إعادة بناء صورة المثْليّ في المجتمع الفلسطينيّ

السبت 20 شباط 2016

غيث هلال وحنين معيكي*

(نشر هذا المقال في العدد الرابع والعشرين من مجلة جدل التي يصدرها مركز مدى الكرمل).

يتضمّن الخطاب العرْقيّ للاستعمار الصهيونيّ لفلسطين خطابًا جنسيًّا وجنوسيًّا، يمارس من خلاله قوّته الاستعماريّة، بحيث يعمل على خلق وإعادة خلق أشكال محدّدة من المعرفة و«الحقائق» المتعلّقة بالهُويّات الجنسيّة (كرُهاب المثْليّة، أو الهُويّات المستوردة، أو العنف ضدّ الهُويّات الجنسيّة والجندريّة المختلفة، على سبيل المثال لا الحصر) وعلاقتها بالمفاهيم المجتمعيّة، بغية ترسيخ سيطرته على المستعمَر، جاعلًا من هذه «الحقائق» والتعريفات الجنسيّة جزءًا لا يتجزّأ من واقع الشعب المستعمَر، موهِمًا إيّاه بأنّها من صنعه وجزء من قيمه وحضارته وثقافته.

ترمي هذه المقالة إلى فهم دَوْر الاستعمار في تشكيل صورة المثْليّ في المجتمع الفلسطينيّ وعلاقتها الجدليّة برُهاب المثْليّة في مجتمعنا، من خلال دراستنا لبعض من المراحل المفصليّة في التاريخ الفلسطينيّ الحديث، بدءًا بالانتفاضة الأولى، مرورًا بأوسلو، والانتفاضة الثانية والانقسام، وتعزيز صورة المثْليّ، وربْطها برُهاب المثْليّة في العَقد الأخير عبر حملة الدعاية الإسرائيليّة «الغسيل الوردي».1

من تجربتنا، وخلال عملنا في الحقل في العَقد الأخير، لَمَسْنا أنّ صورة المثْليّ في السياق الفلسطينيّ ارتبطت دائمًا بـِ«الآخر» الذي جرى تعريفه من خلال العلاقة بالمستعمِر والثقافة الغربيّة التي يحملها ويمثّلها، إذ بُنِيتْ هذه الصورة ورُسّخت من خلال أحداث تاريخيّة اجتماعيّة وسياسيّة أفرزت صورة المثْليّ الفلسطينيّ في أسوأ حالاتها، مرتبطة بالعميل المتعاون مع قوّات الاحتلال ضدّ شعبه، وفي أحسن حالاتها، هي لشخص متأثّر بالثقافة الغربيّة /الإسرائيليّة /الاستعماريّة، وينفّذ أجِنْدات دخيلة على مجتمعنا بلا وعي.

نظرة تاريخيّة

سوف نبدأ تحليلنا بفترة الانتفاضة الأولى2، إذ شهدت الانتفاضة الأولى تركيزًا لعمل الأحزاب والحركات الفلسطينيّة السرّيّ، مما عزّز الحِسَّ الأمنيّ لدى تلك الأحزاب ولدى المجتمع الفلسطينيّ بعامّة، ولا سيّما مع محاولة الاحتلال جمع أكبر قدر من المعلومات عبْر «زرع» عملاء بكافّة الطرق الممكنة عن طريق الإسقاط: وذلك باستغلال كلّ ما هو مرفوض مجتمعيًّا (مثل تعاطي المخدرات؛ ممارسة الجنس خارج إطار الزواج؛ المثْليّة)، من أجل ابتزاز الأشخاص الذين يمارسون هذه الأعمال بالسرّ كي يتعاملوا مع الاحتلال مقابل عدم فضحهم وتهديد مكانتهم الاجتماعيّة. حاربت التنظيمات الفلسطينيّة ونَبذت هذه الممارسات، من خلال تبنّي خطاب المجتمع «الأخلاقيّ» حول الجنس والجَنسانيّة بدلًا من تحدّيه، وهو ما ساعد على تكريس نقاط ضعف داخل العمل السياسيّ السرّيّ، ووضْع أفرادًا -منهم المثْليّون- تحت خطر الإسقاط. كانت هذه بداية ربط المثْليّة بالعمالة، التي رُسّخت عبْر سياسات الأحزاب الأمنيّة، والتي تبنّتها بعض القوّات الأمنيّة لدى السلطة الفلسطينيّة لاحقًا.

مع انتهاء الانتفاضة الأولى ونشوء السلطة الوطنية الفلسطينيّة، فُتِح المجال لبداية تطوُّر مفهوم الحقوق الفرديّة من ناحية، وزيادة دَوْر المموّلين و«الحلفاء» الأوروبيّين، الذين قاموا بمساءَلة السلطة حسب معايير الديمقراطيّة الغربيّة ومنها حقوق المثْليّين. تزامن هذا مع تبنّي الإعلام الغربيّ لطرح موضوع قمع المثْليّين على يد السلطة3 ومقارنتها بالحقوق التي كان المثْليّون يكتسبونها في أروقة الكنيست بعد تغيير القانون الإسرائيليّ لتجريم المثْليّة عام 1988. وهكذا رُبطت صورة المثْليّ الفلسطينيّ (المستعمَر) ومصيره مرّة أخرى مع الإسرائيليّ (المستعمِر)، وهذه المرة من المنظار الحقوقيّ العالميّ الذي سرعان ما تحوّل إلى مقياس لحداثة وانفتاح شعوب وبلاد مختلفة. المثير في الأمر أنّ هذه التطوّرات جرت من خلال الإعلام الغربيّ والإسرائيليّ، وأروقة المؤسّسات العالميّة والمموِّلين، في ظلّ غياب أشكال النشاط المثْليّ الكويريّ الفلسطينيّ الّذي نعرفه اليوم. والمثير أكثر أنّ رواية إلغاء تجريم المثْليّة في القانون الإسرائيليّ، التي أصبحت مقياسًا لوضع حقوق المثْليّين في المجتمع الفلسطينيّ، لا تتضمّن أيّ ذكْر أنّ قانون تجريم المثْليّة قد أُسقِط من القانون الأردنيّ عند تعديل قانون الأحوال الشخصيّة عام 1957 الذي ورثته السلطة عند إقامتها، وأنّه لا قانونَ يجرّم المثْليّة الجنسيّة في الأراضي التي تبسط السلطة الفلسطينيّة «حكْمها» عليها.

بالإضافة إلى تأثير فترة أوسلو على تشكُّل صورة المثْليّ الفلسطينيّ، جرت تكملة هذه السيرورة خلال فترة الانتفاضة الثانية، والتي كانت عاملًا وحدثًا مفصليًّا في تشكُّل الهُويّة الفلسطينيّة لفلسطينيّي الأراضي المحتلّة عام 1948، وتعزيز سيرورة التسييس التي بدأت في فترة أوسلو، من خلال إعادة ربطها مع المشروع السياسيّ الفلسطينيّ العامّ. كذلك مع بداية العمل الفلسطينيّ على مواضيع الجَنسانيّة وبالأخصّ المثْليّة، بدأت سيرورة النشاط المثْليّ والكويريّ الفلسطينيّ (مطلع سنوات الألفين) في ظلّ التعامل مع المؤسّسات الإسرائيليّة المثْليّة، ممّا تماشى مع صورة المثْليّة والمثْليّين المرتبطة بالاستعمار. في ذلك الحين، لم يكن النشاط المثْليّ منشغلًا في السياق السياسيّ الأوسع، بل بالحاجيّات الأوّليّة التي وجب التعامل معها في أوّل الطريق، ومنها: استكشاف الميول الجنسيّة والمثْليّة، وتقديم الدعم الأوّليّ لأفراد في ضائقة، والبحث لاحقًا عن لغة مشتركة عربيّة للتعبير عن هذه التجارب الجديدة. نلاحظ تطوُّر سيرورتَيْن تأسيسيّتَيْن في حياة الناشطين الفلسطينيّين المثْليّين في السنوات الأولى بالتوازي: الأولى، استشكاف هُويّات جنسيّة مختلفة ومحاولة فهمها في السياق المجتمعيّ الفلسطينيّ، والثانية تشكُّل الوعي السياسيّ لجيلنا وانسلاخه عن وهْم الرواية الإسرائيليّة التي حاولت، وما تزال، دمج فلسطينيّي الداخل مع المجتمع الإسرائيليّ.

بعد تجذّر أبعاد الانتفاضة الثانية، ومع الحرب على لبنان في العام 2006، والحرب لاحقًا على غزّة، بات ارتباط النشاط المثْليّ -الكويريّ الفلسطينيّ بالهُويّة والوعي الفلسطينيّين أكثر وضوحًا، ممّا استدعى ضرورةً للانفصال التدريجيّ للقوس عن المجتمع الإسرائيليّ ومؤسّساته، وبناء أسس للتعامل مع هذه المؤسّسات، سرعان ما تطوّرت لتصبح سياسة واضحة مناهضة للتطبيع. في المقابل، وعلى المستوى الفرديّ والجماعيّ، بدأت المجموعات المثْليّة في إعادة تفسير وبناء تجاربها الجنسيّة من المنظور السياسيّ المناهض للاستعمار، والمنظور الاجتماعيّ، والدمج بينهما. من الجدير بالذكر أنّ ارتباط النضالات المختلفة في الداخل الفلسطينيّ في بداياتها مع مؤسسات إسرائيليّة، وانفصالها عنها في ما بعد، لم يكن سيرورة خاصّة ومحصورة بالحِراك المثْليّ، بل سيرورة سياسيّة، مرّت بها حِراكات فلسطينيّة مختلفة، رفضت أن تتجاهل علاقات القوّة بين المستعِمر والمستعمَر تحت غطاء النسويّة وحقوق الإنسان، إلخ… نحن نرى أنّ تكوين المجموعات المثْليّة الفلسطينيّة، مرورًا بتسييسها وانسلاخها عن الحِراكات الإسرائيليّة، جزء لا يتجزّأ من هذه السيرورة، ولعلّ أهمّيّة ذلك تكمن في تقديم صورة أخرى بديلة، متجذّرة في السياق المحلّيّ، ومناهِضة لتلك التي تربط المثْليّة بالعمالة والغرب وإسرائيل.4

أمّا حالة الانقسام بين «فتح» و«حماس»؛ بين الضفّة الغربيّة وقِطاع غزّة؛ التي بدأت في صيف 2007، فقد ساهمت، مع تعمّقها، في تشكيل خطاب فلسطينيّ/غربيّ وضع الضفّة تحت سيطرة القوى «العَلمانيّة حامية حقوق الإنسان والحرّيّات»، في مقابل وضع غزّة تحت سيطرة القوى الإسلاميّة «الرجعيّة» و«المتخلّفة» قامعة حقوق الإنسان والحرّيّات (وفي خطاب آخَر محلّيّ: رام الله «المنحلّة أخلاقيًّا»، مقابل غزّة المقاوِمة). بكلمات أخرى، الانقسام الفلسطينيّ، الذي بدأ كانفصال سياسيّ، هو في المقابل انقسام اجتماعيّ كذلك؛ حيث صُوّر قِطاع غزّة وحركة «حماس» على أنّهما أكثر تخلّفًا وقمعًا للمثْليّين، مستبدِلين هذه المرّة «حماس» بالسلطة الفلسطينيّة في الرواية المركزيّة في خطاب الإعلام الإسرائيليّ والغربيّ. ونرى أنّ هذا الخطاب جاء ليخدم هدفين أساسيّين: الأوّل هو تأكيد أنّ الشعب الفلسطينيّ يعاني من مرض رُهاب المثْليّة وقامعٌ للحرّيّات الجنسيّة والفرديّة، والثاني هو خلق مقارنة مع السلطة الجسم المدعوم غربيًّا وعالميًّا، والمقصود أنّه إذا خُلقت غزّة كالمكان الأسوأ للمثْليّين فهذا بالضرورة يعرض الضفّة كأقلّ عنفًا، بما يخدم أهداف المموِّلين في سيرورة بناء «الدولة» ويُمَوْضع السلطة الفلسطينيّة في مكان جيد دون أيّ عمل جادّ على الحقوق الجنسيّة والجسديّة أو الحقوق والحرّيّات الفرديّة.

أضاف الانقسام تحدّيات جديدة على صورة المثْليّ في فلسطين من خلال الثنائيّات الداخليّة أعلاه، والتي يعاد إنتاجها بأشكال مختلفة داخل المجتمع الفلسطينيّ (الذي ما زال يربط المثْليّة والمثْليّين مع الغرب والاستعمار كحجّة لنبذ المثْليّين وإقصائهم)؛ حيث نرى بجانب ثنائيّة «رام الله – غزّة»، التي أفرزها الانقسام، ثنائيّات أخرى تكرّس «الانقسام» بين المثْليّين وغير المثْليّين، وتزجّ بالمثليّ في خانة الآخر المنبوذ. هذه الثنائيّات («الداخل – الضفّة»؛ «القدس – حيفا»؛ «عرب 48، عرب الضفة» وغيرها) تكرّس أو تعيد إنتاج «التخلّف» عند أحد الأقطاب، أو «الحرّيّة» الغربيّة المستورَدة لدى أقطاب أخرى». بكلمات أخرى، هي ثنائيّات مبنيّة على مقولة «القليل من ذلك وكثير من ذاك»، وهي أداة كولونياليّة بحتة تعيد إنتاج نفسها في مقولات على غرار: «القليل من الديمقراطيّة، الكثير من الدين»؛ «القليل من التحضّر، الكثير من رُهاب المثْليّة».

الغسيل الورديّ وصورة المثْليّ في فلسطين

خلال السنوات الخمس الأخيرة، رأينا تراجعًا آخر في صورة المثْليّ في فلسطين، وذلك من خلال تأثير وتداعيات حملة الدعاية الصهيونيّة «الغسيل الوردي»، وهي حملة ذات منطق استعماريّ عنصريّ يروِّج لإسرائيل في أوساط مثْليّة عالميّة ليبراليّة على أنّها دولة متسامحة مع المثْليّة والمثْليّين، لتبييض وجهها وتحسين صورتها من دولة استعمار لدولة «ليبراليّة، منفتحة، وديمقراطيّة». لا تكتفي الحملة بهذا، بل تروّج في الوقت ذاته عالميًّا إلى أنّ الفلسطينيّين، العرب والمسلمين، يعانون من داء رُهاب المثْليّة، وإلى أنّه أمر متأصّل في ثقافتهم وبنْيتهم الاجتماعيّة والدينيّة. الخطر في حملة «الغسيل الوردي» يكمن في أنّ روايتها العنصريّة العرْقيّة والجنسيّة رسّخت صورة المثْليّ الفلسطينيّ التي تشكّلت خلال العقود الأخيرة، وزجّت بالمثْليّ الفلسطينيّ مرّة أخرى داخل مربّع علاقات قوى بحيث لا يقاس الفلسطينيّ ولا يُفْهَم ولا يُنظَر إليه إلّا من خلال منظور المستعمِر، ماحيةً الوكالة الفرديّة والجماعيّة، المنظّمة وغير الرسميّة، وعقد من النشاط المثْليّ الفلسطينيّ المحلّيّ.

بالإضافة إلى ربط المثْليّ الفلسطينيّ مرّة أخرى بالمستعمِر، ربطته الحملة بالغرب كذلك، وصوّرت «المثْليّ» على أنّه فرد أو ناشط منعزل ومنسلخ عن مجتمعه؛ إذ تعتمد الحملة التوجّهَ الحقوقيّ المثليّ الذي يركّز على رُهاب المثْليّة متجاهلًا مباني القمع العديدة والمتداخلة، وتتغاضى عن التمييز والقمع البُنيويّ الذي يخلق تراتبية هرميّة بين أجساد معيّنة (يهوديّة إسرائيليّة) لها قيمة، وأخرى ليست ذات قيمة (عربيّة فلسطينيّة)، متماشية مع توجّهات المجموعات والجماعات الغربيّة (البيضاء) التي تبنّت هذه المفاهيم، والتي تضع ميولها الجنسيّة في قمّة هرم القمع بمعزل عن العِرق والنوع الاجتماعيّ والطبقة وغيرها، وفلسطينيًّا بمعزل عن الاستعمار والاحتلال.

تكمن الخطورة في تداعيات الحملة، ومنها -على سبيل المثال- تبنّي فلسطينيّين مثْليّين وذوي توجّهات جنسيّة وجندريّة مختلفة لخطابها، كحلّ أو مَلاذٍ يشكّل بديلًا لهم عن بيئتهم ومجتمعهم «القامعَيْن»، فيترجمون من خلاله كِيانهم وشعورهم بذاتهم، ممّا يخلق -بلا أدنى شكّ- عمليّة انفصال ترتبط بانتمائهم القوميّ والوطنيّ الّذي سرعان ما يصبح هامشيًّا، أو معدومًا في حالات معيّنة للأسف، في حين يكون المستعمِر في المركز كجهة تُقدّم «خدماتها الإنسانيّة» المفقودة. نحن، إذًا، أمام حالة تنعكس بموجبها حالة الرفض الفلسطينيّة للمثْليّة واعتبارها ظاهرة تُهدِّد المبنى الانتمائيّ بمفهومَيْه: الاجتماعيّ والوطنيّ، وبالتالي يظهر المجتمع الفلسطينيّ كرافضٍ ويعاني من رُهاب المثْليّة (هوموفوب)، حين تُحصر المسألة بين قطبَيْن متصارعَيْن سياسيًّا، ضمن صراع يؤثّر ويتأثّر بالمسألة الاجتماعيّة وفي هذه الحالة بالذات: المثْليّة.

حين نحلل تشكُّل صورة المثْليّ الفلسطينيّ في وعي المجتمع الفلسطينيّ، سواء تلك المذوّتة من قبل المثْليّين والمثْليّات، أو داخل مجموعات وجماعات مختلفة، وكذلك عند تحليل محاولات تفكيكها من خلال العمل السياسيّ والمجتمعيّ، علينا أن نأخذ في الحسبان السيرورةَ التاريخيّة لتشكُّل هذا الوعي: الثقافة المجتمعيّة المتجذّرة الرافضة للمثْليّين والإقصائيّة لهم من الحيّز العامّ، الخوف ورُهاب المثْليّة، العنف بأشكاله المختلفة والواقع الاستعماريّ واستغلال المستعمِر للمباني الاجتماعيّة لدى المستعمَر. إذا أردنا أن نعمل، بطريقة عميقة وشموليّة، على التغيير في مواقف وسلوكيّات المجتمع الفلسطينيّ حول ما هو متعلّق بالهُويّات الجنسيّة والجندريّة وبشرعيّة الاختلاف، لا يمكننا تجاهل هذا السياق. إستراتيجيّات التعامل مع هذه الثقافة، والقمع الجنسيّ والجندريّ، ورُهاب المثْليّة داخل المجتمع الفلسطينيّ، لا تقتصر على القراءة التاريخيّة فحسب، بل إنّها إستراتيجيّات ذات تطوُّر مستمرّ بفِعل عمل مستديم يعمل على تحليل تجارب جديدة /قديمة في الحقل، وتسييس هذه التجارب والممارسات والهُويّات الجنسيّة والجندريّة المتعدّدة والمختلفة في سياق فلسطين. لذا فإنّ القراءة التاريخيّة، إلى جانب التحليل المستمرّ للتجارب الآنيّة المتغيّرة، هما أساس خلق التغيير المجتمعيّ واستبدال الصورة القائمة السلبيّة عن المثْليّ والمثْليّة في المجتمع الفلسطينيّ بأخرى أكثر شموليّة وإيجابيّة. هذا ما تعمل من أجله الأطر التي تعمل من أجل التعدّديّة الجنسيّة والجندريّة، كـ«القوس».

* غيث هلال ناشط في جمعية القوس للتعددية الجنسية والجندرية في المجتمع الفلسطيني.
حنين معيكي مديرة جمعية القوس، وناشطة في مجال التعددية الجنسية والجندرية.


1  «الغسيل الورديّ»: هي تسمية يطلقها ناشطون عالميّون وفلسطينيّون كويريون على حملة الدعاية الإسرائيليّة التي تحاول أن تَسِمَ إسرائيل على أنّها «جنّة للمثْليّين» في المنطقة.
2  للاطّلاع على معلومات أكثر عن فترة الانتفاضة الأولى، الرجاء قراءة المقال «اليسار الفلسطينيّ: أجساد وأفراد».
3  رغم  أنّ أفرادًا من أجهزة أمن السلطة المختلفة قاموا باعتقال مثْليّين، تبقى هذه الحالات أحداثًا فرديّة لا ترقى إلى مستوى حملة قمع منظّمة كما تروّج لها وسائل الإعلام الغربيّة والإسرائيليّة.
4  نتحدّث هنا بالأخصّ عن القوس التي كان لها منذ البداية قاعدة شعبيّة في كامل حدود فلسطين التاريخيّة، رغم أنّه كانت هنالك محاولات بسيطة للتصدّي لمحاولات الترويج لإسرائيل كفردوس المثليّين للتغطية على جرائم حربها من قبل مجموعات أخرى خلال أوائل سنوات الألفين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية