ماذا يعني أن تُصبحي أرملة في الأردن؟

السبت 21 نيسان 2018

أثار موت نضال المُفاجئ صدمة نفسية لزوجته ميسّر التي فقدت شريك حياتها بعد زواج استمر أربعة عشر عامًا نتجَ عنه ستة أطفال لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد. «أنا كتير انصدمت عزوجي لما مات، أنا مش بعقلي، مرات بضل تعبانة من وراه، ما بروحش من بالي. يعني زوجي طلع وما رجع»، تقول ميسّر التي تتمسك بروح زوجها بكل ما لديها من قدرة حتى أنه أصبح هاجسًا يُرافقها بشكل يومي.  مع مرور الوقت اتضح لميسر أنها ليست الوحيدة التي تحاول استحضار زوجها من عالم الأموات، فالقانون يُشاطرها محاولاتها وإن كان ذلك لدوافع أخرى، فهو يأبى حتى للموت أن يُجرّد الرجل وكذلك المرأة من مكانتِهما الاجتماعية.

يُعتبر الأب في قانون الأحوال الشخصية الأردني1 الولي الشرعي للطفل القاصر، ثم يتبعه في حال غيابه «وصيه»، أي الشخص الذي يختاره قبل الوفاة، وقد يكون ذلك زوجته أو أي شخص آخر يعتقد أنه أهل بتحمل مسؤولية أطفاله. أمّا في حال وفاة الأب قبل اختيار وصيٍ، فتنتقل الولاية تلقائيًا إلى والده أي الجد، ومن ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي تختاره المحكمة. والولاية أو الوصاية تُعطي الصلاحية لحاملها أن يتولى إدارة شؤون القاصرين (دون سن الثامنة عشر) ابتداءً من إجراء مُعاملاتهم الحكومية وتسجيلهم في المدارس إلى فتح حسابات لهم في البنك. كما ويُلزم القانون أن تُنفق عائلة المتوفى على أبنائه القصّر. في المُقابل تُعتبر الأم في القانون نفسه «الحاضنة» للأطفال، أي أنها المسؤولة عن الاعتناء بهم وتربيتهم، ثم يتبعها في حال غيابها والدتها ومن ثم والدة الأب ثم الأب ثم للمحكمة أن تُقرّر.

بينما يفرض القانون على الرجل كما المرأة مسؤوليات مُحدّدة، إلا أن للأب ميزة على الأم إذ أنّه على الأقل يستطيع أن يُعيّن وصيًا إن أراد ذلك على عكس الأم التي تنتقل حضانتها تلقائيا إلى والدتها. هذا ويُدرِج القانون الرجل، وإن كان ذلك في مرتبة متأخرة، ضمن المُستحقين للحضانة على عكس الأم التي يجب عليها أن تنتظر إما الأب أو الجد أو المحكمة أن يُعينوها وصيةً على أبنائها. كما وتفقد الأم حضانة أبنائها في حال تزوجت مرة ثانية، على عكس الرجل الذي لا يفقد الولاية بعد زواجه الثاني.

يتوقع هذا التشريع من المرأة أن تكون الشخص الأمثل لرعاية الأطفال حتى وإن كانت صلة قرابتها بهم أبعد من قرابتهم بالأب. واعتمادًا على نفس المنطق يتوقّع كذلك من الأب أن يكون هو الشخص الأنسب لإدارة أموال الأطفال وشؤونهم خارج المنزل. في الكثير من الأحيان يؤدي تحديد المسؤوليات وفق الأدوار الجندرية بهذا الشكل إلى إقصاء الأرامل، إناثًا وذكورًا، من تفاصيل حياة أطفالهم، وهو ما يأتي بتداعيات سلبية على حياة الأهل وكذلك الأطفال. هذا ما تؤكدّه ميسّر على الأقل.

عندما يُصبح الجد الآمر والناهي

لم تسنح الفرصة لنضال أن يُعيّن وصيًا له قبل وفاته، وبالتالي انتقلت ولايته على أطفاله الستة تلقائيًّا إلى والده الذي أصبح موكلا بجميع شؤونهم. ورفض الجد منح الوصاية لميسّر، رغم أنها طلبتها منه.

ولأنها لا تملك حُجّة وصاية فإنه غير قادرة على أن تجري المعاملات الحكومية لأولادها مثل إصدار جوازات السفر، كما ولا يستطيع أيٌ من أبنائها السفر إلّا بإذن من الجد. «هديك المرة رحنا انطلع هوية ما رضيوش إلا بأمر سيدي»، يقول أنس، ابن ميسر ذو الستة عشر عامًا، «رحنا بدنا نطلع عُمرة، إلا بأمر سيدي، يعني كل شي بأمر سيدي. (..) يعني الواحد ما بقدرش يطلع شغلة الا بأمر سيده».

أما على الصعيد الطبي، فأصبح بإمكان الأم أن توافق على إجراء عمليات جراحية لأطفالها بعد تعديلات قانون العقوبات الأخيرة2، علمًا أن القانون القديم كان يبقي هذا الحق حصريًا للأب ثم الجد للأب ثم العمّ مما عرّض حياة بعض الأطفال للخطر في الحالات التي كان يرفض فيها الأب أو الولي إجراء العملية.

التّبعات المالية

رغم الصعوبات اللوجستية التي تُعرقل حياة ميسر وأطفالها، إلّا أن هذا ليس أكثر ما يُزعجها في امتناع الجد عن تعيينها وصية. «أنا شو اللي دابحني؟ وين ما بروح، على أي جمعية، ما بقدر أسجل فيها من ورا عمي [حماي]. بدهم الوصاية». نظرًا لسوء وضعها المادي، تُحاول ميسر الحصول على دعم من الجمعيات، إلّا أن الكثير منها، بحسب قولها، يشترطون حضور الولي أو الوصي لصرف التبرعات. ولأن الجد وفقًا لميسر يرفض أن يزور الجمعيات لأنه ببساطة «مش فاضي» أو لأنه لا يرى الجدوى في ذلك، لا تستطيع العائلة الاستفادة من مردودٍ ماديٍ كان من الممكن أن يساندها في حال كانت الأم هي الوصي.

لا يتطرق قانون الجمعيات إلى آلية صرف التبرعات أو ضبطها ما يعني أن الآلية تعتمد وبحسب الناطق الرسمي لوزارة التنمية الاجتماعية فواز الرطروط على النظام الداخلي الذي تُحدده الجهة الخيرية وفقًا لما تراه مناسبًا. ولذلك نجد تفاوتًا في آليات الصرف في الهيئات المُختلفة، فبينما يسلّم صندوق المعونة الوطنية على سبيل المثال التبرعات للأمهات لأنّ «الأم أقرب إلى أبنائها» بحسب ناجح صوالحة الناطق الرسمي باسم الصندوق، يشترط برنامج كفالة اليتيم التابع لصندوق الزكاة صرف المبلغ إلى الولي أو الوصي فقط.

على غرار ذلك تطلبُ مؤسسة الضمان الاجتماعي حجة الوصاية من الأم في حال أرادت استلام حصة الأبناء القاصرين من الراتب التقاعدي، وذلك التزامًا بما يُقرّه القضاء الشرعي بحسب موسى صبيحي الناطق الرسمي للمؤسسة. تبلغ حصة القاصرين من راتب نضال التقاعدي 180 دينار تُحوّل شهريًا إلى الجد بصفته الولي الشرعي للأطفال. في البداية لم يُسلّم الجد المبلغ لعائلة نضال ومن ثم أصبح يُرسل لهم المبلغَ أو مستلزمات غذائية مثل الدجاج أو اللحم أو السكر وقتما أراد. «هو مش دايمًا بودي المصاري، بنشف دمي حتي يوديلي الراتب. (…) هسا أمرات بعطينا الراتب ، أمرات بكمل الشهر وببدأ التاني، أمرات ببقى معوش»، تقول ميسّر.

تستطيع ميّسر في هذه الحالة أن تتجّه للقضاء لترفع دعوة مُحاسبة ولي، ولكنّها تخاف أن تخلق القضية مشاكل أكبر بين العائلتين. بحسب القانون، من الممكن سحب الولاية من الجد في حال استطاع المُدعي أن يُثبت تسيّبه أو عدم أهليته، عدا عن ذلك لا تُعتبر الأسباب كافية بحسب المحامية الشرعية سميرة زيتون. كما ويُمكن للمرأة أن تقدم طلبًا من المحكمة لاستحقاق وصاية مؤقتة تُمكّنها من إجراء غرض مُعين مثل استخراج جوازات السفر لأبنائها، ولكن بحسب زيتون حتى هذه الوصاية لا تُعطى إلا تحت ظروف قاهرة وبعد التحقق من الأسباب.

أمّا حصة الأبناء القصّر من تركة والدهم المتوفى فتذهب تلقائيًا إلى مؤسسة تنمية أموال الأيتام المعنية باستثمار مستحقات الأبناء إلى أن يبلغوا سن الرشد. يُمكن تحصيل هذه الأموال للإنفاق على الصغار قبل بلوغهم سن الرشد في حال إصدار حجة نفقة قاصر في ماله، ولكن الولي أو الوصي هو المخوّل الوحيد لفعل ذلك.

ماذا إن عيّن الجد الأم وصيةً على الأبناء؟

في حال لم يُمانع الجد تعيين الأم وصيةً على أبنائها، تُصبح قادرة على إدارة شؤونهم والتصرف في أموالهم. ولكن يبقى الجد مُحتفظًا بحق أساسي وهو تزويج بنات المُتوفى. «لما تكبر بنتي اللي عمرها هلأ أربع سنين، أنا ما بقدر أزوجها، يعني ما بقدر أحكي إنه أنا موافقة عزواجها»، تقول عبير* التي فقدت زوجها ولم يُمانع والده من تعيينها وصيةً على طفليها.

رغم أنّها تعتبر نفسها محظوظة لتنازل عائلة زوجها لها عن الوصاية، إلّا أن عبير لا تزال تشعر بالقهر تجاه القانون المصمّم، عن طريق تعسير المعاملات اليومية، على تذكيرها بترمّلها، وكأن المحنة العاطفية والنفسية ليست بكافية. «فجأة بتحسي حالك إنه بوفاة الزوج المجتمع والقانون بتعاملوا مع المرأة على إنها قاصر»، توضح عبير: «فجأة بتحسي حالك بمجرد إنّه إنتِ صرتي أرملة أو راح الرجل من حياتك كإنك اتعريتي».

يُمكنكم الاستماع إلى قصص ميسر وعبير في هذه الحلقة من إنتاج صوت.

  • الهوامش

    1- المادة 223 من قانون الأحوال الشخصية رقم 36 لسنة 2010.

    2- المادة 62 من قانون العقوبات وتعديلاته رقم 16 لسنة 1960.

    * اسم مستعار.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية