في العام 2018، وخلال ممارسته التمرين الصباحيّ على دراجته الهوائية، صدمت سيارة نادر زقيبة (53 عامًا)، المدرب السابق للمنتخب الوطني للدراجات الهوائية. نتيجةً لهذا الحادث، نُقِل زقيبة إلى المستشفى وخضع لعملية جراحية استمرّت ثماني ساعات، وانتهت بتركيب 10 صفائح و40 برغيًا نتيجة كسور في عظام الوجه، ولم يستطع نادر الكلام بعدها لخمسة أيّام.
ورغم ما خلّفه الحادث الذي تعرض له زقيبة من أضرار عليه، إلّا أن إصراره على الشفاء والعودة لرياضته المفضلة ساعده على المشاركة في سباق لمسافة 200 كيلو متر، بعد ثلاثة أسابيع فقط من الحادثة. يقول: «كان لازم أرجع عشان أكسر حاجز الخوف، لو ما رجعت على السباق كان بحياتي ما رح أرجع للدراجة».
هدف آخر كان زقيبة يسعى لتحقيقه وهو تشجيع محبي الدراجات الهوائية على الاستمرار، فما تعرّض له دفع بعضًا ممن يعرفهم للتفكير بهجر هذه الرياضة، بعد رؤيتهم لما حدث مع محترف ومدرّب مثله.
في هذا التقرير، تحدثنا مع عدد من محترفي ركوب الدراجات الهوائية، وسمعنا منهم عن معاناتهم مع طرق عمّان غير المجهّزة للدراجات الهوائية، ومع بعض سائقي السيارات ممن لا يحترمون حقّ راكبي الدراجات بالطريق.
بيئة طاردة للدراجات الهوائية
يقول زقيبة إنه كان يستخدم أدوات الوقاية اللازمة في يوم الحادث، كما العادة، ويقود درّاجته أقصى يمين الشارع، لكنّ سيارةً باغتته فجأةً، وضربته، ليصطدم وجهه بسطحها، و«بقيت أنزف لنصف ساعة».
إصابة كابتن نادر زقيبة بعد حادث الدراجة. وصورة للكابتن أثناء رحلة GBI في جبال الشراه، تصوير عمر خليفات.
يضطر راكبو الدراجات الهوائية في الأردن لاستخدام الشوارع المخصصة للمركبات نتيجة عدم وجود مساحات أو مسارات مخصصة لهم. ورغم أن هذا لا يثني العديد منهم عن ممارسة هذه الرياضة، إلّا أن المشكلة تكمن في أن بعض سائقي السيارات لا يأبهون براكبي الدراجات الهوائية من حولهم، ما يؤدي إلى وقوع حوادث بعضها خطير، بحسب زقيبة، الذي يوضّح أن لا جهة في الأردن تختص بمتابعة حوادث الدرّاجين من إصابات ووفيات، والحادثة التي حصلت معه خير مثال؛ حيث أحيلت للمحكمة منذ عامين ولم يُبتّ فيها حتى الآن.
حنين الخطيب، 24 عامًا، تعمل في منظّمة مختصة بالرياضة، بالإضافة إلى عملها كدليل في أحد المحلات الخاصة ببيع الدراجات الهوائية. وقد دفعها شغفها بركوب الدراجة الهوائية إلى ممارسة هذه الرياضة في شوارع عمّان بعد عودتها من بريطانيا عام 2010، لكنّها واجهت صعوبات عديدة تلخّصها بقولها: «الشوارع مش مناسبة، لإنها مش انسيابية والشوارع ضيقة ومافي مسارات خاصة فينا».
أمّا سري حسيني، الذي يبلغ من العمر 32 عامًا، فهو صاحب محل خاص بالدراجات الهوائية، بدأ رحلة ركوب الدراجات عندما كان طالبًا جامعيًا يبحث عن وسيلة مواصلات مناسبة لتوفير الوقت والجهد، لتصبح الدراجة وسيلة تنقله الأساسية من العام 2010 وحتى العام 2013. يقول: «الأردن للآن ما عنده قوانين خاصة بالدّراجين، القانون بعتبرنا مشاة يعني لو صار حادث الحقّ مش على الدرّاج، وهاد الإشي الوحيد بالقانون بخصنا». معتبرًا أنّ من أبسط الحقوق الواجب مراعاتها أن تكون فتحات الصرف الصحي في الطرقات عرضيةً لا طوليةً، حتّى لا تعلق عجلة الدراجة ويصاب راكبها. وبحسبه، فعلى الرغم من التواصل مع الجهات المعنية في هذا الشأن منذ العام 2007 حتى الآن، لم يستجب أحد لهذا المطلب.
حنين الخطيب خلال تدريب على استخدام الدراجات الجبلية في مسار خاص عمل متطوعان على إنشاءه، في عمّان. تصوير جيف كلارك.
حوادث الدراجات الهوائيّة قد تؤدي إلى الوفاة
في العام 2017، وخلال قيادته دراجته الهوائية على طريق المطار، تعرّض سهم مطبعي لحادث دهس، فقد على إثره حياته. توفي سهم في الثانية والثلاثين من عمره، بعد أن كان قد أسس مع صديقيْه سلام وغيث فريقًا للتمرن على ركوب الدراجات الهوائية.
يوم الحادثة، خرج سهم برفقة غيث لممارسة هوايتيهما، على طريق المطار، أنهيا رحلة الذهاب بسلام، وفي طريق العودة إلى المنزل، تعرّض سهم للدهس من قبل مركبة لاذت بالفرار. وكانت السيارة قد التصقت به واصطدمت بالعجل الخلفي لدراجته، ما تسبب بقذفه نحو 30 مترًا، ليفقد حياته على الفور، كما يروي سلام الذي وصف نبأ وفاته بـ«الصادم»، والذي أثّر به كما يقول: «ما نمت ثلث أيام من الرهبة والخوف».
يوضح سلام أنّ تقدير مسافة الارتطام تمّ بناءً على مكان الدم ومكان وجود قطع الدراجة، التي حوّلها لاحقًا إلى ثريّا، علّقها في محله الذي أسسه في إربد، بعد مشوار مع المنتخب الوطني للدراجات الهوائية، استمر ستّ سنوات، ليروي قصة سهم لأي شخص يسأل عن تلك الثريّا.
عقب شهر من حادثة سهم نظّم درّاجون مسيرة تحت شعار «أنا سهم»، بمشاركة 150 درّاجًا على دراجاتهم الهوائية، لتوعية السائقين بضرورة الحرص وإبقاء مسافة أمان بين السيارة والدرّاج، وللتذكير بحقوق الدراجين والحاجة لوجود أماكن مخصصة لهم.
جانب من مسيرة «أنا سهم»، تصوير SNAPSHOTS Photography. والدرّاج سهم المطبعي أثناء تدريباته الصباحية باتجاه السلط، تصوير عبدالله الخشماني.
كما زرع المشاركون شجرةً في المكان الذي توفي فيه سهم، ووضعوا معلومات عنه، للتذكير بقصته دائمًا، وليسقي شجرته أي درّاج يمر بجانبها. يقول سلام: «حتى لو أنا بالسيارة لازم أوقف هناك. لأن أي واحد فينا ممكن يكون سهم، طول ما في قوانين وأماكن مخصصة للبسكليتات».
رئيس الاتحاد الأردني للدراجات الهوائية جمال الفاعوري، يؤكد على حاجة الدرّاجين لبيئة مناسبة وبنية تحتية ملائمة، أبسطها شوارع مخصصة خالية من المركبات، بلا مطبات وفتحات صرف صحي أو أي عوائق أخرى، ليستطيع الدرّاجون التدرب فيها. ويضيف أن الاتحاد يعمل على تسهيل فعاليات قيادة الدراجات، بالتنسيق مع أمانة عمان الكبرى والجهات المعنية، لتوفير مرافقة أمنية وسيارة إسعاف لحماية المشاركين في الفعاليات، كما يتم الترتيب مع الأمانة لتحسين البنية التحتية وتوفير مضمار للدراجات الهوائية في حدائق الحسين.
نعمة قطناني، المديرة التنفيذية للهندسة في أمانة عمان الكبرى، تتحدث عن أن طبيعة عمّان الجبلية ساهمت بشكل مباشر في نقص المناطق المخصصة للدرّاجين. تقول قطناني إن «ميلان الشوارع لدينا أعلى من الحد الطبيعي بسبب طبيعة المدينة»، وتشير إلى أنه، في منطقة حدائق الحسين على سبيل المثال، «الميل بزيد عن 30%، لهيك أمانة عمان عم تعمل في كل حدائق جديدة كبرى أو أحجام متوسطة (..) مساحة للدراجات، الميل بالعادة بكون 10% وأقل شوارعنا عم توصل 18 و25%».
المشاركة في سباقات الدراجات الهوائية
عنود عواملة (27 عامًا)، لاعبة المنتخب الأردني للدراجات الهوائية، ولاعبة نادي الأصايل في دبي، ولاعبة دواثلون (سباق ثنائي يبدأ بالركض ثم ركوب الدراجة)، ولاعبة تراياثلون سابقًا (سباق ثلاثي يبدأ بالسباحة ثم ركوب الدراجات وينتهي بالجري)، تقول إنها تعاني للعثور على مكان ملائم للتمرّن قبل السفر لخوض المسابقات المختلفة.
وترى عواملة أن جاهزيتها تكون أقل من باقي المشاركين من مختلف دول العالم في السباقات الخارجية، فهؤلاء يمتلكون البنية التحتية المهيأة في بلدانهم، ما يساعدهم على المداومة على التمرينات، وهذا يخلق عندها «رهبة» خلال مشاركتها، على حدّ قولها. تشكو عواملة من أن أغلب الشوارع في الأردن تعاني من الشقوق، وتمتلئ بالحفر التي قد يسقط الدرّاج داخلها، بالإضافة إلى العواكس البارزة والمطبات العالية التي تساهم في انفجار العجلات. أما التمرين خلال الليل فتعترضه العديد من المشاكل، أبرزها الإضاءة غير الكافية في معظم الشوارع، مشيرة إلى عدم تقبل البعض لممارسي هذه الرياضة، وضعف وعيهم تجاهها، ناهيك عن المركبات التي تلتصق بالدراجات ولا تترك مسافة أمان. وهذه هي المشكلة الأكبر، بحسب عواملة.
هذا ما يؤكّده الفاعوري بحديثه عن ضعف معرفة المواطنين برياضة ركوب الدراجات الهوائية وكيفية التعامل مع ممارسيها، مشيرًا إلى أن من السهل أن يؤذي سائق متهور مجموعة لاعبين يسيرون بمسار واحد، أو يدفع أحدهم بيده، أو يلقي عليهم العلب والزجاجات.
وقد وجدت عنود خلال فترة حظر استخدام المركبات بسبب انتشار فيروس كورونا، فرصة لاستخدام الدراجة الهوائية وتوضيح أهميتها للناس، حيث استخدمها كثيرون في تنقلهم أو ممارستهم الرياضة. متمنية أن يتكون لدى سائقي المركبات وعي تجاه هذه الرياضة وشعور بسائقيها، بعد أن ظهرت أهميتها خلال الحظر.
عنود عواملة أثناء فترة الاحماء قبل السباق في تركيا.
والآن عقب عودة الحركة الطبيعية للشوارع، يعود راكبو الدراجات الهوائية لخوفهم من السيارات، كما توضح عنود أن من يريد الخروج للشارع يجب أن يمتلك مهارات التعامل مع السيارات، ومهما بلغت مهاراته في ركوب الدراجة سيبقى معرّض لخطر الحوادث.
تقول القطناني إن الأولوية لدى أمانة عمان هي توفير أرصفة مناسبة ومهيئة للمشاة، والعمل على إيجاد منظومة نقل تسمح لاحقًا بتقليل عدد السيارات، لتتمكن بعد ذلك من تخصيص مسارب للدرّاجين، من خلال تقليص مسارب السيارات. كما تشير إلى أن الأمانة تعمل على خطط حاليّة لإيجاد مسرب للدراجات في الشوارع التي يحدّها رصيف واسع. «على سبيل المثال شوارع جبل الحسين اللي أرصفتها كبيرة، بكل سهولة ممكن ناخد من مساحتها ونعمل مسار للدراجات، وكمان شارع منذر المصري في عبدون الشارع الخدمي ممكن نضيف عليه مسار لإنه عريض».
وأكدت قطناني في نهاية حديثها أن «الأمانة تعمل على أن تصبح عمان مدينة صديقة للبيئة ابتداءً من الأرصفة للمشي والركض والدرّاجات».
*بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR.