تحويل دور ذوي الإعاقة الإيوائية إلى نهارية: دمج لهم بالمجتمع أم تنصل حكومي من مسؤوليتهم

تحويل دور ذوي الإعاقة الإيوائية إلى نهارية: دمج لهم بالمجتمع أم تنصل حكومي من مسؤوليتهم

الثلاثاء 10 تموز 2018

في أيلول الماضي، صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي نصّ على خطة تدريجية لتحويل الدور الإيوائية، التي تقدّم خدمات الرعاية والمبيت لذوي الإعاقات العقلية، إلى دور رعاية نهارية، تكون جزءًا من منظومة خدمات بديلة، ستؤَسس بحيث يكون تقديم الرعاية لهؤلاء النزلاء بين ذويهم، وفي مجتمعاتهم المحلية.

وفق خطة التحوّل، المقرر البدء بتنفيذها في أيلول القادم، وتستغرق مدة أقصاها 10 سنوات، بإشراف من منظمة بريطانية متخصصة، سيُعاد منتفعو هذه الدور إلى عائلاتهم، أو إلى عائلات بديلة، في حال عدم قدرة عائلاتهم الأصلية على احتضانهم، أو سيُسكنون في بيوت مستقلة تحت إشراف حكومي. وستقدم الحكومة الدعم المادي، والتدريب اللازمين لهذه العائلات، كي تنهض بمهمة الرعاية.

وفق القانون، سيشمل هذا التحوّل دور القطاعين العام والخاص. ورغم أن الفقرة 5 من المادة 27 في القانون، حصرت وقف منح التراخيص لدور جديدة، بالجهات الخاصة، إلّا أن رئيس المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، الدكتور مهند العزة، أكد أن التحوّل سيتم في القطاعين في الوقت نفسه. أما حصر الكلام في هذه الجزئية بالمؤسسات الخاصة، فهذا لأنها تتطلب تراخيص، وأوامر إغلاق. وهو أمر لا تتطلبه المؤسسات الحكومية.

يقول مسؤولون وخبراء، إن تحوّلًا مثل هذا ينسجم مع توجه حقوقي عالمي نحو إخراج هذه الفئة من الأشخاص من عزلة المؤسسات، ودمجهم بعائلاتهم ومجتمعاتهم، وهي الأوساط الٌأقدر، بحسبهم، على توفير الرعاية المثلى بكلف مادية أقل. لكن أهالي ذوي إعاقة، وعاملين في دور إيواء حكومية وخاصة، يعارضون المشروع، ويشككون في قدرة الحكومة على توفير خدمات مساندة يمكن أن تسدّ فعلا الفراغ الذي سيخلقه تحويل دور الإيواء إلى دور نهارية. ويقولون إن الحكومة، بهذه الخطوة، ترفع يدها عن ذوي الإعاقة التي تقول إنها تحميهم، عندما تعيدهم لعائلات غير قادرة على رعايتهم.

الحكومة: كلف الإيواء باهظة وعوائده قليلة

هناك في الأردن خمس دور إيواء حكومية، تستقبل النزلاء حسب شروط، من أبرزها، كما حددتها آخر تعليمات (2016)، أن يكون المنتفع من ذوي الإعاقة العقلية المتوسطة أو الشديدة، أو مصابًا باضطراب التوحد المصاحب للإعاقة العقلية. وألا يتجاوز دخل أسرته 1500 دينار شهريًّا. ويُستقبل النزلاء بين 12-50 سنة. لكنهم يظلون إلى ما بعد الخمسين، كما يقول مدير إدارة الإعاقة في وزارة التنمية الاجتماعية، بشار الضلاعين، إذا لم يكن لديهم أسر تستقبلهم، ومثال على ذلك مجهولي النسب، وضحايا التفكك الأسري.

هناك، بحسبه، إضافة إلى الدور الحكومية، 30 دارًا خاصة، واثنتان تطوعيّتان، عدد نزلائها جميعًا 1200 تقريبًا، من بينهم 800 تقريبًا من جنسيات غير أردنية.

يكلف النزيل الواحد في الدار الحكومية، كما يقول الضلاعين، ما بين 700 و800 دينار تقريبًا شهريًّا. وتساهم الأسرة، وفق التعليمات، بجزء من الكلفة، استنادًا إلى دخلها، بسقف أعلى 75 دينارًا. وهكذا تتكفل الوزارة بمعظم هذه الكلفة، من ميزانية إدارة الإعاقة البالغة 8 ملايين دينار سنويًّا. لا يوجد، بحسب الضلاعين، أماكن للجميع، وهناك على قوائم الانتظار، 130 شخصًا. لهذا تشتري الوزارة خدمات الدور الخاصة من خلال دفع جزء من أقساطها للنزلاء الأردنيين ممن تنطبق عليهم شروط الإيواء. يقول الضلاعين إنه لا يوجد رقم محدد لمساهمة الوزارة السنوية في شراء خدمات الإيواء من الدور الخاصة (لتحديد كلفة الإيواء بشكل خاص من مجمل الميزانية)، لكن فاتورة شراء الخدمات من الدور الخاصة، للعام الماضي، والتي شملت الإيواء مع خدمات مراكز ذوي الإعاقة النهارية، التي تقدم التعليم والتدريب، كانت مليونًا ونصف.

إخضاع جميع النزلاء لنظام صارم وموحّد لمواعيد الأكل والشرب والحمام والترفيه والنوم، يجعل المركز مثل «ثكنة عسكرية».

لا تحقق هذه الدور، كما يقول المدافعون عن برنامج التحول منفعة تتناسب والكلف المادية الباهظة التي تنفق عليها، بل هي على العكس، تساهم، كما يقول العزة، في إحداث أذى عاطفي ونفسي، سببه انفصال هؤلاء عن أسرهم. فالبيئة في أي مؤسسة إيواء، مقيدة، محددة المساحة ماديًّا وزمنيًّا، ومحددة الفرص. النزلاء فيها محصورون بمبنى، محدود الوسائل، منعزل عن المجتمع. وهم محرومون من أبسط متطلبات العيش بكرامة وإنسانية، التي أساسها العيش في بيئاتهم الطبيعية، بين عائلاتهم ومجتمعاتهم المحلية. وهذا يجعل كل مبدأ الإيواء المؤسسي متناقضًا مع جوهر حقوق الإنسان. الأمر الذي دفع الحكومة، كما يقول، إلى إقرار خطة التحول هذه.

وكان المجلس، قبلها، قد بدأ قبل ثلاث سنوات تقريبًا، وفق العزة، التنسيق مع منظمة (LUMOS)، وهي منظمة بريطانية غير ربحية، أشرفت على برامج تحول مشابهة في بريطانيا، ودول في أوروبا الشرقية، وتشرف حاليًّا على برنامج التحول في الأردن، من خلال تقديم خدمات التدريب والاستشارة.

تؤيد هذا التوجه يسرى القزاز، مديرة مركز الأمل للتربية الخاصة، أحد مركزين تطوعيين يعملان في المجال. يضم المركز الذي تأسس عام 1979، عشرين نزيلًا من الذكور والإناث. وهو يستقبل الأعمار من 6-13. لكن النزيلات اللواتي كبرن في المركز، ولا أسر لديهن، بقين فيه.

تقول القزاز إنه في وقت هناك دعوات لتحسين ظروف دور الإيواء بدلًا من إغلاقها، فإن الحقيقة أنه ما من رقابة يمكنها منع الانتهاكات تمامًا، حتى مع وجود كاميرات مراقبة في كل مكان: «في شغلات الكاميرات ما بتكشفها، الإيذاء النفسي (…) الميّ إذا كانت سخنة كثير أو باردة، اللي بتحمم فيها الولد، هاي الكاميرا ما بتكشفها. إذا ماسكيته [المشرفة] من إيده، الكاميرا ما بتكشف قوة الضغطة، إذا ما كان في ضمير».

والأمر لا يتعلق فقط بضبط الانتهاكات، كما تقول القزاز، فمهما كانت الأجواء في الدار مثالية، فإن البقاء في المركز على مدار الـ24 ساعة، وممارسة كل الأنشطة الحياتية فيه، تجعله شبيهًا بالسجن. كما أن إخضاع جميع النزلاء لنظام صارم وموحّد لمواعيد الأكل والشرب والحمام والترفيه والنوم، يجعل المركز مثل «ثكنة عسكرية».

وهذا ما تؤكده الأستاذة المشاركة في قسم الإرشاد والتربية الخاصة في الجامعة الأردنية، الدكتورة ميادة الناطور، التي تقول إن التوجه نحو دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، لا يتعلق بالتحديد بسوء أوضاع المؤسسات، بل هو اعتراض على فكرة المؤسسة في حد ذاتها، التي لا يمكن أن تقدم للفرد الحب والرعاية الضرورين لصحته العقلية والنفسية، بالطريقة التي تقدمها الأسرة، لأن من يقدمونها في المؤسسة، هم في النهاية موظفون. تقول الناطور إن الدراسات أثبتت الضرر الذي يحدثه العيش في مؤسسة على الصحة العقلية والنفسية للأفراد، حتى من غير ذوي الإعاقة. وهو ضرر أكثر فداحة في حالة الأطفال. من ذلك مثلًا، الأثر السلبي للنشأة في مؤسسة على النمو العقلي والنفسي والعاطفي للأطفال الأيتام ومجهولي النسب. وهذا يجعل الأسر، بما فيها غير المثالية، أفضل كبيئة حاضنة للأفراد من المؤسسات.

التوجه نحو دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، لا يتعلق بالتحديد بسوء أوضاع المؤسسات، بل هو اعتراض على فكرة المؤسسة في حد ذاتها

ينص قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على دمج ذوي الإعاقة بـ«دور الحضانة ومراكز ومؤسسات رعاية الأيتام والأحداث وكبار السن وضحايا العنف الأسري»، مع توفير الترتيبات اللازمة. والإعاقة هنا، تشمل، كما يقول الضلاعين، الإعاقات العقلية.

بهذا المعنى فإن تحويل دور الإيواء إنما هو جزء من منظومة دمج متكاملة لذوي الإعاقات على أنواعها، في مؤسسات المجتمع المختلفة، كما يقول العزة. منظومة تقدم لهم من خلال العلاج الوظيفي مهارات العيش المستقل والاعتماد على الذات وتدعم أسرهم لتعود هي مكانهم الطبيعي بدلًا من دور الإيواء. هذا الدمج كما تقول الناطور هو وحده ما سيجعل ذوي الإعاقة العقلية حاضرين في الفضاء العام، ويجعلهم جزءًا من المشهد الطبيعي، الأمر الذي سيؤدي إلى إزالة الوصمة المجتمعية المرتبطة بالإعاقة.

قلق الأهالي من تركهم وحدهم

لكن هذا الحماس لمشروع التحول يقابله من جهة أخرى، رفض من آخرين يرون أنه من غير الحكيم النصّ على تحويل جميع الأقسام الإيوائية إلى رعاية نهارية، من دون وضع استثناءات لحالات كثيرة، لا تتمكن أسرها من رعايتها، أو لا أسر لديها من الأساس. من المعترضين على ذلك، منيرة الصمادي، التي تقاعدت قبل سنة تقريبًا، من وزارة التنمية الاجتماعية، بعد 27 سنة في قطاع الإعاقة، تركزت أساسًا في مجال دور الإيواء. وتولت في الفترة الأخيرة من خدمتها منصب مساعد مدير تنمية، ورئيس قسم شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة في مديرية غرب عمان.

تقول الصمادي إن الكثير من نزلاء الدور الحكومية والخاصة، هي حالات أسرها عاجزة عن رعايتها، مثل حالات الإعاقة العقلية المترافقة مع الشلل الرباعي، وبالتالي يحتاج أصحابها إلى رعاية في كافة شؤونهم، إو آخرون لديهم سلوكات عدوانية، ولا يمكن تأهيلهم، ويشكل تركهم مع عائلاتهم خطرًا على أهاليهم. إضافة إلى ذوي إعاقة شديدة لديهم سلوكات جنسية غير منضبطة.

أم مصطفى (59 سنة)، هي واحدة من هؤلاء الأهالي. أمضى ابنها مصطفى (27 سنة) المولود بإعاقة عقلية مترافقة مع نوبات صرع، التسع سنوات الأخيرة في دور إيواء خاصة، اضطرت، كما تقول، لوضعه فيها، بعد وفاة والده، وذلك لحماية نفسها وأطفالها الآخرين منه، بعد أن فقدت السيطرة عليه.

كان عمر مصطفى 16 سنة، عندما توفي والده في حادث سيارة. وتقول أمه، إن العائلة كانت تتدبر أمره بمساعدة الوالد. لكن مع نمو مصطفى، واشتداده عضليًّا، بدأ يصبح أكثر عدوانية، وصار يعتدي على أخوته، ويخرب في أرجاء المنزل. وتقول إنه هاجمها وأخوته أكثر من مرة بالسكاكين، ما كان يضطرها إلى إخفائها تحت الفرن. تقول أمه إن الأمر خرج عن السيطرة بعدها، عندما صار يغافلهم ويخرج من المنزل ليهيم في الشوارع، أحيانًا بعد منتصف الليل. فكانت تبلغ الشرطة التي تبحث عنه وتعيده إلى المنزل.

تقول أم مصطفى إنها «سمعت» عن التوجه الحكومي نحو إغلاق الدور الإيوائية. لكن لا تعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. وليس لديها أي فكرة عن المصير الذي ينتظر ابنها.

وفق القانون، يجب أن تكتمل صياغة خطة برنامج التحوّل، ويبدأ تنفيذها خلال ما لا يزيد عن سنة من نفاذ القانون. وهذا يعني أنه بقي أقل من شهرين للبدء في إنشاء منظومة الخدمات البديلة. لكن المسؤولين في الجهتين القائمتين على إعدادها، وهما المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة ووزارة التنمية، لم يعلنا إلا خطوطًا عامة لهذه الخدمات. وحتى هذه، ما زالت ماهيتها وآليات تنفيذها بالغة الضبابية. يقول الضلاعين إن مقترحات البدائل، وشكل الخدمات المساندة، والطريقة التي ستقدم فيها، ما زالت ، قيد الدراسة والمناقشة. لكنه يطمئن الأهالي بأن إغلاق دور الإيواء لا يعني إلغاء الخدمات الحكومية لأبنائهم، بل سيُختار الدعم المناسب لحالة كل معاق.

ما هو واضح بشكل أوليّ، بحسبه هو أن الأولوية ستكون لدمج ذي الإعاقة في أسرته الطبيعية. حيث سيهيأ منزل العائلة من حيث المرافق والتهوية وغيرها، ليناسب إقامته. وإذا كان دخل العائلة متوسطًا أو محدودًا، سيقدم لها دعم مالي. كما ستتلقى الأسرة تدريبًا على كيفية تقديم الرعاية له. ومن ذلك مثلًا، كما يقول حالات إعاقة تكون من الشدّة بحيث أن الشخص يحتاج إلى رعاية في أدق شؤونه من حيث الطعام والشراب والنظافة. هذه الحالات، يقول الضلاعين، ستعاد إلى أسرها، التي ستدرب على كيفية العناية بهم.

يقول أيضًا إن بإمكان ذوي الإعاقة، ضمن أسس معينة، الاستفادة من خدمات نهارية، مثلًا يمكن أن يكون هناك نظام الاستراحة، كأن تأتي العائلة بالشخص إلى المركز لمدة ساعتين في اليوم مثلًا. أو يمكن تطبيق نظام الرعاية المؤقتة في حالة المناسبات الاجتماعية عند العائلة، ويمكن أن يكون هذا لساعة أو اثنتين أو 24 ساعة.

لكن مسؤولة حالية في وزارة التنمية، تعمل منذ 16 سنة في مجال الإيواء، ورفضت الكشف عن اسمها لأنها غير مخولة بالحديث مع الإعلام، تقول إن الأمر لا يتعلق دائمًا بـ«جهل» الأسرة في كيفية العناية بابنها أو ابنتها من ذوي الإعاقة، بل بـ«عجزها» عن ذلك. وتقول إن دور الإيواء، على الأقل الحكومية منها، لا تستقبل المنتفعين إلا بشروط مشددة: «الحالات اللي بتوصل التنمية هي أشد الشديد. وما بتوصل إلا لإنه الأهل خلص ما في قدامهم حل ثاني».

وفي السياق نفسه، تقول موظفة تقاعدت من وزارة التنمية بعد 22 سنة عمل في مجال الإعاقة، ورفضت أيضًا الكشف عن اسمها، إن إغلاق دور إيواء ذوي الإعاقة العقلية يعني عمليًّا أن الحكومة تتخلى عن مسؤوليتها تجاههم. وتقول إنه لا يمكن إجبار العائلات غير القادرة على رعاية أبنائها على استعادتهم، ثم توقّع أنهم سيتلقون الرعاية المطلوبة. بالتحديد من ذوي الإعاقات الشديدة، والحالات التي تحتاج إلى رعاية متخصصة، ليس من السهل القول إنه يمكنه تدريب الأهل على تقديمها. وهي تحذّر من أن إعادة ذوي الإعاقة إلى عائلاتهم يمكن أن يفتح الباب واسعًا نحو الانتهاكات في حقهم. وتقول إنها أثناء عملها أخصائية اجتماعية، زارت الكثير من البيوت، وكانت ترى أوضاعهم: «بقولوا خليهم [أي ذوي الإعاقة] بين أهلهم. أنا رحت على بيوت كانوا حاطينهم بقبو تحت الدار لا ضو ولا شي فيه. رحت على بيوت كانوا مربطين أولادهم، 3 أولاد معاقين [بشكل] شديد، مربَّطين والله العظيم، [حالة] ما بتقبليها للحيوانات». وتضيف: «في عائلات كانوا يحطوا أولادهم [في الدار] ويغيروا مكان السكن وأرقام التلفون حتى التنمية ما تندلّ عليهم».

لكن الضلاعين يؤكد أنه سيكون هناك بدائل لمن لا أسر لديهم، أو من لا تسمح ظروف أسرهم باستقبالهم، الخيار الأول هو دمجهم في أسر بديلة، يقدم لها دعم مادي مقابل تقديم هذه الخدمة، إضافة إلى التسهيلات البيئيّة. وهناك خيار آخر، هو البيوت الجماعية، حيث يمكن استئجار شقة سكنية لمجموعة من ذوي الإعاقة، ويمكن هنا أن يتعاونوا لخدمة بعضهم البعض. أو يكون هناك شخص يقدم المساعدة لهم ضمن أسس معينة من المتابعة والرقابة. والفكرة هنا، بحسبه، هي أن يكون البيت المستأجر، في المنطقة التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص، بحيث يصبح من السهل على أقربائهم زيارتهم والتواصل معهم.

يشكو أصحاب دور إيواء خاصة من أن انعدام التواصل مع الجهات القائمة حاليًّا على إعداد خطة التحوّل، يثير مخاوفهم على مصير استثماراته

تشير الناطور، إلى أن فكرة البيوت الجماعية مطبقة بنجاح في الولايات المتحدة، حيث يُنظر إلى ذوي الإعاقة ممن تجاوزوا الثامنة عشرة، بأن لهم الحق في العيش المستقل، مثلهم مثل أي فرد آخر. لكن لأن منهم من لا يمتلكون مهارات العيش المستقل تمامًا، فإن الحكومة توفر لهم بيوتًا يعيشون فيها جماعات، ويكون في هذه البيوت موظف، يساعدهم في المهام الحياتية الأساسية، مثل التنقل والتسوق وغيرها. ووفقها يمكن تأهيل المنتفعين بهذا الخيار، وتأمين وظائف لهم تساعدهم على المضي في حياتهم. لكنها تشدد على أن دمج ذوي الإعاقة، في المجتمع، مشروط بتطبيق آليات مشددة للرقابة على أماكن تواجدهم، سواء كانوا مع عائلاتهم الطبيعية أو البديلة أو في بيوت جماعية ليكون بالإمكان ضبط الانتهاكات التي يمكن أن ترتكب بحقهم.

لكن الصمادي، تقول إن هذا النوع من البدائل لم يراع الخصوصية الثقافية للمجتمع الأردني، فالتحدي الأساسي هنا هو مدى إمكانية تطبيق آليات مراقبة، تتمثل في زيارات متكررة ومفاجئة للبيوت التي تحتضن ذوي الإعاقة، تضمن أنهم يعاملون بشكل إنساني، وأن المبالغ المالية المقدمة لعائلاتهم الطبيعية أو البديلة تنفق عليهم فعلًا. وتقول إنها تشك بقوة في أن العائلات في الأردن ستتعاون مع الطلبات المتكررة للكشف على بيوتها من قبل موظفي «التنمية».

أما بالنسبة لفكرة البيوت الجماعية، فإن الصمادي تلفت إلى أن «التنمية» و«المجلس الأعلى» طبّقا هذه الفكرة فعلًا، العام 2011 في الكرك، لذات الهدف، وهو دمج ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم المحلية، لكن البيت الجماعي، الذي أسس آنذاك بدعم من منظمة الناشئين واليافعين الأميركية (YAI). وهي منظمة معنية بشؤون الإعاقة. وخدم 12 شابًا، تتراوح أعمارهم بين 16-34 سنة. أغلق، كما تقول الصمادي، بعد أشهر قليلة، لأسباب تتعلق بضعف الرقابة، وضبابية القواعد المنظمة لعمله آنذاك.

أصحاب دور الإيواء الخاصة: لا أحد يخبرنا ما يحدث

في الأثناء، يتخوف أصحاب دور إيواء خاصة بشأن مصير استثماراتهم، التي تخدم في معظمها نزلاء من دول عربية، بالتحديد من دول الخليج. وهو تخوف يقول العزة إنه مشروع، لكنه يطمئنهم بأنهم سيكونون شركاء في منظومة الخدمات البديلة المزمع إنشاؤها. وأن بإمكانهم البدء بـ«تحويل استثماراتهم إلى خدمات دامجة وداعمة للعيش المستقل». العزة الذي يقول إنه لم يجر التواصل مع أصحاب الدور الخاصة خلال الفترة السابقة، يؤكد أن خطة برنامج التحول، ستُعرض عليهم حال اكتمالها للتشاور. وبالنسبة للنزلاء العرب، فإن بإمكانهم، كما يقول، الاستفادة من منظومة البدائل، وفقًا للقوانين المرعية، أو العودة مع أسرهم.

لكن أصحاب دور خاصة يشكون من أن انعدام التواصل مع الجهات القائمة حاليًّا على إعداد خطة التحوّل، يثير مخاوفهم على مصير استثماراتهم. يقول محمد الدلاهمة، أحد مؤسسي الأكاديمية الأردنية للتوحد، التي تقدم خدماتها لـ200 منتفع، منهم 130 يعيشون في القسم الإيوائي، جميعهم من خارج الأردن، إن التواصل الوحيد مع الجهات المعنية في ما يتعلق بهذا الأمر، كان قبل فترة وجيزة، عندما جاء فريق قالوا إن مهتمهم «تفكيك» الدور الإيوائية، وأخذوا بيانات النزلاء والموظفين. وهو يقول إنه ليس لديه أدنى فكرة عن الكيفية التي يمكن أن يكون فيها كدار إيوائية جزءًا من المنظومة المقترحة، فلا أحد يقول لهم ما يحدث. وهو حتى لا يعرف متى سيبلغ بإغلاق القسم الإيوائي، حتى يستطيع التخطيط لمؤسسته. وليست لديه أي فكرة عمّا سيحل بمشروعه الذي تأسس قبل 15 سنة: «هو حوار من طرف واحد. هم بحكوا وعلينا نسمع. مش مسموحلك تحكي لأنه السلطة معهم».

المشهد ضبابي أيضًا لأم مصطفى الذي سيكون عمر ابنها عندما تغلق آخر دار، 37 سنة: «رح أكون بالسبعين، وبكون خلص انتهيت».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية