عبادة الكسبة

الملاكم عبادة الكسبة: حلم الميدالية الأولمبية في طوكيو

الملاكم عبادة الكسبة. تصوير مؤمن ملكاوي.

الملاكم عبادة الكسبة: حلم الميدالية الأولمبية في طوكيو

الإثنين 15 شباط 2021

الفوز بإحدى الميداليات الأولمبية للأردن، هو الحلم الذي يراود الملاكم عبادة الكسبة (26 عامًا) منذ سنوات. وفي آذار الماضي، تَجدّد الحلم بتأهل الكسبة، رفقة أربعة ملاكمين أردنيين آخرين، إلى أولمبياد طوكيو، الذي أجّلته جائحة كورونا إلى هذا العام. 

تأهّل الكسبة جاء من عمّان التي أقيمت فيها تصفيات الملاكمة الأولمبية لقارّة آسيا ومنطقة الأوقيانوس، بدل إجرائها في مدينة ووهان الصينية، نظرًا لتفشي جائحة كورونا في المدينة حينها. أولمبياد طوكيو سيكون الثاني للكسبة، بعد أولمبياد ريو دي جانيرو في البرازيل عام 2016. 

بدايات صعبة لكن مبشّرة

يأتي عبادة الكسبة من عائلة لطالما مارست رياضة الملاكمة، فشقيقاه عبد الجبّار وأنس لعبا الملاكمة، أمّا والده، محمد، فملاكم سابق وحكم دولي في الملاكمة. كما أنّ عمّه ملاكم، وابن عمّته محمد الوادي واحد من خمسة ملاكمين أردنيين تأهلوا للأولمبياد القادم، إلى جانبه هو وعدي الهنداوي والشقيقان حسين وزياد عشيش.

يقول الوالد الفخور بإنجازات ولده، إن الملاكمة تمنح اللاعب القدرة على التحكم بمشاعره والتعامل مع ظروف الحياة المختلفة. «عبادة كان عنده طاقة كبيرة وهو طفل صغير، وبلشت معه بعمر أربع سنوات، وأعطيته كلشي عندي من تمارين وإعداد بدني وفكري وقواعد اللعبة»، يقول محمد الكسبة. ارتدى عبادة قفّاز الملاكمة للمّرة الأولى عام 1998، وبدأ التدريب في المنزل. ومن بين الأسباب التي دفعت والده نحو توجيهه للاستمرار بلعب الملاكمة، الفضول الكبير الذي أبداه عبادة تجاه اللعبة وممارستها.

عبادة الكسبة أثناء تدريبه مع والده في منزلهم في مخيم البقعة.

«دائمًا الاعتماد على الأساس وإذا كان صح، الشغل بكون كله صح. والحمدلله كل خبرتي في اللعبة والتدريب والتحكيم منحتها لإبني، والمدربين في المنتخب ساعدوه كمان وعززوا مهاراته وشخصيته داخل الحلبة»، يقول محمد الكسبة.

مرّ الكسبة بظروف مادية صعبة في بداية مسيرته، واضطرّ لمساعدة عائلته للعمل في العتالة، وفي محال الدواجن. وللمشاركة في التدريبات التي كانت تجرى في المدينة الرياضية وسط عمّان، كان على الكسبة أن يركب المواصلات من مكان سكنه في مخيم البقعة إلى صويلح، وبعدها مشيًا على الأقدام من صويلح إلى المدينة الرياضية. هذا المشي المستمر، يقول عبادة مبتسمًا، زاده قوّة. 

حصل الكسبة على أول ميدالية ذهبية في مسيرته خلال مشاركته في بطولة المملكة للبراعم عام 2009، «الشعور كان غريب ومثير، الفوز جميل (..) كنت متوتر في البداية وتغلبت على خوفي وحققت الذهب»، وبعد عامين فاز عبادة ببطولة الشباب للملاكمة ونال ميدالية ذهبية، كما فاز على أحد لاعبي المنتخب الوطني للرجال، مما فتح أمامه باب الانضمام للمنتخب.

الانضمام للمنتخب الوطني

«أنا بتنفس ملاكمة ومستعد ألعب حتى وأنا مصاب» يقول عبادة، لكن رغم هذا الحب الكبير للعبة، كانت متطلّبات الملاكمة الكثيرة، والتكاليف الكثيرة للتعامل مع الإصابات، وقلّة الدعم الذي كان يحصل عليه، جميعها أسباب دفعته للتفكير في ترك اللعبة. كما راودته «وساوس» الهروب من اللعبة مرارًا بسبب نمط حياة الملاكم، الذي يتقيد بالتمارين والغذاء. لكنه عدل عن ذلك بعد دعم العائلة والأصدقاء، ومن ثم تحسّن وضعه المادي.

بعد الانضمام للمنتخب، فاز الكسبة بذهبية بطولة الجزائر الدولية للملاكمة عام 2012، وحقق ميداليتين فضيتين آسيويتين؛ الأولى ضمن وزن تحت 56 كغم عام 2013 في الأردن، والثانية ضمن وزن أقل من 64 كغم في العاصمة التايلندية بانكوك عام 2019. إلا أن الميدالية الأهم بالنسبة له هي الميدالية الأولمبية التي يطمح للحصول عليها في طوكيو. «الميدالية الأغلى لسّا ما أخذتها، وأنا بسعى للفوز فيها وهي أعلى إنجاز ممكن اللاعب يوصله».

عبادة الكسبة مستعرضًا الميداليات التي حصل عليها.

عام 2013، انضم الكسبة لجهاز الأمن العام، وبات يحصل على راتب مقداره 300 دينار، وهو ما حقق له الاستقرار المادي نوعًا ما، بحسبه، وجعله يركز على ممارسة اللعبة بشكل أفضل من السابق. وحصل على ذهبية أتراوو في كازاخستان عام 2014 ضمن فئة وزن 60 كغم.

كان عبادة يواجه صعوبات في تأمين تكاليف العلاج من الإصابات التي يتعرض لها نتيجة المواجهات مع الخصوم أو خلال التدريبات، وتكفّلت عائلته بتأمين العلاج، وكذلك اللجنة الأولمبية واتحاد الملاكمة، ولكن حاله تغيرت، بحسب وصفه، بعد افتتاح مركز الإعداد الأولمبي، في السنوات الماضية. يقول عبادة: «المركز وفرلنا كل احتياجاتنا من صالات تدريب وعناية طبية ومحاضرات وتغذية جيدة، وقدم العديد من الحوافز المادية والمعنوية»، ويضيف: «افتتاح المركز انعكس على اللاعبين، وهو ما تحقق أخيرًا بتأهل خمسة ملاكمين إلى أولمبياد طوكيو، لتكون أكبر مشاركة للأردن في الأولمبياد على صعيد رياضة الملاكمة».

تحديات دفعت الكسبة للتفكير في الاعتزال

يصف الكسبة رياضة الملاكمة في الأردن بأنها غير مجدية ماديًا للاعبين في بداية مسيرتهم، وتنطوي على صعوبات كثيرة؛ فالإصابات المتعددة، والنظام الغذائي للملاكم، وتكاليف الحياة، جميعها تصعب الأمر. يقول «في البداية عنجد فكرت أترك الملاكمة لإنه ما في دعم مادي كافي وكنت أتغلب كثير بالمواصلات والمصاريف، وعندي عيلة كمان، ولكن الحال تغيرت بعد دعم اللجنة الأولمبية والانتساب للأمن العام».

مرّ الكسبة بظروف مادية صعبة في بداية مسيرته، واضطرّ لمساعدة عائلته للعمل في العتالة، وفي محال الدواجن.

كما أن أوقات الصيام الطويلة التي كان يقضيها الكسبة أحد الأسباب التي فكر بالاعتزال بسببها. «إنك تصوم عن الأكل والشرب وتاكل شغلات خفيفة وتشرب سوائل وتتدرب حتى ينزل وزنك قبل وخلال فترة كل بطولة بتشارك فيها من أصعب الأشياء يلي بتواجه الملاكمين. كنت (..) أتعب كثير، وحتى البوكس لما تضرب ما بكون عندك طاقة».

عند المشاركة ببطولة ما، يلجأ الملاكم للصيام للمحافظة على الوزن الذي يلعب فيه دون زيادة أو نقصان؛ فاللاعب الذي يزيد وزنه عند قياسه قبل النزال، ترفع مواجهته للفئة التي تلي الفئة التي يلعب فيها، وهو ما يخلق فوارق كبيرة بين الخصمين. يقول والد الكسبة إن جزءًا من عمله كحكم ملاكمة يقضي بتوزين اللاعبين قبل المباريات، «وفي حال كان وزن اللاعب الذي يلعب مثلا في فئة 63 كغم أكثر بنحو 100غرام فإنه سيواجه خصمًا يلعب في فئة وزن 69 كغم، وهنا تبرز الفوارق بين الوزنين؛ فصاحب الوزن الأعلى يملك ضربات أقوى».

ويضيف والد الكسبة أن على الملاكم أن يحافظ على نمط حياته الغذائي قبل كل بطولة لضمان عدم زيادة وزنه، والدخول في فترة الصيام التي تبدأ قبل البطولات بيوم أو يومين، وخلال تلك الفترة يتناول الملاكم غذاءً صحيًّا وخفيفًا.

هذا الصيام، كان واحدًا من الأسباب التي دفعت الكسبة من قبل للتفكير في الاعتزال، لكنّه يقول إن الوضع بات أفضل مع تأسيس مركز الإعداد الأولمبي إذ حصل على «اهتمام أكبر من الخبراء بصحة ووزن اللاعب».

الكسبة أثناء التدريب في مخيم البقعة حيث يسكن.

الطريق إلى «طوكيو 2020»

المشاركة في الأولمبياد تُشعر الكسبة بالكثير من الفخر والرضى. ويأمل أن يفوز للأردن بأول ميدالية أولمبية في رياضة الملاكمة، كما فعل أحمد أبو غوش في رياضة التايكوندو، والذي ينظر إليه الكسبة على أنه قدوته ومثله الأعلى.

بدأ عبادة اللعب ضمن فئة وزن 48 كغم ثم انتقل للعب في أوزان (49، 51، 54، 60) كغم على التوالي، ويلعب حاليًا ضمن فئة وزن 63 كغم. وبحسبه، فإن هذا التنقل بين الأوزان طبيعي، إذ مع التقدّم في العمر يزداد وزن الملاكم عادةً، وهو ما يحدد له الفئة التي يلعب فيها.

«عبادة كان عنده طاقة كبيرة وهو طفل صغير وبلشت معه بعمر أربع سنوات، وأعطيته كلشي عندي من تمارين وإعداد بدني وفكري وقواعد اللعبة»، يقول والده محمد الكسبة.

من بين نزالاته التي لعبها، يستذكر الكسبة خصمه الأمريكي راسيول جاري، الذي واجهه في الدور ربع النهائي من بطولة العالم للملاكمة عام 2016 في أذربيجان، معتبرًا إياه أصعب خصم واجهه، واللقاء من أصعب لقاءاته وأكثرها متعة، خاصةً أنه كان أول نزال له بوزن 64 كغم، ولعب أمام لاعب ملاكمة محترف مع أنه كان يلعب ضمن فئة الهواة، وكان قريبًا من الفوز إلا أن خبرة جاري الكبيرة رجحت كفته في النهاية.

حلم الاحتراف في الملاكمة لا يزال يراود عبادة كل يوم، ولم يسبق لأي ملاكم أردني الوصول إليه، وهو ما يطمح الكسبة لتحقيقه؛ فهو يلعب اليوم ضمن فئة الهواة، والتي تختلف عن الاحتراف بعدد الجولات؛ فمباريات الهواة ثلاث جولات، أمّا المحترفون فعدد جولات مبارياتهم أكبر، وقد تصل إلى 12 جولة، وهو ما يتطلب ساعات طويلة من التدريبات الشاقة، وقدرة أكبر على تحمل اللكمات ومجاراة الخصم.

قبل التأهل؛ انصبّ تفكير الكسبة على الفوز ونيل البطاقة المباشرة للأولمبياد من عمّان، وهو ما تحقق بالفوز على الملاكم الياباني ناريماتسو دايسوكي في دور الـ16، قبل أن يتخطى المصنف الأول على قارة آسيا بالدور ربع نهائي، اللاعب الطاجاكستاني بجادور عصمانوف، فيما خسر في الدور نصف نهائي أمام الكازاخستاني زاكير، وهو ما ضمن له الميدالية البرونزية وبطاقة العبور إلى طوكيو.

الكسبة أثناء التدريب في المدينة الرياضية.

في أولمبياد ريو دي جانيرو في البرازيل عام 2016، ودع الكسبة البطولة مبكرًا بعد خسارته أمام الملاكم الكندي آرثر بيارسلانوف. «المشاركة بالأولمبياد أول مرة إلها رهبة، اهتمام إعلامي كبير وهو الحدث الأبرز، بصراحة كنت متوتر بالنزال بس كسبت خبرة وإن شاء الله مشاركتي الثانية رح تكون أفضل من الأولى».

بعد تأهل الكسبة ولاعبي الملاكمة الآخرين إلى الأولمبياد، أعلنت اللجنة الأولمبية الدولية في 24 آذار 2020 تأجيل دورة الألعاب الأولمبية إلى العام الجاري، بسبب جائحة كورونا في اليابان والعالم، وهو ما أثر على شكل الإعداد وتدريبات اللاعبين. لكن الكسبة يقول إن الوباء «كان إله تأثيره بس هو على العالم كله مش علينا، والشاطر يلي ما بوقف». 

خلال الفترة التي شهدت الحظر الشامل في الأردن، إثر الجائحة، كانت تدريبات المنتخب الوطني للملاكمة تقام عن بعد باستخدام تطبيقات الفيديو، والربط بين اللاعبين والجهاز الفني للمنتخب، كحل بديل ومؤقت للحفاظ على اللياقة البدنية للاعبين.

وبسبب الرغبة بالإعداد للبطولة بشكل أفضل، يقول الكسبة إنه فرح لتأجيل الأولمبياد عامًا كاملًا، «كان أحسن إشي تأجيل البطولة لناخذ وقت أطول في التدريب ونكون جاهزين ومرتاحين نفسيًا من الضغوطات».

الكسبة أثناء تدريبه في المدينة الرياضية.

لم يكمل الكسبة تعليمه، واكتفى بالوصول إلى الصف العاشر. ورغم مطالبات عائلته، إلا أنه يركز اليوم على الملاكمة، ويوجه كل طاقته نحو اللعبة للوصول إلى الاحتراف، وعدم الاكتفاء باللعب ضمن فئة الهواة. «حاط كل طاقتي بالملاكمة وإن شاء الله أحقق أول ميدالية أولمبية لبلدي».

يكشف والده عبادة أسباب ترك نجله للدراسة بقوله: «بعض أساتذته أحبطوه، وكان هذا السبب الرئيسي للابتعاد عن المدرسة والتوجه نحو العمل والتركيز على الملاكمة»، مضيفًا «هو رد على الإحباطات بطريقة غير مباشرة بعد هذه الإنجازات الفريدة، والواحد إذا ما نجح بدراسته ممكن يوصل لهدفه بمكان ثاني غير الدراسة».

عندما تحدثنا مع الكسبة كان في تجمع للمنتخب الوطني للملاكمة، ضمن خطة اتحاد اللعبة للوصول باللاعبين إلى الجاهزية المطلوبة، واستعدادًا للمشاركة في الأولمبياد. «ربنا خلق الإنسان في كبد، يعني تعب وشقاء، وما في إشي مريح بالحياة، ولازم الواحد يتعب عشان يحقق أحلامه».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية