ستة أسباب للحنين إلى رونالدو

الإثنين 14 أيلول 2015
ronaldo

في عصور ما قبل السوشال ميديا، حين لم نكن نتسمّر أمام شاشة الجزيرة الرياضية، في أيام كان العالم فيها قد أصبح لتوه «قرية صغيرة»، في عالم كان فيه لاعبون آخرون غير ميسي وكريستيانو، في تلك الأيام المجيدة، أي بين عامي 1994 و2004، هذا العقد الذي سننتظر طويلًا لنعرف شبيهًا له، عرف العالم لاعبًا ستذكره ملاعب كرم القدم طويلًا، لاعبٌ جلس على عرش كرة القدم مرافقًا بيليه ومارادونا وكرويف وميسي وزيدان، هو واحد من أشهر من حملوا الرقم تسعة في المنتخب البرازيلي. دعوني أقتبس هنا من الكاتب المصري الراحل البراء أشرف* عنوان وشكل مقاله «ستة أسباب للحنين إلى روبي»، لأسرد في هذا المقال بعض الأسباب التي تجبرني على الشعور بالحنين إلى رونالدو لويس نازاريو دا ليما، إلى الظاهرة، إلى الفونيمنا، إلى رونالدو البرازيلي.

اللاعب المتكامل

في مقابلة لقناة السي إن إن مع نجم الكرة الفرنسية زين الدين زيدان، يسأل المحاور النجم الحائز على جائزة أفضل لاعب في العالم ثلاث مرّات: من هو اللاعب الأفضل الذي سبق أن لعبت معه أو ضده؟ فيجيب زيدان، وكأن السؤال كان متوقعًا، أو كأنه قد سبق وحضّر نفسه دومًا لأن يجيب ذات الإجابة: من دون أدنى شك، رونالدو.

السرعة، القدرة الرهيبة على المراوغة، القدرة على التسجيل بالقدم اليسرى وبالقدم اليمنى، البراعة في اختيار المكان المناسب في اللحظة المناسبة، المراوغة مرّة أخرى، الشهية المفتوحة دومًا لمزيد من الأهداف، الابتسامة الجميلة، الطريقة المميزة بالاحتفال بالأهداف، كل هذه الأسباب وغيرها تجعل رونالدو اللاعب الأفضل الذي سبق لزيدان أن لعب معه.  

القدرة على النهوض

في العام 1997، وبعد موسم مع برشلونة أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه مدهش، حصل رونالدو على جائزة أفضل لاعب في العالم وهو لم يتجاوز عامه الحادي والعشرين بعد، الأمر الذي أجبر كبار أوروبا على النظر إليه باهتمام بالغ، ليحصل على خدماته أخيرًا النادي الإيطالي إنتر ميلان.

وخلال العامين الأولين من تواجده في ملعب السان سيرو، أثبت رونالدو أنه يستحق المبلغ الخرافي، في حينه، والذي دفع لجلبه من كاتالونيا إلى ميلان. تسعة وأربعون هدفًا في موسمين فقط، هو رقم كبير إذا ما عرفنا أن الدوري الإيطالي هو الدوري الأكثر إغلاقًا والأقوى دفاعًا في العالم. وقد تصور العالم أن هذه السيرة من التسجيل لن تنقطع، إلّا أن القدر كانت له خطّة اخرى. ففي مباراة بين إنتر ميلان ونادي ليتشي، وفي الواحد والعشرين من شهر نوفمبر، توقفت قلوب محبي كرة القدم حول العالم، إذ أن الظاهرة البرازيلي، ماكنة تسجيل الاهداف قد أصيب في ركبته.

ستة أشهر كاملة غابها رونالدو عن الملاعب، ولم يعرف عنه المشجعون إلّا أنه يتدرب بقسوة ليعود إلى الملاعب سريعًا، وهذا ما كان. ففي الثاني عشر من أبريل من عام 2000، عاد النجم البرازيلي إلى اللعب مجددًا، وفي منتصف المباراة بين إنتر ميلان ونادي العاصمة الإيطالية لاتسيو، نزل إلى الملعب النجم البرازيلي لتلاقيه الجماهير بتحيّة يستحقها، خاصة بعد طول الغياب هذا.

الأمر له علاقة بأحلام ملايين الأطفال حول العالم، أطفال كان أحدهم وبمجرد تسجيله لهدف في مباراة في حارة أو في ملعب مدرسة يسارع إلى إشهار سبّابته تقليدًا لرونالدو.

لكن، مرّة اخرى كان للأقدار خطتها المختلفة عن رغبتنا جميعًا: بعد ستة دقائق فقط، يحصل رونالدو على الكرة، ويتقدم نحو مرمى لاتسيو، بسرعة كما العادة، يحيط به المدافعون باذلين قصارى جهدهم لمنعهم من التسجيل في مرماهم اليوم، يراوغ، يتقدم، وفجأة، يسقط أرضًّا. لثانية ظن المدافع أن رونالدو يمثّل، لكن ربما الصرخة التي أطلقها، أو ربما لأنه رونالدو، أُخرجت الكرة بأقصى سرعة ممكنة للسماح للطاقم الطبي للنزول للملعب، لاعبو الفريقين يهرعون نحو زميلهم الملقى صارخًا متألمًا على أرضية الملعب، الأمر أكبر من أن يكون مجرد تمثيل أو محاولة لكسب الوقت كما يفعل اللاعبون الماكرون عادة، الأمر له علاقة بانتهاء كرة القدم كما عرفناها، الأمر له علاقة بهداف استحق لقب بيليه الجديد، الأمر له علاقة بأحلام ملايين الأطفال حول العالم، أطفال كان أحدهم وبمجرد تسجيله لهدف في مباراة في حارة أو في ملعب مدرسة يسارع إلى إشهار سبّابته تقليدًا لرونالدو، أطفال كان يقال لأحدهم عندما يضيع الكرة بأنانيته: مفكر حالك رونالدو؟

في لحظات كهذه يمكن لنا أن نفهم نظرية النسبية الخاصة بآينشتاين، الزمن بطيء جدًا، بل أنه توقف ليمكننا من رؤية ردود أفعال زملاء رونالدو ومحبيه؛ المدرب مارتشيللو ليبي يضع كلتا يديه على رأسه وكأنه فجع بفقد ابن، المدافع الإيطالي بانوتشي يبدو تائهًا، المهاجم التشيلي زامورانو، والذي سبق لرونالدو أن أخرج بلده من كأس العالم يتقدم نحو العربة التي تحمل رونالدو ويقبله، يقبله كمن يقبل جثة لن يراها مرّة أخرى، والصحافة حول العالم تنقل الخبر والتوقعات، وفي الذهن تحضر صورة النجم الهولندي فان باستن، وهو النجم الذي أجبرته الإصابة على الاعتزال مبكرًا، إصابة كالتي يقال أن رونالدو تعرّض لها كفيلة بإجباره على اعتزال حتى المباريات الخيرية. التلفزيونات المهتمة تنقل الصورة، وتنقل صوت صراخه في النفق المؤدي إلى غرف الملابس، الموضوع أكبر مما كان العالم يظن، ويبدو جليّا أن قصة رونالدو مع كرة القدم، وقصتنا مع المتعة قد وصلت إلى نهايتها.

لكن، وكالحكايات الخيالية تمامًا، أو كأفلام هوليود، يأبى البطل أن يموت، وتأبى الحكاية إلّا أن تنتهي نهاية سعيدة، صحيح أنها استغرقت وقتًا أطول مما يحب مشجعو كرة القدم، إلّا أن المهم في نظرهم هو أن رونالدو عاد، وعاد في الوقت المناسب، ليشارك منتخب بلاده في بطولة كأس العالم التي أقيمت في كوريا الجنوبية واليابان في صيف العام 2002.

وكما العنقاء التي تنبعث من تحت الرماد انبعث رونالدو، مجبرًا العالم كلّه على احترام موهبته، وتقدير قوة الإرادة لديه، اللاعب الذي ظن الجميع أن مسيرته الكروية قد انتهت عاد من جديد ليكون هدّاف كأس العالم، ويسجل في المباراة النهائية هدفين في مرمى الحارس الأفضل في العالم في حينها، أوليفر كان، متوجًا نفسه كأفضل لاعب ومهاجم في العالم، ولتحصل بلاده على كأس العالم للمرّة الخامسة في تاريخها.

في الليلة الظلماء يفتقد الظاهرة

في البرازيل، كرة القدم أكثر من مجرد رياضة، وهي أكثر من دين، هي الهواء الذي يتنفسه البشر، وهي مجدهم القومي، وفخرهم بين دول العالم، وكرة القدم سرّها الأهداف، ولذا كان مهاجمو المنتخب البرازيلي على الدوام أفضل مهاجمي العالم، وإنما جاء رونالدو ليؤكد هذه الحقيقة ويثبتها.

وفي كأس العالم التي أقيمت في البرازيل 2014، والتي كان يفترض بها أن تكون تعويضًا متأخرًا للشعب البرازيلي عن خسارة كأس العالم على أرض راقصي السامبا في العام 1950، في هذه البطولة منيت البرازيل بفضيحة هزّت إيمان الشعب البرازيلي بأثمن ما يؤمنون به. في هذه البطولة افتقدت البرازيل كثيرًا من الأمور، ومن بينها المهاجم الفذ، المهاجم القادر على قلب نتيجة المباراة في اي لحظة. وكان بائسًا، بل ومأساويًّا أن نرى الهجوم البرازيلي يتقدمه مهاجم مغمور يلعب في الدوري الروسي أو حتى في الدوري الصيني.

كابوس المدافعين وحلمهم

عندما يتم ذكر الأسباب التي تجعل من رونالدو، اللاعب الأفضل في العالم، يقول المعلقون: يكفي أنه أحد اللاعبين القلائل في العالم الذين تمكنوا من تجاوز المدافع الإيطالي باولو مالديني، أما تعذيبه للإيطالي الآخر أليساندرو نيستا فهو أشهر من أن ينسى.

وفي فيديو آخر، وقبل المباراة النهائية لكأس العالم 1998، يلتقط المصوّر لقطة تدل على ما يشكله رونالدو للمدافعين من فزع، إذ نرى مدافعي المنتخب الفرنسي يتدربون على كيفية اعتراض رونالدو.

ما سبق هو الكابوس، أما الحلم، فهو اللعب أمام رونالدو، أن تتمكن من إيقافه فيشهد لك العالم بالقوة والمهارة، أن تتبادل معه القميص بعد نهاية المباراة فتروي القصة لاحقًا لأبنائك، أن تستمتع بمشاهدة هذا الكم من الإبداع عن قرب، وإن عنى هذا الأمر أن يتعرض فريقك للخسارة.

المتعة المضمونة

في إحدى المباريات التي لعبها رونالدو لبرشلونة، تفجّرت قدراته الفذة، الأمر الذي جعله وبالًا على الفريق الخصم. وفي لقطة نادرة، تذكر بالهدف الأسطوري لمارادونا في مرمى إنجلترا في العام 1986، انطلق رونالدو من منتصف الملعب، مراوغًا نصف دستةِ من اللاعبين، واضعًا الكرة في المرمى، تحت انظار الحارس الذي لم يعرف ما الواجب عليه فعله للتصدي لمهاجم من عالم آخر، يدعى رونالدو. عند رؤيته لهذا الهدف، ما كان من السير بوبي روبسن، مدرب الفريق الكاتالوني، إلّا أن يشد شعره، إذ ان ما رآه للتو يفوق قدرة البشر.

وفي مباراة لاحقة، وعندما كان رونالدو يلعب لفريق الإنتر، وصلت الكرة إلى رونالدو لينفرد سريعًا بحارس المرمى، والذي لو كان لنا أن نسأله الآن عن شعوره في تلك اللحظة، لما قال إلّا أنه كان يعلم جيّدًا أن الكرة ستستقر في مرماه، لكن ما كان يحيره ويدفعه للمشاهدة هو أن يعرف الطريقة التي سيوصل بها رونالدو الكرة إلى المرمى. الكرة تسير أمام رونالدو، وهو يتبعها بشغف، ومن دون أن يلمس الكرة، ادّعى أنه سيذهب يمينًا تارة، وادّعى أنه سيذهب يسارًا تارة، الأمر الذي أربك وجود الحارس، فاستسلم، وسقط أرضًا، ليتحرك رونالدو أخيرًا رفقة الكرة إلى اليمين، ويضع الكرة بكل هدوء في المرمى، مكانها الطبيعي عندما يكون المسدد هو رونالدو.

جامع التناقضات

في صيف العام 2000 انتقل اللاعب البرتغالي الشهير لويس فيغو من نادي برشلونة إلى الغريم التقليدي نادي ريـال مدريد، وهو الأمر الذي لن يغفره محبو برشلونة لفيغو أبد الدهر، لكن الأمر كان مختلفًا مع رونالدو، إذ لم يطلق عليه لقب الخائن كما حصل مع فيغو، ولم يرم بالعملات المعدنية ولا بزجاجات الكحول. من الجائز القول أن سبب الغضب على فيغو أنه انتقل من برشلونة إلى الريال مباشرة، بينما انتقل رونالدو إلى انتر ميلان قبل أن ينتقل إلى ريـال مدريد، ربما يكون هذا الكلام صحيحًا، إلّا أنه يظل في الذاكرة أن رونالدو ربما يكون اللاعب الوحيد الذي لعب للغريمين في إسبانيا وفي الوقت ذاته للغريمين في إيطاليا، إنتر ميلان وآي سي ميلان.

* هذا المقال مهدى له.

One response to “ستة أسباب للحنين إلى رونالدو”

  1. Jalal Alnatsheh says:

    افضل من لمس الكره
    صدقني كانت أبكي وأنا اقراء المقال شكرا لك يا كاتب المقال

Leave a Reply

Your email address will not be published.