فريق الرمثا: ديون وعقوبات وأداء متذبذب

الثلاثاء 30 آب 2022
جمهور الرمثا
جمهور نادي الرمثا يتابع مباراة فريقه النهائية الموسم الماضي عبر شاشات عرض في ستاد الأمير هاشم. تصوير مؤمن ملكاوي.

لليلتين مُتتاليتين، لم تنم مدينة الرمثا بعد تتويج فريقها بلقب الدوري الأردني في الموسم الماضي؛ إذ عمّت الاحتفالات المدينة في مشهدٍ كرنفاليّ شهده دوار الـ500 وسطَ المدينة، حيث جُلب كأس الدوري إلى هناك.

ومع بداية الموسم الجديد، واصل الفريق النتائج الجيّدة؛ فوصل إلى نهائيّ بطولة الدرع ليخسر أمام الفيصلي بهدف للاشيء، ثم يفوز على الفريق نفسه بهدفين للاشيء في نهائي بطولة كأس السوبر.

لكن في بطولة الدوري، بدأ الفريق موسمه بشكل سيء، إذ خسر أمام الفيصلي، ثم توالت بعد هذه المباراة نتائجه السيئة، لينهي مرحلة الإياب في تموز الماضي، محتلًا المرتبة التاسعة بين 12 مرتبة، وهي مرتبة قريبة من مراكز الهبوط إلى دوري الدرجة الأولى.

يدفع هذا التغير في حال النادي للتساؤل عما حصل معه خلال أشهر قليلة، لينتقل من كونه بطلًا للدوري إلى فريق مهدّد بالهبوط.

ديون وغياب للاستقرار

كان التذبذب سمة في أداء فريق الرمثا وموقعه في جدول الدوري خلال السنوات الماضية، وتحديدًا منذ موسم 2007- 2008 الذي هبط فيه للدرجة الأولى، قبل أن يعود لدوري المحترفين في موسم 2009-2010، فاحتلّ مراتب متقدمة في سنوات، وعاد ليكون مهددًا بالهبوط في سنوات أخرى.

أما التذبذب في الأداء بين الموسمين الفائت والحالي فيمكن ردّه لعدد من الأسباب، منها تراكم الديون على النادي، وأخطاءٌ في تعاقدات سابقة مع لاعبين محترفين أدت إلى فرض الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عقوبات عليه، بالإضافة إلى عدم استقرار الإدارة على مدرب.

يعتمد نادي الرمثا في إيراداته على دعم الاتحاد الأردني لكرة القدم، ووزارة الشباب، وحقوق البث التلفزيوني للمباريات، ورعاية الشركات، وتذاكر الجمهور، والتبرعات. وبحسب تقريرٍ ماليّ للنادي فقد بلغ إجمالي إيرادات النادي في ثمانية أشهر (28 آذار- 29 تشرين ثاني 2021) قرابة 410 آلاف دينار، منها حوالي 87 ألف دينار ديون.

وبدأت الديون بالتراكم على النادي منذ تعاقده مع مجموعة لاعبين عرب وأجانب بين الأعوام 2016- 2019، لتصل في 2019  إلى 1.3 مليون دينار، قبل أن يدفع مع نهاية العام 2019 بعض المبالغ للاعبيه كمقدمّات عقود بحسب الناطق باسم النادي وأمين سره حينها محمد أبو عاقولة.

ومع وصول جائحة كورونا إلى الأردن، وفرض الحكومة مطلع عام 2020 حظرًا لمواجهتها، خسر النادي ريع التذاكر بسبب إقامة المباريات بدون جماهير، وخسر كذلك جزءًا من دعم شركات الرعاية التي خفضت دعمها للأندية.

قدرت الإدارة حينها خسائر النادي في فترة كورونا بأكثر من 400 ألف دينار، وفق أبو عاقولة. وبحسب رئيس النادي الحالي خالد الزعبي، وصلت ديون النادي في بداية 2022 إلى 2.2 مليون دينار، منها 300 ألف دينار مستحقات للاعبين ومدربين محليين سابقين، و230 ألف لمحترفين سابقين، و1.6 مليون لأحد رجال الأعمال دُفعت في تعاقدات مع لاعبين محترفين ورواتب لاعبي الفريق لمواسم سابقة، وديون أخرى لبعض الجهات لتغطية تكاليف الفريق من ألبسة وفنادق ومطاعم ومحروقات وعلاجات.

بين عامي 2019 و2020 تقدّم لاعبون ومدربون سابقون -محليون ومحترفون- بشكاوى منفصلة على النادي إلى الاتحادين الدولي لكرة القدم (الفيفا) والأردني لكرة القدم مطالبين بمستحقاتهم المالية.

طالب الفيفا النادي بالدفع لهؤلاء اللاعبين، وعندما لم يدفع لهم تلقى عقوبة في أيّار 2020 بمنعه من تسجيل لاعبين محترفين، محليين ودوليين، ومنعه كذلك من تسجيل فرق الفئات العمرية الذين يلعبون لفرق تحت سن 15 و17 و19، لثلاث فترات تسجيل تنتهي نهاية العام 2021.

كان النادي قلقًا من عقوبات إضافية قد يفرضها الفيفا عليه، مثل خصم نقاط من رصيده في الدوري أو تهبيطه إلى الدرجة الأولى فيما لو لم يدفع للمشتكين، فاستدان 87 ألف دينار قبيل انتهاء العام 2021 لتسديد مستحقات بعضهم. يقول أبو عاقولة: «بدك تطلع من المغامرة بدك تدفع، لأنه الفيفا بتقدرش تحزر على أفعالها».

لكن النادي عوقب مرة أخرى في شباط 2022 بسبب مستحقات بعض اللاعبين بمنعه من التعاقد مع لاعبين لموسمين متتاليين وتسجيل فرق الفئات العمريّة. وأجّلت الإدارة الحاليّة دفع مستحقات 12 لاعبًا محليًا تقدر مستحقاتهم بـ120 ألف دينار، يقول خالد الزعبي:«أجلنا 3 شهور، أكيد رح أنحرم إذا ما دفعت».

سعى بعض لاعبي الرمثا، تحت هذا الوضع المالي للنادي، إلى الاحتراف في أندية أخرى سعيًا وراء عقود ورواتب أفضل قبل موسم التتويج بالدوري 2021. يقول رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة النادي عوني الزعبي، والذي حقق الفريق بعهده بطولة الدوري، إن أكثر من لاعب كانوا ينوون الخروج من النادي لكن اللجنة توصلّت إلى اتفاق مع بعضهم للبقاء في الفريق.

حقق الفريق اللقب بلاعبيه ودون إجراء تعاقدات جديدة مع محترفين، بحسب عوني الزعبي. وبعد التتويج تلقّى بعض لاعبي الفريق عروضًا من أندية محليّة وعربيّة، مثلًا تلقى مصعب اللحام عروضًا من الوحدات والفيصلي والحسين إربد، وتلقى محمد أبو زريق عروضًا للاحتراف مع أندية عربيّة مثل كاظمة الكويتي والإسماعيلي المصري والأهلي الليبي، كما يقول خالد الزعبي.

وقد رحل خمسة من أفضل لاعبي الفريق في فترة الانتقالات بين نهاية موسم التتويج في نهاية العام 2021 وبداية الموسم الحالي 2022، وكان النادي غير قادرٍعلى الدفع لهم، ومنهم مصعب اللحام ومالك شلبية.  يقول خالد الزعبي إن بعض هؤلاء اللاعبين لم يأخذوا كامل مستحقاتهم فترة التتويج بالدوري، وعندما أتت فترة الانتقال بعد التتويج لم يكن النادي يملك الأموال لتجديد عقودهم.

إضافة إلى الديون وانتقال عدد من نجوم النادي إلى أندية أخرى، يمكن القول إن التغيرات الكثيرة التي شهدها منصب الإدارة الفنية للنادي قد لعب دورًا في تذبذب نتائجه، إذ تعاقب على النادي أكثر من ثلاثة مدربين خلال فترة قصيرة. يقول خالد الزعبي إن عدم الاستقرار على مدرب له دور في نتائج الفريق السيئة، لكنه يستدرك: «بس تحت وقع النتائج، تضطر تغيّر، لما مدرب أربع مباريات يخسر تضطر تغير، الجهاز الفني بيكون عنده خلل».

يحمّل الكثير من مشجعي الفريق المسؤولية في نتائج هذا الموسم للإدارة بسبب عدم الاستقرار على مدرب للفريق. من هؤلاء غازي السموعي، أحد القائمين على رابطة المشجعين الموسم الماضي وألتراس الفريق، الذي يرى أن سبب مشاكل الفريق تعود إلى سوء أداء الإدارات، وعدم الاحترافية في استقطاب المحترفين، بالإضافة إلى عدم قدرة هذه الإدارات على الحفاظ على اللاعبين الذين رحلوا.

تعاقبت خمس إدارات ولجان مؤقتة معيّنة من وزارة الشباب على إدارة النادي منذ العام 2018، بسبب خلافات إدارية وأخرى بسبب الوضع الوبائي من جائحة كورونا. بدأت هذه التغيّيرات بحلّ وزير الشباب الأسبق محمد أبو رمان الهيئة الإدارية للنادي أواخر العام 2018، بسبب استقالة ثمانية أعضاء من أصل تسعة على خلفية خلافات إدارية، وعيّن مجلس إدارة مؤقت برئاسة الوزير الأسبق عاكف الزعبي لحين إجراء الانتخابات.

جاءت الانتخابات برائد النادر الذي انتهت مدّة رئاسته ولم تسمح الوزارة للنادي بإجراء الانتخابات بسبب الوضع الوبائي، فعينت لجنة مؤقتة في آذار 2021 برئاسة عوني الزعبي، الذي استمر لمدة تسعة أشهر ثم جاءت الانتخابات بالرئيس الحالي خالد الزعبي. ويرى رئيس اللجنة المؤقتة المعيّنة من وزارة الشباب عوني الزعبي أن عمر اللجان المؤقتة القصير لا يسمح بوضع برنامج طويل للفريق يعالج مشاكله.

الجمهور يخلّص الفريق من جديد

ظل النادي محرومًا من تسجيل لاعبين محترفين، أو فرق الفئات العمرية في هذا الموسم 2022، وكان بحاجة إلى تسديد نحو 200 ألف دينار لعدد من المحترفين لفكّ العقوبات. وبحسب رئيس اللجنة المؤقتة عوني الزعبي سبق للنادي أن أطلق حملة لجمع التبرعات الموسم الكروي الماضي 2021، جمعت بين 25-30 ألف دينار وشارك فيها شركات وجمهور الفريق.

ومثلما احتفل الناس بالفريق المتوج الموسم الماضي، عادوا مرة أخرى لكن هذه المرة لإنقاذ الفريق من خلال حملة تبرعات استمرت لأقل من شهر، وجمعت نحو 142 ألف دينار، بحسب مسؤولين في الحملة وإدارة النادي. وشارك في الحملة جمهور الفريق من المدينة ومحافظات أخرى، ومن أبناء المدينة المغتربين، بالإضافة إلى مساهمة طلاب المدارس من مدينة الرمثا وقرى في الشمال.

للتخلص من الإفراط في الاعتماد المادي على الجمهور، يبدو أن نادي الرمثا يتجه نحو عدد من الاستثمارات التي يأمل أن تساعده على تخطي الأزمات المالية.

يقول محمود الشناينة أحد القائمين على حملة التبرع ومن قدماء مشجعي النادي «المرَة تودي ابنها معاه سقّاطة، جاني وكيل بالجيش من المفرق ابنه باعته يدفع عشرة دنانير». أكملت الإدارة المبلغ إلى 200 ألف دينار، ودفعت مستحقات عدد من اللاعبين وانتهت العقوبات الدولية بحسب خالد الزعبي.

يقول السموعي من تجربته في متابعة الفريق والنادي لسنوات طويلة إن النادي الذي يعتمد على الجمهور «ما رح يستمرّ كثير، الجمهور مش بقرة حلوب للأندية. نعم الجمهور ممكن يفيدك بريع التذاكر، لكن كل ما بدك تغطي على خطأ معين تنتخي بالجمهور؟».

وللتخلص من الإفراط في الاعتماد المادي على الجمهور، يبدو أن النادي يتجه نحو عدد من الاستثمارات التي يأمل أن تساعده على تخطي الأزمات المالية، مثلًا وقّع النادي اتفاقية تعاون وشراكة مع إحدى شركات الاستثمار السياحيّة بداية هذا العام، تستثمر الشركة بموجبها قطعة أرض للنادي في بناء مطاعم ومقاهٍ وملاعب ومسابح باسم منتجع نادي الرمثا السياحي، لكن أسبابًا تنظيمية تتعلّق بمد الكهرباء تعيق الاستمرار في المشروع كما يقول خالد الزعبي، مشيرًا إلى نيّة الإدارة الاستثمار في بناء مجمّع تجاري وشقق مقابل أقساط، بالإضافة إلى التركيز على الاستثمار في اللاعبين من الفئات العمريّة.

لكن هذا يوقع الإدارة بين نارين؛ الدخول في دوامة ديون جديدة من أجل الإنفاق على الفريق وشراء لاعبين دوليين سعيًا للوصول إلى منصات التتويج تلبيةً لرغبة الجمهور، أو الابتعاد عن منصات التتويج والعمل على الاستثمار في تأمين عوائد من مشاريع استثمارية، «الفرصة الاستثمارية ممكن تخليني 10 سنين بالمنصات، بدك تعمل توازن بين [رغبة] الجمهور والاستثمار، ما تقدر تترك الجماهير بدون بطولات، الجماهير بدها بطولات»، يقول خالد الزعبي.

الديون تطال كل أندية المحترفين

ليس هناك نادٍ في دوري درجة المحترفين بدون ديون، وفقًا لثامر المجالي مدير مديرية الأندية في وزارة الشباب. يُرجع المجالي سبب هذه الديون إلى القرارات الخاطئة من الأندية التي تبحث عن النتيجة ومنصات التتويج فتلجأ إلى التعاقد مع لاعبين ومدربين محترفين بمبالغ كبيرة، بالإضافة إلى انخفاض دعم القطاع الخاص لدوري المحترفين بعد جائحة كورونا. وبحسب الاتحاد الأردني لكرة القدم ارتفعت تعاقدات الأندية مع المحترفين في السنوات الخمس الأخيرة، وارتفع كذلك معدّل رواتب اللاعبين والمدربين، وازداد تغيير الأجهزة الفنية، ما تسبب في أزمات مالية على الأندية.

يرى عماد الحناينة، المختص بالقضايا الرياضية ووكيل بعض اللاعبين المحترفين الأجانب والمحليين في الدوري الأردني، أن هناك مشكلة جوهرية في إدارة معظم الأندية لملف المحترفين. وتتركز المشكلة بعدم دفع مستحقات اللاعب، أو عدم الالتزام ببنود العقد، أو التعنّت في عدم الدفع أحيانًا أخرى، الأمر الذي يجعل من النادي عرضةً للعقوبات مثل الحرمان من تسجيل اللاعبين، وهو ما حصل لأكثر من نادٍ في الدوري.

وضع الاتحاد الأردني لكرة القدم في تعليمات الرقابة المالية على أندية المحترفين حدًا أعلى للإنفاق المالي لكل نادٍ على تعاقداته السنوية مع اللاعبين والمدربين مقداره 300 ألف دينار للموسم الكروي 2021، و200 ألف دينار لموسم 2022. ويأتي ذلك ضمن استراتيجية الاستدامة والتمكين المالي التي أعلن الاتحاد عنها لـ«مساعدة الأندية للخروج من الضائقة المالية، وحدًا للتضخم في قيمة التعاقدات مع اللاعبين والمدربين». لكن الاتحاد بعد ذلك سمح للأندية بتجاوز السقف وفق الإيرادات التي يحققها النادي.

لكن الاتحاد نفسه، الذي وضع هذه الاستراتيجية للأندية، مدين كما تقول الأمين العام للاتحاد الأردني لكرة القدم سمر نصار: «المنظومة كلها مديونة، أندية المحترفين مديونة، الاتحاد عنده ديون متراكمة».

النجاة من الهبوط

في مرحلة الإياب من الدوري، استعاد نادي الرمثا بعض لاعبيه الذين رحلوا مثل الحارس مالك شلبية الذي انتهى عقده مع الخلود السعودي، وتعاقد مع لاعبَيْه السابقَيْن ابراهيم الخب وخالد العواقلة بعد انتهاء عقوبات الفريق، كما وقع مع المحترف السنغالي الهادي سالم، واستقرّ على مدربه أسامة قاسم.

لم يخسر الفريق مبارياته الأربع التي لعبها حتى الآن في مرحلة الإياب التي بدأت 28 تموز؛ إذ تعادل في اثنتين و فاز في اثنتين، وابتعد عن مراكز الهبوط محققًا المركز السادس.

يعتبر الكثير من جمهور الفريق هبوط الفريق إلى دوري الدرجة الأولى أمرًا غير لائق لفريقٍ من أعرق أندية دوري المحترفين، ويصف السموعي الهبوط بأنه «خط أحمر» لا يُسمح به في الرمثا.

يتحدّث الجمهور ورؤساء لجان النادي المؤقتة ورؤساء النادي حول أهمية الاستثمار بالفئات العمريّة كحلٍ يمكن أن يخلّص الفريق من معظم مشاكله الماليّة، مثل الاعتماد على تصعيد المواهب الناشئة للفريق الأول بدل شراء خدمات المحترفين، أو بيع وإعارة بعضهم إلى أندية محليّة وعربيّة. يُذكر أن أكاديمية النادي تضم حوالي 150 لاعبًا موزعين على مختلف فرق الفئات العمرية، يعتبرهم خالد الزعبي أفضل استثمار للنادي، و«بغذوا النادي 10 سنين لقدّام».

يعترف خالد الزعبي بوجود أخطاء في التعاقدات سابقًا لذا يقول إن هناك لجنة الآن في النادي ستتخذ قرار التعاقد بتأنٍ أكثر. لكن بأي حال، وبغض النظر عن النتائج، يقول السموعي إن «الجمهور ما بتخلى عن النادي».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية