تصميم حسام دعنة
بعد أن قضى محمد العليمي محكوميته التي امتدت عشرين عامًا بعد إدانته بجريمة قتل، اصطدم عند إطلاق سراحه بتوقيف آخر امتد لعام ونصف بقرار من مساعد محافظ إربد، بسبب عدم عقد صلح عشائري بين عشيرته وعشيرة المجني عليه طوال عقدي محكوميته.
مساعد المحافظ أبلغ عائلة العليمي حينها أن عقد الصلح العشائري فقط هو ما سينهي القضية، حتى وإن كان المحكوم قد أنهى كامل محكوميته التي حكم بها القضاء بدرجاته الثلاثة (الجنايات الكبرى والاستئناف والتمييز)، بحسب ما يروي هو وشقيقه لحبر.
برر مساعد المحافظ قراره للعائلة بأنه يخشى من الثأر، بحسب العليمي، وهو ما دفعه إلى الخوض في مفاوضات امتدت لعام ونصف مع الطرفين للوصول إلى صلح عشائري كان يتطلب دفع دية لم تتمكن عائلة العليمي من دفعها.
لا يقتصر التناقض بين القانون النظامي والعرف العشائري على هذه القضية، بل يمتد منذ عقود إلى قضايا عديدة ما زالت الدولة تشرف فيها على تطبيق العرف وإن تناقض مع القانون أو الدستور، أو تسعى فيها إلى قوننة جزء من هذه الأعراف، كما حدث مؤخرًا بإعلان ديوان التشريع والرأي تضمين بعض الأعراف العشائرية في مسودة قانون منع الجرائم.
المنادون بالالتزام بالعرف العشائري يبررون ذلك بثلاثة أسباب: أولًا ما تملكه الأعراف العشائرية من قبول يمكّنها من سرعة التصرف وتدارك الأزمة لحظة وقوع الجريمة، ثم فرض العقاب العشائري المناسب والمقنع لعشيرة المجني عليه، وثالثًا انتهاء القضية نهائيًا دون أي نوازع للثأر بعد عقد الصلح العشائري، حسبما وضّح شيوخ عشائر تحدثت معهم حبر.
من وجهة نظر أخرى، يتساءل حقوقيون وقانونيون عن هيبة الدولة ودورها بفرض القانون على الجميع، وواجبها في حماية حقوق الأفراد وسلامتهم بما فيهم عائلة المتهم بالقتل.
جريمة وأكثر من عقاب
يوضح محمد العليمي وشقيقه محاولاتهما الحصول على صلح عشائري ينهي القصة. «قبل 20 سنة طلبنا صلح من عشيرة المجني عليه، ورفضوا إلا بديّة 70 ألف وما كان معنا. وقتها حكوا لنا خلي القانون يوخذ مجراه، وهي القانون أخذ مجراه»، يقول شقيق محمد.
بعد عشر سنوات من السجن، حصل محمد على عفو خاص من الملك، ولكن تنفيذ هذا العفو كان مشروطًا بإسقاط عائلة المجني عليه للحق الشخصي، وهو ما لم يتم لعدم وجود صلح عشائري، كما يروي محمد.
قضى محمد المحكومية كاملة، وأعيد للسجن بقرار إداري بموجب ما يمنحه قانون منع الجرائم من صلاحيات للحكام الإداريين، لتبدأ مرحلة المفاوضات مع عشيرة المجني عليه التي رفعت مبلغ الدية بعد 20 عامًا، ثم بدأت في تخفيضه حتى وصل 25 ألف دينار، وهو ما لم يكن باستطاعة محمد دفعه أيضًا، فطلب من عائلته وقف المفاوضات مع عائلة المجني عليه، والبحث عن سبل قانونية لإطلاق سراحه.
«ليش بدي أصلح؟ شو بده يفيدني الصلح بعد 20 سنة سجن؟»، يقول محمد.
لاحقًا توجهت العائلة لمؤسسات حقوقية وقانونية عدة، على رأسها المركز الوطني لحقوق الإنسان ومركز العدل للمساعدة القانونية، وعلى إثر تدخلهما أُطلق سراح محمد قبل نحو ثلاثة أشهر، مع توقيعه تعهدًا بقيمة 30 ألف دينار بعدم دخول مدينة إربد، على اعتبار بأن عائلة المجني عليه لا تزال تقيم هناك.
الرسم التوضيحي أدناه يوضح الإجراءات المعتمدة عند وقوع جريمة قتل، حسب العرف العشائري المعمول به.
- الوجه العشائري
- العد
- كفيل الدفا
- كفيل الوفا
- تقطيع الوجه
- عطوة فورة الدم
- العطوة الأمنية
- عطوة القص والخص
- عطوة الحق
- عطوة الإقبال
شخص من عشيرة ذات شأن ويشهد طرفا القضية لها بإصلاح ذات البين.
عملية حصر للعائلات المجلية (المبعدة) بحيث يتم التأكد من تحقق شروط القرابة بالدرجة المتفق عليها للجلوة، وعادة ما تتضمن تخفيضًا لتلك الدرجة من الجد الخامس للثالث مثلًا، حسب نوع الجريمة.
هو وجه عشائري حضر الاعتراف ووقع على صكه وتعهد أمام العشيرتين بحماية أقارب المتهم من أي اعتداء ينفذه أقارب المجني عليه طالما بقوا خارج مناطق الإجلاء.
هو وجه عشائري حضر الاعتراف ووقع على صكه وتعهد أمام العشيرتين بسداد ذوي المتهم لما يترتب عليهم من تكاليف مادية تجاه ذوي المجني عليه.
خرق أقارب المجني عليه لتعهدهم بعدم التعرض لأقارب المتهم المجليين، أو خرق أقارب المتهم لتعهدهم بسداد ما يترتب عليهم تكاليف مادية، ويتحمل مقطّع الوجه وكفيله تأمين حقوق ومستحقات الطرف الآخر وكفيلهم، مع ضياع حق مقطّع الوجه إذا كان طالبًا ومضاعفة عقوبته إذا كان مطلوبًا.
تعهد تطلبه عشيرة المتهم من عشيرة المجني عليه توافق الأخيرة معه بعدم التعرض للمتهم أو عشيرته أو ممتلكاتهم لمدة ثلاثة أيام وثلث.
تعهد تقدمه عشيرة المتهم لجهات أمنية تمثل الدولة توافق معه عشيرة المجني عليه على عدم التعرض للمتهم أو عشيرته أو ممتلكاتهم لمدة ثلاثة أيام وثلث.
تعهد تقدمه عشيرة المجني عليه للجهات الرسمية على التحقيق لإمهالها حتى تحديد المتهم.
حينما يكون هناك مشتبه به في الجناية دون اتهام، تقدم عشيرة المشتبه به تعهدًا عشيرة المجني عليه للبحث عن المتهم وتستمر حتى وصول إلى ذلك.
هي عطوة تمهيدية لإبرام الصلح بين الطرفين تبدي فيها عشيرة المجني عليه موافقتها المبدئية على الصلح وتفاصيل إتمامه.
قوننة الأعراف العشائرية
عمل الأردن وفق ثلاثة قوانين عشائرية أهمها قانون محاكم العشائر لسنة 1936 حتى عام 1976، عندما ألغيت هذه القوانين رسميًا بموجب قانون إلغاء القوانين العشائرية رقم 34 لسنة 1976. إلا أن العمل بموجبها بقي ساريًا عرفًا دون سند، إلى أن وقع الملك حسين وثيقة عام 1987 غير ملزمة قانونيًا لكنها تأخذ العرف العشائري بعين الاعتبار.
تلا ذلك عدة تعهدات ووثائق بين عشائر المملكة، سعت لحصر الجلوة العشائرية والإجراءات المتبعة بموجب الأعراف منعًا للتعسف فيها. وأعلن ديوان التشريع والرأي مؤخرًا عن توجه لقوننة بعض الأعراف العشائرية في مسودة تعديل قانون منع الجرائم، حيث أخذ بعين الاعتبار هذه الأعراف في قضايا «القتل والعرض وتقطيع الوجه» وحوّلها إلى بنود قانونية.
من الأعراف التي تضمنتها مسودّة التعديل المقترح الجلوة، أي ترحيل ذوي الجاني عن منطقة سكن ذوي المجني عليه، إذ نصت المادة 16 من مسودّة القانون على أن «لا تشمل الجلوة إلا الجاني وأبنائه ووالده فقط، وأن لا تزيد مدتها على سنة قابلة للتجديد بموافقة الحاكم الإداري».
يرفض نقيب المحامين السابق صالح العرموطي «شرعنة» الجلوة «المخالفة لأحكام الدستور الذي يكفل حق الأفراد في الإقامة والتنقل»، ويرفض قانون منع الجرائم بشكل عام كونه يتعدّى على السلطات القضائية والدستور.
ينطلق العرموطي في رفضه لقوننة بعض الأعراف العشائرية من القاعدة القانونية «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ»، متسائلًا عن الجريمة التي ارتكبها إخوة وأب القاتل كي تتم معاقبتهم بالجلوة العشائرية.
لكن رئيس ديوان التشريع والرأي، نوفان العجارمة، يفضل الانطلاق من الجانب العملي للموضوع. «واقعيًا هناك جلوة مطبقة ولا يمكن إنكار ذلك، ويشرف عليها المحافظون، وهي أمر مطبق أمام الدولة وليس من السهل إلغاؤه. ما نعمل عليه على الأقل حاليًا تخفيف الضرر تمهيدًا لإلغاء القانون لاحقًا». ويضيف أن مسودة قانون منع الجرائم التي تقونن بعض الأعراف المعمول بها عشائريًا هي أهون الضررين.
حديث العجارمة ينسجم مع دعوة القاضي العشائري ماجد الفرجات إلى قوننة الجلوة «كي تنضم جميع العشائر الأردنية لقانون واحد يلزمها على الجلوة بناء على دفتر العائلة فقط، ما يمنع تحكم بعض العشائر بمطالب معينة أو فرضها شروط قاسية».
يستغرب العرموطي تبريرات العجارمة. «الأمر الواقع لا يجوز أن يفرض على الدولة قانونًا يخالف الدستور»، بحسب قوله. «الأردن دولة مؤسسات وقانون ولا يجوز لها البحث عن حلول وسطية، بل دورها يكمن بفرض هيبتها بالقانون وعدم الانصياع لظروف معينة».
القوننة كانت كذلك مطلب بعض شيوخ العشائر والحكّام الإداريين، فمحافظ الكرك عبد الله آل خطاب يرى أن تنظيم الأعراف العشائرية في القانون يقلل من المشاكل الناتجة عن الجلوة التي يجد أنها أصبحت أحد أشكال «الهجرة القسرية»، إلى جانب بعض المضار المالية والحياتية التي تصيب الأفراد.
ويطالب المحافظ آل خطاب بعدم الانجرار وراء التهويل المثار حول مضار القانون العشائري على حد تعبيره، موضحًا أنه يعمل في معظم الأحيان على ضبط الأزمات وردود الفعل، ويعوّل على «العشائر ذات النوايا الجيدة» في عدم تعقيد الأمور.
لكن دعوات القوننة التي ينادي بها العديد من شيوخ العشائر ليست بالضرورة مقبولة عند التطبيق. يتفق أحمد عويدي العبادي، الخبير والكاتب في قضايا القانون العشائري والحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية من جامعة كامبردج، مع التعديلات لكنه يعتقد باستحالة تطبيقها خلال السنوات العشرين القادمة على الأقل، على حد تعبيره. «نحن [عشيرة] العبادي مع التعديل التدريجي وليس دفعة واحدة، لأن التعديل دفعة واحدة بمثابة تغيير شامل وهو أمر مستحيل، بس إن صارت جريمة قتل والضحية منّا، رح نجلي للجد الخامس لأنه هيبة العبادي معروفة، وهيبة القبيلة أهم من قانون الدولة ومن التشريعات الوضعية».
جلوات برعاية رسمية
من بين 300 قضية عشائرية كانت منظورة في نهاية عام 2015 وبداية عام 2016، حازت قضية عشائر المطارنة والصرايرة شهر شباط الماضي على اهتمام إعلامي كبير، نظرًا للشروط التي طلبتها الصرايرة، والتي وصفها لاحقًا «كفيل الدفا» لعشيرة المطارنة أحمد جابر بأنها قاسية وصعبة.
بدأت القصة بجريمة قتل الشاب تركي الصرايرة في الكرك، واتهم فيها هشام المطارنة، وألقي القبض عليه وبدأت محاكمته في القضية أمام محكمة الجنايات الكبرى.
لكن عشائريًا، لم يعتبر ذلك كافيًا كمؤشر على سير العدالة في مجراها. ثار الشغب على خلفية إعلان اسم المتهم بالقتل واندلعت أعمال عنف في بلدة مؤتة. حاول الوجهاء العشائريون تطويقها سريعًا عبر عطوة فورة الدم، وخرجت بموجبها عائلة المتهم من الكرك. بعد ثلاثة أيام، عقدت جاهة الاعتراف، والتي تضمنت شروطها إجلاء العشيرة للجد الخامس إلى محافظة الطفيلة، وإعدام «الجاني» الذي لا يزال متهمًا بنظر القانون، وعدم توكيل محام له أو تقديم أي بينة دفاعية عنه.
جلى أفراد عائلة المتهم إلى الطفيلة، وتضاربت تقديرات أعداد المجليين، ففي الوقت الذي يؤكّد به «كفيل الدفا» للمطارنة أحمد جابر أن أبناء عمومة المتهم للجد الخامس نفذوا القرار، لدرجة انتقال الأقارب القاطنين في العقبة البعيدة عن مكان الجريمة إلى الطفيلة، يقول «كفيل الوفا» مد الله الطراونة إن الصرايرة تغاضوا عن عدم تنفيذ الجلوة بحذافيرها فيما يخص الجد الخامس، ممتدحًا في حديثه لحبر مرونتهم وسعة صدرهم.
سواء شملت الجلوة جميع أبناء العمومة للجد الخامس أو بعضًا منهم، يقول أفراد مقربون من المطارنة إن الجلوة قد تحولت لإقامة جبرية في الطفيلة، وليست ابتعادًا عن مكان الجريمة لتفادي استفزاز عائلة المجني عليه. كما أنها فرضت ظروفًا صعبة على المجليين نظرًا لقلة المنازل وارتفاع الإيجارات وتعطل المصالح والوظائف. يقول أحمد جابر أن والد المتهم المريض بالسرطان مُنع من مغادرة الطفيلة إلى عمان لتلقي العلاج اللازم، بينما شدد مد الله الطراونة على ضرورة التزام عشائر المطارنة بالإقامة في الطفيلة حفاظًا على سلامتهم.
«المطارنة اختاروا مكان جلوتهم إلى الطفيلة، ويمنع مغادرتهم إلا للضرورة القصوى وتحت شروط محددة يتفق عليها الطرفين»، يقول الطراونة، كفيل الوفا لعشيرة الصرايرة، مضيفًا أن مهمته تتمثل في ضمان عدم أخذ الصرايرة للثأر، «لكن في حال مغادرة الطرف الآخر للطفيلة يصبح خارج العطوة ويحق للطرف الثاني القتل على الدم، أي الجاني وأفراد أسرته وليس الجدّ الخامس».
اقرأ/ي أيضا:
يبرر الطراونة شروط الإقامة بالطفيلة بأن من غير المقبول أن يتنقل أبناء المطارنة على هواهم أمام عشيرة المقتول، لكن يمكن الاتفاق على استثناء المريض بأن يُنقل مع مرافق إلى مكان إقامة محدد.
بعد شهر ونصف على الجلوة، وافقت عشيرة الصرايرة على العدّ، أي عد أفراد العائلة من خارج دفتر العائلة لإعادتهم لمنازلهم، وبقي والد المتهم وإخوته في الطفيلة، إلى أن يُعقد الصلح بين العشيرتين.
«ضعف» أمني أم سياسة احتواء؟
في صباح يوم إلقاء القبض على هشام المطارنة، المتهم بقتل تركي الصرايرة، كانت التعزيزات الأمنية قد وصلت للكرك، لمنع ردود الفعل على الجريمة. وأشرفت الأجهزة الأمنية على تنفيذ الجلوة وخروج المطارنة، لكن ذلك لم يمنع حدوث أعمال عنف أبرزها إطلاق نار على منزل عائلة المتهم أمام سيارتين تابعتين للدرك تقفان على باب المنزل، بحسب ما يظهر فيديو صورّه شهود عيان.
يعلّق مصدر خاص في الداخلية على أن الدولة لا تقف مكتوفة الأيدي، بل تعمل على ضبط الأمن وحقن الدماء عبر أخذ العطوات الأمنية وتنظيم الجلوات لاحتواء الأزمة، مؤكدًا أنها تتخذ الإجراء الأمني الذي تجده مناسبًا في حينها، وتتعامل مع أي محاولات من قبل البعض لتجاوز القانون.
لم يتوقف تمثيل الدولة الرسمي في الجلوة عند هذا الحدّ، فجاهة المطارنة للصرايرة قادها نائب رئيس الوزراء وزير التربية والتعليم محمد ذنيبات ، تحدث فيها باسم المطارنة ووافق عنهم على مطالب الصرايرة. تمثلت تلك المطالب في إصدار حكم الإعدام على المتهم ومصادقة الملك عليه وتنفيذه، والإسراع بعملية التقاضي، وعدم توكيل محامي من قبل أهل المتهم للدفاع عنه، وعدم تقديم أي وثيقة للقضاء تساعد في التخفيف للحكم، وتنفيذ الجلوة لعشيرة المتهم والعد للجد الخامس بعد شهر من العطوة، و«هدر دم» أي شخص من خمسة المتهم يمر في مؤتة.
يرى كفيل الدفا أحمد جابر أن ما يحصل هو تجسيد لـ«ضعف» الحكام الإداريين، الناتج عن عدم تمكين الدولة لهم وتعزيز دورهم، إضافة إلى التساهل في فرض الأمن.
في المقابل، يقول المحافظ آل خطاب أنه يتم الدور المناط به، معتبرًا أنه ملزم بحفظ الأمن وتطبيق القانون «سواء القانون النظامي أو العشائري»، وبحفظ سيادة الدولة في أي قضية تحصل بشكل متكامل مع باقي المؤسسات. ويوضّح أن بعض القضايا لا بد من أخذ العطوة العشائرية فيها للسماح بفترة هدنة يتم خلالها ترتيب الأمور ومن ثم تطبيق القانون النظامي.
في الوقت ذاته، يدافع آل خطاب عن مشاركة شخصيات حكومية، كنائب رئيس الوزراء، في جلوة المطارنة مثلًا، كونه جاء بصفته العشائرية وليس كوزير، «فموظفو الدولة هم رموز عشائرية أيضًا، ويسعون لإصلاح ذات البين»، موضحًا أنه شخصيًا لم يحضر جاهة الجلوة كونه ممثلًا عن الدولة وعليه الوقوف بشكل حيادي بين الطرفين.
تدخّل في عمل القضاء
اطّلعت حبر على خمس قضايا قتل ارتكبت على خلفية خرق لجلوات. في جميعها، لم ينظر القضاء لخرق الجلوة والأعراف العشائرية كعذر مخفف لجريمة القتل، وتم السير بالمحاكمات بناء على البينات المنظورة والتهم الموجهة فقط، وما يوازيها من عقوبات، ما يعني عدم أخذ النظام القضائي بالأحكام المبنية على أساس العرف العشائري، حسبما يقول المحامي صلاح جبر.
يوضح جبر أن القضاء ينظر للقضايا المحالة له بموجب القوانين والأنظمة المعمول بها فقط، دون الأخذ بالأحكام الصادرة عشائريًا بحق أطراف القضية. «في القضايا التي اطلعت عليها خلال عملي، لم يأخذ القضاء بالصلح العشائري أو عطوات الاعتراف، ذلك أنه يسير في القضية بموجب القوانين الرسمية، فالصلح العشائري لا يعني إسقاط حق شخصي مثلًا، لأن إسقاط الحق الشخصي موضح بالقانون ويجب أن يتم بموجبه».
لكن ذلك لا ينفي تدخل العشائر في نوعية البيّنات المقدمة للمحكمة، فعشيرة الصرايرة مثلًا تطالب بعدم تقديم بينات دفاعية عن هشام المطارنة، وترفض توكيل محام له على الرغم من حقه القانوني في ذلك والذي يكفله قانون أصول المحاكمات الجزائية.
في ذات السياق، عندما قتلت شرطية من عشيرة العزّام دهسًا قبل أشهر ، اشترطت عشيرتها على المشتبه به المقبوض عليه الاعتراف خلال مهلة 24 ساعة أمام الشرطة، وهددت بحدوث «ما لا يحمد عقباه» إذا لم يتم ذلك.
يرى جبر أن ما أعلنته عشيرة العزّام في ذلك الوقت يشكّل تهديدًا معنويًا وماديًا، وتدخلًا في عمل القضاء وانتهاكًا لحرمة محاكمه، إلى جانب ما قد يحدثه من تأثير على سير العدالة خلافًا لأحكام قوانين العقوبات.
بعد يومين من بيان عشيرة العزام، أصدرت عشيرة المتهم بيانًا تعترف به نيابة عن ابنها الذي لم يكن قد اعترف بقيامه دهس الشرطية حتى ذلك الحين، وتستعد من خلاله بتحمل كافة التبعات. لاحقًا توجهت جاهة من عشيرة المتهم لعشيرة العزام لأخذ عطوة الاعتراف، ترأسها وزراء ونواب وأعيان، تعهدت فيها عشيرة المتهم بعدم تكفيله وتلبية أي مطالب أخرى.
تعدٍّ على الحقوق الدستورية؟
يعتقد القاضي العشائري ماجد الفرجات أن الدولة متعاونة في تنفيذ الأعراف العشائرية لمنع توسع الجريمة. «يعني لو ما صارت الجلوة بكثير قضايا رح يصير دم وتكبر المشاكل».
في مسودة تعديل قانون منع الجرائم، تمنح الدولة موافقتها على الجلوة مفتوحة السقف، إذ تنص المادّة 16 منه على أن الجلوة «لا تزيد مدتها على سنة قابلة للتجديد بموافقة الحاكم الإداري المختص بناء على توصية المجلس الأمني للمحافظة أو اللواء حسب مقتضى الحال».
من ناحية دستورية، يجد العجارمة أن النصوص المقترحة على قانون منع الجرائم لا تشكل مخالفة دستورية، كون الدستور في مادته التاسعة يكفل حق الأفراد في الإقامة والتنقل وعدم إلزامهم بالإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة بالقانون.
لكن العرموطي يختلف مع ذلك. «لا يجب أن يسعى المشرّع لتقييد الدستور، يجب أن ينسجم القانون مع أحكام الدستور ويذلل العقبات أمامه».
وسواء ظلّت ضمن الأعراف أو تم قوننتها، فإن الجلوة التي تحمي أقارب الجاني من ثأر أقارب المجني عليه وتمنع استفزازهم من وجهة نظر عشائرية، قد تستمر إلى أمد غير معروف. يقول الفرجات أنه «إذا الشب ما أعدم بقضية الصرايرة وطلع بعد عشرين سنة ممكن يصير ثأر، لأنه الجلوة ما بتنتهي إلا بالصلح العشائري وبعد تحقيق كل المطالب، وهذا إشي ممكن يضل سنين».
* الصورة أعلاه من الجاهة التي ترأسها الوزير محمد ذنيبات إلى عشيرة الصرايرة في الكرك، من فيديو بعدسة نزار الصرايرة.
تم إعداد هذا التقرير بالتعاون مع منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان (JHR).
ما هو لو يتم تطبيق حد القتل كان بنخلص من موضوع الثأر. يعني ممكن أفهم الناس اللي بتجادل في حد السرقة أو أي حد ثاني بس حد القتل مش فاهم شو اللي مش منطقي فيه! بس طبعا طراطير الغرب بس يشوفوا سيدهم بيحكي عن عقوبة الإعدام غير إنسانية بيصيروا همه كمان يحكوا عن الديث بينالتي إنو كتير سافاج و أووه شو هالأرف! طبعا الأشكال هاي ما بتفهم شو يعني فورة دم لإنو الواحد فيهم لو تنقتل أمه قدامو يمكن ما تفرق معاه
لو الناس واثقة إنو القاتل راح ياخذ جزاؤه العادل كان لا فيه ثأر ولا جلوات ولا زفت