قصة بلال العموش كما يرويها أهله

الخميس 14 حزيران 2018

صبيحة يوم الأربعاء 13/6 تجمهر مجموعة من أبناء عشيرة العموش أمام الممرّ الضيق المفضي إلى مشرحة مستشفى الأمير فيصل في منطقة الرصيّفة في محافظة الزرقاء. انشقّ جَمْع الواقفين في الممر لإفساح المجال لرجلٍ كبير في السن، نحيل الجسد، ينشج بالبكاء، للخروج كي يتنفّس. سنعرف لاحقًا أن هذا الشخص هو والد بلال العموش.

خلف سيارتي الشرطة المتواجدتين في الساحة المقابلة للمشرحة، تجمهرتْ مجموعة أخرى تتحدث حول اشتباه أهل وعائلة بلال بتعرّضه للتعذيب من قبل مرتبات إدارة مكافحة المخدّرات في مركز أمن الغويرية في الزرقاء، ما أدى إلى موته. «إحنا لازم نستنى تقرير الطب الشرعي شو بحكي»، يقول أحدهم، «هم اللي قتلوه»، يردّ عليه آخر.

بلال العموش شاب في مقتبل الثلاثينيات، تخرّج من جامعة جرش عام 2007 من تخصص الاقتصاد. تنقّل، بحسب أخته، ما بين العديد من الوظائف الحكومية والخاصة، جميعها بعقود، تنتهي ولا تتجدد. انتهى من آخر عقدٍ له منتصف عام 2016، ولم يجد عملًا بعدها. وبحسب والده، صالح العموش، تعبت نفسيّة بلال بسبب القعدة في البيت. أخبرنا أنه استنفذ محاولاته لتشغيل ابنه، «حاولت أقابل جلالة الملك عشان أشغّله».

بحسب أخت بلال وأبوه، خرج بلال ليل الجمعة (25/5) ليدفع قسط هاتفٍ مستحقٍ عليه ولم يعد. حاولوا الاتصال به لكنّ هاتفه ظل مغلقًا. فجرًا توجّهوا إلى مركز أمن الحسين، ما بين منطقتي حي معصوم وحي رمزي في الزرقاء، ليبلغوا عن غيابه. أخبرهم الأمن بضرورة انتظارهم لمدة 24 ساعة على اختفائه حتى يستطيعوا تقديم بلاغٍ. بعد مرور المدة الزمنية، علم الأب من أحد أفراد الأمن المتواجدين في مركز أمن الحسين أن ابنه في مركز أمن الغويرية.

لم يستطع محامي بلال، حمدان المومني، ولا أحد من أفراد أهله، رؤيته في مكتب إدارة مكافحة المخدرات في الزرقاء أو الياسمين في عمّان، ولا معرفة كم من الوقت قضى في هذه الأماكن، حتى اتصل بلال بهم ليل الثلاثاء 29/5 وأخبرهم بأنه الآن في سجن بيرين في الزرقاء، بعد أن وجّهت إليه تهمة ترويج مواد طبية مخدّرة، بحسب محاميه. يقول والده عن تلك المكالمة: «حكالي يابا ذبحوني ذبح، ضربوني بالحديد على صدري وأحسّ ينزل إشي حامي عليه».

«تواصلنا معه أول يوم أحيل إلى السجن وشفنا آثار الضرب اللي عليه»، يقول المحامي، «لما زرته أول مرة طلبت يروح على العيادة»، وأضاف بأن بلال نُقل إلى مستشفى الزرقاء الحكومي ثلاث مرات أثناء تواجده في مركز أمن الغويرية بسبب فقده للوعي.

حاول والد بلال رؤيته عدة مرات إلا أنهم لم يسمحوا له بسبب نظام الزيارات في السجن (جمعة وثلاثاء)، وكانت آخر مرة رآه فيها هي صباح يوم الثلاثاء 12 حزيران. «لما شفته كان زامُّه صاحبه، حكالي يابا معدتي [تؤلمني] من هون، من الضربة اللي إجتني هون»، قال والده. ترك والد بلال الزيارة وذهب لرؤية مدير السجن ليشكو له حالة ابنه، «قلت له السالفة كلها، ويقول إحنا ودّيناه امبارح الاثنين [عالعيادة] وما في إشي، وقبل امبارح وديناه وما في إشي».

عاد أبو بلال إلى منزله. رن رقم غريب على هاتفه مساء، وعندما فتح الخط قال له المتّصل: «ابنك وديناه على مستشفى الأمير فيصل».

ذهبت أخوات بلال لزيارته في المستشفى مع بعض الأقارب. «دخلت عليه ما عرفته، صوت فش إله»، تقول إحداهنّ. «شفناه ناشف، وأسنانه مكسّرة»، تقول أخرى. بحسب أخواته، دخل بلال إلى العمليات ولم يبقَ هناك سوى عشرة دقائق، خرج بعدها الطبيب وأخبرهن إنه توفي.

يوم الأربعاء 13 حزيران خرج تقرير الطبيب الشرعي وأفاد، كما نقل بيان الأمن العام، أن وفاة بلال العموش كانت نتيجة «ثقب بالاثنى عشر ناتج عن قرحة نازفة في الاثنى عشر مع خلو الجسد من أية آثار لشدة أو عنف».

تصريح الأطباء أثار غضب أهل بلال المتواجدين في ساحة مستشفى الأمير فيصل، فقرّر والده والمحامي الذهاب إلى مدعي عام شرطة الزرقاء والتقدّم بشكوى يقولون فيها كل ما حدث مع ابنهم ويتهمون ثلاثة أشخاص يعتقدون أن لهم دورًا في تعذيبه.

في الأثناء، اجتمع مجموعة من أبناء عشيرة العموش بالقرب من منزل عائلة بلال، وذهب مجموعة من وجهاء العشيرة لمقابلة محافظ الزرقاء. لدى عودتهم، قال ضيف الله القلّاب، أحد الوجهاء الذين قابلوا المحافظ، إنهم أكّدوا رفضهم استلام الجثة، وطالبوا بتوقيف رجال الأمن الذين حققوا مع بلال، وبإعادة تشريح الجثة من لجنة طبية محايدة.

مساء الأربعاء، قام أفراد من عشيرة العموش بإغلاق شارع 36 في الزرقاء الجديدة احتجاجًا على ما وصفوه بإهمال مطالبهم.

وكان مدير المركز الوطني للطب الشرعي أحمد بني هاني قد قال إن «ما يتم تداوله من صور وما يظهر عليها من علامات هي تغييرات تطرأ على الجثة بعد الوفاة تظهر عند أي شخص يتوفى (…) وهذه جميعها ليست نتيجة عنف أو تعذيب بل هي من علامات الموت»، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الرأي.


تحديث، الجمعة 15 حزيران 2018: قال أبو بلال، صالح العموش، في مقابلة أجرتها معه صفحة تجمّع شباب عشيرة الزيود بني حسن، إن بلال سيُدفن اليوم الجمعة بناءً على طلب والدته. وأضاف أن هذا ليس بضغط من المحافظ كما تناقلت وسائل إعلام، وأنه لن يتخلّى عن حق ابنه.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية