الكتب المدرسية الجديدة: تدعو إلى تعددية تلغيها هي نفسها

الأربعاء 16 أيلول 2015

مطلع آب (أغسطس) الماضي، عقدت وزارة التربية والتعليم مؤتمرا «وطنيًا» للتطوير التربوي، عرضت فيه رؤيتها لتطوير المناهج الدراسية لكامل صفوف التعليم العام الاثني عشر. المؤتمر عُقد بعد أن أنجزت الوزارة فعلا تغيير الكتب المدرسية لسبعة صفوف، هي الصفوف من الأول إلى الثالث، التي أطلقتها بداية العام الدراسي الماضي، ومن الرابع إلى السادس، إضافة إلى التاسع، التي بدأ تدريس الأجزاء الأولى منها، مطلع العام الدراسي الحالي.

في هذا المؤتمر، خُصّصت إحدى الجلسات لمناقشة الجانب القيمي في الكتب المدرسية الجديدة، وفيها عرضت الوزارة جداول تتضمن «عناوين» القيم التي تضمنتها هذه الكتب، منها المواطنة، وقبول الرأي الآخر، والتعددية، والتسامح، ونبذ التطرف والعنف، وغيرها. وقارنتها بـ«عناوين» القيم التي تضمنتها الكتب المدرسية لتجارب عالمية، مثل كندا والسويد وفنلندا، وكوريا الجنوبية. وخلُصت المقارنة إلى أن الكتب الأردنية المطوّرة «تتماهى» مع التجارب التربوية الرائدة في العالم، لأنها تتضمن القيم ذاتها التي ركّزت عليها هذه التجارب.

لكن هناك ما تكشفه القراءة في الكتب الجديدة. إنه التناقض بين القيم التي بشّرت بها هذه الكتب، والسياق العميق الذي ورد فيه هذا التبشير. فالكتب التي شرحت للتلاميذ مفهوم «التعددية»، وحثّتهم على قبوله، كانت هي نفسها أحادية الرؤية. وفي الوقت الذي دعت فيه هذه الكتب التلاميذ إلى قبول الآخر، فإنها، عمليّا، غيّبت هذا الآخر، ولم توفر أي معرفة محايدة به، هي شرط لفهمه ومن ثمّ قبوله. ورغم أنها خصّصت دروسا بأكملها للحديث عن «المواطنة»، فإنها، في الحقيقة، نسفت جوهر المواطنة القائم على المساواة التامة بين المواطنين، عندما انحاز محتواها إلى فئة من هؤلاء المواطنين، على حساب أخرى. انحياز مورس على أساس الدين مرة، وعلى أساس الجندر مرة أخرى.

إنه تناقض غضّت النظر عنه المقارنة السابقة، إذ افترضت أن مجرد «الكلام» عن المواطنة والتنوع والمساواة وحرية التفكير في الكتب المدرسية، يعني أن هذه الكتب قد أنجزت ما عليها. وهي آلية تفكير تتجاهل أن توظيف التعليم المدرسي ليكون أداةً فاعلة لبناء القيم، هو بالضرورة نتاج رؤية واضحة محددة لنوع القيم الذي يُراد لهذا التعليم أن يجعلها جزءا من البناء المعرفي والوجداني والسلوكي للتلاميذ، رؤية تكون مدعومة بإرادة حقيقية لتنفيذها. ومن دون هذه الرؤية وإرادة تنفيذها، فإن «التبشير» بالقيم في هذه الكتب، لن يعدو كونه إنشاء فاقد التأثير، لا يمكن له بأي حال أن ينفخ الروح في العناوين داخل جداول «البوربوينت»، في جلسة المؤتمر تلك، ويحوّلها إلى سلوك على الأرض.

الإسلام منطلقا وحيدا لتفسير العالم والتعامل معه

أحد المآخذ على الكتب المدرسية القديمة هو أنها تسجن التلاميذ في فقاعة، فتغيّب حقيقة التنوع الديني والفكري في الأردن والعالم، وتجعل من الإسلام منطلقا وحيدا لتفسير العالم، والتعاطي معه. لقد تضمنت الكتب الجديدة الكثير من الكلام عن هذا التنوع، لكنها فعلت ذلك في وقت ظلّت فيه محافظة على أحادية الرؤية، إذ ما زالت النصوص الدينية، من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وقصص من التاريخ الإسلامي، تُحشد وتوظف بكثافة، خارج كتب التربية الإسلامية، لشرح المفاهيم الأساسية. وما زالت القيم الإنسانية تُطرح بوصفها قيما إسلامية.

كتب اللغة العربية1 هي عمليا كتب تربية إسلامية إضافية، فنص القراءة الأساسي في 11 من 32 درسا، بنسبة 34%، هو نصّ ديني. وأن يكون النص الرئيسي دينيا، فهذا يعني أن الأسئلة والتدريبات والأنشطة الملحقة بالدرس، ستكون في معظمها دينية أيضا. ولا يعني هذا أن بقية الدروس، التي لم يكن نصّها الرئيسي دينيا، خالية من الدين. ففي 18 درسا من الـ21 درسا المتبقية، هناك حضور كثيف للنصوص الدينية في التدريبات والأنشطة ودروس المهارات الملحقة بالنص الرئيسي.
وباحتساب النصوص الدينية في الدروس الملحقة بمجمل نصوص القراءة الرئيسية، فإنها تكون وفق الآتي: طُلب من التلاميذ في 23 درس تدريب على المحادثة من أصل 32 درسا، بنسبة 72%، توظيف نصوص دينية في أحاديثهم. وفي 15 نشاطا من 32، بنسبة 47%، كُلّف التلاميذ بالعودة إلى مصادر دينية، واستخراج نصوص منها. وفي 12 درس تدريب على الاستماع، بما نسبته 38%، كان نصّ الاستماع دينيا. واشتمل 20 درس مهارات كتابة، بنسبة 67%، على نصوص دينية. وطُلب من التلاميذ في 11 موضوع تعبير من بين 24 درسا في الكتب من الرابع إلى السادس (46%)، توظيف نصوص دينية في كتاباتهم.

لم يقل أحد للتلاميذ إن هذه القيم إنسانية جامعة، وأنها جزء من منظومات إيمانية وأخلاقية أخرى، لها أتباعها في هذا العالم، ليكون هذا تطبيقا عمليا على التنوع الذي دعت هذه الكتب إلى قبوله، بل رُبطت حصرا بالإسلام

من خلال النصوص الدينية السابقة، تعلّم الأطفال معظم القيم التي اشتملت عليها هذه الكتب. لقد تعلموا قيمة العمل، ومساعدة الفقراء، وتعظيم الحرية، والتواضع، وبرّ الوالدين، والكرم والتسامح، وطلب العلم، وآداب التعامل مع الناس، والتهذّب في الكلام. ولم يقل أحد للتلاميذ إن هذه القيم إنسانية جامعة، وأنها جزء من منظومات إيمانية وأخلاقية أخرى، لها أتباعها في هذا العالم، ليكون هذا تطبيقا عمليا على التنوع الذي دعت هذه الكتب إلى قبوله، بل رُبطت حصرا بالإسلام، فبدت كما لو أنها «خصوصية إسلامية».

وامتد هذا النهج في توظيف النص الديني إلى كتب التربية الوطنية والاجتماعية، ففي الصف الرابع، يتعلم التلاميذ عن ترشيد موارد وطنية مثل الماء والكهرباء من خلال نصوص دينية. وعندما يشرح الكتاب عن «العادات والتقاليد» في المجتمع الأردني، يقول إن عادات «أردنية» مثل إكرام الضيف، وحسن معاملة الجيران، واحترام الصغير للكبير، هي «قيم الإسلام» التي ورثها الأردنيون عن أجدادهم2. ثم يعمّق الكتاب هذه المماهاة بين الأردن والإسلام، عندما يطرح الأردن بلدا «مسلما»، لا بلدا بـ«أغلبية إسلامية»، فهو، ورغم أنه يقول للتلاميذ إن المسلمين والمسيحيين يعيشون «في أجواء من التسامح والتعايش الديني»، ولكنه يقول ذلك، بعد أن يكون قد قرر في العبارة السابقة لها مباشرة أنه «يدين سكان وطني بالإسلام»3.

في السياق نفسه، في كتاب التربية الوطنية للصف الخامس، يبدأ تعليم التلاميذ مفهوم المواطنة بنص ديني4. ويُمهّد للحديث عن أهمية خدمة التعليم بوصفها إحدى الخدمات التي تقدمها الدولة بنص ديني آخر5. وفي درس عن المرافق العامة، يحدد الكتاب المسجد حصرا، من بين المؤسسات الدينية التي تمثل مرافق عامة يجب الحفاظ عليها6.

وفي الصف السادس، يُمهّد لتعليم التلميذ مفهوم الأسرة بنص ديني7. ويخصص جزء من الدرس لشرح أهمية الأسرة في الإسلام8. وفي درس عن المجتمع الأردني، يُقال للتلاميذ إن المجتمع الأردني يتسم بـ«التعددية والتنوع والتعايش»، لكن الكتاب عندما يشرح التنوع عمليا، يمثل عليه بتنوع أنماط المعيشة (بادية وريف ومدينة)، ولا يشير إلى التنوع الديني9. وعندما يشرح الكتاب عن «القيم المجتمعية» التي يتبناها المجتمع الأردني، يورد أربعة هي: الكرم والتسامح والتعاون واحترام الكبير. فيشرح ثلاثا منها من خلال نصوص دينية10. وعندما يشرح عن «التكافل الاجتماعي» في المجتمع الأردني، فإنه يشرح المفهوم نفسه بنصوص دينية11. ويخصص جزءا من الدرس لشرح التكافل الاجتماعي في الإسلام12. وفي وحدة مخصصة للتعليم عن «العيش المشرك»، يحدد الكتاب للعيش المشترك ثلاث مقومات هي: الحوار، والتسامح وحل الخلاف. ويشرح عن الثلاثة بنصوص دينية13.

وفي كتاب التربية الوطنية والمدنية للصف التاسع، يُمهّد لشرح مفهوم «التعددية» بنص ديني14. ويسبق الوحدة الدراسية الخاصة بحقوق الإنسان، شرح مستفيض عن حقوق الإنسان في الإسلام15. ويسبق الشرح عن حقوق المرأة والطفل في المواثيق الدولية، شرح لحقوق المرأة والطفل في الإسلام، فيُقال إن «الإسلام (…) سبق منظمات حقوق الطفل بأربعة عشر قرنا من الزمان»16. وفي الوحدة الخاصة بالديمقراطية، يسبق الشرح عن مبادئ الديمقراطية مقارنتها بمبدأ الشورى في نظام الحكم الإسلامي، حيث يُقال للتلاميذ إن الشورى تتميز عن الديمقراطية بأنها «تمارس على أساس سيادة الشرع بالكتاب والسنة، وهي تختلف بذلك عن الديمقراطية التي تستند إلى قانون وضعي»17.

إذن، تُربط معظم القيم التي يتعلمها التلاميذ، خارج كتب التربية الإسلامية، بالدين، فيُقدّم لها، وتُشرح ويُمثّل عليها من خلال نصوصه. ما يرسّخ الإسلام في وعي التلاميذ بوصفه منطلقا وحيدا للنظر إلى العالم. هذا، بالضبط، ما فعلته الكتب القديمة، وهذا ما تواصل الكتب الجديدة فعله، حبس التلاميذ في فقاعة، ومحاصرتهم بإجابات جاهزة تسبق الأسئلة الأساسية. يترافق مع ذلك تغييب لأي معرفة محايدة بالاتجاهات الدينية والفكرية الأخرى في هذا العالم. فهذا الآخر الذي تطلب الكتب الجديدة من التلاميذ الاعتراف به، واحترام رأيه، ليس في الحقيقة موجودا في هذه الكتب لا هو ولا رأيه، إلا بوصفه فكرة مجرّدة ومبهمه.

«تذكير» القيم بعد أسلمتها

لا يُمارس الانحياز على أساس الدين فقط، بل يمارس أيضا على أساس الجندر. ويثبت ذلك، على الأقل تحليل كتب اللغة العربية السابقة الذكر. لقد وُجد أنه في المواقف التعليمية التي اشتملت عليها هذه الكتب، والتي كان سيحقق الهدف التعليمي منها، وجود ذكر أو أنثى، شخصية محورية، فإنه في 85% منها، كانت الشخصية المحورية مع ذلك ذكرا. وقد احتسب هذا وفق المعايير الآتية:

استثنيت جميع النصوص الدينية، من آيات قرآنية وأحاديث شريفة، وسيرة نبوية، التي وردت نصوصا رئيسية، أو جزءا من التدريبات، ودروس المهارات المختلفة. واستثنيت النصوص التي تمحورت حول غير العاقل. وتلك التي حتّمت طبيعة الهدف التعليمي منها أن تكون الشخصية في الموقف من جنس معين، مثلا: الأمثلة والتدريبات في دروس جمع المذكر السالم، وجمع المؤنث السالم، ودروس الألف الممدودة والمقصورة، وواو الجماعة، والأسماء الموصولة، وغيرها. كما استثنيت المواقف التي كان جنس الشخصية فيها محايدا، مثل المواضع التي كان الحديث فيها بضمير المتكلم. إضافة إلى المواقف التي كان جنس المخاطب فيها ذكرا، لكن يُفهم من السياق أن المقصود هو خطاب عام للجنسين، مثل بعض النصوص الشعرية التي تضمنت نصائح، وغيرها.

لقد كان الرصد السابق فقط للنصوص التي كان بالإمكان أن يكون بطلها ذكرا أو أنثى، وكان الهدف التعليمي سيتحقق بأي منهما. كأن يكون المطلوب تعليم «المفعول به» فيُأتى بمثال «رسم الفنان لوحة» في وقت يتحقق الهدف ذاته، لو كانت «فنانة» هي التي رسمت اللوحة. وقد وجد أنه من 314 نصا من هذا النوع في الكتب الأربعة، وُجد أن الشخصية المحورية في 267 منها، أي بما نسبته 85%، كانت ذكرا.

وبالتأكيد فإن الأمر هنا، هو أبعد من المطالبة بنوع ما من «المحاصصة» بين الذكور والإناث. القضية هي أن توظيف النصوص في كتب اللغة العربية، وفي وقت يكون الهدف الأساسي منه تعليم مهارات اللغة، يكرّس بالتزامن القيم التي يحملها محتوى هذه النصوص. ولأن الغالبية الساحقة من الشخصيات التي تتمحور حولها هذه النصوص، هي شخصيات إيجابية، فإن نتيجة هذا الإصرار على تذكير الشخصيات الحاملة لهذه القيم، هو بطريقة ما «تذكير» للقيم ذاتها، ما يذكرنا بـ«أسلمة» القيم الذي تمارسه هذه الكتب. يحدث هذا في وقت تؤكد فيه الكتب الجديدة، في أكثر من موضع على حقوق المرأة. لكنه، مرة أخرى، التناقض بين البنية الداخلية العميقة للكتب المدرسية وخطابها السطحي.

الماضي بوصفه حلم الحاضر

هذا التناقض بين ما تقوله الكتب وما هي عليه حقا، سيخرج بالضرورة إلى السطح، ضبابية وتشوّشا، تلتقطهما أي قراءة حقيقية. ويمكن التمثيل على ذلك بمفهوم «الجهاد»، الذي تطرحه هذه الكتب ملتبسا. فكتاب التربية الإسلامية للصف التاسع يقول إن الجهاد هو «وسيلة للدفاع عن المسلمين وبلادهم»18. وإن المسلمين «سِلم على من سالمهم وحَرب على من حاربهم»19. وإن المسلمين «لا يبتدئون أعداءهم بالقتال»20. لكن الكتاب نفسه يصف «غزو» المسلمين للروم في بلاد الشام فترة الخلافة الراشدة بـ«الجهاد»21.

وقبلها، يكون كتاب اللغة العربية للصف الخامس، قد علّم التلاميذ أن الحروب التي بادر إليها المسلمون في بلدان شمال أفريقيا هي «جهاد»، إذ تُوصف بذلك الحروب التي قادها القائد الإسلامي، عقبة بن نافع فيُقال «لم تكن الفتوحات والمعارك العسكرية التي خاضها [عقبة] إلا وسيلة، كانت الغاية منها هداية الناس إلى مبادئ الدين الحنيف، وإدخالهم في رحاب الإسلام، فهو صاحب الفضل الأكبر في نشر الإسلام واللغة العربية في بلاد شمال أفريقيا»22.

هي تُدرّس هذا الصراع بخطاب مشحون بالنوستالجيا، يجعل زمن «الفتوحات» الإسلامية لا يبدو في وعي التلاميذ «تاريخا» بل حلم الحاضر.

لا يُدرّس هذا الصراع بوصفه جزءا من سياق تاريخي ماض، يُفترض أن العالم الآن يعيش في غيره. ولا يُقال للتلاميذ إن ما كان منسجما مع معايير الماضي، لم يعد كذلك في الحاضر. ليس فقط أن الكتب لا تقول ذلك صراحة، بل هي تُدرّس هذا الصراع بخطاب مشحون بالنوستالجيا، يجعل زمن «الفتوحات» الإسلامية لا يبدو في وعي التلاميذ «تاريخا» بل حلم الحاضر. وهي تدرّسه بمعيار مزدوج، تكون وفقه الحرب التي يخوضها المسلمون في مواجهة هجوم الآخر، هي دفاع عن الوطن والدين. وتكون الحرب التي يبدأها المسلمون لـ«هداية الناس إلى مبادئ الدين الحنيف وإدخالهم إلى رحاب الإسلام».

في السياق نفسه، كتاب التربية الوطنية والمدنية للصف التاسع علّم التلاميذ أن الإسلام أعطى الإنسان «حرية التفكير واعتناق الدين الذي يقتنع به»23، لكن هذا يتناقض هذا مع وصف حرب الخليفة أبي بكر الصديق على قبائل العرب التي ارتدت عن الإسلام بعد وفاة النبي عليه السلام بأنها «جهاد». وهو وصف أكّد عليه كتاب التربية الإسلامية للصف السادس، الذي يذكر أن عددا كبيرا من حفظة القرآن «استشهدوا» خلال قتال «المرتدين»24.

رسالة ضبابية أخرى، ترسلها المقارنة التي أُجريت بين «الشورى» بوصفها أحد مبادئ الحكم في الإسلام، والديمقراطية الحديثة. فقد خصص كتاب التربية الإسلامية للصف التاسع، وحدة دراسية عن نظام الحكم في الإسلام، قيل فيها إن النصوص الدينية عرضت جوانب نظام الحكم هذا بشكل عام، في حين تُرك للناس حق الاجتهاد في آلياته وتفاصيله بما يتناسب مع تطوّر الحياة ومستجداتها25. وقد عرض كتاب التربية الوطنية للصف التاسع لمبدأ «الشورى»، في الوحدة الخاصة بالديمقراطية، عندما سبق الحديث عن الديمقراطية بشرح مستفيض عن الشورى26.

فهل يدرس التلاميذ عن آليات الديمقراطية الحديثة بوصفها من التفاصيل التي يحق الاجتهاد فيها، بما يتناسب مع مستجدات العصر؟ أم أنها ليست كذلك، لأنها «قانون وضعي» لا يلتزم «الكتاب والسنة»؟

ومصدر الضبابية هنا، هو أن كتاب التربية الوطنية، ورغم أنه استفاض في شرح الديمقراطية، وتعداد أشكالها ومبادئها، ودعا التلاميذ إلى الانخراط في نشاطاتها، إلا أنه سبق كل ذلك بعبارة قال فيها إن «ميزة» الشورى هي أنها «تمارس على أساس سيادة الشرع بالكتاب والسنة، وهي تختلف بذلك عن الديمقراطية التي تستند إلى قانون وضعي»27. في هذه العبارة قيل للتلاميذ صراحة إن الشورى تتميز عن الديمقراطية بأنها تحتكم إلى شرع الله في القرآن والسنة، وتختلف بذلك عن الديمقراطية المستندة إلى «قانون وضعي»، بكل ما تحمله عبارة «قانون وضعي» من شحنة سلبية معروفة، عندما تُوظف في سياق المقارنة بالقوانين الدينية.

فإذا عرفنا أن درس نظام الحكم في الإسلام، السابق الذكر في كتاب التربية الإسلامية، كان قد أكّد على أن أحد الخلاصات المستفادة من هذا الدرس هو أن «الإسلام قادر على إصلاح حياة الناس في كل زمان ومكان»28، فإن الرسالة هنا تكون مشوشة. فهل يدرس التلاميذ عن آليات الديمقراطية الحديثة بوصفها من التفاصيل التي يحق الاجتهاد فيها، بما يتناسب مع مستجدات العصر؟ أم أنها ليست كذلك، لأنها «قانون وضعي» لا يلتزم «الكتاب والسنة»؟

إنها أسئلة لا إجابة واضحة عليها، وهي في النهاية جزء من حالة التناقض والضبابية في كتب، امتلأت بكلام جديد عن التنوع والتعايش المشترك والتعددية وحرية التفكير وقبول الآخر، لكنها كانت نقيض كل هذا. ولم تكن كما هو متوقّع للكتب المدرسية أن تكون، نوافذ للتلاميذ على عالم حيّ ومتحرّك، وخليط من الأفكار والأديان والأعراق والألوان والقدرات.


التحليل في هذا التقرير يشمل كتب اللغة العربية، والتربية الوطنية والاجتماعية، والتربية الإسلامية، والتاريخ، للصفوف من الرابع إلى السادس. الصف التاسع. وسبق للكاتبة تقديم قراءة في كتب الصفوف الثلاثة الأولى.
«التربية الوطنية والاجتماعية»، الجزء الأول، الصف الرابع، ص 25.
المصدر السابق.
«التربية الاجتماعية والوطنية»، الجزء الأول، الصف الخامس، ص13.
المصدر السابق، ص33.
المصدر السابق، ص29.
«التربية الوطنية والمدنية»، الجزء الأول، الصف السادس، ص12.
المصدر السابق، ص15.
المصدر السابق، ص17.
10 المصدر السابق، ص18.
11 المصدر السابق، ص21.
12 المصدر السابق.
13 المصدر السابق ص30،34، 40.
14 «التربية الوطنية والمدنية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص38.
15 المصدر السابق، ص15-18.
16 المصدر السابق، ص24.
17 المصدر السابق، ص31.
18 «التربية الإسلامية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص 76.
19 المصدر السابق، ص120.
20 المصدر السابق، ص121.
21 المصدر نفسه، ص76.
22 «اللغة العربية»، الجزء الأول، الصف الخامس، ص77.
23 «التربية الوطنية والمدنية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص 16.
24 «التربية الإسلامية» الجزء الأول، الصف السادس، ص 15.
25 «التربية الإسلامية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص64.
26 «التربية الوطنية والمدنية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص30-31.
27 المصدر السابق، ص31.
28 «التربية الإسلامية»، الجزء الأول، الصف التاسع، ص66.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية