداد السكاني دون تعطيل الحياة الاقتصادية ليوم كامل، فكان بالإمكان إجراؤه في أحد أيام الإجازة، كيوم الجمعة مثلًا. أو كان من الممكن أن يجري التعداد السكاني على مدار أسبوع خارج أوقات الدوام الرسمي، لكن الحكومة اختارت أن تنفي لمدة أسبوع كامل وجود عطلة بمناسبة التعداد، لنتفاجأ عصر الأحد بالخبر الذي أربك القطاعين العام والخاص وحتى المدارس، فكيف لا يفقد المواطن الثقة بالحكومة وبحملة التعداد السكاني؟ وكيف تستطيع الحكومة بعد كل هذا أن تقنعه بأن يأخذها على محمل الجد؟

وسط كل التعليقات حول التعداد على مواقع التواصل الاجتماعي، احتلّت أغنية «وين ساكن» النصيب الأكبر. الإعلامي باسل رفايعة كتب: «لماذا يحتاجُ التعدادُ السكانيُّ في الأردن إلى أغنية رديئة ومخزية إلى هذا المستوى المُخجل. هل هذا هو “الإعلام التنموي” أم أنّ قريحة الدولة الأردنية باتت ركيكة وعقيمة، وما تزال تظننا نمصُّ أصابعنا؟»

الكاتب إبراهيم غرايبة علّق أيضًا على الأغنية قائلًا: «أغنية التعداد السكاني التي بثها التلفزيون الأردني.. الأغنية مسجلة وتبث من مسجل.. والمغني يتظاهر بأنه يغني مع التسجيل.. والمذيع في المشهد إضافة غير لازمة مثل طبال مرافق للمغني لكنه لا يطبل ولا يجمع النقود التي يقذفها الجمهور الى المغني/ة، هذه الشلفقة في التقديم وهذا الإخراج الرديء والتقديم المبالغ في ضحالته يعبر عما يفكر فيه مصممو ومعدو البرامج والأفكار في قلعة الأوليغارشيا الأردنية … كيف يرون الناس كيف يظنون الأردنيين يفكرون وما ذوقهم ومستوى ادراكهم ومعرفتهم؟».

التربوية شيرين حامد كتبت على صفحتها الخاصة على الفيسبوك أن «التعداد السكاني عرف عالمي … ينسجم مع أبسط أساسيات التخطيط لجميع القطاعات عموديا وافقيًا. لا تخطيط بدون معلومات ولا تنمية بدون معلومات. لكن معضلتنا الحقيقية في طريقة وآلية ونوعية الخطاب الموجه للناس والتي لا ترقى لمستوى ثقافة وتعليم الشعب الأردني ولا طموحه في التنمية الحقيقية، وهنا تتحول البرامج المنوي تنفيذها إلى مادة للنكتة والتسلية. كلمة حق في دائرة الإحصاءات العامة: هي من افضل أجهزة الاحصاء في المنطقة والتي تستقطب الدول المجاورة موظفينها كخبراء وبامتيازات جيدة. الحل: هيكلة حقيقية لمن يصيغ ويخرج الخطاب الإعلامي الموجه للشعب».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية