رأي

مفاجآت بطولة أستراليا المفتوحة

الخميس 18 شباط 2016
australia-tennis

تتميّز بطولة أستراليا المفتوحة لكرة المضرب عن نظيراتها من البطولات الأربع الكبرى بوفرة المفاجآت والنتائج غير المتوقّعة التي تفرزها.

من منّا ينسى تأهل القبرصي ماركوس باغداتيس إلى الدور النهائي في العام 2006 أو وصول الفرنسي جو تسونغا (بابتسامة عريضة وكاريزما ذكّرتنا بمحمد علي كلاي) إلى نهائي العام 2008 بعد انتصار ساحق على نادال في الدور نصف النهائي أو وصول السلوفاكية دومينيكا سيبولكوفا إلى الدور نفسه قبل عامين؟

تنبع كثرة المفاجآت بشكل أساسي من كون منافسات بطولة أستراليا تجري في بداية الموسم حيث يحاول معظم اللاعبين البارزين نفض الغبار عن مضاربهم بعد حوالي شهرين من استراحة نهاية العام وهي أطول إجازة يحظى بها اللاعبون المحترفون.

يزدحم موسم كرة المضرب بالبطولات الإلزامية، الأمر الذي يثير انتقاد اللاعبين المحترفين إذ أن طول الموسم يعتبر سببًا مباشرًا لكثرة الإصابات والإرهاق الشديد الذي يصيبهم، خاصة وأن هذه الرياضة تتطلب مجهودًا جسديًّا عاليًا ولياقة بدنية استثنائية. أمّا نحن عاشقي هذه الرياضة فننتظر بطولة أستراليا المفتوحة كمن ينتظر فتح علب الهدايا المخبّأة تحت شجرة عيد الميلاد لما تحمله من تشويق، لا سيّما في أدوارها الأولى القادرة دائمًا على تزويدنا بمباريات مارثونية مع تقلّبات جمّة.

يدفعنا هذا الحماس للاستيقاظ في الساعة الثانية فجرًا لمدة أسبوعين دون أن نحتاج منبّهًا فهل هنالك منبّه أقوى من اللهفة لانتظار مباراة مثيرة أو مشاهدة لاعبينا المفضّلين؟

تقام بطولة استراليا المفتوحة في مدينة ميلبورن وهي مدينة رياضية بامتياز وينعكس ذلك على الحضور الجماهيري الغفير الذي تشهده البطولة وقد كسرت منافسات هذا العام الرقم القياسي من حيث عدد المتفرّجين الذين حضروا البطولة سواء في الملاعب أو من خلال شاشات التلفزة.

ولعل أكثر المباريات إثارةً وزخمًا تلك التي تجمع لاعبين مغمورين أو متأخرين في التصنيف والتي تدور رحاها في الملاعب الصغيرة والجانبية مما يجعلها متاحة أمام محبّي التنس الذين لا يملكون ثمن تذاكر للملاعب الرئيسية وغالبًا ما تكون صاخبة لقرب الجمهور من اللاعبين أما نتائجها فعصيّة على التنّبؤات.

بدأت بطولة هذا العام بفضيحة المراهنات التي فجّرها المصنف الأول عالميًا نوفاك جوكوفيتش بعد تصريحاته بأن الكثير من مباريات كرة المضرب خاضعة لإملاءات المراهنين ولا تزال تداعيات هذه التصريحات تلقي بظلالها على رياضة يفاخر المسؤولون عنها بنبلها ونقائها ومنافاستها الشريفة، سمعة تبدو الآن على المحك وتفرض اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان عدم تكرارها.

وشهدت البطولة في دورها الثاني اعتزال الأسترالي ليتون هيوت متصدر التصنيف العالمي سابقًا والفائز بلقب بطولة الولايات المتحددة المفتوحة وبطولة ويمبلدون في العامين 2001 و2002. من الصعب أن نكون محايدين تجاه هيوت فإمّا أن نحبه وإما أن نكرهه ولكن مع تقدّمه في السن ومعاناته مع الإصابات التي هددت مسيرته تمكن هيوت من كسب قلوب أولئك الذين اعترضوا على أسلوبه في البدايات.

اعتزال هذا المحارب الفذّ الذي اشتهر بروحه القتالية العالية ودفاعه المستميت للفوز في كل نقطة رغم قصر قامته يُعتبر نهاية لحقبة، بعد اعتزال الأميركي آندي روديك والروسي مارات سافين والأرجنتيني دافيد نالبانديان أو من يمكن أن نسمّيهم بـ«ضحايا فديرر». انتهت مسيرة هيوت على يد الإسباني دافيد فيرير الذي يعتبر هيوت مثله الأعلى ويحاكي طريقته في اللعب والدفاع رغم صغر الحجم وقصر القامة. هنالك جيل جديد يقود كرة المضرب الأسترالية الآن، يملك الكثير من الموهبة ولكنه مثير للجدل، وعلى رأس هذا الجيل برنارد توميك ونيك كيريوس (وكلاهما ينحدر من عائلات مهاجرة)، وسيحمل هيوت على عاتقه مهمة إرشاد هذا الجيل ومساعدته على اكتساب النضج اللازم كي تضاهي النتائج حجم الموهبة.

لم يرتق الأداء والمستوى الفني في بطولة الرجال أو السيّدات في هذا العام إلى المستوى الذي كنّا نتمنّاه ولكن هذا لا يعني خلوّ البطولة من اللحظات المثيرة أو العناوين التي سترافقنا طوال هذا العام.

سبق للصينية شواي جانغ أن شاركت في خمس عشرة بطولة كبرى في مسيرتها إلا أنها فشلت في الفوز ولو في مباراة واحدة في أي من تلك البطولات، أما في أستراليا هذا العام فقد أحرزت انتصارًا صاعقًا أمام النمساوية المصنفة الثانية عالميا سيمونا هالب في الدور الأول واستمرت في تحقيق الانتصارات حتى الدور ربع النهائي حيث هزمت أمام لاعبة مفاجئة أخرى هي البريطانية يوهانا كونتا، التي حققت صعودًا مذهلًا في الأشهر السبعة الأخيرة. يصعب التصديق أن كونتا لم تكن ضمن أفضل 150 لاعبة في العالم قبل سبعة أشهر فقط أما الآن وبعد تأهلها إلى الدور نصف النهائي من بطولة أستراليا أصبحت تحتل التصنيف 28 على العالم.

انتصار كيربر على سيرينا سيزيد من شغف الأخيرة وحافزها وهذا يجب أن يخيف منافساتها لأن سيرينا تكون في أحسن حالاتها حين تشعر بأن عليها إثبات نفسها مجددًا.

ولكن ما من حكاية أكثر إدهاشًا من إنجاز الألمانية أنجليك كيربر التي فعلت ما عجزت عنه الكثيرات، لتكون أول لاعبة تهزم سيرينا ويليامز المصنفة الأولى عالميا في نهائي أسترليا المفتوحة. بعد بطولة باهتة المستوى بشكل عام قدّمت اللاعبتان أفضل مباراة من حيث المستوى الفني والإثارة وشدة التنافس. سيرينا كانت تسعى للفوز ببطولة أستراليا المفتوحة للمرة السابعة في مسيرتها وللفوز باللقب الثاني والعشرين في البطولات الكبرى لتعادل رقم الأسطورة الألمانية شتيفي غراف.

لم تشارك سيرينا في أي مباراة تنافسية منذ هزيمتها أمام الإيطالية روبيرتا فينشي في نصف نهائي بطولة الولايات المتحدة المفتوحة في العام الماضي ولكنها ظهرت في أحسن حال أثناء بطولة أستراليا، ولم تفقد أي مجموعة في جولتها إلى الدور النهائي، محقّقة انتصاراتٍ في غاية السهولة أمام ماريا شارابوفا وأغنييسكا رادفانسكا. كان من المتوقع أن تكون المباراة النهائية بين كيربر وسيرينا نزهة ولكن كيربر كان لها رأي آخر. في الدور الأول من هذه البطولة كانت كيربر على بعد نقطة واحدة فقط من الهزيمة المحققة على يد اليابانية دوي وكانت محظوظة بتجنّب الخروج مبكرًا. ولكن المهارة لا الحظ مكّنتها من الفوز على اللاعبة المميزة فيكتوريا أزارنكا في ربع النهائي ومن ثم على كونتا في نصف النهائي ومن ثم على سيرينا في النهائي. منعت كيربر سيرينا من معادلة رقم مواطنتها غراف وتسلّقت بفوزها هذا إلى المرتبة الثانية عالميًا ولكن هل ستتمكن هذه الألمانية المجتهدة من المحافظة على هذا المستوى في البطولات المقبلة؟ وماذا عن سيرينا التي لا تلعب فقط ضد خصومها بل ضد التاريخ وضد عقارب الساعة بعد احتفالها بعيد ميلادها الرابع والثلاثين في أيلول الماضي؟ انتصار كيربر على سيرينا سيمنح اللاعبات الأخريات الثقة بأنهن قادرات على إحراج سيرينا ومباغتتها ولكنه في المقابل سيزيد من شغف سيرينا وحافزها وهذا يجب أن يخيف منافساتها لأن سيرينا تكون في أحسن حالاتها حين تشعر بأن عليها إثبات نفسها مجددًا.

وبينما وفّرت بطولة السيّدات العديد من المفاجآت، وافقت بطولة الرجال التوقّعات إلى حد بعيد، باستثناء هزيمة الإسباني رافا نادال أمام مواطنه فرناندو فرداسكو في الدور الأول. تعيد هذه الهزيمة نادال إلى المربّع الأول الذي خال أنه تجاوزه بعد تحسن ملحوظ في مستواه في نهاية الموسم الماضي. هُزم نادال مجددًا في نصف نهائي بطولة بوينوس آيرس في نهاية لاأسبوع الماضي أمام النمساوي دومينيك ثيم، ومع هذه الهزائم المتكررة تتضاعف الشكوك حول قدرته على العودة إلى مستواه المعهود.

أما الصربي نوفاك جوكوفيتش فيمضي في سيطرته المطلقة على التنس العالمي دون أي علامة استفهام في الوقت الراهن.

لعب جوكوفيتش أفضل المبارايات في مسيرته الاحترافية على الإطلاق حين هزم السويسري روجر فديرر في نصف النهائي

قد يتثاءب البعض حين يلمح اسم الفائز بلقب البطولة في منافسات الرجال: نوفاك جوكوفيتش يتبوّأ عرش تنس الرجال حاليًا ويبدو أن حكمه باقٍ ويتمدد. لعب جوكوفيتش أفضل المبارايات في مسيرته الاحترافية على الإطلاق حين هزم السويسري روجر فديرر في نصف النهائي. رأينا في تلك المباراة جوكوفيتش في قمة عطائه تحديدًا في أول مجموعتين. وقدّم جوكوفيتش شكلًا مختلفًا لم نعهده منه من قبل خاصة أمام فديرر: كان هجوميًّا من النقطة الأولى تاركًا فديرر في حيرة من أمره. «من أنتم؟» كان التعبير على وجه فديرر الذي على الرغم من تمكنه من الفوز بالمجموعة الثالثة ورغم دعم الجمهور له ظل بعيدًا عن تشكيل أي خطر حقيقي على جوكوفيتش.

أداء جوكوفيتش أمام البريطاني آندي ماري المصنف الثاني عالميًا في المباراة النهائية لم يحطه البريق نفسه ولكنه فاز بثلاث مجموعات نظيفة ليحرز لقبه السادس في هذه البطولة والحادي عشر في البطولات الكبرى، معادلًا بذلك رقم السويدي بيورن بورغ والأسطورة رود لايفر الذي كان حاضرًا في الملعب الذي يحمل اسمه وشاهدًا على التاريخ الذي يسطّره الصربي.

ولكن درب جوكوفيتش لم تكن معبّدةً بالزهور، فقد عانى الأمرّين في الدور ثمن النهائي أمام الفرنسي العنيد جيل سيمون في مباراة ارتكب خلالها جوكوفيتش الكثير من الأخطاء المباشرة واحتاج خمس مجموعات كي يتخطّى الجدار البشري المتمثل بسيمون وهو أحد أفضل اللاعبين الدفاعيين في العالم. «لا أعتقد أن بإمكاني أن ألعب بشكل اسوأ من هذا» هكذا علّق جوكوفيتش بعد مباراته مع سيمون ولكن هذا الأداء لم يكن إلا كبوة قصيرة في الطريق نحو اللقب.

هل سينجح أي لاعب في زعزعة حكم جوكوفيتش خلال هذا العام أو في منعه من الفوز بجميع البطولات الأربع الكبرى؟ من المبكر الإجابة على هذا التساؤل ولكن ما يمكننا تأكيده هو أن أي لاعب يريد هزيمة جوكوفيتش عليه أن يقدم أداءً مشابهًا لذلك الذي قدمه فافرينكا في نهائي بطولة فرنسا المفتوحة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية