الأطفال السوريّون العاملون في الأردن: ضحايا الحرب واللجوء

الأطفال السوريّون العاملون في الأردن: ضحايا الحرب واللجوء

الخميس 26 أيار 2016

بعد أن كان مجرد طالب في الثانية عشرة من عمره، في الصف السابع الدراسي، لا يهتم بأكثر من واجباته ودروسه، وجد الطفل السوري حسين هواد نفسه لاجئًا مجبرًا على التوجه لسوق العمل لمساندة أسرته ماديًا والوقوف بجانبها، ومسؤولًا عن أمه التي أصابتها شظية قذيفة صاروخية وأقعدتها، وعن والده الذي تقدم به العمر ولم يعد يقوى على العمل، وعن أشقائه الخمسة وجدّته.

ومع أن عائلة هواد لجأت إلى محافظة المفرق في الشمال إلا أنها تنتقل في فصل الشتاء إلى الأغوار الوسطى والجنوبية سعيًا منها لتوفير تكاليف التدفئة والبحث عن مزرعة تؤوي العائلة وتؤمن فرصة عمل لحسين، وهو ما وجدته العائلة في إحدى المزارع بمنطقة الكرامة بمحافظة البلقاء. هناك، التقينا حسين الذي بات الآن في الرابعة عشرة من عمره وخَشُنت ملامحه وطباعه بعد عامين من العمل. «أنا بشتغل حتى أعيّش أهلي لأني وحدي اللي بشتغل بالعيلة»، يقول حسين.

حسين هو أصغر العاملين في المزرعة في قطاع تنتشر فيه الانتهاكات بشكل واسع بين العمال المهاجرين وهو ما يجعلها بيئة خطيرة عليه. يقول حسين «بنبلش شغل على الستة الصبح، وبشتغل ثمان ساعات باليوم»، وتقوم وظيفته على المساعدة في قطاف المنتجات الزراعية.

hussen (5)

hussen (10)

حسين هو واحد من 668 ألف طفل من بين مليون وثلاثمئة ألف لاجئ سوري دخلوا إلى الأردن منذ عام 2011. ومع أن آخر مسح عام لدائرة الإحصاءات العامة حول عمالة الأطفال بالأردن يعود إلى العام 2007 ويقول أن هناك 33 ألف طفل عامل إلا أن موجة اللجوء السوري رفعت عددهم إلى نحو 100 ألف طفل عامل بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، بينما تقدر بعض التصريحات الحكومية عدد الأطفال السوريين العاملين بنحو 60 ألفًا.

ورغم أن وزارة التعليم تعامل الطالب السوري معاملة الطالب الأردني وتقدم له التعليم الأساسي بشكل مجاني تقريبًا، إلا أن عدد الأطفال السوريين المتخلفين عن الدراسة يبلغ تسعين ألف طفل، بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية.

ووفقًا لأحكام المادة 73 من قانون العمل الأردني، ولاتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل فإنه لا يجوز بأي حال تشغيل الحدث الذي لم يكمل عامه السادس عشر بأي صورة من الصور. وبحسب اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 فإن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وربط الحد الأدنى لسن العمل بسن إتمام الطفل تعليمه الإلزامي، بحسب الاتفاقية الدولية للحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل.

في دراسة مسحية حول عمالة الأطفال أجرتها منظمة العمل الدولية في الأردن عام 2014، تبين من خلالها أن 70% من الأطفال العاملين ينتمون إلى أسر تعيش تحت خط الفقر، بينما وصلت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر في الأردن نحو 90%، وهو الواقع الذي دفع بالعديد من الأسر إلى إخراج أبنائها من المدارس ودفعهم للعمل في بيئة تستغل فقرهم، وبخاصة في ظل تراجع المساعدات الاقتصادية الدولية للأسر السورية. إذ يظهر تقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين للعام 2015 أنها قدمت مساعدات مالية لـ 25 ألف عائلة سورية، أي قرابة 125 ألف لاجئ من أصل 1.3 مليون.

أبو تامر الزندعي رجل ستيني مسؤول عن أسرة تتكوّن من 12 طفلًا وشابًا، لجأ إلى الأردن عام 2012 بعد احتدام المعارك في مدينة إدلب التي ينتمي إليها، ومنذ ذلك الوقت وهو يتلقى مساعدة مالية مقدارها 140 دينارًا شهريًا، أي ما معدله 12 دينارًا شهريًا لكل فرد.

تعيش عائلة الزندعي في خيمة متواضعة في الأغوار الجنوبية بمحافظة البلقاء، لا يتوفر فيها الفراش أو الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، وتعمل العائلة في قطاع الزراعة ورعي الأغنام والمواشي في فصل الربيع والصيف في محافظة المفرق، ثم تنتقل في فصل الشتاء إلى محافظة البلقاء وبالتحديد إلى مناطق الأغوار للعمل في الزراعة وللهرب من البرد إلى المناطق الأكثر دفئًا لتوفير مصاريف التدفئة، ويكلفهم الانتقال السنوي من المفرق إلى الأغوار نحو 100 دينار.

Saad and his father (3)

يقول أبو تامر «الكل بالعيلة بيشتغل حتى نوفر الميّة والشرب، لكن يا دوب، ما في شغل بالغور زي قبل، بنشتغل يوم وبنقعد عشرة (..) والمعونة اللي بنوخذها ما بتعمل شي، إحنا بنتبهدل إذا مرض واحد ولا صار معه إشي لا سمح الله».

دفع هذا الواقع الزندعي إلى سحب أبنائه الصغار من المدرسة ودفعهم إلى سوق العمل، «صعب يروحوا الولاد للمدرسة وإحنا كل شهر بمكان، وإذا بدهم يعيشوا لازم يشتغلوا».

سعد البالغ من العمر تسع سنوات، أحد أبناء أبو تامر، منقطع عن الدارسة ويشارك إخوته العمل في حال توفرت لهم الفرص في قطاع الزراعة أو الرعي مقابل أجور رمزية.

يقول أبو تامر: «السنة الماضية اضطريت نودي سعد وأخوه ليشتغلوا عند واحد من أصحاب الغنم بالمفرق مقابل أنه يعطيهم 250 دينار للاثنين، بس اشترط إنهم ما يتركوا مكان الرعي نهائيًا، لكن بعد ما خلصوا ما أعطاهم غير 70 دينار!».

وكان سعد يضطر أن يبيت عند الأغنام طوال تلك الفترة ويعمل منذ طلوع الشمس حتى غروبها، ويتغذيان على ما يوفره صاحب العمل، بحسب سعد الذي قابلناه بحضور والده. «المكان اللي كانوا يناموا فيه ما بصلح للحيوانات، بس شو بدنا نعمل، لازم نشتغل ونشغل ولادنا»، يقول أبو تامر.

تقول منظمة العمل الدولية ضمن ورقة حول حملة «نحو أردن خال من عمل الأطفال»، إن «الأطفال أكثر عرضة من الكبار لمخاطر الإيذاء الجسدي والعاطفي والجنسي، حيث يعانون من أضرار نفسية مدمرة جراء معيشتهم وعملهم في بيئة مهينة ومسيئة ومضطهدة لهم. فالأطفال العاملين يعملون في كثير من الأحيان في بيئات استغلالية وخطرة ومهينة ومعزولة، وغالبًا ما يعانون من سوء المعاملة والإساءة والإهمال على يد أرباب عملهم».

معظم الأطفال العاملين الذين قابلناهم كانوا يعملون في قطاع الزراعة، وتعتبر دراسة مركز تمكين حول عمالة الأطفال السوريين بيئة العمل الزراعية الأكثر خطورة على الأطفال.

ويستغل أصحاب المزارع حاجة العائلات السورية إلى العمل وإلى المكان فيقومون بتشغيل عائلات سورية كاملة في مزارعهم مقابل تقديم خدمات أساسية كالماء والكهرباء. ومن بين هؤلاء عائلة الطفل مجد محمد، ابن الثماني سنوات، الذي يعمل ويعيش مع عائلته في مزرعة في منطقة دير علا، تبعد عن الشارع الرئيسي نحو عشرة كيلومترات.

مجد كان طالبًا منتظمًا في سوريا قبل أن يأتي إلى الأردن، إلا أنه الآن منقطع عن الدراسة، ويعمل مقابل نصف أو ربع دينار للساعة يعطيها لوالده في نهاية اليوم، بحسب أقواله.

Majed (3)

يقول مجد «إحنا هون بنشتغل من أوّل ما تطلع الشمس لحتى تغيب، بس ما بنشتغل كل يوم، لما يكون في شغل بنشتغل».

عندما سألنا مجد إن كان يلعب مع أقرانه يقول «لا ما في حد هون ألعب معاه». ويتلقى مجد تدريسًا ذاتيًا من والده الذي كان مدرسًا في سوريا. «الكل بشتغل هون، ما في مدارس يروحوا عليها فبشتغلوا وأنا بحاول أدرسهم شوية شغلات أساسية»، يقول مجد.

يقول والد مجد عن سبب عمله في الزراعة رغم أنه يحمل مؤهلات أكاديمية «شهاداتي هون ما بسون شي، لازم أشتغل على شان أعيش، وللأسف الشيء الوحيد اللي بعرفه كان الزراعة».

من يعمل عادةً على تشغيل السوريين الصغار والكبار في البيئة الزراعية وغيرها يعرف بـ«الشاويش»، والذي يكون عادةً وجهًا معروفًا عند أصحاب العمل والعائلات السورية.

السوري فرحان حسين هو شاويش معروف في منطقة الأغوار يعمل على توظيف عدد من العائلات السورية عند أصحاب المزارع وغيرها من الوظائف. يقول فرحان: «أوّل ما جيت على الأردن بدأت أشتغل عند صاحب مزرعة، بعدين صاروا أقاربي يجوني حتى شغّلهم معي، وصاحب المزرعة طلب مني أجيب له عمال، فأنا صرت أشغل قرايبي ومعارفي عنده وأنا أضمن لهم حقهم، مقابل إني آخذ 15 دينار عنهم يوميًا».

Shawesh

وعن نسبة وجود عمالة الأطفال السوريين بين من قام بتوظيفهم وتأمين عمل لهم يقول: «شغلت ناس من 13 سنة وطالع، بنات وشباب، وعادةً أهاليهم اللي ببعثوهم وصاحب الشغل ما بكون عنده مشكلة».

ولم يكن من بين جميع الاطفال الذين قابلناهم من يعمل مقابل أجرة شهرية إذ يعمل معظهم مقابل أجرة يومية أو أسبوعية تختلف بحسب طبيعة العمل، إلا أنها بمجموعها لا تتجاوز في الغالب 190 دينارًا شهريًا، وهو الحد الأدنى للأجور في الأردن، وهو ما يجعل تشغيل هؤلاء الأطفال مجديًا ماديًا لأصحاب العمل.

عبد الغني عزيز طفل في الرابعة عشرة من عمره يعمل في كافتيريا في منطقة القويسمة الصناعية، تقتضي وظيفته نقل الطلبات الباردة والساخنة من السابعة صباحًا إلى السابعة مساءً مقابل أجرة أسبوعية لا تتجاوز 40 دينارًا.

abed al gani (2)

انتظرنا عزيز لنحو ساعة حتى تمكنا من الجلوس معه لمحاورته لانشغاله بتوصيل الطلبات. يقول والتعب بادٍ عليه: «إحنا جينا من حلب للأردن قبل ثلاث سنين، وكنت بشتغل ميكانيكي بعدين بلشت أشتغل هون. في حلب كنت بروح على المدرسة، بس هون لأ ما روحت، بدي أصرف على إخواني الستة مع أبوي».

ويعيش عزيز مع عائلته في بيتٍ مستأجر في مخيم الوحدات بالعاصمة عمّان، وهو ما مكن باقي إخوته من الانضمام للمدرسة لتواجد عدد من المدارس القريبة عليهم.

عصام نوفل صاحب العمل الذي يعمل فيه عبد الغني يفضل تشغيل الأطفال السوريين على الأردنيين لأنهم أقل تكلفة وأقل تذمرًا يقول: «بصراحة لأنه بدل ما أشغل أردني بشغل اثنين سوريين، وهمه بشتغلوا أكثر من الأردني وبعرفوا يتعاملوا مع الناس والزباين».

يتابع «الأردني نمرود وبغلبك، بعكس السوري، وفي المناطق الصناعية الرواتب قليلة بشكل عام وإحنا رواتبنا قليلة لهيك بنفضل نشغل السوريين».

تقر وزارة العمل بأن السبب الاقتصادي هو الذي دفع بالأطفال السوريين إلى سوق العمل بالأردن، بحسب مديرة وحدة مكافحة عمالة الأطفال بالوزارة، شيرين الطيب.

وتقول الطيب إن نحو نصف الأطفال الذين يتم ضبطهم في سوق العمل يكونون عادةً من الجنسية السورية إلا أن عدد من تم ضبطهم لا يعكس حجم وجودهم في السوق، حيث تم ضبط نحو 1273 طفلًا في العام 2015 من بينهم 516 غير أردني، كلهم يحملون الجنسية السورية، وفي العام 2014 تم ضبط 887 منهم 425 سوري وبينهن 15 فتاة كن يعملن في صالونات التجميل.

وتقول الطيب إنها الوزارة تحاول مكافحة عمالة الأطفال عبر زيادة الزيارات التفتيشية، حيث تم رفع عدد المفتشين في وزارة العمل إلى نحو 220 مفتشًا، علمًا بأنه لا يوجد مفتشون متخصصون بعمالة الأطفال بالوزارة.

وترى الطيب أنه من غير المجدي تجاهل الجوانب الثقافية في مسألة عمالة الأطفال السوريين في الإردن، إذ تقول إن «بعض العائلات والأطفال السوريين لا يقدرون أهمية التعليم، لذا يتسربون من الدراسة من أجل العمل، كما أنهم في الأصل كانوا يتسربون من الدراسة من أجل العمل في سوريا».

مديرة مركز تمكين للدعم والمساندة ليندا كلش ترفض هذا الادعاء وتقول «نحن لا نعرف كيف كان شكل عمالة الأطفال في سوريا. نحن واجبنا حماية الطفولة، بغض النظر إن كان المجتمع يقبل عمالة الأطفال أو لا».

كما لا يمكن اختزال مشكلة عمالة الأطفال السوريين وانقطاعهم عن الدراسة بالفقر والجانب الاقتصادي إذ يرى مسؤول برامج حماية الطفولة في اليونسيف محمد رفيق خان أن عدم وجود مقاعد دراسة كافية في الأردن هو واحد من الأسباب التي جعلت نحو 60 ألف طالب سوري غير قادرين على الالتحاق بالمدرسة.

وتنفق وزارة التربية والتعليم سنويًا نحو 250 مليون دينار على تعليم الأطفال السوريين في المدارس. وتم بناء نحو خمسة آلاف غرفة صفية جديدة منذ بدء أزمة اللجوء، ومع ذلك ارتفعت نسبة الاكتظاظ بالمدارس إلى نحو 46%، مما دفع بعض المدارس إلى التحول إلى نظام الفترتين.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أعد تقريرًا متخصصًا حول عمالة الأطفال السوريين في الأردن* دعا فيه وزارة العمل إلى زيادة المفتشين للكشف عن حالات عمالة الأطفال ومحاصرة هذه الظاهرة بالإضافة إلى تكثيف الزيارات التفتيشة إلى قطاع الزراعة بالتحديد.

وطالب المرصد بتعديل نظام المخالفات بقانون العمل وفرض عقوبات رادعة بحق صاحب العمل الذي يشغل الأطفال، كما طالب بإصدار أرقام إحصاءات سنوية حول عمالة الأطفال من أجل تسهيل متابعة مدى تطور أزمة عمالة الأطفال في الأردن، أما وزارة التربية فطالبها بتهيئة البنية التحتية في المدارس وزيادة الغرف الصفية من أجل توفير مقاعد دراسية لجميع الطلبة من اللاجئين السوريين.

ودوليًا طالب التقرير منظمة اليونسيف بزيادة السعة التعليمية، ورفع الدعم المادي المقدم من أجل تغطية تكاليف الطفل ضمن أسرته، بما فيها تكاليف التحاقه بالمقاعد الدراسية.


*هذه المادة الصحفية تستند إلى دراسة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن عمالة الأطفال السوريين في الأردن والتي شارك فيها كاتب المادة كباحث ميداني رئيسي.
** جميع الصور والمقابلات مع الأطفال نشرت بعد موافقة عائلاتهم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية