بقلم ستيوارت جيمس، ترجمة إبراهيم الطراونة
(نشر هذا المقال بالإنجليزية في صحيفة الجارديان بتاريخ 3 أيار 2016).
في تموز الماضي، كان كلاوديو رانييري يستمتع بإجازته حين تلقّى مكالمة من وكيل أعماله، ستيف كتنر، غيّرت وجه الكرة الإنجليزية بطريقة لم يكن يتخيّلها أحد. كان كتنر يحاول منذ مدة إقناع جون ردكِن، مدير كرة القدم في ليستر سيتي، بأن رانييري يصلح لأن يكون مدرّبًا جديدًا للنادي في الدوري الإنجليزي الممتاز. وفي النهاية كانت هناك أنباء عن التوصّل لاتفاق.
كان رانييري بلا عمل حينها، إلّا أنه كان متحمّسًا للعودة إلى التدريب في إنجلترا على وجه التحديد، حيث يحتفظ بذكريات جميلة من فترة تدريبه لتشيلسي، وحيث يملك عقارًا في ستامفورد بريدج بلندن يعود لتلك الفترة قبل عقد من الزمان. تم جس نبض عدة أندية كبيرة بلا نجاح، حتى أتاح فصل نيجل بيرسون من ليستر الفرصة لكتنر ورانييري.
أحس كتنر بعدم اقتناع ليستر الكامل برانييري، إلّا أنه رفض الشعور بالإحباط. قدّم سيرة رانييري الذاتية، والتي تحمل لائحة من الأندية العريقة التي دربها ذو الأربعة والستين عامًا، مع سجلّ ألقابه: كأس الملك وكأس السوبر مع فالنسيا، كأس إيطاليا مع فيورنتينا، المركز الثاني في الدوري الإنجليزي الممتاز ودوري الدرجة الأولى الفرنسي ولمرتين في دوري الدرجة الأولى الإيطالي. واستمر في اقناعهم ببطء: «كنت أريد وضع كلاوديو أمامهم فقط، كنت مقتنعًا بأنهم سيعجبون به»، يقول كتنر.
اقتنع النادي في النهاية بفكرة المقابلة. استقلّ رانييري طائرة متجهة إلى لندن، وذهب برفقة كتنر للقاء ردكِن، وسوزان ويلان المديرة التنفيذية، وأندرو نيفل مدير العمليّات الكروية، وأياوات سريفادانابرابا نائب الرئيس.
كان رانييري جذّابًا ومطّلعًا وشديد الحماس. ساد شعور بوجود تفاهم بينه وبين سريفادانابرابا، الذي يعرف كرة القدم حق المعرفة، وتم التطرّق إلى فرانشيسكو توتّي وغابرييل باتيستوتا خلال حديثهم عن بعض المهاجمين الذين عمل معهم رانييري. أعجب حماس الإيطالي للتدريب باقي أعضاء المجلس.
وصلت التطمينات بأن المفاوضات سارت على ما يرام بعد بضعة أيام، عندما دُعي رانييري وكتنر لمباحثات إضافية، هذه المرة بحضور فيتشاي سريفادانابرابا، والد أياوات ومالك نادي ليستر. كلما قضى مجلس ليستر وقتًا أطول مع رانييري زاد اقتناعهم بمنطقية تعيينه.
هذا لا يعني بأن أيًّا ممن كان مشاركًا في اتخاذ القرار فكّر، ولو للحظة واحدة، بأن رانييري سيتجوّل حول ملعب كينغ باور بعد مباراة الإياب الأخيرة في الدوري الممتاز وميدالية الفوز تلفّ عنقه. كانت تلك فكرة سخيفة، بقدر ما هي جميلة.
في النهاية، ليستر ضئيلو الحظ في الفوز، بحظوظ وصلت لنسبة 1 لـ5000، وعندما قرر رانييري تزيين مكتبه في استاد كينغ باور بداية الموسم بصور شخصية لكل مدرّبي الدوري الممتاز (أراد أن يشعرهم بالترحيب بعد المباراة) كان من المغري التساؤل؛ كم من الوقت سيمضي قبل أن يحتلّ أحدهم مكانه ويطلب إزالة تلك الصور بالأبيض والأسود لتوضع داخل صندوق ولا يراها أحد بعد ذلك.
بالرغم من عالم كرة القدم الإنجليزية الانعزالي، فإن نجاح ليستر تحت قيادة رانييري سيُسجَّل كأحد أعظم الإنجازات الرياضية.
تلك كانت الظروف السيئة التي جاء فيها تعيين رانييري، وليس هناك أي جدوى من التظاهر بغير ذلك. في عصر اليوم الذي شهد الكشف عن التعاقد مع الإيطالي في استاد كينغ باور – بعد سبعة أيام ردّد غاري لينيكر أفكار الكثيرين من خلال تغريدة تقول: «كلاوديو رانييري؟ حقًّا؟» – جلس ردكِن وويلان بجانب مدرّب ليستر الجديد بما بدا أنه تعبير عن الدعم. كان ذلك محاولة لقياس المزاج السائد حينها، في الوقت الذي طلب ويلان فيه من المشجّعين الثقة بقرار المجلس المتعلّق بفصل بيرسون واستبداله برانييري.
بعد تسعة أشهر، عشية الفوز بلقب الدوري الممتاز، ظهر مقطع فيديو رائع لرانييري وهو يشاهد في استاد كينغ باور لقطات لمشجّعي ليستر من كل أنحاء المدينة، بداية بفيكي عند كشك لبيع الخضار والفواكه في السوق، مرورًا بعامل في سكة الحديد يتحدّث باسم «كل من في المحطة»، معبّرين عن امتنانهم النابع من القلب تجاه كل ما فعله لناديهم. «إله» و«أسطورة» كانت من الكلمات المستخدمة لوصف رانييري، وفي سياق ما حصل خلال هذا الموسم الرائع، من نحن لنختلف مع ذلك؟
بالرغم من عالم كرة القدم الإنجليزية الانعزالي، فإن نجاح ليستر تحت قيادة رانييري سيُسجَّل كأحد أعظم الإنجازات الرياضية، وعندما يتخيّل أحدنا مباراة إياب مساء السبت القادم أمام إيفرتون ولحظة صعود ويز مورغان لحمل كأس الدوري الممتاز الذي يزن 25 كغم، سيكون السؤال الأبرز: كيف استطاعوا فعل ذلك بحق السماء؟
الحقيقة هي أنه حتى الذين يهزّون رؤوسهم في ليستر غير مصدّقين، متوقعين بأن يفركوا أعينهم في إحدى الصباحات ويدركوا أن كل ذلك كان مجرد حلم. لا أحد في ليستر يجرؤ على الادعاء بأنه توقع حصول ذلك. لكن هذا لا يعني أيضًا أنه من الصعب إدراك الأسباب التي جعلت كل شيء يأخذ مكانه الصحيح بشكل مذهل، فأبرزها المزيج المبهج من روح الفريق والموهبة بين مجموعة من اللاعبين الذين يملكون سلعة نادرة في لعبة غارقة في الطمع للمال، هي العطش للفوز.
نقطة البداية المتوقعة لهذه الحكاية الخيالية هي نهاية الموسم الماضي، قبل تسلّم رانييري، عندما انتزع بيرسون ولاعبوه «الهروب الكبير»، بفوزهم في سبع من مبارياتهم التسع الأخيرة منتشلين أنفسهم من قاع الترتيب ومحتلّين المركز 14. وصف رانييري ذلك بـ«المعجزة» يوم تقديمه للإعلام، هذا التحوّل (نحو الموقع المريح في وسط الترتيب) ألمح إلى القدرات الكامنة في فريق عزّز بيرسون قوّته قبل أن يُفصل في 30 حزيران.
حُوّلت صفقة إعارة روبرت هَث من ستوك سيتي إلى انتقال دائم، وانضمّ كريستيان فوكس من شالكه وشينجي أوكازاكي من ماينز. ستيف والش، مساعد المدرّب المشارك والمسؤول عن الاستقطاب، كان منشغلًا بملاحقة غاية أخرى أكثر تعقيدًا تبين لاحقًا أنها كانت أفضل الانتقالات الصيفية في الدوري الممتاز.
اسم اللاعب كان نغولو كانتيه. لم يعرف رانييري الكثير عنه -كما اعترف لاحقًا- إلّا أنه لم يكن الوحيد، إذ تساءل الكثير من مدرّبي الدوري الإنجليزي الممتاز عن كيفية عدم انتباههم له منذ ذلك الحين. لكن والش وفريقه قاموا بواجبهم على أكمل وجه. ديفيد ميلز، منسّق اكتشاف اللاعبين الأقدم لليستر، تابع لعب كانتيه مع كاين وحضّر لقطات وإحصاءات عن اللاعب كي يسلط الضوء على مهارته.
مع ذلك، لزم إقناع رانييري بقدرة اللاعب الجسدية. بعد مرور بضعة أشهر، وعلى خلفية عروض رائعة قدّمها الفرنسي، يتذكّر رانييري إلحاح والش الدائم عليه قبل بدء الموسم، قائلًا: «كانتيه، كانتيه، كانتيه!». اقتنع رانييري في النهاية، ودفع ليستر 5.6 مليون جنيه استرليني، والباقي تاريخ. بأداء عالٍ على أرضية الملعب، وتكاليف عناية منخفضة خارجه، يقود كانتيه سيارة ميني ويعيش حياة بسيطة تنطوي على عرقلة الخصوم والضحك، وأحيانًا كليهما في نفس الوقت. لقد كان مصدرًا للإلهام وأحبه الجميع في ليستر.
رأى رانييري في والش وجهًا ودودًا عند وصوله إلى النمسا. عمل الاثنان سويًّا في ستامفورد بريدج، حيث كان والش مكتشف لاعبين لمدة 16 عامًا. علم رانييري الأهمية الكبيرة لوالش، أستاذ المدرسة السابق، الذي كان أحد الأعمدة الأساسية لنجاح ليستر بسجّله البارز في الكشف عن المواهب الخام، عند ردكِن ومالكي النادي.
كان رانييري سعيدًا جدًّا بالعمل مع الطاقم الحالي للنادي، بمن فيهم كريغ شيكسبير الذي يحمل أيضًا لقب مساعد مدرّب ويتمتّع بعلاقة أُلفة مع اللاعبين؛ فهو معهم في ساحة التدريب يوميًّا. بدل السعي لإجراء تغييرات جذرية من شأنها التأثير على حظوظه في الحصول على الوظيفة، اختار رانييري اتمام ما كان موجودًا بضم ثلاثة أفراد من جانبه.
رُشّح باولو بينيتي، الذي عمل مع رانييري منذ عام 2007، كمساعد مدرّب ثالث يعين المدرّب على إيجاد الحلول. وعُيّن أندريا أزالن مدرّبًا للعلوم والتهيئة للفريق الأول تحت مات ريفز مسؤول اللياقة البدنية والتهيئة في ليستر. وتم جلب مدرّب لحراس المرمى، لكن سرعان ما رحل. مايك ستويل، مدرّب الفريق الأوّل، يؤدي تلك المهمة ويحظى باحترام كبير. أي شخص يقوم بتدريب كاسبر شمايكل بحضور أبيه -حارس مانشستر يونايتد السابق عادة ما يحضر التدريبات- عليه أن يعرف القليل عن الاثنين.
في البداية كان نجاح ليستر تحت بيرسون، من بعض النواحي، عائقًا وعاملًا مساعدًا لرانييري في نفس الوقت. كان الفريق يحمل زخمًا من الموسم السابق، وشعر اللاعبون بأن هناك حاجة قليلة لتغيير أي شيء. كان بيرسون مدربًا ذا شعبية كبيرة داخل غرفة الملابس، وبغض النظر عن جوانب الصحة والخطأ في قرار النادي بتنحيته، فالعديد من لاعبي ليستر كانوا يشعرون بالولاء تجاهه ويحبّون أسلوبه، لإيصاله أصواتهم، ومجاملته اللاعبين الكبار بينهم.
من هذا المنطلق أيقن رانييري بعدم مقدرته على فرض طريقته، ودفع الآخرين في ليستر لاتباعه بصورة عمياء. كان مثل «العادات القديمة لا تموت بسهولة» سيد المشهد، خاصة عندما تحقق هذه العادات نتائجَ إيجابية. رأى اللاعبون في تدريبات يوم الجمعة التي تقسمهم إلى فريقين من خمسة أعضاء حمية أسبوعهم الأساسية، ولم يشعروا بالخوف من التعبير عما يجول في خواطرهم حول أنواع الحصص التدريبية المطروحة ومددها. باختصار، سادت مقاومة التغيير إلى الحد الذي علّم رانييري السير مع التيار.
ولكنّ رانييري وضع بصمته التكتيكية بسرعة، وقرّر قبيل بداية الموسم إنهاء اللعب بثلاثة مدافعين وسط خط الدفاع، وهي خطة أثبتت نجاحها لبيرسون ولاعبيه نهاية الموسم السابق. وبالرغم من أن ذلك بدا طلبًا كبيرًا حينها، إلّا أن رانييري كان على صواب، وانطبق ذلك أيضًا على اختياره لأعضاء الفريق وعلى التبديلات. كل هذه التغييرات جاءت على نقيض ما شاع عنه في تشيلسي كرجل شديد المجازفة.
اهتمّ رانييري مبكّرًا بداني درينكووتر الذي لم يستطع الانضمام لليستر نهاية الموسم الماضي، ولكنه أنهى هذا الموسم على أمل المشاركة في بطولة اليورو 2016 مع منتخب إنجلترا، ولم يكن لديه أي شكوك في إهمال غوكان إنلِر، كابتن منتخب سويسرا الذي تم التعاقد معه كبديل إستيبان كامبياسو. كان رانييري متحمّسًا للتعاقد مع لاعب مثل إنلِر، إلّا أنه لم يكن حتى بين البدلاء في مباراة سوانزي الأحد الماضي، عندما أنزل المدرّب مارك أولبرايتون وحصل على أداء رائع من جيفري شلاب. الشعور السائد بأن رانييري لا يخطىء ثبت عندما أحرز أولبرايتون الهدف الرابع لليستر بعد تركه لمقاعد البدلاء.
كان ليستر يستمتع بموقعه في أعلى الترتيب، بينما كان المدرب يبقي سقف التوقعات منخفضًا من خلال خبرته في التعامل مع الإعلام.
تحوّل الـTinkerman (المدرب الذي يغيّر الخطة من مباراة إلى أخرى، كناية عن الرجل الهاوي) إلى الـThinkerman (الرجل المفكّر) في ليستر، إلّا أن الشيء الواحد الذي لا يمكن تغييره في رانييري هو عدوى الشخصية الدافئة. لقد جلب الإشراقة وحس الدعابة إلى ليستر على المستويين الفردي والعلني، مقرنًا كلماته بآثار هزلية أحيانًا، وعلى نمط رانييري، ضاحكًا على نفسه خلال ذلك. الانتقاص من الذات سهل عند رانييري الذي دعا نفسه بـالـ «جرس» [لشدة رداءته في الغناء] يوم الجمعة قبل أن يدرك خلال ضحكه بأنه اقترب من إهانة نفسه دون قصد.
قام بذاك الوصف بعد تقديمه أداءً آخر لـ «ديلي-دينغ ديلي-دونغ» -وهي دعوة تنبيه للّاعبين الشاردين أثناء التدريب أو خلال الاجتماعات- التي تحوّلت إلى شعار يتذكّره دومًا طاقم ولاعبو رانييري في بيوتهم. بعد الانتهاء من أحد الاجتماعات في ساحة التدريب وقبل الذهاب إلى ليفربول في عيد البوكسينغ داي، أهدى رانييري أجراسًا نحاسية حفر عليها اسمه لكلّ الحاضرين. لم ينقص تلك اللحظة سوى بدلة بابا نويل.
إلّا أن رانييري ليس بالأبله. ففي ذلك الحين، كان ليستر يستمتع بموقعه في أعلى الترتيب، بينما كان المدرب يبقي سقف التوقعات منخفضًا من خلال خبرته في التعامل مع الإعلام. بدأ المؤتمرات الصحفية بمصافحة كل من في القاعة، وأنهاها دائمًا بالضحك، وبين هذا وذاك واصل الحديث عن إحراز 40 نقطة. حتى أنه أشار إلى الرئيس الأمريكي في أحد المرّات عندما سئل عن اللقب، وقال ضاحكًا: «أود أن أقول: نعم، نستطيع! ولكنّني لست أوباما».
كان الطموح يكبُر خلف الكواليس. في غرفة الملابس المفعمة بالحماس حيث تحدد نبرة جايمي فاردي علو الصوت، ويقدّم حس هَث الجاف في الدعابة القيمة الكوميدية، كانت المهارات الفردية وروح الفريق وتصميمه تلمع بوضوح في أعين الكثيرين، ملهمةً رانييري ولاعبيه. لم يحتج أكثر من رؤية الأسى في وجوه لاعبيه بعد التعادل 1-1 مع مانشستر يونايتد في تشرين الثاني ليعرف الرغبة والإيمان المشتعل بداخلهم.
كان هدف فاردي الافتتاحي في تلك المباراة تاريخيًا، بوصفه أول لاعب يسجّل في 11 مباراة متتالية في الدوري الممتاز. وبالرغم من كل الحديث عن روح الرفاقية بين أعضاء الفريق، كان من المستحيل تجاوز الإسهام الفردي المهم الذي صنعه المهاجم الإنجليزي، الذي سجّل 22 هدفًا وصنع 6 أهداف أخرى، إلى جانب اثنين من رفاقه؛ كانتيه ورياض محرز، فثلاثتهم صُنّفوا ضمن القائمة القصيرة لجائزة أفضل لاعب في إنجلترا.
وصل محرز من نادي لو هافر الفرنسي عام 2014 مقابل 450 ألف جنيه استرليني، وأصبح من المضحك الآن تذكر تسخيف مدير نادي مرسيليا، قبل مدة ليست بالبعيدة، لفكرة إمكانية التعاقد مع صاحب الـ25 عامًا. في إحدى مهماته الاستكشافية، ذهب والش لمشاهدة ريان منديز الذي يلعب الآن لنوتينغهام فوريست، ولكن اهتمامه تحوّل نحو لاعب الجناح النحيل ذي الأقدام الماهرة. في تلك الليلة قام محرز بنفس الحركة التي أدّت لهدف ليستر الثالث أمام ستوك سيتي قبل بضعة أشهر وتركت فيليب ولشايد يظهر كمن يعرف بأنه الكرة مرّت من بين ساقيه دون أن يدرك كيف حصل ذلك.
لم يكن من الممكن مقارعة محرز في بعض أوقات هذا الموسم، ولو كان هناك أداء انتزعَ له الأصوات لجائزة أفضل لاعب لكان خلال الفوز 3-1 على مانشستر سيتي في شباط. يكون محرز في أفضل أحواله عند أصعب الظروف، إذ أنه قدّم عرضًا مذهلًا خلال موسم ليستر؛ اللاعبون والطاقم أحسّوا ولأوّل مرة بحصول شيء مميّز بحق.
كل شيء بدا سرياليًّا أثناء مشاهدة تلك المباراة عندما قام ليستر، وبعد أربعة أيام من هزيمة ليفربول بنتيجة 2-0، بالتغلب على مانشستر سيتي على ملعب الأخير. كان من الصعب كبت الابتسامة عندما انتشرت تغريدة عبر حساب ليستر الرسمي على تويتر، وقبل 20 دقيقة من نهاية المباراة تقول: «إن كنتم قد انضممتم إلينا للتو…#ليستر_سيتي متقدّم بـ 3-0 وروبرت هث أحرز هاتريك».
إلّا أن الاستجابة لنكسة حدثت بعد ثمانية أيام، في عيد الحب، هي التي قدّمت أكبر مؤشّر على ما يمكن لليستر تحقيقه هذا الموسم. بعد مواجهة أرسنال بعشرة لاعبين لأكثر من نصف ساعة، بسبب بطاقة داني سيمبسون الحمراء، أذعن ليستر في الدقيقة 95 وخسر 2-1. كانت تلك من أقسى الهزائم، تراجع معها تفوّقهم في الدوري إلى فارق نقطتين، وكان جميع من في داخل النادي وخارجه يحاولون تخيّل ردة فعل اللاعبين، ليس تجاه الهزيمة فقط ولكن تجاه أسلوبها المؤلم أيضًا.
استفاد رانييري من الخروج المبكّر من كأس الاتحاد الإنجليزي، في ما تبين لاحقًا أنه أسلوب إداري ناجح، وأعطى اللاعبين أسبوع إجازة من التدريبات للتنفيس ونسيان كرة القدم. الجواب على ما إذا كانت هزيمتهم ضد أرسنال سوف تكسر عزيمتهم كان حاسمًا بعد عودتهم إلى الملعب. فاز ليستر بستة مباريات وتعادل بواحدة في المباريات السبع اللاحقة محققًا 19 نقطة من أصل 21. أما أرسنال، من باب الذكر بالشيء، حقّق تسع نقاط.
يملك فريق ليستر توليفة معروفة الآن. شمايكل في حراسة المرمى، سيمبسون ومورغن وهث وفوكس في الخلف، محرز ودرينكووتر وكانتيه وأولبرايتون على الوسط، وأوكازاكي يلعب خلف فارادي مباشرة في الهجوم. صفّان رباعيّان متقاربان في الدفاع والوسط لا يتركان متسعًا كبيرًا للخصوم كي يتحرّكوا بينهما، ومهاجم في عمق الوسط لا يتوقّف عن الجري يعمل خلف رأس حربة مفترس ذي خطىً سريعة كالبرق لإنهاء هجماتهم المرتدة المدمّرة.
بدأ سبعة من اللاعبين الأحد عشر 33 من 36 مباراة على الأقل هذا الموسم. من اللاعبين الأربعة الآخرين؛ كان لأوكازاكي الحظ الأقل بالبدء في 27 مباراة. بالإضافة إلى الثبات والاتّساق، فالفريق واسع الخبرة. يبلغ شمايكل والمدافعون الأربعة أمامه وأوكازاكي وفارادي من العمر 29 عامًا أو أكثر. إنهم رجال وليسوا صبية، وهذا ما ظهر من خلال صلابتهم الذهنية في نهاية الموسم.
لعب الحظ الجيّد دورًا في قلّة الإصابات وسهّل على رانييري اختيار نفس اللاعبين، لكن تعليق كل شيء على الحظ يتنافى مع الخبرة والتكنولوجيا التي تملكها أقسام الطب وعلوم الرياضة في ليستر، حيث لم يدّخر دايف رينّي، مسؤول العلاج الطبيعي، وريفز أي جهد.
استثمر النادي بوحدة علاج بالتبريد، حيث يتم تعريض اللاعبين لدرجات حرارة أقل من -135 كي تساعد على العلاج. كما ويستخدمون تكنولوجيا أخرى رفيعة المستوى، كنظام كاتابولت لتحديد الموقع وأجهزة بولر تيم-2 لرصد معدل ضربات القلب، ويُصدرون استبيانات إلكترونية بانتظام لقياس كل شيء، من معدّلات الطاقة إلى أنماط النوم. لكن ربما الشيء الأهم هو السعي لخلق بيئة يتكلّم الجميع فيها مع بعضهم البعض.
المسألة في النهاية هي مسألة التقاء عقول. يريد رانييري للّاعبين أن يتدربوا، أما الطاقم الطبي فيريد أن يقلل من خطورة التعرّض للإصابة، ولهذا فأحيانًا ما يتعلّق الأمر بإيجاد حلّ وسط، حتى ولو كان يعني وضع دراجة تدريب ثابتة بجانب الملعب خلال حصة تدريب تكتيكية، وجعل اللاعب يبدّل بدراجاته بينما يشرح المدرب وجهة نظره. هذا ما حصل في ملعب ليستر التدريبي قبل بضعة أسابيع وكان يهدف لأن يعرف اللاعب المقصود دوره يوم المباراة دون أن يُفاقم إصابته خلال الحصص التدريبية. وكانت جميع الأطراف راضية.
المسألة ليست صنع صاروخ، كما تعلّمنا من مشاهدة فريق ليستر هذا الموسم، ولا حاجة لها بأن تكون بهذه الصعوبة. في رياضة عادة ما تكون معقّدة ومهووسة بالإحصاءات بشكل متزايد، فإن الأرقام تُظهر أن فريق رانييري كان ضمن الفرق الثلاثة الأقل حيازة للكرة، وأن نسبة تمريراته الناجحة كان ثاني أقل نسبة بعد نادي ويست بروميتش ألبيون. ومع ذلك، فإن الجدول الوحيد الذي يشكّل فارقًا -في ظل غياب جدول يقيس العمل الجماعي- يُظهر ليستر سيتي في صدارة منيعة للدوري الإنجليزي الممتاز. هذا مشهد ينبغي علينا جميعًا الاستمتاع به.