زيدان

مسيرة لا مثيل لها: زيدان في عشر مباريات

تصميم محمد شحادة.

مسيرة لا مثيل لها: زيدان في عشر مباريات

الإثنين 21 تشرين الثاني 2022

نشر هذا المقال في العدد 23 من مجلة مونديال، تشرين الأول 2022. 

المباراة الأولى

ريـال مدريد 3-1 ديبورتيفو لاكورونيا

في الساعة 8:27 مساءً بتوقيت مدريد، في الخامس من كانون الثاني من عام 2002، خرج لاعبو ريـال مدريد من النفق في ملعب سانتياغو برنابيو وأخذوا أماكنهم لمواجهة ديبورتيفو لاكورونيا، في مباراة بين أفضل فريقين في الدوري.

يبدأ المباراة لاعب ديبورتيفو المهاجم الهولندي روي ماكاي، ومُنظّم خط الوسط خوان كارلوس فاليرون، وعلى مقاعد البدلاء، ينتظر المهاجمان الحاسمان دييغو تريستان ووالتر باندياني.

هذا ليس أي ريـال مدريد؛ إنه فريق الغالاكتيكوس (Galacticos) الأول: روبرتو كارلوس ظهيرًا أيسر، فرناندو هييرو يعدل شارة القيادة وكأنه كلينت إيستوود، فيغو هناك، يمرن رقبته، فيما يستعد ماكيليلي ليعطي درسًا في التدبير العفوي والتمرير التنبّؤي. وفي المقدمة، راؤول ومورينتس؛ ثنائي خط الهجوم المثالي. وبالطبع، زين الدين زيدان على اليسار. وليس فقط أي زيدان، لو كان هناك «أي زيدان» أصلًا، بل زيدان الذي كان تاجه ثقيلًا لدرجة أنه انزلق وأخذ معظم شعره معه. قد يكون زيزو، الذي ينتظر بدء المباراة، هو أغلى لاعب على الكوكب، لكنه لا يعتبر الأفضل. بل العكس تمامًا، لقد انتهى للتو في المركز التاسع في تصنيف الكرة الذهبية، على بعد 162 نقطة من مايكل أوين، ومتخلفًا عن توتي وريفالدو. وإذا تجاهلت كأس السوبر في آب، فهو لم يفز بلقب مهم مع النوادي التي لعب فيها منذ لقب الدوري الإيطالي عام 1998. يتسابق الناس في إسبانيا ليُؤكدوا أن الـ77 مليون يورو التي دفعها ريـال مدريد الصيف الماضي كانت تبذيرًا. سيخبرونك على الراديو وفي الحانات، بين دفقات من التشوّش الإذاعي ودخان السجائر، أنه يرتدي الرقم 5 مع البلانكوس (Los Blancos) لأنه يلعب بنصف جودة ما يلعبه عندما يرتدي الرقم 10 مع فرنسا.

كانت هذه معضلة زيدان. ريـال مدريد ليس ناديًا يسهل الانضمام إليه. في الواقع، ربما يكون أصعب بيئة رياضية يمكن أن تنجح فيها بعد صفقة بلغت مبلغًا قياسيًا عالميًا. يسلط عليك مجهر يفحص كل حركة ويضخّمها، وتحتاج لمنظار ليمر يومك دون أن تصاب بالجنون. إنه النادي الملكي؛ إنه ريـال مدريد، بخيره وشره، مصيبًا ومخطئًا، نادٍ لا مثيل له. 

لم يُجلب زيدان ليركّز على تسجيل الأهداف، أو منعها، أو حتى مجرد صناعتها. لقد جُلب، مقابل مبلغ يكافئ فديات عدة ملوك، ليوحّد كلّ الفريق، ليجمع بين البرازيلي الخطير، والبرتغالي المندفع. ليتحرك في أنصاف المساحات التي تخلقها حركات راؤول ومورينتس المتزامنة، ليصير الملحن وقائد الأوركسترا في نفس الوقت، وليقدم ما يكفي من المقطوعات الشعرية الصاخبة لمنع الجمهور من إغلاق تلفازهم.

الساعة 8:39 مساءً، 5 كانون الثاني 2002، والبيرنابيو مشتعل مع أول مباراة على أرض الريـال في العام الجديد. يفتتح مورينتس النتيجة بعد خمس دقائق. ماكاي يرد بضربة جزاء بعد ثمانية دقائق. اثنان من أكثر المهاجمين الذين لم يحظوا بالتقدير الكافي في العصر الحديث يبدآن بالمقبّلات. 

علاقة الحب بين زيدان الهادئ والذكي، وريـال مدريد الصاخب والمظلم، هي واحدة من أكثر علاقات الرياضة رسوخًا. رغم ذلك، بينما كان يجري بالتوازي مع لويس فيجو الفتّاك، بعد أقل من 60 ثانية من هدف ماكاي، كانت هذه مجرد حركة أخرى من مليون حركة آمِلةٍ حدثت على هذا العشب. يتبادل فيغو الكرة مع راؤول، ويجذب دفاع الديبور نحوه بينما يستلم الكرة على بعد 30 ياردة. ثم ينقلها إلى زيزو، الذي كان على حافة منطقة الجزاء، وعلى وشك القيام بشيء فاتن للغاية، ودقيق للغاية، ومليء بالقدرة الفنية والاختيال والإتقان، لدرجة أنك يمكن أن تشاهده مرارًا وستتفاجأ في كل مرة بالخيارات التي يتخذها، وبنتيجة تلك الخيارات.

يستلم لمسة الكرة الأولى التي لُعبت تجاهه، بالجزء الخارجي من قدمه اليمنى، بدلاً من الاختيار المنطقي بالاستلام باليسرى. لا يوجد سبب وجيه لفعل ذلك، إلا لبدء الخداع، ليضع المدافع في وضعية يكون فيها جسمه غير متوازن وذهنه مربكًا من البداية. إنها لمسة خفيفة، لكن الظهير الأيمن ذهب بالفعل لتغطية يساره. يتراجع زيدان بقدمه اليسرى بسرعة، ويجد المدافع المسكين نفسه مواجهًا لعلم الزاوية، ينظر من فوق كتفه إلى الكرة، وعندما يبدأ في الدوران، تتدحرج أزرار حذاء زيزو الأيمن على الجزء العلوي من الكرة، وعبر المدافع من جديد.

والآن نبدأ. يدفع زيدان الكرة بيساره لتتسارع. إنها تبتعد عن المرمى، لكن هذا لا يعني شيئًا. لقد انطلق الآن. الكل يرى ذلك، الكل يسمع ما في رأسه. الجمهور خارج مقاعدهم، وقصاصات الورق في الهواء، بينما ترسل قدمه اليسرى الكرة صارخةً في شباك المرمى، ويركض هو نحو الجمهور.

 استغرق الأمر كله حوالي ست ثوانٍ، ولكنه نتيجة عمر من التدريب، من مباريات الـ40 شخصًا في حي لا كاستيلان، من التطور في الأكاديميات، والاعتزاز بالكرة فوق كل شيء آخر، من حجب الضوضاء، المسموعة والمتخيلة، من إيمان داخلي لم يتزعزع أبدًا. ما تبقى من المباراة، والموسم، كان عرض زيدان. كل اللمسات التي تعثرت والتمريرات التي لم تصل في المباريات السابقة، وجدت أهدافها الآن.

في صباح اليوم التالي، طبعت صحيفة ماركا الصفحة الأولى بحرف Z ضخم مقلوب في الغلاف الأمامي، إشارة إلى أسطورة زورو. ما عاد أحد يشكك في المبلغ المدفوع له بعد ذلك، أو بقدرته، وما عاد رقم قميصه يستخدم كمصدر للسخرية من قبل متصلي الراديو ورواد الحانات. حتى اعتزاله بعد أربع سنوات، ظلّ محط الاهتمام، متحكمًا، وخلابًا، وشيقًا. خمس لمسات، ست ثوانٍ، غالاكتيكو واحد يسودهم جميعًا.

المباراة الثانية

إسبانيا 1-2 فرنسا، 25 حزيران 2000

تتدفق بقعة مشرقة من شمس منتصف الصيف قطريًا عبر استاد جان بريدل في بلجيكا وتضيء وجوه الجماهير. يتقافز الأسبان ذوو القبعات المسطحة باللونين الأحمر والأصفر، وتلوح مجموعات من المشجعين الفرنسيين بالألوان الثلاثة، مرتدين قبعات كعرف الديك على رؤوسهم الفرنسية. يحني بييرلويجي كولينا رأسه تحت إطار الباب المؤدي إلى النفق ويخرج. من يظهر قبل الأخير هما رجلان على وشك قضاء تسعين دقيقة في اختبار مكان كل منهما في السلسلة الغذائية: زين الدين زيدان مرتديًا الرقم 10، وبيب جوارديولا مرتديًا الرقم 4.

كان بيب طالبًا في أكاديمية لا ماسيا الرياضية منذ أن كان في الـ13 من عمره، وكان محور خط وسط برشلونة المتغير عبر السنوات. بكأس أوروبا، وستة من ألقاب الدوري الإسباني، كان بيب ضابط فريق أحلام كرويف، وكابتن فان خال، واللاعب الذي وصفه تشافي وفابريجاس وبيرلو بالرجل الذي خطّ المسودة لهم. لم يلعب بيب ضد زيدان من قبل. عينا زيزو يقظة. في البرية، يمكن للحرباء تحريك عينيها بشكل مستقل عن بعضهما البعض لتلاحظ اقتراب جسم ما، بينما تمسح في نفس الوقت بقية محيطها. الرؤية الأحادية، حيث تُستخدم العينان للنظر إلى أشياء منفصلة في وقت واحد، أمر شائع في الحيوانات المفترسة. تخيل أنك قادر على رؤية شيئين مختلفين، في أماكن مختلفة، يحدثان في نفس الوقت.

لم يمر أكثر من 72 ثانية حتى استخدم زيدان رؤيته الأحادية ليختفي عن أنظار بيب جوارديولا لأول مرة. رمية تماس من الجانب الأيمن في نصف إسبانيا، يترك زيزو ​​الكرة ترتد مرة واحدة على جسده، ويقبلها بركبته اليمنى، ويتحرك إلى اليسار، والآن هناك ثلاثة لاعبين إسبان يلحقون به، منهم بيب. يندفع بالكرة، يفلت منهم، ويرسل عرضية. في هذا الفيلم الوثائقي عن الطبيعة، فشلت المحاولة الأولى للمفترس، وألغي العشاء.

خلال الـ91.5 دقيقة القادمة، سيكون بيب دائمًا قريبًا من فريسته، لكنه لن يكون قريبًا بما فيه الكفاية. سيصبح زيزو المفترس الرئيسي. سيرسل الكرة من فوق بيب ويروضها بظاهر حذائه، ولن يكون بيب قريبًا بما فيه الكفاية. سيخرج بالكرة من زحمة الإسبان، ويخطو نحو المساحات الفارغة، ولن يكون بيب بالسرعة الكافية. سيرسل ركلة حرة نحو الزاوية العلوية للشبكة من على بعد 25 ياردة، ولن يقفز بيب وجداره عاليًا بما يكفي. يسحب زيان الكرة حول بيب في منتصف الملعب، ويمرر عرضيات عبره نحو الأجنحة، ويراوغ بالكرة على حافة صندوق جزاء فرنسا.

كان أداء ساحقًا لدرجة أن بيب ذكره في مؤتمر صحفي بعد 20 عامًا، بعد أن لعب مانشستر سيتي ضد ريـال مدريد الذي يقوده زيدان. نظر بيب إلى غرفة مليئة بالصحفيين دون استعجال، وقال: «لقد لعبت ضده في المنتخب الوطني ضد فرنسا، وعانيت كثيرًا». بعد أربع سنوات على أول بطولة كبرى له، وستة قبل آخر بطولة له، كان زيزو يأخذ كرة القدم الدولية، ويحولها إلى ملحمة على قمة جبل أوليمبوس. عين واحدة على بيب، وأخرى على البيئة المحيطة، والعالم بأسره يترقب ماذا بعد.

المباراة الثالثة

فرنسا 2-1 البرتغال، 28 حزيران 2000

أفضل فئة من الأفلام هي أفلام السطو. بطاقم ممثلي الصف الأول، والحوار المتقطع، والمهن التي يُعاد إحياؤها بشكل مجيد، ومشاهد الخروج بضربة مدوية: إنها مليئةٌ بالمآسي والخطر، والشياطين المخادعة التي أوهمت العالم بأنها غير موجودة. إذا كانت يورو 2000 هي أكثر البطولات سينمائيةً في حياتنا، فإن نصف النهائي بين فرنسا والبرتغال هو أعظم فيلم سطو رياضي.

فقط انظر إلى الممثلين. بارتيز، رجل الإلكترونيات المهووس الذي يصرخ «بانغ» كلما قطع سلكًا. أبيل كزافيي، تاجر المسروقات شديد الاكتئاب. أنيلكا وهنري هما أبناء العمومة المتناقضان اللذان حصلا على دورهما لأن لوران بلان اعتاد تهريب السجائر مع عمهما، وقضى خمس سنوات في سجن لا سانتي مع رفيقه مارسيل ديسايي، الذي يعرف رجلًا، يعرف رجلًا، وهذا الرجل هو فرناندو كوتو بنظرته التي تجمد العظام. ديشامب رجل الشرطة، فييرا وبيتي مفتولا العضلات، وروي كوستا هو مفكك القنابل الذي يُقتل في بداية الفيلم.

وزيزو؟ لقد مرت ثلاثة أيام على تحويله بيب إلى تشارلي تشابلن، وهو على بعد أربعة أيام من تتويجه كأفضل لاعب في البطولة. كان عرضًا من ثلاث مباريات، في عام اعتبره الأفضل في مسيرته. كان البطل الرئيس: مهيبًا، ومراوغًا، وعديم الرأفة تمامًا. وهو على وشك إتمام تحفة فنية.

هناك ثلاث نسخ لعملية السطو هذه. المباراة الكاملة، مدتها 117 دقيقة، وتقييمها 9.2 على IMDB. ثم هناك ملخص مدته ثلاث دقائق، وهو جيد، حقًا جيد. نشاهد فيه نونو غوميز وهو يحطم نافذة صراف البنك ويأخذ ما وراءها، والمشاجرة القوية في النهاية عندما تتفكك العصابة بأكملها وينتهي بهم الأمر في السجن بأحكام مطولة. لكن ما نشاهده الآن هو نسخة الـ81 ثانية: اللقطات الأمنية التي يُعثر عليها ملقاة في الحاوية، ولا يراها أحد إلا بعد فوات الأوان. هناك تمريرة تلتف حول ساقه الواقفة لإرباك الحراس، ومراوغة طويلة متعرجة مع ثلاثة أنواع مختلفة من الخطوات للتخلص من الكلاب التي تلاحقه، ودوران، وقفزة، ومشيٌ على أطراف أصابعه لكي لا يُطلق صافرات الإنذار. يضرب كوعًا في الضلوع لإثبات تفوقه، وتطلق ساقه تمريرة عندما يبدو كل شيء ضائعًا. إنه يتحرك بسهولة شديدة من الظل إلى الضوء. يستلم كرة على صدره، ويلوي جسده، ويفتح الخزنة. نقرات بعد نقرات، والأرقام الموجودة على الخزنة تأخذ مكانها الصحيح. 117 دقيقة بالضبط، والجمهور على أحر من الجمر. خمس خطوات متوترة، وتُرسَل ركلة الجزاء. الهدف الذهبي. أُفرغت الخزنة، وشُغّلت سيارة الفرار.

المباراة الرابعة

بوردو 3-0 أيه سي ميلان، 19 آذار 1996

إذا تمعنت بمسيرات اللاعبين العظماء عن قرب، يمكنك تحديد لحظة فارقة انقلبت فيها الأمور بشكل كبير، وخرج فيها الجني من القمقم وتضخم إلى أن رأى الجميع حجمه الحقيقي.

لم يكن زين الدين زيدان باللاعب الشاب في 19 آذار 1996. كان تاج رأسه الآن، في الرابعة والعشرين من عمره، واضحًا للعيان من أعلى. كان محطّ أنظار الكشافين، آخذًا مكان إريك كانتونا كمحور المنتخب الفرنسي. مع ذلك، لم يكن باللاعب القائد. نعم، كان لاعبًا رائعًا، مبدعًا، ومحطًا للمديح والاحترام، لكن لم ينظر له أصحاب النوادي والمحاسبون كرجل يمكنه حمل فريق كبير على كتفيه. ثم دخل نادي ميلان إلى بوردو، متقدمًا 2-0 في ذهاب ربع نهائي كأس الاتحاد الأوروبي. حجم الخصم، مع وجود رباعي الدفاع الشهير فيه، ومواطنه مارسيل ديسايي في الوسط، وحاملي الكرة الذهبية روبرتو باجيو وجورج ويا في المقدمة، وخطر نتيجة الذهاب، جعلها على الأغلب أكبر مباراة نادٍ لعبها زيزو. 

«كأنها مقطع دعائي للسنوات العشر التالية»، هكذا وصف مايكل جيبونز أداء زيدان، وهو على حق. إنه زيدان بأفضل ما كان: تلاعبٌ بالخصوم، وتمريرات بكعب القدم، وكرات حريرية بذاك الأسلوب حيث يبدو كأنه يتفادى لكمات خصم يدور حول نفسه. التوازن والقوة موجودان، وكذلك الوضوح والدقة. إنها المراوغة التي تحمل علامته التجارية، من الداخل وإلى الأمام من اليسار، مؤديًا إلى هدف الفوز الذي سجله كريستوف دوجاري.

كانت المباراة نموذجًا دراسيًا لزيدان: في الـ24 من العمر، لم يكن قد حقق ما احتُفي به من أجله، يختار أكبر مباراة في مسيرته مع النادي ليثبت أنه قادر على إدارة العرض في المواقف الأكثر أهمية، في الحرارة الشديدة والضغط المتصاعد. تطايرت إبرة مرتجفة من على الصفحة كما لو أن زلزالًا قد ضرب. بات الجنيّ عاليًا فوق الملعب الآن، القمقم محطم، والعدسة المكبرة أصبحت عديمة الفائدة، بينما يتضاعف سحره، ويتضاعف.

المباراة الخامسة

فرنسا 2-2 التشيك، 17 آب 1994

عندما تولى إيمي جاكيه قيادة المنتخب الفرنسي من جيرارد هيتيلار في كانون الأول 1993، كان المنتخب في حالة من الفوضى، كسيارة بيجو كوبيه تتسارع على الطريق بينما تتطاير جميع أجزائها يمينًا ويسارًا. في ذلك الخريف، احتاجت فرنسا إلى نقطة واحدة فقط من آخر مباراتين على أرضها للتأهل إلى كأس العالم في الولايات المتحدة الأمريكية عام 94، وعلى الرغم من تقدمها في المبارتين، فقد خسرت كليهما.

كان جاكيه اليد اليمنى لجيرارد هولييه، المدرب الأسبق للمنتخب، لمدة عامين، وكان عمله مقصورًا على رعاية فريق آن أوانه، وبات على وشك الانفجار. بدأت الأمور بشكل جيد. انتصارٌ في مباراة ودية ضد إيطاليا بقيادة أريجو ساكي: الكابتن كانتونا، ويون دجوركاييف الهدّاف. فوز آخر على تشيلي، ثم أستراليا، ثم اليابان، ثم أتت التشيك في مباراة ودية في آب في بوردو.

من على مقاعد البدلاء، يراقب زيدان المباراة بينما تتخلف فرنسا بنتيجة 2-0 ولم يتبق سوى نصف ساعة على النهاية. كان حاصلًا على جائزة أفضل لاعب شاب في البلاد لذاك العام، برأس كامل من الشعر، ورقم 14 على ظهره، وزوجة حامل بين الجماهير. عندما دخل زيدان الملعب بديلًا لكورينتين مارتينز في الدقيقة 63، كان مارسيل ديسايي يراقب من على مقاعد البدلاء. بحلول الدقيقة الـ88 كان منتخب التشيك لا يزال متقدمًا 2-0. 

«أنا على مقاعد البدلاء قبل خمس دقائق على النهاية، أنظر إلى المباراة بخيبة أمل كبيرة. الضغط علينا، سنخسر هذه المباراة. أُجهّز نفسي لوسائل الإعلام بعد المباراة، ثم فجأة، رأيت زيدان يستلم الكرة»، يقول ديسايي.

يلعب لوران بلان تمريرة أرضية بطول 30 ياردة إلى زيزو​​، الموجود في مساحة على يمين دائرة المركز في ملعب التشيك. يلوح ليشير أنه يتحرك نحو الكرة، ثم يميل ليدع الكرة تقوم باللازم بدلاً منه. حركة سلسة، وينتهي الأمر بلاعب وسط تشيكي ممددًا خلفه على الأرض. لقد انطلق. على بعد 40 ياردة: خطوة أخرى بقدمه اليمنى، ورعشة بيسراه، تاركًا لاعبًا لآخر في أثره. على بعد 35 ياردة: لمسة دقيقة بيمينه، ودفعة بيسراه، ولاعب آخر خلفه. على بعد 34 ياردة، 33 ياردة، 32 ياردة: يتحرك قطريًا، بهدوء، بجمال، نحو المرمى التشيكي. فيلٌ يخدّر البيادق بسلام. ثم على بعد 25 ياردة، حان وقت الألعاب النارية. قدمه اليسرى تطلق الكرة، حارس المرمى يتأرجح، وزاوية المرمى تهتز.

ركلة ركنية بعد بضع دقائق. يرسل جوسلين أنجلوما الكرة، وزيدان يركض نحو القائم القريب. لا يزال على بعد ثمانية أو تسعة ياردات، المدافعون حوله، وحارس المرمى في موقعه. يقفز للقاء الكرة. جسمه عمودي تمامًا، لا انحناء على الإطلاق. إنه منظر مهيب. وتطير الكرة إلى الجزء الخلفي من الشبكة. هدفان في ثلاث دقائق، في أول مبارياته الدولية، ليتجول عائدًا إلى فرنسا نصف مذهول.

«زيدان شخص هادئ جدًا، ومتواضع جدًا. كان يعلم أنه فعل شيئًا عظيمًا، لكن ربما لم يكن مستعدًا للاحتفال معنا بعد لأنه كان يعرف بالفعل مدى صعوبة العمل اللازم ليصبح زيدان الذي نعرفه جميعًا الآن»، يروي ديسايي.

«في ذلك الوقت، لم يكن زيدان بعد زيدان الذي اكتشفناه جميعًا لاحقًا. كان صغير الحجم ونحيفًا للغاية. مهارته واضحة، وما كان لديه أكثر من أي شيء آخر، هو وِركاه. قدرته على إيقاف الكرة، والتحكم في الكرة، ثم الانطلاق من جديد كانت مذهلة، وكانت نتيجةً لوركيه. كان لدى زيدان القدرة على رؤية الكرة أو خصمه أو زميله بالعرض البطيء. كان مميزًا حقًا، حتى من بين جميع اللاعبين الآخرين الذين لعبت معهم. كان يمكنك أن تعرف من البداية أنه في المستقبل، سيكون أحد قادتنا».

المباراة السادسة

أياكس أمستردام 1 – 2 يوفينتوس، 9 نيسان 1997

بعد بطولة يورو 96 المخيبة للآمال التي كان زيدان كبش فداء لها، غادر أفضل لاعب في الدوري الفرنسي بوردو ووقّع مع يوفنتوس، حامل لقب دوري أبطال أوروبا. كان الدوري الإيطالي لا يزال أفضل دوري في العالم، وانضم زيدان، البالغ من العمر 24 عامًا، إلى دوري أجنبي، يلعب فيه الفائز بالكرة الذهبية جورج ويا ووحش الأهداف غابرييل باتيستوتا. بدأت الأمور بشكل سيء بالنسبة لزيزو. لكنّ تغييرًا في مركزه من قبل مدربه، مدخّن السيجار المتعصب للملابس غير الرسمية، والمدرب الفائز مستقبلًا بكأس العالم، مارتشيلو ليبي، جعله يتقدم إلى المركز رقم 10 خلال الخريف. وانطلق زيزو.

قال زيدان في وقت لاحق: «كان ليبي مثل مفتاح الضوء بالنسبة لي. لقد شغّلني، وفهمت ما يعنيه العمل من أجل شيء مهم. قبل وصولي إلى إيطاليا، كانت كرة القدم عملاً بالتأكيد، ولكن بالدرجة الأولى، كان الأمر يتعلق بالاستمتاع بنفسي. لكن بعد وصولي إلى تورينو، سادت لدي الرغبة بالفوز بالأشياء، ولم تغادرني أبدًا».

بين الجماهير، في ملعب ديلي ألبي، كان زميلٌ يبلغ من العمر 24 عامًا يتطلع إلى صنع اسم لنفسه. جيوفاني باتيستا أوليفيرو، أو جي بي كما هو معروف لأصدقائه، لنا، ولك أيضًا الآن. كان من مشجعي يوفنتوس في بداية مسيرته التي شهدت تقدمه من الكتابة لصحيفة محلية، إلى الكتابة في لاجازيتا ديلو سبورت، وهو ما يزال يفعله حتى اليوم. زيزو هو بطله، شاهد جي بي كل مباراة لعبها زيدان مع يوفنتوس على أرضه من المدرجات، وأجرى معه ثلاث مقابلات، وكتب كتابًا عنه. لذا، طلبنا منه التحدث عن مباراة زيدان الحاسمة مع يوفنتوس.

المباراة التي اختارها جي بي كانت بين يوفنتوس وأياكس في نيسان 1997. في ليلة ربيعية في تورينو، حلّت مباراة الإياب في نصف نهائي دوري الأبطال، إعادة لنهائي العام السابق. في الملعب، فان دير سار، دي بوير، أوفرمارس، بوكشيتش، ديشامب، فييري. يوفنتوس متقدم 2-1 من مباراة الذهاب في أمستردام، وزيدان، الذي تحول شعره سريعًا من منتفخ إلى أصلع، صنع لأتيليو لومباردو الهدف الأول، حين أطلق الكرة من ركلة ركنية نحو رأسه اللامع. 

«بدا ملعب ديلي ألبي فارغًا جدًا في العديد من المباريات في ذلك الوقت، كان كبيرًا، بل كبيرًا جدًا، وكانت المدرجات بعيدة جدًا عن الملعب. ولكن في ليالي دوري أبطال أوروبا، كان هناك دائمًا جوّ رائع»، يقول جي بي. 

«صناعة الهدف الأول مثيرة للاهتمام من حيث تطور زيدان في يوفنتوس، كان ديل بييرو في كثير من الأحيان هو من يتولى الكرات الثابتة، كان متخصصًا فريدًا. وكان زيدان في المرتبة الثانية في القائمة. مع وجود ديل بييرو على مقاعد البدلاء، أطلق زوزو الركنية نحو القائم الأمامي، وقابلها لومباردو هناك. أتذكر هذا الهدف جيدًا لأنه كان أسفل المدرجات حيث يقف ألتراس يوفنتوس. كانت ركنية مثالية».

سجل فييري هدفين ليجعل النتيجة 2-0، ثم في الشوط الثاني، سجل ماريو ميلشيوت من رأسية معيدًا التوتر إلى الملعب. لكن في الدقيقة 74، شرع زيدان في ما يفعله دائمًا: قطع الكرة في نصف ملعبه، وانطلق للأمام، نحو منطقة جزاء أياكس، وكأنه يمشي على رؤوس أصابعه، متجاوزًا ديلي بليند، ومرسلًا عرضية إلى أمروسو ليسجل. 

«غالبًا ما كان يبدو أن زيدان يفضل صناعة الأهداف بدلًا من تسجيلها. وصرنا نتوقع ذلك. صفاته كلها ظهرت في هذا الهدف: رؤيته للعبة، مراوغته، تمريراته المثالية. لقد كان عرضًا للموهبة، واستكشافًا لعظمته. لقد كان رائعًا في اللعب مع زملائه، وهذا هو سر زيدان. لقد كان يُدخل زملاءه في الفريق اللعبة. لقد جعلهم أفضل».

بعد دقيقتين، لاحظ ديشامب زيدان يركض في منتصف الملعب. التمريرة مثالية، وزيدان يستلمها بهدوء، مموهًا بعنف، تاركًا فان دير سار وريتشارد ويتشنج يتلوّيان على الأرض، وواضعًا الكرة في الشبكة.

«زيدان يمكن أن يلعب كرة القدم في أي عصر. يمكنه اللعب في الثمانينيات مع زيكو، وبلاتيني، ومارادونا. في التسعينيات مع باجيو. أو في الألفينات مع ميسي ورونالدو. في إيطاليا، لا أحد يذكر زيدان بالسوء. إنه محبوب من قبل الجميع هناك، من زملائه في الفريق، واللاعبين من الفرق الأخرى، والمشجعين، والصحفيين. الجميع يحب زيزو. لقد كان مقاتلًا، وآمن بالنصر حتى النهاية. في النهاية، هذا شعار يوفنتوس: حتى النهاية. زيزو ليس فقط مدريديستا، إنه يوفنتينو أيضًا».

المباراة السابعة

البرازيل 0-3 فرنسا، 12 تموز 1998

«كنت أفضل لاعب في العالم. هذا لا يحدث كثيرًا، وبالنسبة لي، حدث ذلك مرة واحدة. كان أمرًا جميلًا ببساطة».

المباراة الثامنة

يوفنتوس 1-0 ريفر بليت، 26 تشرين الثاني 1996

هناك تحذيرات جدية بشأن مقابلة أبطالك. لا مفر من ذلك. خاصة الأبطال الذين كنا نعظّمهم منذ الصغر، نبني تماثيل لهم في أذهاننا، ونتحدث معهم على جدران غرف النوم، ونقف بجانبهم عندما يرى كل من حولنا عيوبهم.

نحن نخلد أبطالنا بطرق لا يمكن تخريبها إلا عبر مقابلتهم بالفعل. على حائط غرفة النوم التي شاركها زين الدين زيدان مع شقيقه جمال، كانت هناك صورة للاعب كثيف الشعر من الأوروغواي. كان إنزو فرانشيسكولي يُلقب بالأمير (El Principe) عندما كان مراهقًا بسبب الأناقة التي لعب بها اللعبة. بعد انتقاله إلى ريفر بليت، وبعد ظهوره اللامع بين أصحاب الرقم 10 البراقين الآخرين، مثل دييغو وبلاتيني وزيكو، في كأس العالم عام 1986، توجه عام 1989 إلى ملعب مرسيليا، برنارد تابي، بيت زيزو.

يتذكر زيدان: «كان إنزو فرانشيسكولي أكثر من مثلي الأعلى. كنت متعصبًا تجاهه. لقد كان أكثر من مجرد تقليد. لقد شرّحت كل شيء فعله. كان يجب أن أفعل ذلك أيضًا في الملعب. تدربت حتى وصلت إلى هناك. نظرت إلى كل شيء باستخدام عدسة مكبرة لأتمكن من إعادة إنتاج ما استطاع فعله».

بعد انتقال إنزو إلى مرسيليا، كان زيدان يذهب ويجلس في المدرجات ليشاهده والمهاجمين الآخرين يتدربون على السيطرة على الكرة وإنهاء الهجمات بعد انتهاء التدريب. كان واقعًا في الحب.

بعد سبع سنوات، تخرّج زيدان من  نادي كان إلى بوردو إلى يوفنتوس، وعاد إنزو إلى بوينس آيرس ليلعب مع النادي الذي صنع اسمه. في سنين مسيرته الذهبية، كان إنزو يقود ريفر بليت إلى ألقاب الدوري، ويرعى تطور لاعبين شبان مثل هيرنان كريسبو وأرييل أورتيغا، ثم في عام 1996، قاد النادي إلى لقب الكوبا ليبرتادوريس فائزًا على نادي أمريكا دي كالي الكولومبي، مع تسجيل كريسبو هدفين في مباراة الإياب للفوز باللقب.

كان هذا يعني لعبهم نهائي كأس الإنتركونتيننتال في طوكيو ضد الفائز بدوري أبطال أوروبا في ذلك العام. وكان الفائز بدوري أبطال أوروبا هو يوفنتوس بقيادة مارتشيلو ليبي. ريفر بليت ضد يوفنتوس. زين الدين يزيد زيدان في مواجهة إنزو فرانسيسكولي أوريارتي.

كان ذلك في تشرين الثاني 1996، وكان الاستاد الوطني، الملعب البيضاوي بلا سقف في منطقة شينجوكو بطوكيو، ممتلئًا. 48,000 مشجع.

هناك أليساندرو ديل بييرو بشعره الكثيف، وكأس إيطاليا، وسكوديتي، ودوري أبطال أوروبا في جعبته. وباللون الأحمر والأبيض، هناك «إل بوريتو» أرييل أورتيجا، بأربعة ألقاب في الدوري الأرجنتيني في السنوات الخمس الماضية، وبأندية أوروبية من جميع أنحاء القارة تسعى خلفه. وقبل عامين من نطحه حارس مرمى في كأس العالم فرنسا 1998، هناك خوان بابلو سورين، وهناك خوليو كروز ما قبل إنتر ميلان، يركض حول اللاعبين الثابتين في المقدمة.

على الفور، يطلق ديدييه ديشامب مدفع البداية، ويضبط نغمة المباراة عبر تدخل برفع الركبة على أورتيجا. بعد ذلك بوقت قصير، يردّ سيلسو أيالا الصاع صاعين على ديل بييرو. تدخلات كهذه تمثل بطاقات حمراء فورية في 2022، وطوال المباراة، كانت المرافق منحنية، والتدخلات عالية، وتكتمل الرأسيات بالعزيمة والأوساخ والخطر. قد تكون هذه المباراة حلمًا، لكنها ليست ودية.

لكن زيدان لعب بشكل جميل. هناك كرات بينية من أول لمسة في الهواء، بالجزء الخارجي من حذائه، في منتصف الملعب، مراوغات طويلة عبر خط الوسط، بينما تلتقي قدماه الكرة قبل أن تبدأ في التباطؤ، انطلاق في منطقة الجزاء، تمريرات بسيطة بتقنية مبالغ فيها. يمسح جبينه، يفكر في الملصق الموجود على جدار غرفة نومه، يصكّ أسنانه، وينطلق مجددًا. لكن زيدان بشريّ. حتى في أفضل الأحلام، تسوء الأمور الصغيرة. يطلق تسديدة بقدمه اليسرى من 35 ياردة. يقع محاولًا سحب الكرة للخلف. يفقد توازنه، يضيع في السرد، ويسقط على الأرض. هل سبق أن رأيت زين الدين زيدان يسقط وهو يحاول سحب الكرة للخلف من قبل؟ يمكنه أن يفعلها وعيناه مغلقة. في الدقيقة 81، ارتقى زيزو عاليًا لينقر الكرة إلى ديل بييرو، ليسجل بدوره هدف الفوز. لكن النتيجة هنا ليست مهمة حقًا، كما ليس مهمًا حصوله على البطاقة الصفراء بعد دقيقتين لتدخله على هرنان دياز في الهجمة المرتدة.

يتوج يوفنتوس بلقب أفضل فريق في العالم، وفي نهاية المباراة يلتقي إنزو وزيدان. يتعانقان، ويتبادلان القمصان. بعد سنوات، قال إنزو خلال فيلم وثائقي للفيفا: «سمعت أنه كان ينام بهذا القميص في أيام يوفنتوس، وكذلك مع فرنسا خلال كأس العالم 1998». في عالم يوجد فيه تحذيرات خطيرة بشأن مقابلة أبطالك، التقى زيدان به، وحصل على القميص، وارتداه ليغزو العالم.

المباراة التاسعة

باير ليفركوزن 1-2 ريـال مدريد، 15 أيار 2002

العالم قاسٍ ورتيب، لكن الكرة سقطت ببطء شديد وبهدوء، ثم توقف الجميع. كان زيدان قد خسر بالفعل نهائيين في دوري أبطال أوروبا، كلاهما مع يوفنتوس. كان اسما بوروسيا دورتموند وأياكس محفورين في ذهنه بشكل دائم. يعرَّف التاريخ بالأحداث التي تمثل تجربة جماعية؛ لحظات توقفت فيها مجموعات من أشخاص مختلفين في أماكن مختلفة معًا، وفكروا في مكان موقعهم في الكون، ومع من كانوا، وماذا كانوا يفعلون، وكيف وصلوا إلى هناك. لحظات وحيدة قوية ومؤثرة لدرجة أنها تحفر في جفنيك إلى الأبد. 

في تلك الليلة في هامبدن، جعل زين الدين زيدان الجميع يتوقفون ويتذكرون أين كانوا. كان الهدف، وهو تسديدة بالقدم اليسرى في الدقيقة 45، هو الهدف الذي تم التصويت عليه كأفضل هدف لريـال مدريد على الإطلاق، وفاز بكأسهم الأوروبية التاسعة، وعرّف رجلاً دائمًا ما قدم أداءً ثابتًا وشرسًا في المباريات الكبيرة. 

إليكم ما فكر فيه الأشخاص الذين توقفوا معًا عندما اصطدمت الكرة بمؤخرة الشبكة:

«لقد كانت لفتة فنية سحرية تحدث مرة واحدة في العمر. عرف زيزو على الفور أن ما فعله عمل فني، واحتفل بالهدف بطريقة لم أره يحتفل بها من قبل».
– سانتياغو سولاري، على أرض الملعب.

«في بعض النواحي، أفضل جزء في الهدف ليس الكرة الطائرة، بل التركيز الغاضب بينما تسقط الكرة من السماء. يحدق زيدان في الكرة مثل صيّاد، قبل أن يلوي جسده في وضعية قبيحة، ولكنها مكنته من إنتاج لحظة من جمال لا ينسى».
– روب سميث، صحيفة الغارديان.

«جمال خالص، شيء من طبيعة مذهلة نادرًا ما تُشاهد في كرة القدم، وأندر في مباراة نهائية».
– فيسينتي ديل بوسكي، في المنطقة الفنية.

«كان أمرًا مكتوبًا».
– زين الدين زيدان، في لحظة تأمل.

المباراة العاشرة

5-5، قاعة لا كاستيلان الرياضية، 2001

كتب جيمس بالدوين في رواية «غرفة جيوفاني» عام 1962: «ربما لا يكون الوطن مكانًا، بل ببساطة حالةً قطعية». إنه كتاب معقد يستكشف الهوية والذكورة ومفهوم الوطن. ما هو الوطن؟ هل هو المكان الذي تعيش فيه الآن؟ حيث نشأت؟ حيث يعيش والداك؟ 

كانت التلال البرتقالية المغبرة في أقمون في شمال الجزائر هي موطن إسماعيل زيدان قبل أن يهاجر إلى باريس عام 1953. كان يعمل لساعات طويلة في البناء، وكان بيته في بانس، في كثير من الأحيان، عبارة عن هياكل مؤقتة كان يقوم بتجميعها في المواقع التي كان يعمل فيها.

بعد 19 عامًا، وصل زين الدين، آخر الأولاد الخمسة. أصبحت مرسيليا الآن موطنًا لإسماعيل وعائلته، وتحديدًا لا كاستيلان، وهي منطقة من المباني الشاهقة التي تم بناؤها في البداية للاجئين من حرب الاستقلال الجزائرية. كانت الباحة الخارجية هي المكان الذي كان يلعب فيه زيزو حتى آخر الليل؛ المكانَ الذي نحت فيه المهارات التي أخذته بعيدًا عن ذلك المنزل.

مثل العديد من المناطق التي تعاني من نقص التمويل، كان لدى لا كاستيلان مشاكلها. يخلق الفقر والعزلة وانعدام الفرص ضغوطًا ويأسًا، ودور المنطقة في تهريب المخدرات كان ذائع الصيت. إنها مكان من الصعب أن تكبر فيه. لكن في جوهرها، هي أيضًا موطنٌ للأشخاص الذين يعيشون هناك، وهي من الأراضي الخصبة الصعبة التي يمكن أن تنتج لاعبي كرة قدم من الطراز العالمي من بين ملاعبها الفوضوية المترامية الأطراف. من كان إلى بوردو، ومن تورينو إلى مدريد، كان لدى زين الدين زيدان العديد من الأماكن التي يمكن أن يسميها موطنه، ولكن هناك سببٌ قاله ذات مرة: «كل يوم أفكر في المكان الذي أتيت منه، وما زلت فخورًا بما أكون: أولًا، قبايليّ من لا كاستيلان، ثم جزائري من مرسيليا، ثم فرنسي». لا كاستيلان هو موطنه. 

لذا، توجهنا إلى صالة الألعاب الرياضية في مدرسته القديمة بعد عشرين عامًا من مغادرته. ثمانية رجال، أربعة منهم يرتدون المرايل، وأطواق كرة السلة على جانبي الملعب، وخطوط الملعب على أرضية كثيرة الصرير، وشقيق زيزو يحمل الكاميرا. 

هذا هو زيزو على ملعبه الأول. هنا يمر بجانب يزيد. هنا، عليه أن يُظهر لأصدقائه أنه موهبته ما زالت موجودة.

مرتديًا المريول، تأتي لمسته الأولى. يأخذ الكرة بيسراه، ويسحب الكرة إلى يمينه، ثم يقف مباشرة أمام المدافع الذي يقترب، ويميل إليه إلى الأمام، ويدفعه بقوة في صدره بكلتا يديه، فيأخذ الفتى ثلاث خطوات للوراء. حتى على صرير أرضية صالة ألعاب رياضية في مدرسته القديمة، يرسم زيزو حاجزًا حوله وحول الكرة، حاجزٌ ماديّ وشبه مرئي، حلقة خرافية لا يعرف صناعتها أي شخص آخر.

عندما تكون كرة القدم في كل ذرة من طفولتك، ومراهقتك، وذكرياتك، وأحلامك، فمن الصعب التفريق في الأهمية بين مباراة وأخرى. هناك رغبة في الفوز بالتأكيد، لكنّ هناك أيضًا دافع للعب اللعبة، ولهزيمة اللعبة. هنا، يرمي زيزو بنفسه على الأرض ليحصل على كرة بينية وينتهي بها الأمر في الشباك، كما لو كانت الدقيقة الأخيرة من نهائي دوري أبطال أوروبا، ويوفنتوس متأخر 1-0 أمام ريـال مدريد في عام 1998.

انعطافة 270 درجة، ممزوجة باستلام الكرة بقدمه اليسرى، تترك لاعبًا يدور حول نفسه. بعد ذلك، يتقدم خطوة خطوة، يتخطى زيزو لاعبًا آخر قبل أن يمرر إلى زميله بدلًا من أن يسدد بنفسه، الذي يضعها بدوره في المرمى. إنه لا يتباهى. إنه يُظهر لأصدقائه أنه لا يزال بإمكانه فعل ذلك هنا، وأنه لا يزال يريد فعل ذلك هنا. ليس فقط على العشب المثالي للملاعب، تحت الأضواء الساطعة، أمام الكاميرات والمشجعين والألقاب والجوائز. هنا، يقول زيدان، اللعبة تعني لي ما تعنيه هناك.

تنتهي المباراة. زيزو يبتسم، راضٍ. إنها ابتسامة شخص في بيته.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية