الملاكم أبو جاجة: من مخيم البقعة إلى الثالث على العالم

الملاكم أبو جاجة: من مخيم البقعة إلى الثالث على العالم

الإثنين 05 حزيران 2023

حين وصلت بعثة المنتخب الأردني للملاكمة إلى مطار الملكة علياء عائدةً من مشاركتها ببطولة العالم الشهر الماضي كان في استقبالها جمهور من محبي الملاكمة في الأردن. وبينهم، وقفَ رجل خمسينيّ أشيب، اتجه نحوه محمد أبو جاجة (25 عامًا)، أحد ملاكمي المنتخب، وألبسه ميداليته البرونزية التي حصل عليها كأول ميدالية في تاريخ الملاكمة الأردنيّة في بطولة العالم. لم يكن هذا الرجل الخمسيني غير «المعلّم» كمال أبو ساطي وقد عرفه أبو جاجة لأول مرة العام 2008 حين كان يزن ثلاثين كيلو جرامًا، وعمره عشر سنوات، ويتجوّل مع أولاد الحارة في مخيم البقعة.

كانت هذه الميدالية، واحدة من مجموعة ألقاب حصل عليها أبو جاجة خلال سنة واحدة فقط، إضافةً إلى الميدالية الذهبيّة في بطولة آسيا، وأفضل ملاكمٍ فيها. أبو جاجة أول ملاكمٍ أردنيّ يحصل على هذه الألقاب في تاريخ الملاكمة الأردنية؛ ليس ذلك وحسب؛ لقد صعد، مرّة واحدةً، في تصنيف الاتحاد الدولي للملاكمة من ألّا يكون له تصنيف، إلى المركز الثالث خلال هذه السنة.

محمد أبو جاجة خلال تدرّبه مع معلّمه كمال أبو ساطي.

فريق العَرَبَات في مخيم البقعة

كان قد مرّ جيلان من الملاكمين على نادي البقعة حين دخل محمد أبو جاجة حلبة ملاكمة لأوّل مرةٍ مع أولاد حارته العام 2008 وكان عمره حينها عشر سنوات. 

ظهر الجيل الأول في تسعينيّات القرن الماضي، ومنهم: محمد أبو خديجة وأيمن النادي وفائق الهنداوي ومحمد عشيش وتيسير الجمّال، واستمروا في اللعب حتى بدايات العقد الأول من القرن الجديد، ثم ظهر الجيل الثاني بعدهم مباشرةً، ومنهم: محمد الوادي وفرج وإيهاب درويش واستمروا في اللعب حتى سنوات قليلة ماضية.

سيطر ملاكمو النادي من الجيليْن على الألقاب المحليّة، وحصدوا بعض الألقاب العربيّة والدوليّة،[1] ليس ذلك وحسب، إذ أطلق النادي أوّل بطولة دوليّة ينظمها نادٍ تحت اسم بطولة البقعة الدوليّة عام 1996، والتي استمرت حتى يومنا هذا باسم آخر هو بطولة ميلاد القائد.

بسبب هذا كلّه؛ حظيت الملاكمة بشعبيّة واسعة بين أطفال المخيم، فالتحقوا جماعات للتدرّب عليها في النادي خلال العطل الصيفيّة وكان منهم أولاد حارة محمد أبو جاجة.

لعدة أسابيع تدرّب أبو جاجة على الملاكمة على يد المدرّب كمال أبو ساطي، لكنه ترك الملاكمة مثل كثير من المتدربين من أجل العمل على عربة تحميل وتنزيل الخضار في حِسبة المخيم. لكن أبو ساطي حاول معهم، على مدى أسابيع، لإعادتهم إلى حلبة الملاكمة.

محمد أبو جاجة مع صورة أرشيفية له من العام 2009.

يعتقد أبو ساطي أن أسلوب العيش القاسي هذا يربّي ملاكمًا صلبًا بالعادة، لهذا ركّز على رجوع هؤلاء الأطفال إلى النادي، وكان منهم أبو جاجة: «صار عنّا فريق كامل كنّا مسميينهم فريق العَرَبَات، كلهم يشتغلوا بالسوق»، يقول أبو ساطي. فيما يذكر أبو جاجة تلك السنوات بالقول: «كنت وِرِش، كان عندي طاقة كثير، وأعمل مشاكل في السوق، [الملاكمة] بتفرّغ الطاقة». 

شارك هذا الفريق في بطولات المملكة المحليّة، وحصد بعض ألقابها، وكان منهم عبادة الكسبة وعادل درويش وأحمد درويش وزيد أبو خشم وعبدالله أبو شمعون، بالإضافة إلى محمد أبو جاجة الذي حصل على برونزية بطولة المملكة للملاكمة عام 2008 وكانت تلك أول ميدالية يحصل عليها.

بعدها، انتظم أبو جاجة في التمرين ليحصل عام 2009 على ذهبيّة بطولة المملكة في وزن ثلاثين كيلو جرام، ويبقى صاحب الذهبية في كل سنة بعدها إلى حين أغلقَ النادي صالة الملاكمة العام 2014. [2]

كان أبو جاجة، إضافة إلى أسماء أخرى مثل: زياد وحسين عشيش وعدي الهنداوي وعبادة الكسبة الجيل الثالث من الملاكمين في المخيم الذين ذهبوا بالملاكمة الأردنية إلى أعلى مستوىً لها في تاريخها؛ مثل تصدر التصنيف العالمي، أو الحصول على أول ميدالية في بطولة العالم. 

صورة من العام 2012 لأبو جاجة مع كمال أبو ساطي.

«يا ملاكمة يا شغل»

رغم صغر سنّه، أيقن أبو جاجة أن الملاكمة لن تكون أولوية له بسبب الوضع المعيشي الذي تعيشه عائلته، فالأب يعمل سائق شاحنة، وبيتهم المبنيّ حديثًا على أطراف المخيم ظلّ لسنوات غير مكتمل البناء بسبب كثرة الديون، فنام فيه على الرمل، وأُغلقت نوافذه بأكياس البلاستيك؛ لذا اتجه لتعلّم مهنة النجارة عام 2015 في كلية تدريب وادي السير التابعة لوكالة الغوث، ليعمل بعدها في شركة خاصّة لتركيب المطابخ وخزائن الحائط براتب 190 دينار. وهنا اقتصرت ممارسته للملاكمة على الاستعداد لأسابيع قليلة للمشاركة في بطولة المملكة؛ يتدرّب ويحصد الميدالية الذهبية ثم يعود للعمل. 

لكن هذا تغير حين استدعاه المدرب أيمن النادي للمشاركة في بطولة ودية في تركيا، فسافر لمدّة 12 يومًا، وبعدها استدعاه مدرب المنتخب الأردني، المدرب الجزائري عز الدين عقون أكثر من مرة للالتحاق بالمنتخب لكنه رفض بسبب عمله، «كنت مسافر على تركيا [قبلها] والمهندس قلّي أول وآخر سفرة هاي، يا ملاكمة يا شغل».

تكررت استدعاءات مدربي المنتخب لأبو جاجة، وفاتح والدته بالموضوع فقالت له: «يعني إنت تركت الدراسة عشان الملاكمة، ما بدك تترك شغل 190 دينار عشانها؟ اترك وربنا بفرجها عليك».

هكذا، ترك العمل والتزم بالتدريبات، لكن دون أن يختاره المدربون في بعثات التدريب والبطولات الخارجية؛ التي كانت أمله الوحيد تلك الفترة لتحقيق إنجاز دوليّ، وتحقيق عائد ماديّ. ولذا قرّر أخيرًا ترك الملاكمة والعودة إلى العمل، ولكن هذه المرّة مدربًا للياقة البدنية في نادٍ خاص براتب 450 دينار. «قلت أنا بدي أظلني عايش الفقر والطفر؟ بدي أروح أشتغل وأسدّد ديوني، وهيك شفت الحياة، أدرب وأعيش حياتي، قلت بديش أرجع ألعب ملاكمة».

في العام 2018، قُبل أبو جاجة كمجندٍ مدنيّ يمارس الملاكمة في قوّات الدرك براتب 340 دينار فوفرت له هذه الوظيفة راتبًا ثابتًا ومكنته من مواصلة لعب الملاكمة في نطاق مديريات الأمن. استدعي للتدرب مع المنتخب مرة أخرى في 2019 لكنه لم يحظَ بفرصة السفر للمعسكرات التدريبيّة أو المشاركات الدوليّة، وبعد دخول كورونا العام 2020 قال أبو جاجة «تحرم عليّ ألعب ملاكمة» ونسي نفسه وارتفع وزنه من 60 إلى 69 كيلوغرامًا. 

وهنا، جاء كمال أبو ساطي مرّة أخرى، وأقنعه ليشارك في بطولة المملكة، فتدرب صباحًا مع الدرك، ومساءً مع أبو ساطي، واعتمد نظام تغذية ذاتي قاسٍ خسر معه تسعة كيلو غرامات خلال شهرين. وقبل البطولة بأيّام قليلة، عانى أبو جاجة من نقص السوائل، وتشنجات في الأقدام، وانخفاض مناعته، لكنه مع ذلك لعب بطولة المملكة عام 2021 وحصل على الميدالية الذهبية واختير للمنتخب لكنه رفض، وذلك بسبب تكرار عدم استدعائه للبطولات الرسمية. 

في تلك الفترة، عاش أبو جاجة تحت وطأة ضغوط نفسيّة كبيرةٍ تتعلّق باختيار مستقبله، بدأت أولًا بالحاجة لاختيار أحد اثنين؛ العمل أو الملاكمة، ثم لمّا تخلّى عن العمل لأجل الملاكمة لم يمنحه مدربو المنتخب الفرصة للمشاركة الدوليّة.

الهدف التالي لمحمد هو الحصول على ميدالية في الأولمبياد.

يلعب أبو جاجة بأسلوب مختلف عن أسلوب ملاكمي المنتخب والأسلوب السائد في لعب الملاكمة في الأردن بشكلٍ عام، ويُعرف أسلوبه بالأسلوب المكشوف. في هذا الأسلوب، لا يرفع الملاكم يديه على وجهه لاعتراض لكمات الخصم، إنما يعتمد المراوغة لتفادي اللكمات في وضع الدفاع، ثم اللكم بسرعة والانسحاب إلى الوراء في وضع الهجوم.

يتطلّب هذا الأسلوب من الملاكم الذي يلعب به الكثير من الحذر، وامتلاك ردة فعل سريعة، ومرونة في الخصر تساعده للانحناء، بالإضافة إلى حدس قويّ لأخذ مسافة أمان بعيدًا عن لكمات الخصم. وللمخاطر التي يشملها، لا يفضل المدربون هذا الأسلوب، فيما يفضّله جمهور الملاكمة لما فيه من جماليات وتقنيات تقوم على تسجيل النقاط بدل الضربات القوية والقاضية، بالإضافة إلى جماليّة استعراض الملاكم فيه وكأنه يرقص مع خصمه.

يقول أيمن النادي الذي درّب أبو جاجة لفترة قصيرة في بداياته، واختاره للمشاركة في بطولة تركيا. «ما كان حدا يتطلع على محمد أبو جاجة [بالمنتخب]، وكانوا بحبوش هذه النمطية باللعب بالبلد».

عيّن الكوبي داغوبيرتو سكوت مدربًا للمنتخب الأردني في شهر تموز من العام الماضي، وأعجبه أسلوب لعب أبو جاجة الذي يشبه أسلوب لعب الكثير من ملاكمي كوبا، واستغرب من عدم مشاركته دوليًا وحصوله على ميدالية دولية حتى الآن رغم مستواه المرتفع، كما يقول أبو جاجة: «قلّي رح أعطيك فرصة، قلتله: كلهم بيقولوا هيك».

سافر أبو جاجة للمشاركة في بطولة دوليّة ودية بالبوسنة العام الماضي، لعب فيها ثلاث نزالات وفاز فيهن مستخدمًا الأسلوب المكشوف في اللعب، ليحصل على الميدالية الذهبيّة، بالإضافة إلى جائزة أفضل تكنيك في البطولة.

يُرجع النادي تطور أسلوب أبو جاجة في اللعب المكشوف إلى السنوات التي قضاها خارج المنتخب متخلّصًا من الضغوط، في حين وفرت له مشاركته في البطولات المحلية التي كان مستواه فيها أعلى من منافسيه مساحة لتطبيق أسلوبه دون مساعدة أحد.

يقول أبو جاجة إنه اختار هذا الأسلوب لأن وضعية رفع اليدين عند الوجه، في حالة الدفاع، تفقده التركيز، «أسلوبي زي الملاكمين الكوبيين أنا بلعب طويل، عندي سرعة، [بس] خطورتها توكل لكمة تقع، بدك تكون قايس مسافة [مع الخصم] وتكون حذر بالمقابل».

رافق أبو جاجة بعثة المنتخب لمعسكر تدريبيّ إلى تايلاند، وأدخله داغو للعب مع أوزان أعلى منه، وبذا حصل أبو جاجة على مراده من معسكرات الاستعداد الدولية الوديّة، ليدخل ضمن فريق المنتخب المشارك في بطولة آسيا المقامة في الأردن تحت وزن 60 كيلو غرامًا.

فاز أبو جاجة في النزال الأوّل لعدم صعود الخصم، في الثاني فاز على الملاكم الياباني، وكان النزال الثالث أمام الملاكم الكازاخستاني الأبرز، «لو تعرف شو الكازاخستاني؟ معاه ذهبية آسيا»، يقول أبو جاجة.

دخل أبو جاجة الحلبة ونفذّ أسلوبه المكشوف منذ البداية، الأيدي إلى أسفل، يخطف لكمة وينسحب إلى الوراء، ويراوغ لكمات الخصم بالخصر، ليحسم النزال في أول جولتين، ويستعرض بالأسلوب المكشوف على بطل آسيا في الجولة الثالثة، ويواجه الملاكم المنغولي في النهائيّ ويحصد أول ميدالية ذهبية للأردن في آسيا، بالإضافة إلى جائزة أفضل لاعب فيها.

أخذ أبو جاجة ألف دينار لقاء فوزه بالميدالية، ودخل تصنيف الاتحاد الدولي للملاكمة لأوّل مرة بالمرتبة 11 عالميًا، وصرفت له اللجنة الأولمبية راتبًا شهريًا قدره 410 دينار. غيّرت هذه البطولة من حياة أبو جاجة، وكان أول ما فعله هو أن أوفى بنذره: ذبح خروفين وعقد قرانه، وصار تركيزه في الحياة على الملاكمة فقط، «لو ربنا ما رزقني بهذا الراتب بجوز للآن ما خطبت».

وتحسن وضعه أكثر مع المنتخب، حين ألحقه داغو بمعسكر المنتخب المغلق في مركز الإعداد الأولمبي ليتدرّب في فترتين؛ صباحية ومسائيّة من يوم السبت إلى الخميس. ومع بداية سنة 2023 شارك رفقة المنتخب في بطولة الحزام الذهبي في المغرب، وحصل على الميدالية البرونزية حيث ستحسّن لاحقًا هذه الميدالية من تصنيفه عالميًا، ثم سافر مع المنتخب إلى معسكر في بلغاريا، وكان كل ذلك بخطة من المدرب الكوبي داغو استعدادًا لبطولة العالم، «داغو دعمني، كنت بدي واحد يوصلني للعتبة».

أبو جاجة مع المدرب الكوبي داغوبيرتو

«غيرت أسلوبي لأنهم دارسيني»

في بطولة العالم التي أقيمت في أيّار الماضي في العاصمة الأوزبكية طشقند شارك أبو جاجة تحت وزن 60 كيلو جرامًا أمام ملاكمين بخبرات طويلة مقارنةً مع خبرته الدوليّة القصيرة، بالإضافة إلى شراسة النزالات. عاين أبو جاجة ذلك في أوّل نزال له مع الملاكم الكازاخستاني الذي بدأ بسرعة وشراسة واندفاع فوقع أبو جاجة أرضًا، ثم استعاد توازنه، وبدأ يطبق أسلوبه. فاز في جولة، وخسر أخرى، وفاز في الثالثة الفاصلة التي اعتمد فيها أسلوب الضرب والانسحاب لكنه كان قد أنهك تمامًا. «كنت أرجّ، إرهاق، وجسمي تكسّر».

بعد كل نزال ينظر أبو جاجة في المرآة ويرى أثر اللكمات تحت عينيه وعلى الوجنتين، ويعتبر هذه الآثار مثل أثر أي مهنة على جسد صاحبها. وعن الخوف من أي نزال مقبل بعد النزال الذي ينهيه يقول أبو جاجة إن الخوف ليس واردًا في ذهنه، إنما هناك خوف وحيد هو الخوف من الخسارة، مثل خوف أي موظف أو عامل من الإخفاق في وظيفته. 

في النزال الثاني مع الملاكم الفيجي كان أبو جاجة أكثر حذرًا بسبب قوّة لكمات الخصم التي أنهت النزال الذي قبله بالضربة القاضية، ليفوز فيه ويُلاقي الملاكم البلغاري في النزال الثالث.

كان هذا النزال الأبرز في حياة أبو جاجة لأنه سيؤهله للحصول على أول ميدالية في تاريخ الأردن، وزاد توتره خسارة اثنين من أفراد المنتخب هما حسين ويوسف عشيش في صباح يوم نزاله. بالإضافة إلى الرسائل التي وصلته من الأردن والتي تطالبه بالفوز، وخاصةً تسجيلٌ صوتيّ بعثه له أبوه. يقول أبو جاجة «عمره ما صار معي هذا الشعور، أبوي بعثلي وهو برجّ من الخوف، قشعر بدني، الأردن كلها ترن علي، [وأنا قلت] بدي أركّز».

دخل النزال حذِرًا واضعًا يديه على وجهه بخلاف أسلوبه، خسر الجولة الأولى ثلاثة إلى اثنين، وفاز في الثانية ثلاثة إلى اثنين، وفي استراحة ما قبل الجولة الثالثة طلب منه «داغو» عدم الهجوم والتزام التمويه، وتحيّن الفرصة للكم والانسحاب سريعًا، واستفزاز خصمه، كان يقول «خليه يهجم، ارقص».

طبّق أبو جاجة أسلوبًا هجينًا بين المكشوف والمغلق، لينتهي النزال بفوزه أخيرًا؛ «الشعور لا يوصف، [هاي] أعلى ميدالية بتاريخ الأردن، وداغو قلّي سيبك من الصحافة وروح ارقص، قالوله الجمهور واللاعبين بدهم يسلّموا عليه، داغو قلّي: روح ارقص ولا توقف».

نزال أبو جاجة مع اللاعب البلغاري، والذي حصل بعده على أول ميدالية للأردن في بطولة العالم.

في النزال الأخير مع الكوبي، دخل أبو جاجة بنيّة الفوز والحصول على الميدالية الذهبيّة بالرغم من إصابة يده اليمنى في النزال الأخير، وتلقي ضربة غير قانونية على رأسه أثّرت في تركيزه. خسر الجولة الأولى والثانية، فحاول إنهاء النزال بضربة قاضية حتى لو عنى ذلك كسر يده، لكنّه لم ينجح. يقول: «قالوا اكتفيت بالبرونزية، ما فيه منه الحكي».

لن يتوقف أبو جاجة عن اللعب، وما زالت أمامه عدة سنوات في الملاكمة، إذ أنه يمكن للملاكمين عادة اللعب حتى سن الثلاثين، ولذا عينه اليوم على دورة الألعاب العربية التي ستقام في تموز المقبل، ومن ثم على التأهل للأولمبياد. «الكل بيقول هسا أبو جاجة بيجيب ذهبية -يضحك- ضغط كبير».

أبو جاجة في مركز الإعداد الأولمبي مع ملاكمي المنتخب الوطني.

خلال إجراء المقابلة ببيته، كان يتفقّد هاتفه بين لحظة وأخرى، ليخبرنا نهاية المقابلة أن التصنيف صدر وحصل على المركز الثالث عالميًا. 

تبلغ قيمة الجائزة 50 ألف دولار، يراهن عليها لتنهي زمنًا نام فيه مع إخوته على الرمل، في غرفة دون شبابيك. «بدي أتجوز، أسدد الديون اللي مش راضيات يخلصن».

من هذا البيت لطالما خرج إلى المشاركات المحليّة ثم الدوليّة حالمًا في أن يصير يومًا ملاكمًا مثل المغربي محمد ربيعي، أو الجزائري محمد فليسي، وربمّا ملاكمًا محترفًا مثل نسيم حميد، الذي يلعب بالأسلوب المكشوف، كما يقول. 

يجلس أمام البيت ويتذكر كل الأحداث والوجوه التي أوصلته إلى هنا: «أنا ما بستحي من ظروفي، من هون طلعت».

  • الهوامش

    [1] فمثلًا حصد محمد أبو خديجة بين 1997- 2001 ميدالية ذهبية في كل من: الدورتيْن العربيتين الثامنة والتاسعة، وبطولة غرب آسيا، وميدالية فضيّة في دورة الألعاب الآسيوية وبطولة الجزائر.

    [2] انتقل النادي بعدها إلى خارج المخيم، ولم يضمّ المبنى الجديد صالة ملاكمة. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية