رأي

التحرش الجنسي: مفهوم غير مفهوم وقانون لا يحمي أحدًا

الأحد 26 تشرين الثاني 2017

قبل حوالي عشر سنوات وقع شاب أردني ضحية لبرنامج أمريكي مريض ينتهك كل قوانين الصحافة، يعمل على الإيقاع بضحاياه من خلال إقناعهم بأنهم يتحدثون عبر الإنترنت مع فتاة عمرها 13 سنة، ومن ثم يتم تحويل الحديث باتجاه جنسي وترتيب لقاء، ومن ثم يتم القبض على الشخص وتوجيه تهم «الإيقاع الجنسي» بقاصر وغيرها له. بغض النظر عن الظلم الذي تعرّض له الشاب والخطأ الفادح والفاضح الذي ارتكبه بالسير مع خطة البرنامج، هناك لحظة صادمة، تستحق التأمل، خلال التحقيق معه من قبل الشرطة. لم يكن الشاب مدركًا نهائيًا أن المشكلة الأساسية هي في عمر الفتاة. شاب محترم بعمر 27 عامًا يدرس ماجستير في الولايات المتحدة ليس لديه فكرة عن جريمة «البيدوفيليا» التي لا تودي بمقترفها إلى السجن فقط، بل تجعله في أدنى درجات المجرمين في السجن، وقد تؤدّي إلى قتله انتقامًا من قبل السجناء الآخرين.

كيف نتوقع إذًا أن يفهم كاتب عمود خمسيني، أو نائب سابق أو طالب ثانوي مصطلحًا فضفاضًا مثل «التحرش» ويعترف أو يوافق أنه موجود؟ يظهر بأن العقل الذكوري الجمعي في الأردن قد اتفق على أن تعريف «التحرش» محصور في أن يقوم رجل بلمس امرأة في موقع حساس في مكان عام، أو توجيه كلمات بذيئة لها وانتهى. وعليه فإن الأردن خالٍ من التحرش وفق هذا التعريف، ومحاولة إثبات عكس ذلك هي تشويه لسمعة البلد.

ليس من السهل الاتفاق على تعريف يحدّد تمامًا حالات «التحرش»، لكن لا شك أنه لا يقتصر على اللمس، أو حتى توجيه الكلمات البذيئة. مبدئيًا فإن اختيار كلمة تحرش قد يكون بحد ذاته غير موفق كترجمة «سكشوَل هراسمنت» (Sexual Harassment)، حيث أن الكلمة ذات الوقع القوي «تحرش» تعطي الانطباع بأن الفعل لا بد أن يكون عنيفًا ومنتهكًا بشكل مباشر أو على الأقل «إنفاسيف» (Invasive) أي متعديًا حتى يتأهل لاعتباره «خطأً»، بينما في الواقع «سيكشوال هراسمنت» هو كل إزعاج/مضايقة ذات طابع جنسي. إن أي إطراء عابر قد يكون مقبولًا ومحببًا عندما يأتي من صديق أو شخص مقرب، قد يكون هو ذاته تعليقًا مزعجًا ومؤذيًا عندما يأتي من شخص العلاقة معه رسمية أو من شخص عشوائي. في الولايات المتحدة تعتبر دعوة مدير لأحد مرؤوسيه لتناول الغذاء خارج الشركة «سكشول هراسمنت» باعتبار أن هذا الموظف ليس لديه كامل الحرية في أن يقبل أو يرفض دعوة مديره نظرًا لطبيعة علاقة العمل بينهما.

عاصرت قصّة ذلك الشاب الأردني أثناء دراستي في الولايات المتحدة، وهناك، اختبرتُ أيضًا كيف يخضع طلاب الجامعات بمجرد التحاقهم بالجامعة لمحاضرة وامتحان توضح ما هو تعريف المضايقات الجنسية في إطار الجامعة (تمنع أي نوع من أنواع العلاقات بين الأساتذة والطلاب مثلًا). كذلك يخضع جميع الموظفين في جميع الشركات الكبرى والصغرى لذات التدريب مع امتحان، قد يتكرر دوريًا، للتأكيد على أن الجميع يعي ما هو مقبول وغير مقبول في إطار العمل. في بلدٍ مثل الأردن يعاني بلا شك من مشاكل الإحباط الجنسي (بغض النظر عن المسببات والحلول) فإن الحد الأدنى الذي من الممكن أن نبدأ به هو وضع هذه المعايير التي تحدد ما هو المقبول وغير المقبول في الشارع والجامعة وأماكن العمل (الشركات تحديدًا تمتلئ بالممارسات التي تصنف في فئة المضايقات الجنسية في كل دول العالم، دون أن يكترث أحد!)، ومن ثم وضع العقوبات ضمن الأنظمة الداخلية (على مستوى الجامعات والشركات والمؤسسات) ومن ثم قوانين العقوبات على مستوى الدولة (عقوبة التعري المتعمد أمام قاصر مثلًا في الولايات المتحدة تتراوح عقوبتها من 6 إلى 12 سنة). من البديهي أن هذه القوانين لن تمنع المضايقات الجنسية، مثلها مثل جميع القوانين، فالمجرمون موجودون في كل مكان، لكنها تشكل خط الدفاع الأول كرادع، كما تشكل أداة لتحصيل حقوق من يتعرضون للاعتداء.

الحد الأدنى الذي من الممكن أن نبدأ به هو وضع هذه المعايير التي تحدد ما هو المقبول وغير المقبول في الشارع والجامعة وأماكن العمل

أما النقطة الثانية في الخلل في تعريف «التحرش الجنسي» هو اقتصاره على التحرش بالنساء (وتحويل النقاش بشكل مجتر ومبتذل، إلى لباس المرأة وخياراتها في العمل والحياة وأوقات الخروج من المنزل) وعدم التطرق لما يتعرض له الذكور من أطفال وأحداث إلى مضايقات جنسية تصل إلى حد الاغتصاب أو الشروع به. بدون الخوض في سرد قصص إيروتيكيّة (نادرًا جدًا ما تروى، فإذا كان من الصعب على المرأة أن تروي قصص تعرضها لتحرش، فمن الأصعب على شاب مراهق أن يشارك قصصه حتى مع أقرب المقرّبين في مجتمع سيسارع بالتشكيك في «ذكوريته» ويجعل من الجريمة التي ارتكبت ضده نكتة للاستهزاء به)، فإن كل أردني سمع على الأقل قصة واحدة عن شخص «لز على ولد» أو «حسس عليه»، أو عن أستاذ رياضة أو قائد كشافة، أو عن طالب إعدادي «متكبّد» طالب ابتدائي، وكانت ردة فعله بأن ضحك وابتسم وواصل حياته كأن لم يسمع شيء، «وبدون ما يسأل شو كان لابس الولد».

إن عدم قدرة الدولة على وضع وإنفاذ تعريفات وقوانين تحمي قاطنيها هو إخلال بالعقد الاجتماعي بين الناس ومن اختاروهم لتنظيم العلاقات بينهم لضمان حياة كريمة للجميع، وضمان عدم تعدِّ طرف على آخر. وبينما تستمر الدولة الأردنية بالتنصل من مسؤوليتها في إقرار وفرض القوانين التي تعمل على ذلك، وفي مختلف القطاعات، فإن المزيد من المشكلات الاجتماعية ستظهر إلى السطح كأعراض لخلل متفاقم في الإدارة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية