الأمهات العاملات والعبء المزدوج

.تصوير حسام دعنة

الأمهات العاملات والعبء المزدوج

الثلاثاء 21 آذار 2017

تمضي ولاء* (42 سنة) 12 ساعة يوميًا خارج منزلها، ثمان ساعات منها في المؤسسة التي تعمل فيها في عمان، و4 في وسائل النقل التي تحملها من وإلى منزلها في إحدى المحافظات. تعود في السادسة لتجد زوجها الذي يعمل معلمًا وينهي دوامه الساعة الثانية قد جلب أطفالهما الأربعة (14-6 سنة) من المدارس، وسخّن الغداء الذي تكون هي قد أعدّته في الليلة السابقة. ومثل كل يوم خلال أربع عشرة سنة من الأمومة، فإن لحظة دخولها إلى المنزل هي اللحظة التي يرفع فيها زوجها يده ويسلمها المنزل والأطفال، لتبدأ ما تقول إنه «دوامي الثاني»: تجهيز العشاء، إعداد وجبة غداء اليوم التالي، متابعة الواجبات المدرسية للأطفال، وإنجاز الأعمال المنزلية التي لا يمكن ترحيلها إلى عطلة نهاية الأسبوع.

في عطلة نهاية الأسبوع تنجز المهام التي كانت قد رُحّلت من أيام العمل: أعمال التنظيف الثقيلة والطبخات الدسمة، ومتابعة الالتزامات الاجتماعية، واستقبال الضيوف، ذلك أن كونها امرأة عاملة «لا يشفع» لها، كما تقول، فهي مطالبة بأن ترقى إلى مستوى التوقعات المطلوب من النساء المتفرغات الارتقاء إليها: أطفال مثاليون، زوج راضٍ، حضور فاعل في مناسبات الأفراح والأتراح، وبيت لامع.

في الوقت الحاضر، تتلقى ولاء بعض المساعدة من ابنتها الكبرى، وعمومًا، فقد كبر أطفالها وصاروا يعتمدون بعض الشيء على أنفسهم، لذلك فإن الوضع، كما تقول، أقل «مأساوية»، مقارنة بالفترة التي كان ابنها الأصغر رضيعًا، والثلاثة الآخرون تحت سن التاسعة. في تلك الأيام، لم تكن الساعات الخمس التي تفصل بين عودتها من العمل ونومها تكفي لإنجاز كل ما كان مطلوبًا منها في ما لو أنجزت المهام بالتتابع، لهذا كانت تطبق آلية تداخل المهام. فمثلًا، في متابعة دروس أطفالها الذين اجتمع ثلاثة منهم في المرحلة الابتدائية، كانت تتابع وهي واقفة أمام حوض المطبخ حفظ أحد أطفالها لأنشودة، وتكون قد كلّفت الآخرين بحلّ تمارين، تعود لتتأكد منها بعد إنجازها غسل الأواني. كانت تشرح قاعدة ثم تذهب لتضع الطبخة على النار، أو «فوج» ملابس في الغسالة، ثم تعود لتتأكد التطبيق.

لكن عبورها تلك الأيام «الجنونية» لم ينفِ حقيقة أنها ما زالت تعاني، فجميع ساعات يقظتها مكرسة للمنزل والعائلة والعمل، وهي لا تتمتع بالامتياز التي يتمتع به زوجها؛ ليس لديها ساعة ينتهي فيها دوامها، ساعة يمكنها فيها أن تلتفت إلى نفسها وتفعل الأشياء التي ترى زوجها يتمتع بفعلها، مثل الخروج، تصفح الإنترنت والنوم. وهي لا تفهم لماذا عليها أن تتحمل بالعدل نصيبها من مسؤولية الإنفاق على عائلتهما التي ما كان يمكن لراتب زوجها وحده أن يغطي نفقاتها، في حين أن زوجها لا يقدم الحدّ الأدنى من المساعدة في أعمال المنزل ورعاية الأطفال. بل إن المفارقة هي أن المحيطين بها يقدرون الذي يقدمه أكثر مما يفعلون معها، فقبل أن تكبر ابنتها ويصبح بإمكانها مجالسة أشقائها، كان المحيطون بها يتعاطفون مع زوجها الذي كان يبقى أثناء عطلة المدارس مع الأطفال، فتسمع من يقول إنه «يا حرام مربوط مع الأولاد ومش حر زي الزلم».

وفي مواجهة متطلبات أربعة أطفال، وهاجس الادخار لتعليمهم الجامعي، وقرض منزل ستمضي سنوات طويلة قبل سداده، فإنه ليس بمقدور ولاء الاستعانة بمساعدة، وهي مضطرة لمواصلة التعايش مع وضع يستنزفها جسديًا وذهنيًا، ويملؤها ليس فقط بالمرارة، بل وبالعبثية، فتقول: «أحيانا بسأل حالي أنا ليش عايشة.. أنا مش عايشة».  

على عكس ولاء، فإن رنا* (33 سنة) وهي أم لطفلة عمرها سنتان، تستطيع اقتصاديًا الاستعانة بعاملة منزل، لكنها اختارت ألا تفعل. تعمل رنا في القطاع الخاص. يبدأ دوامها الساعة الثامنة وينتهي في الرابعة. وهي تستيقظ في السادسة صباحًا لتجهز ابنتها للحضانة، توصلها ثم تذهب إلى عملها، ثم تعود لتجلبها. ما بين لحظة استيقاظها إلى أن تنهي آخر مهامها الساعة الثامنة أو التاسعة ليلًا، فإنها تشعر أنه مطلوب أن «تقطعي حالك مليون قطعة».

ومع ذلك ترفض رنا استقدام عاملة لأنها لا تريد، من ناحية كما تقول، تحمّل العبء النفسي المترتب على وجود شخص تحت مسؤوليتها في المنزل. ومن ناحية أخرى، لأنها على قناعة بأن وجود عاملة في المنزل سيجعلها تلقائيًا تحمّلها بعضا من مسؤولية طفلتها، وهو أمر تقول إنها ترفضه بالمطلق. فقد رأت هذا يحدث لكثير ممن حولها، إذ يجلبون عاملة منزل وفي نيتهم أنها ستكلف بأعمال المنزل فقط،، لكن ما يحدث في النهاية «لا إراديًا» هو أنها تنخرط في رعاية الأطفال. وهي على قناعة أن شيئا كهذا يمكن أن يؤثر على رابطتها بابنتها.

لكن المشكلة لدى رنا هي أنها مضطرة لتحمل تبعات قرارها هذا شبه منفردة. صحيح أن عائلتها وعائلة زوجها يدعمانها، فقد احتضن أهلها طفلتها إلى عمر السنة ونصف قبل أن تسجلها في حضانة، كما أن الكثير من وجبات الطعام توفرها عائلتها أو عائلة زوجها. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن هناك الكثير جدًا من المهام المطلوب إنجازها يوميًا، في حين أن زوجها لا يساعد في أعمال المنزل «يعني ممكن مرة كل شهر ينشر الغسيل. ممكن أحيانًا في نهاية الأسبوع يجهز الفطور، وممكن مرة في الأسبوع بدل ما أصحى بدري كثير للبنت بيعطيني ربع ساعة زيادة نوم». إنها تتحمل أيضًا رعاية الطفلة بالكامل. تقول إنه ساعدها في الفترة التي كانت ابنتها فيها رضيعة، وكان الجو باردًا فكانت تبقى لديه. لكن هذا كما تقول عندما كانت ابنتها تمضي معظم الوقت نائمة ولا تحتاج إلا الحليب «يعني ما كان في مراكضة وراها». أما الآن، فإنه يقبل أن تبقى عنده عندما تكون نائمة.

وفي مرتين في الشهر، تخرج رنا مع صديقاتها، لكنها قبل ذلك تحرص على أن تجهز كل ما تحتاجه الطفلة وتضعه في متناول يده، فتجهز مثلًا زجاجة الحليب وفيها الماء، وتجهز إلى جانبها الحليب «عشان ما يضطر يروح المطبخ. بس يحطّ الحليب على المي».

تقول رنا: «أنا تعبانة (…) ولما بشكي بينحكى لي هذا قرارك وبدّك تتحمليه». ورغم أنها تقدم العذر لزوجها لأنه مرتبط بسبب طبيعة عمله بشركات في الخارج، يضطر إلى التواصل معها رغم فارق التوقيت، وهذا صعب بالنسبة إليه. لكنها تعود فتقرّ، أنها تعرف أن بإمكانه مساعدتها ولا يفعل. لكنها تقول إنها تمنع نفسها من التفكير في ذلك «ليش أجيب أفكار سلبية لعقلي وأتضايق؟». تقول إنها تقارن بينه والأزواج الآخرين الذين تراهم، وتشعر بالامتنان لأنه على الأقل ليس متطلبًا، فلا يدقق كثيرًا في ما يتعلق بالطبخ أو نظافة البيت، ثم إنه «واحد كويس. يعني مش واحد طالع طول الليل سهران. هو برضه في البيت».

حتى في الحالات التي تحظى فيها الأم العاملة بوجود عاملة في المنزل، فإن العبء، كما تقول نسرين* (33 سنة) يخفّ، لكن لا ينفي ذلك أنه يظل مع ذلك أثقل مما تستطيع الأم في حالات كثيرة احتماله. نسرين أم لطفلين (سنتان وخمس سنوات)، تعمل من الساعة الثامنة إلى الثالثة والنصف. بدأت الاستعانة بعاملة منزل مقيمة بعد فترة من ولادة ابنها الأول. صحيح أن الأمور صارت أسهل، لكن مع طفلين في هذا العمر، ومنزل، وعمل خارجه، والتزامات اجتماعية، فإن هناك الكثير جدًا من المهمات المطلوب إنجازها، ويشمل ذلك حتى الأعمال المنزلية التي ما زالت تجد نفسها مضطرة للمساهمة فيها لأنه لا يمكنها تحميل العاملة كل العبء.

تقول نسرين إن زوجها يعتمد عليها في كل التفاصيل المتعلقة بالأطفال وتدبير المنزل والأطفال «هو بيقول قدام الكل مرتي زقُرْتِيّة بتدبّر حالها. طبعًا هو مريّح راسه لأنه بيعرف إني بعرف أعمل كل إشي أحسن منه. بدرّس الأولاد، وبعرف بالزبط شو أكلوا وشربوا. عمره ما راح على السوق واشترى ملابس للأولاد».

تعترف نسرين أنها من «عوّد» زوجها على ذلك «هيك أمي بتعامل أبوي وهيك تربيت». هي أيضًا مقتنعة أن جزءًا من المسألة يتعلق بطبيعة المرأة بشكل عام، التي تملك «حنيّة» أكثر من الرجل، لافتة إلى أن تحمّل الأمهات لنصيب أكبر من العبء هي مسألة عالمية، لكن المشكلة في المجتمعات الشرقية، في رأيها، أنها تتطرف في استغلال ذلك أكثر بكثير مما يجب.

المسألة كلها أدوار مكتسبة ثقافيًا، وانعكاس لأنماط التنشئة الاجتماعية التي يتشربها كل من الشاب والفتاة.

مثل رنا، نسرين ممتنة كثيرًا لزوجها لأنه لم يحوّل من نفسه عبئًا عليها، فهو، كما تقول، يرتب ملابسه بنفسه، «وما بغلّب بالأكل (…) وبيحترمني كثير وبيقول لي شكرًا». لكن يحدث كثيرًا، كما تقول، أن يصل الضغط مرحلة تصيبها بالتأزم. وواحد من المواقف الأخيرة التي عتبت فيها على زوجها هو في عيد الميلاد الماضي، عندما كانت مضغوطة كثيرًا في العمل وفي المنزل، وكان مطلوبًا منها في غمرة الضغط أن تنجز لفّ الهدايا لتضعها تحت الشجرة. تقول إن طفليها بدآ ما كانا يعتقدان أنه مساعدتها في اللف، لكن الحقيقة هي أنهما كان يخربان، ولم تفلح محاولتها منعهما من العبث بالورق والمقص واللاصق، لهذا كانت ردة فعلها إزاء «استفزاز» ابنتها الصغرى هي أنها حملتها بغضب ووضعتها في الممر حيث بدأ الصغيرة تبكي «عملت حالي مش سامعة وكملت شغل، بس بعدين ابني الثاني استفزني فحملته وحطيته في الممر هو كمان». تقول نسرين إنها بعدها انتبهت إلى أن طفليها كانا يحتضنان بعضيهما ويبكيان «حملت حالي وقعدت بجنبهم على الأرض وصرت أبكي معهم». تقول إنها وقتها عتبت فعلًا على زوجها، لأنه لو كان موجودًا فإن موقف تغليف هدايا الميلاد كان ربما سينتهي نهاية أخرى، إذ كان يمكن أن يتحول الموقف كله إلى تسلية للأطفال «اللي أصلًا ما بقعد معهم قدّي».

ولاء، ورنا، ونسرين هنّ أمثلة على قطاع كبير من الأمهات العاملات، اللواتي اخترن العمل خارج المنزل، أو دفعهن المجتمع، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، ونمو الاستهلاك وتغير أنماطه، إلى العمل خارج المنزل، لكنه لم يغيّر بالتوازي نظرته التي تعدّ رعاية الأطفال وتدبير المنزل مسؤوليتهن الحصرية، وفي الوقت الذي تتقاسم فيه هؤلاء الأمهات العاملات مع أزواجهن مسؤولية الإنفاق، فإن ما يطلبه المجتمع  من هؤلاء الأزواج هو في أحسن الأحوال أن «يساعدوا».

واللافت، كما تقول ريم* (28 سنة) وهي أيضا أم عاملة، أن هذا النمط من التفكير ما زال مستحكمًا حتى لدى الكثير من الأجيال الجديدة من الأزواج. ريم هي أم لطفل عمره سنتان ونصف. تعمل في شركة اتصالات، وتنهي دوامها الساعة السادسة. تقول إن زوجها لا يساعدها خلال أيام الأسبوع لأن دوامه ينتهي متأخرًا، وعندما يصل المنزل يكون الطفل قد نام، وجميع أعمال المنزل أنجزت، لكنه، وفقها، يتقاسم معها في الإجازات العبء مناصفة. وهذا بالنسبة لها وضع مرضٍ تمامًا، فهي ترى من حولها لا يفعلون حتى هذا: «قليل جدًا لما أشوف أزواج متفهمين وبساعدوا. وأنا بحكي عن أشخاص صغار في السن من أصحابنا، الواحد بتخيل إن عقليتهم مختلفة، بس كثير بتسمعي واحد بيحكي لزوجته: هاي أمي كانت تنظف من غير ما أبوي يساعدها».

هذا، كما يقول أستاذ علم اجتماع التنمية المشارك في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين «تقسيم غير عادل للأدوار»، يستخدم المجتمع لتعزيزه، فكرة مفادها أن المرأة وليس الرجل هي المهيأة بطبيعتها لتحمل مسؤولية الأطفال والمنزل في حين أن المسألة كلها، كما يؤكد محادين «أدوار مكتسبة ثقافيًا، وانعكاس لأنماط التنشئة الاجتماعية التي يتشربها كل من الشاب والفتاة».

وهو أمر تؤكد عليه الأخصائية في مجال الدعم النفسي الاجتماعي، ريم أبو كشك، التي تقول إن «المسألة تتعلق بالكيفية التي يبني بها المجتمع أفراده»، فباستثناء الفروق البيولوجية، فإن الآباء يمكنهم رعاية الأطفال بذات كفاءة النساء. وهناك الكثير من النماذج التي تؤكد ذلك. وتلفت أبو كشك إلى أن هذا التركيز المستمر، حتى عالميا، على ربط الحنان بالأمهات تحديدًا، يوحي بأن الآباء أقل حنانًا، ما يعني ليس فقط «السماح للرجل بأن يلعب دورًا ثانويًا في حياة أطفاله، بل في ألا يكون مثلًا جيدًا في حياة أطفاله».

كثير من الأمهات العاملات يعانين من الانعزال الاجتماعي، وهي مسألة تضر بالصحة النفسية لهن.

في كثير من الحالات،  يكون الثمن الذي تدفعه الأمهات العاملات لحمل هذا العبء المزدوج باهظًا، عندما يفقدن معظم المساحة لممارسة ذواتهن الخاصة، وعندما يضيق هامش حرية الحركة لديهن، ويتراجعن إلى أسفل قائمة أولوياتهن. أكثر ما تفتقده رنا هو حياتها الاجتماعية وصداقاتها. وتقول إن الأولويات مرتبة في حياتها وفق الآتي: ابنتها، زوجها، أهلها وأهل زوجها، ثم هي في آخر القائمة. وعندما تنجز كل التزاماتها تجاه الجميع فإنه، كما توضح، لا يكون لديها ما تقدمه لنفسها. ويشمل هذا تفاصيل صغيرة مثل اعتنائها بنفسها «قبل بليلة بحضّر ملابس بنتي، بس أنا آخر همي شو بدّي ألبس. بطّل في أنا». لكنها تقول إنها راضية «أنا بشوف تعبي مبيّن في بنتي (…) وهاي سنة الحياة».

وفق أبو كشك، فإنه عدا عن التوتر والضغط النفسي الناجم عن جمع الدورين، فإن كثيرًا من الأمهات العاملات يعانين من الانعزال الاجتماعي، وهي مسألة تضر بالصحة النفسية لهن. وتلفت أبو كشك إلى أن الأمهات المعاصرات يتعرضن إلى ضغوط أكبر بكثير من الضغوط التي كانت الأمهات في الماضي يتعرضن لها. ليس فقط بسبب الجميع بين دورين، بل أيضا بسبب متغيرات حديثة جعلت من تربية الأطفال عبئًا أكبر. الأطفال في الماضي كما تقول أبو كشك لم يكونوا عبئًا على أمهاتهم كما هو الحال في الوقت الحاضر، فلم يكن هناك حاجة لأن يبقى الأطفال ملازمين لأمهاتهم في البيوت لأنه كانوا يخرجون ليلعبوا في الشوارع والمساحات الخضراء المحيطة بالبيوت. في الوقت الحاضر، لم تعد الشوارع آمنة، واختفت معظم المساحات الخضراء. الأم، كما تقول أبو كشك، تكون في حالة قلق حتى عندما يكون أطفالها في البيت أمام عينيها بسبب تأثيرات الإنترنت. إنه عبء لا تستطيع الأم العاملة تحمله من دون مشاركة حقيقية من الأب.

المفارقة وفق محادين، هي أن النساء يلعبن دورًا في استمرار هذا الوضع من خلال تربيتهن لأطفالهن عندما يكرسن القيمة التقليدية التي تجعل من الأعمال المنزلية مسؤولية البنات لا الأولاد، ما يكرس «بنية العلاقات غير المتكافئة»، التي تنعكس في هذا التوزيع «المختل» للأدوار. أمر كهذا، يقول محادين، هو واحد من العوامل الأساسية التي تحبط النساء من الخروج للعمل، لأنها كما يقول، ستعاني من ثقل الأدوار، وتصل إلى مرحلة تتساءل معها «لماذا أعمل؟». وهذا وفقه، واحد من العوامل التي تحدّ من مشاركتها الاقتصادية في سوق العمل، التي هبطت وفق أرقام دائرة الإحصاءات العامة من 14.9% في العام 2009 إلى 13.3% العام 2015.

من هنا أوصت ورقة موقف عن «تكلفة تدني المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن»، صادرة عن منتدى الاستراتيجيات الأردني، لرفع مشاركة المرأة في سوق العمل ضرورة «توعية» الشباب الأردني بأن «الأعمال المنزلية كمسؤولية لا تقع على عاتق المرأة وحدها بل تتطلب مشاركة الرجل على حد سواء».

ولا يشكل العبء المزدوج أحد العوائق أمام انضمام بعض النساء إلى سوق العمل، إنه في الكثير من الحالات يشكل عائقًا كبيرًا أمام تقدمهن المهني في وظائفهن. تقارن ريم مثلًا بين أدائها قبل الإنجاب وبعده، فتقول إنها كانت تعمل بجد أكبر، إلى درجة أنها كانت تعود أحيانًا إلى المنزل من العمل الساعة التاسعة ليلا، وأحيانا تأخذ عملها معها إلى المنزل، لأنها كانت وقتها راغبة في أن تتقدم في وظيفتها، لكنها كما تقول الآن «مش حاطّة ببالي أكبر أكثر من هيك». تقول ريم إنه ليس لديها طموحات مهنية أكثر من أن تحافظ على استقرارها الوظيفي، الذي يؤمن لها راتبها آخر الشهر. وهي حريصة على أن تؤدي فقط ما يكفل لها ذلك «أنا قررت إنه شغلي بنتهي الساعة ستة ومش مستعدة أعمل شي بعدها. اتسلّم التقرير وإلا عمره ما اتسلّم».

يذكر أنه صدرت الموافقة خلال آذار الحالي على تشريع، يُعتقد أنه سيمكّن النساء من المواءمة بين مسؤولياتهن الأسرية، ومهنهن، هو نظام العمل المرن، الذي يحق للعامل بموجبه، ضمن شروط محددة، تخفيض ساعات العمل أو توزيعها خلال اليوم بما يتناسب مع احتياجات العامل والعمل. كما يحق للعامل توزيع ساعات العمل على عدد أيام يقل عن عدد أيام الأسبوع المعتادة، أو توزيع هذه الأيام على أشهر محددة في السنة. إضافة إلى إمكانية العمل عن بعد، من دون الحاجة إلى التواجد في مكان العمل. وهو أمر رأت جمعية معهد تضامن النساء أنه سيكون حافزًا لزيادة نسبة المشاركة الاقتصادية للنساء في سوق العمل.

لكن نسرين، التي تحتل موقعًا قياديًا في عملها، ترفض الدعوات المطالبة بخلق وضع خاص للنساء في المؤسسات التي يعملن فيها في ما يتعلق بساعات العمل. وتقول إن هذا، برأيها، لن يكون عمليًا في أي بيئة عمل، ويتناقض أساسًا مع المطالبة بالمساواة بين الجنسين. تقول إنها امرأة وتفهم تماما عبء الجمع بين وظيفتين داخل المنزل وخارجه، لكنها تجد نفسها، لضمان سير العمل، مضطرة لأن تقيّم أداء الموظفين بقطع النظر عن جنسهم.

يمثّل ما تقوله نسرين مفارقة كبيرة؛ فالمجتمع الذي يتجه أكثر فأكثر نحو الشراكة والمساواة بين الرجل والمرأة في الإنفاق على  الأسرة، لا يكتفي بأنه لا يطبق هذه المساواة عندما يتعلق الأمر برعاية الأطفال وأعمال المنزل، فيجعل من عمل النساء خارج المنزل دورًا جديدًا يُضاف إلى دورهن التقليدي داخله، بل هو أيضًا، يقرر أن يطبق على هؤلاء النساء مبدأ «المساواة» في بيئة العمل، فيطالبهن بالأداء ذاته الذي يطالب به الرجال، في مثال واضح على تغيّر اجتماعي مختلّ، تجد الأمهات العاملات أنفسهن ضحايا له.

* تم تغيير جميع الأسماء في هذا التقرير إلى أسماء مستعارة حفاظًا على خصوصية صاحباتها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية