ترجمة بتصرّف لمقابلة مطوّلة نشرها موقع ChinaTalk حول نموذج «ديب سيك» بتاريخ الأول من شباط 2025.
مقدمة المحرر: أحدث الإعلان عن نموذج «ديب سيك» زلزالًا في عالم الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة الأمريكية أساسًا، وفي بقية العالم. حيث تمكّن من القول إنه ليس بالضرورة إنفاق مئات الملايين من الدولارات للخروج بنماذج ذكاء اصطناعي فعالة، وأن الولايات المتحدة لا تسبق الصين، في مجال الذكاء الاصطناعي، بسنوات كما كانت تتخيل.
في هذه المقابلة مع كيفن شو، الذي عمل سابقًا في شركة «جت هب» وفي المكتب الصحافيّ للرئيس الأمريكيّ السابق باراك أوباما، وهو أيضًا مؤسس شركتي «Interconnected» و«Interconnected Capital»، نقاش حول الجديد الذي يقدمه ديب سيك، وأثر ظهوره على مسار الذكاء الاصطناعيّ في كلّ من أمريكا والصين؟ كما نستكشف ما يقوله وما لا يقوله «ديب سيك» حول الابتكار الصينيّ، والتوتّرات بين المصدر المفتوح الكونيّ والنزعة القوميّة داخل «ديب سيك»، والمجتمع التقني الصيني الأوسع. إضافة إلى استراتيجيّة «ديب سيك» في التنظيم وإدارة المواهب، وأوجه التشابه مع «أوبن إي آي»، وما الذي قد تعنيه الشهرة للشركة ولسياسة الذكاء الاصطناعي في الصين. كذلك ما ينبغي أن يعنيه «ديب سيك» أو ما قد يعنيه لمستقبل قيود التصدير وسياسة الابتكار الأمريكيّة بشكل عامّ.
جوردان شنايدر: كيفن، ما الذي يجعل «ديب سيك» رائعًا؟
كيفن شو: وصفي المختصر لـ«ديب سيك» هو أنّ أحدث نماذجه يتمتع بقدرات عالية، وتكلفته منخفضة جدًا، وهو مفتوح المصدر إلى حدّ كبير. أمّا «ديب سيك» كشركة، أو شركة ناشئة، أو ما قد أفضّل وصفه بمختبر أبحاث ذكاء اصطناعيّ يشبه الجامعة، فهو أيضًا فريد من نوعه.
إنّهم فريدون من نوعهم لأنّ ما أنجزوه وكيفيّة تنظيمهم تختلف عن النموذج المعتاد لكيفيّة عمل معظم شركات التكنولوجيا الصينية أو الأمريكيّة أو حتّى أيّ من شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم، وذلك يتجلّى في ثلاثة جوانب مختلفة:
أوّلًا؛ لا يخضع المختبر لأيّ ضغوط تتعلَّق بتحقيق الأرباح التجاريّة؛ فرغم أنّ لديهم واجهة برمجة تطبيقات (API) لتحصيل رسوم ماليّة، لكنّها رسوم على الأرجح لا تتعدّى سعر التكلفة أو أعلى قليلًا فقط لاسترداد تكاليف تدريب لنموذج. وعلى العكس من «أوبن إي آي»، ليست لديهم توقّعات لتحصيل أيّة أرباح، وربّما ليس لديهم فريق مبيعات، وعلى الأرجح أن لا يكون لديهم واحد في المستقبل. هذا ما منحهم الحرية الكاملة لتحسين نموذجهم بسرعة بناء على أحدث الأبحاث مفتوحة المصدر.
ثانيًا، إنّهم يديرون مركز بيانات خاص بهم. وعلى الأرجح أنّهم كانوا يديرون مركز بياناتهم الخاص منذ العام 2019، أي قبل ظهور «تشات جي بي تي»، وقبل فرض قيود التصدير. هذه المنهجيّة في العمل متجذّرة في أصولهم كصندوق استثماري كمّيّ يعتمد على الخوارزميات (Quant Fund)؛ إذ تمتلك جميع هذه الصناديق تقريبًا مراكز بيانات داخلية لتعظيم سرعة وكفاءة خوارزميات التداول باستخدام الأجهزة التي اشتروها للحصول على أقصى عائد لشركائهم المحدودين أو الصندوق. هذا المستوى العميق من الخبرة في التكامل بين الأجهزة والبرمجيات من خلال تشغيل مركز بياناتهم الخاص هو ما قاد إلى هذه الابتكارات المذهلة، والاكتشافات المثيرة، أو النماذج الجديدة التي كان يجري الحديث عنها مؤخّرًا.
وهناك أيضًا تحسين كبير في العلاقة بين البرمجيات والأجهزة؛ فالمهندسون حرفيًّا يعملون على طبقة أدنى من برمجيّة كودا (CUDA) ليتمكّنوا من التعامل مع لغة التجميع (Assembly) للتحكّم بمكوّنات مختلفة من وحدات معالجة الرسومات (GPUs)، ممّا يمكّنهم من استخلاص أقصى أداء منها، ما يجعل من نموذجهم قويًّا جدًّا وبتكلفة منخفضة.
ونظرًا لعدم وجود ضغوط، أو أهداف أو استراتيجيّات تجاريّة، فهم على استعداد لنشر أكبر قدر ممكن من المعرفة كمصدر مفتوح وفقًا لرغبتهم. يمكن القول إنّهم أكثر نموذج مفتوح المصدر متاح في السوق حتّى الآن. هذا كلّه يجعل «ديب سيك» مثيرًا للإعجاب وللاهتمام، ولكنّه أيضًا مثال فريد لما يحدث في مجال الذكاء الاصطناعيّ. ولهذا، من الضروريّ التريّث قبل محاولة استقراء نمط أكبر من تجربة «ديب سيك» وتعميمه على نطاق أوسع.
شنايدر: لنتحدث عن ممارسات التوظيف والعمل؛ هناك على الأقلّ ثلاثة أوجه تشابه بين «أوبن إي آي» و«ديب سيك»:
أولًا؛ لدينا رئيس تنفيديّ شابّ يقود هذا المشروع بدافع شغفه الشخصيّ، وفضوله ورؤيته طويلة الأمد حول كيف يمكن لمشروع كهذا أن يحقّق النجاح في المستقبل. ثانيًا؛ «ديب سيك» شركة صغيرة جدًّا، بينما «أوبن إي آي» وحتى قبل إطلاق «تشات جي بي تي» كان عدد موظّفيها بالمئات، في عام 2020 كان لديهم 150 شخصًا، وهو نفس عدد المهندسين الذين يعملون في «ديب سيك» حاليًّا. كلاهما يميل إلى توظيف المواهب الشابة والاستثنائيّة، وهم مستعدون لدفع أيّ مبلغ مطلوب لاستقطابهم. ثالثًا؛ نحن في مرحلة من هندسة الذكاء الاصطناعيّ التي يكون فيها امتلاك عقود من الخبرة عائقًا بقدر ما هو ميزة عند محاولة الدفع إلى ما وراء حدود المعرفة الحاليّة. كما قال ليانغ وينفينغ، الرئيس التنفيذيّ لـ«ديب سيك»:
«نحن بحاجة إلى أشخاص يمتلكون شغفًا جارفًا بالتكنولوجيا، وليس أشخاصًا يعتمدون على خبرتهم في إيجاد الحلول. الابتكار الحقيقيّ غالبًا ما يأتي من أشخاص لا يحملون أعباء الماضي».
النقطة الأخرى المثيرة للاهتمام هي أنّهم لا يعتمدون أيّ معايير للأداء (KPIs)، ولا يملكون هيكلًا تنظيميًا صارمًا، ولا تقسيم بين الفرق أو منافسة داخلية بينهم؛ وهذا ما يتناقض تمامًا مع ما يحدث في شركات مثل «تنسنت» و«علي بابا» وحتّى «غوغل»؛ إذ يوجد ضغط خارجيّ مكثّف لإثبات العائد على الاستثمار في تطوير النماذج، الأمر الذي قد لا يكون أفضل نهج لتحقيق ابتكارات جذريّة في مجال الذكاء الاصطناعيّ اليوم.
شو: هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها فهم هذه البنية الثقافية أو التنظيمية الفريدة من نوعها. بالعودة إلى ما تحدّثت عنه سابقًا عن عدم وجود استراتيجيّة تجاريّة لديهم، فإنّهم يستفيدون من صندوق استثماريّ كميّ كان قادرًا حتّى الآن على تمويل كافة احتياجاتهم. أمّا نهجهم في إدارة المواهب فيعتمد على التقليل من السياسة الداخليّة والعمل على تعظيم الإمكانات الفرديّة.
لفعل ذلك، يجب التقليل من الهيكل التنظيميّ ليتمكّن الأفراد من الحصول على الموارد التي يحتاجونها على الفور تقريبًا لاختبار هذه الحاجات التجريبيّة. ومن هنا تأتي الحاجة إلى توظيف المواهب الشابّة، إذ لا تمتلك هذه الفئة عبء الخبرة، أو المكانة، أو الإنجازات السابقة التي تجعلهم متردّدين في تجربة أفكار عشوائيّة قد تنجح أو تفشل، دون أن يكون هناك عواقب للفشل.
في مقابلة مع «بلومبرغ» بداية العام، تحدث سام ألتمان عن الفترة التي كانت فيها «أوبن إي آي» تحاول توظيف مهندسين في عام 2016، إذ كانوا يفضّلون استقطاب المواهب الشابّة، لكنّهم لم يتمكّنوا من إقناع أصحاب الخبرة للعمل معهم لأنّ فكرة بناء الذكاء الاصطناعيّ العام (AGI) في ذلك الوقت كانت أشبه بـ«تابو» في وادي السيليكون. كان الناس يفضّلون العمل في مجالات أكثر نفعيّة مثل السيارات ذاتية القيادة أو تطبيقات التعلم الآلي التقليديّة، أو البرمجة الخدماتيّة (SaaS).
أعاد «ديب سيك» إنتاج هذا النموذج، سواء عن قصد أو دون قصد، لكنّه فعل ذلك دون أيّ ضغط تجاريّ. في مرحلة ما، حاول ليانغ جمع تمويل من رأس المال المغامر (VC)، لكنّه فشل في ذلك كلّيًّا، وذلك يسلّط الضوء على مشكلة أخرى تتعلّق بوضع الاستثمار المغامر في الصين حاليًّا، إذ لا يوجد أي اهتمام برؤى مثالية أو حلم مثل الذي يسعى «ديب سيك» لتحقيقه.
ويمكن مقارنة ذلك بمعامل الذكاء الاصطناعي الأخرى في الصين، مثل «دروبال» و«موون شوت»، وبالطبع الشركات الكبرى مثل «علي بابا» و«بايدو» و«تنسنت». لدى هذه الشركات إمّا عوائد الربح الداخليّة على استثماراتها (ROI) أو أهداف تجاريّة عليها الإيفاء بها، أو لديها إمّا دعم ماليّ من الدولة أو من رأس مال مغامر يجب أن تكون مسؤولة عنه. والطريقة التي تُبنَى فيها مثل هذه الشركات تتطلّب استقطاب شخصيّات معروفة في مجال الذكاء الاصطناعيّ لإقناع المستثمرين بتمويلهم. بينما لم تحتج «ديب سيك» لفعل ذلك، ربّما كانوا يريدون فعل ذلك في البداية، لكنّهم تخلّوا عن هذا المسار تمامًا، وكان ذلك في صالحهم بشكل كبير.
شنايدر: ما يثير الاهتمام هو التناقض بين هذا النموذج وبين الجهود الصناعيّة الكبرى الأخرى في الصين. قد يكون قطاع أشباه الموصلات (Semiconductors) هو المثال الأوضح؛ فقد تأسّست شركة «سميك» على يد مهندسين سابقين من شركة «TSMC» التايوانيّة، وكذلك سارت «CXMT» على النهج نفسه. كما استقطبت «هواوي» عددًا هائلًا من المواهب من تايوان وكوريا الجنوبية لتسريع عملية تطوير وتصميم الرقائق الإلكترونيّة.
الشيء المميز جدًّا في مجال الذكاء الاصطناعيّ اليوم أنّ عقودًا من الخبرة قد تكون مضرّة أكثر من كونها مفيدة.
شو: كثيرون يحاولون وضع ما أنجزته «ديب سيك» ضمن إطار استراتيجيّة صينيّة ما خاصّة بالذكاء الاصطناعيّ، وكأنّها مجرّد عنصر آخر في سياسات التصنيع التي تحدّثت عنها. في حين أنّ ما فعلته «سميك» منطقيّ جدًّا، لأنّهم يحاولون اللحاق بركب صناعة قائمة فعلًا هي تصنيع أشباه الموصلات. لقد كانت «TSMC» التايوانيّة متقدّمة جدًّا على أيّ شركة صينيّة منذ فترة طويلة، وكذلك «سامسونج».
لكنّ أبحاث الذكاء الاصطناعيّ والذكاء الاصطناعيّ العامّ (AGI) تختلف تمامًا من حيث الطبيعة النوعية، إذ أن الجميع ربّما متقدّمون على بعضهم البعض بستّة إلى تسعة أشهر فقط. ولذلك، فإنّ تأثير الخبرة أقلّ أهمّيّة بكثير مقارنة بالمجالات الصناعية والتكنولوجيّة الراسخة، مثل تصنيع الرقائق الإلكترونيّة.
شنايدر: قد يكون ليانغ الأكثر اقتناعًا بفكرة الذكاء الاصطناعي العام (AGI) من بين جميع قادة معامل الذكاء الاصطناعي في الصين، وكذلك الأكثر إيمانًا بالمصدر المفتوح.
كيفن، قبل إطلاق صندوقك الاستثماريّ، عملت في «جت هب» لفترة طويلة وتفاعلت بشكل كبير مع مجتمع المصدر المفتوح عالميًا، وكذلك داخل الصين. كيف ترى إمكانية تأثير هذه الطاقة على فريق «ديب سيك» ودوافعهم.
شو: سأشرح هذا في جزأين؛ الأوّل: المصدر المفتوح نفسه. بشكل أساسيّ، يعني المصدر المفتوح طريقة في بناء وتطوير التكنولوجيا بشكل علنيّ، ما يسمح لأيّ شخص بالعثور على الشيفرة المبنيّة في العلن، وتحميلها، ومشاركتها، وتعديلها. الفرضيّة الأساسيّة هي أنّ الشيفرة بحدّ ذاتها ليس لها قيمة كبيرة بمعزل عن بيئة العمل، ولذلك لا داعي لإبقائها سرًّا أو حمايتها بتراخيص صارمة. تطوير التكنولوجيا في العلن هو أفضل طريقة للبناء، وهذه الفكرة تمثّل حركة استمرّت لأكثر من 40 عامًا.
في الصين، بدأت هذه الحركة تترسّخ في منتصف العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين. إذ عَمِلَتْ «مؤسسة لينوكس» (Linux Foundation)، وهي المؤسسة غير الربحية المسؤولة عن نظام «لينوكس»، وهو أكبر نظام تشغيل مفتوح المصدر في العالم، على تنظيم فعاليات ومؤتمرات في الصين منذ ذلك الوقت. وإذا نظرنا إلى تاريخ ليانغ الشخصيّ، نجد أنّه بدأ دراسته الجامعيّة في ذلك الوقت، ومن المحتمل أنّه كان طالبًا موهوبًا جدًّا في المدرسة الثانوية، ومن ثمّ أصبح خبيرًا تقنيًّا بارعًا.
هناك جيل من الروّاد الصينيّين من تلك الفئة العمريّة –أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات الآن- الذين نشأوا في بيئة تقدّر المصدر المفتوح بشدّة. إنّهم يؤمنون أنّه من أفضل الأمور التي حدثت لهم وساهمت في اكتشاف وتطوير أنفسهم. والآن، بعد أن نضجوا، أصبحوا من المناصرين بشدّة للمصادر المفتوحة بسبب فوائدها وعناصرها الإيجابيّة التي تعود بالنفع على الجميع.
ثانيًا؛ وبالعودة إلى الطبيعة الفريدة لـ«ديب سيك»، تمكّن ليانغ من تنفيذ مشروعه لأنه يمتلك صندوقًا استثماريًّا يموّل أبحاثه، ما جعله غير مضطر إلى تحقيق أرباح مباشرة من النموذج مفتوح المصدر. هذا ما يجعله مختلفًا تمامًا عن منافسيه.
من وجهة نظر ثقافية؛ ثمّة ما يمكن وصفه بالتعصّب أو التبشير للمصدر المفتوح داخل مجتمع المصدر المفتوح الصينيّ. وهذا يتجلّى في وجود مجموعة كبيرة من المهندسين الصينيّين الذين يعشقون المصدر المفتوح، والذين اعتمدوا بشكل كبير على البرمجيات مفتوحة المصدر الغربية لمساعدتهم في تطوير أعمالهم والتعلّم أكثر عن التكنولوجيا.
ولكن، منذ ست أو سبع سنوات، حدث تحوّل جذريّ عندما أصبح العديد من هؤلاء المهندسين، ومن المحتمل أن يكون ليانغ من بينهم، راغبين في إنتاج مشاريعهم مفتوحة المصدر الخاصّة بهم. أصبحت لديهم رغبة قوية في المساهمة من خلال مشاريع مصدر مفتوح خاصة بهم يمكن أن يستخدمها العالم كلّه. وكانوا متحمّسين بشدّة لاستخدام شركات غربية لتقنيّاتهم، وبشكل خاصّ شركات وادي السيليكون التي تتمتع بعلامات تجارية معروفة؛ من قواعد بيانات، أو خدمات المايكروسيفرس، أو الخدمات البرمجية الداعمة (Sidecar)، أو أي أدوات بنية تحتية أخرى.
إنّ ما يدفع هؤلاء المهندسين ليس المال بقدر الحصول على الاعتراف؛ فهم يقدّمون دعمًا مجّانيًا، يصلحون الأخطاء في منتصف الليل، ويجيبون على الأسئلة في المنتديات. بالنسبة لهم، هذا مصدر للمصادقة والاعتراف بقدراتهم؛ فهم يدركون أنّ التكنولوجيا الصينية نادرًا ما تحصل على التقدير الذي تستحقّه؛ إذ غالبًا ما يجري اتّهام الصين بالغش أو السرقة عندما تطوّر أيّ شيء جديد، ولهذا الأمر جانب وطنيّ، لكنّه أيضًا مسألة كرامة هندسيّة، فهم يريدون إثبات أنّ مشاريع المصدر المفتوحة الخاصة بهم يمكن أن تكون مفيدة ومحبوبة من الشركات الغربية أيضًا.
هذه العقلية الأخلاقية المرتبطة بالمصدر المفتوحة واضحة جدًّا في «ديب سيك»، وآمل أن يستمرّوا على هذا النهج. لكن يبقى السؤال ما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في إبقاء مشاريعهم مفتوحة المصدر إلى الأبد.
شنايدر: عند النظر عن كثب إلى المقابلتين الطويلتين اللتين أجراهما ليانغ، تظهر ثنائيّة مثيرة للاهتمام. أُجْرِيَت الأولى في عام 2023، وكانت انعكاسًا لعقلية المصدر المفتوح الأخلاقيّة والتعصّب له. ثمّ في مقابلة تموز 2024، انتقل التركيز نحو الإظهار للعالم وللمهندسين الصينيّين أنّهم قادرون على تحقيق ابتكارات قويّة.
هذا التوتر بين المصادر المفتوحة، والفائدة العالميّة التي يمكن أن يجلبها الذكاء الاصطناعيّ، وأيّ دولة ستكون الأولى في فعل ذلك وتستفيد منه إلى أقصى حدّ، هو ما سيحدّد حقًا مستقبل «ديب سيك» ومستقبل الذكاء الاصطناعيّ بشكل عام؛ أين سينتهي العالم في ظلّ هذا الانقسام؟
شو: التوتر هنا واضح جدًّا، وقد لا يكون من المستحيل التوفيق بينهما، لكنّه موجود بلا شكّ. لكنّ المصدر المفتوح، كما وصفته من قبل، عابر للحدود بطبيعته؛ فالشيفرة تتحدث عن نفسها ويمكن لأيّ شخص استخدامها كمنفعة عامّة، ولهذا بحدّ ذاته عيوبه أيضًا.
إذا حضرت أيّ مؤتمر للمصدر المفتوح –وقد حضرت العديد منها- ستجد المهندسين يتحدّثون بلهجات إنجليزيّة مختلفة من جميع أنحاء العالم. إنّ مجتمعهم لا يُعرَّف من خلال الجنسيّة، بل بما إذا كنت مطوّر C، مبرمج Rust، أو مهتمًا بـ Kubernetes أو OpenStax. وهذه معكسرات تكنولوجيّة مختلفة تخلق قبائل داخل مجتمع المصدر المفتوح. وهذا النقيض التامّ لمفهوم الهوية الوطنيّة.
لكن عند الحديث عن فرادة المجتمع الهندسيّ ومجتمع المصدر المفتوح الصينيّين، يظهر عنصر الاعتزاز القوميّ أو الرغبة في إثبات الذات. هناك رغبة قوية في إثبات أنّ تكنولوجيا المصدر المفتوح الصينيّة –والتي مع مرور الوقت تصبح جزءًا من التكنولوجيا الصينيّة عمومًا- يمكن أن تكون جيدة بما يكفي للعالم لاستخدامها. حتّى الآن، ليس هناك توقّعات من العالم لتعويضهم ماديًّا عن هذه المساهمة.
وهذا ما يشكّل جزءًا من الطبيعة الفريدة لفريق «ديب سيك»، والمكوّن بالكامل من أشخاص درسوا وتدرّبوا في جامعات صينيّة. ربّما عَمِلَ بعضهم في شركات أجنبيّة لفترات قصيرة، لكن ليس لفترات طويلة – لم يعمل أحد منهم في وادي السيليكون لـ 10 سنوات في «غوغل» أو «ميتا» قبل أن يجري استقطابه للعمل في الصين.
في كلّ مقابلة يجريها ليانغ، وهو أمر نادر الحدوث، يبدو وكأنّ ثمّة فيها عنصرًا توظيفيًّا ضمنيًّا؛ فهو يريد أن يجذب ألمع العقول وأفضلها لأنّه يتنافس مع شركات ضخمة يمكنها دفع رواتب أعلى بكثير مما تستطيع «ديب سيك» تقديمه. لكنّ ما تقدّمه «ديب سيك» هو الحرية في البحث والاستكشاف، إضافة إلى عنصر الشعور بالفخر من العمل في بيئة مفتوحة المصدر والتي تجذب الكثير من المهندسين. كثير منهم سيقبلون بالعمل لقاء راتب أقلّ إذا كان بإمكانهم العمل في شركة أكثر انفتاحًا على مشاركة المعرفة والمساهمة في مجتمع المصدر المفتوح.
التفكير في الاتّجاهات المختلفة في ما يتعلّق بكيفيّة بنائه للمختبر أمر منطقيّ، لكن من المؤكّد أنّ التوتّر موجود هناك.
شنايدر: دعنا نتحدث عن مستقبل «ديب سيك». إذا واصلنا المقارنة مع «أوبن إي آي»، فإنّ «أوبن إي آي» لم يكن لديها صندوق تحوط استثماريّ، لكنّها حصلت على تبرعات من إيلون ماسك، سام ألتمان، وآخرين. وفي مرحلة معيّنة أدركوا أنّه لزيادة نطاق أبحاثهم ومنتجاتهم، كانوا بحاجة إلى شراكة مع شركة كبرى في الحوسبة السحابيّة، وقد وجدوا ضالّتهم في «مايكروسوفت»، والآن هناك «Oracle» وأموال دبي. كيف تعتقد أنّ هذا يؤثّر على «ديب سيك» من ناحية الهيكلة المؤسساتية؟
شو: أتوقّع أنّ لدى «ديب سيك» فرصة جيّدة للحفاظ على هيكلها الحاليّ على الأقلّ لعامٍ أو اثنين، وهو ما يعادل الأبديّة في عالم الذكاء الاصطناعيّ. إنّهم في حالة تنظيميّة جيّدة للغاية، وقد حدثت تقريبًا دون تخطيط مسبق. طالما أنّ صندوق التحوط الخاصّ بهم يواصل تحقيق أرباح جيّدة، يمكنهم الاحتفاظ بهذا النموذج لفترة طويلة. لكنّ الحالة التي قد يتغيّر فيها الوضع بشكل غير متوقّع، هي تخفيف الولايات المتحدة لقيود التصدير بسبب التقدم الذي تحقّقه «ديب سيك»، والذي يرتبط بالنقاش حول عدم فاعلية قيود التصدير في كبح تطوره.
في حال أصبحت منتجات «إنفيديا» متاحة من جديد، ستسعى «ديب سيك» وشركات صينيّة أخرى إلى الحصول عليها فورًا. وهذا السيناريو سيتطلّب منهم تأمين تمويل كبير بسرعة، إمّا من خلال شراكة مع شركة حوسبة سحابية كبرى أو الحصول على استثمارات خارجية. قد يتغيّر المشهد بشكل جذريّ؛ فحتّى لو أعطيت «ديب سيك» 100 مليار دولار غدًا لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعيّ، فإنّ خيارات البناء ستظلّ محدودة جزئيًّا بسبب قيود التصدير.
شنايدر: حتّى لو لم تتغير قيود التصدير أو أصبحت أكثر تشدّدًا، فلا يزال هناك قدر هائل من خيارات الحوسبة المتاحة. إنّ إمكانيّة توسيع نطاق نماذج الذكاء الاصطناعيّ والتجارب في حال حصول «ديب سيك» على شراكة ستكون هائلة.
كبار المسؤولين في شركات الحوسبة السحابية الكبرى ينظرون إلى موظفينهم ويفكّرون: «يجب علينا فقط توقيع شراكة مثلما فعلت «مايكروسوفت» مع «أوبن إي آي»، لأنّ هذه هي الدجاجة التي تبيض ذهبًا. ببساطة، هؤلاء الأشخاص أفضلُ ممّا نملك». إذا جاء شخص يطرق باب ليانغ وقال له: «انظر، بغض النظر عن قيود التصدير، يمكننا أن نوفّر لك ميزانية حوسبة أكبر بعشر مرات مما لديك الآن»، فإنّ هذا سيكون سيناريو مثيرًا للغاية.
شو: سيكون هناك الكثير من المنعطفات غير المتوقعة لـ«ديب سيك» مستقبلًا. هناك الكثير من التكهنات حول ما إذا كان توقيت إصدار «ديب سيك» قد تزامن مع تنصيب ترامب عن قصد، أو إذا كان لمقاومته، أو إذا كان لتدمير «إنفيديا» لأنّ صندوق التحوط الخاصّ بهم كان يمتلك معاملة بيع على المكشوف ضدّها، وهذه كلّها نظريات مؤامرة سخيفة قد يكون من الممتع قراءتها، لكنّها لا يجب أن تؤخذ على محمل الجد.
إذا نظرنا إلى توقيت أهمّ الإصدارات؛ سنجد أنّ «ديب سيك ڤي 3» وهو نموذج اللغة الأساسيّ الكبير -وليس نموذج الاستدلال- قد جرى إطلاقه في اليوم التالي لعيد الميلاد. وإذا كان القصد تحقيق أقصى تأثير إعلامي في الغرب، فقد كان التوقيت الأسوأ على الإطلاق. وكان يجب طرد مدير العلاقات العامّة على الفور.
أمّا بالنسبة لإصدار «ديب سيك آر 1» وتزامنه مع يوم تنصيب ترامب، مرة أخرى، فإن كان القصد جذب الاهتمام، فلا أحد في الغرب سيعير انتباهه لأيّ شيء لا يتعلّق بالرئيس ترامب. لقد استغرق الأمر أسبوعًا كاملًا بعد إصدار «ديب سيك آر 1» لنفهم أهمّيّته حقًّا.
العامل الوحيد المؤثّر في جدول إصدارات «ديب سيك» هو رأس السنة الصينيّة. تمامًا مثلما ترغب الشركات الأمريكيّة في إنهاء شحناتها قبل عيد الميلاد، تريد الشركات الصينية أن تنهي شحناتها قبل رأس السنة الصينيّة ليتمكّنوا من الاستمتاع بالإجازة ثمّ العودة إلى عام جديد من العمل.
شنايدر: لنتحدث عن الزاوية السياسية. تمامًا قبل رأس السنة الصينيّة، حصل ليانغ على بعض الضوء السياسيّ عندما جلس إلى جانب رئيس مجلي الدولة الصينيّ لي تشيانغ، بصفته الممثّل الوحيد عن الذكاء الاصطناعيّ في تقرير العمل الحكوميّ. والآن وقد بدأ الاهتمام الحكوميّ الصينيّ يتركّز على الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، ما الذي قد يعنيه هذا بالنسبة لشركة «ديب سيك» ولمستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عمومًا؟
شو: بصراحة، ليس لديّ أيّ فكرة. أمّا اجتماع لي تشيانغ فكان مثيرًا للاهتمام. وللتوضيح، اللقاء كان عبارة عن تقرير عمل تجري فيه مثل هذه اللقاءات بشكل منتظم، وهي تحمل طابع: «قائد أعلى يتعلّم من قائد صناعة»، أي، على النحو التالي: «كيف هي الأمور؟ ما الذي تفعلونه؟ وبأبسط العبارات، كيف يمكن للحكومة تقديم المساعدة؟».
أكثر التسريبات موثوقيّة من الاجتماع قالت إنّه من المتوقع أنّ ليانغ قال لتشيانغ إنّهم بحاجة إلى المزيد من الرقائق، وإنّهم يعانون من القيود على الأجهزة، وأنّ قيود التصدير تضرّ بهم بشكل كبير، وسيكون من الرائع الحصول على المزيد من الرقائق. حقيقة أنّه الآن على رادار كبار قادة البلاد مسألة مهمة، ولكن إلى أي مدى؟ بصراحة، ليس لدي أدنى فكرة. هل سيصبح هذا جزءًا من بعض المفاوضات بين الرئيسين ترامب وتشي؟ وإذا كان آخر اتّصال بينهما أتى على ذكر «تيك توك»، هل سيتضمّن الاتصال القادم «ديب سيك»؟ سيكون من المثير مراقبة ذلك.
هناك احتمال أن تتدخّل الدولة وتفعل أكثر مما يجب لعالم «ديب سيك» الصغير والذي يعمل حتى الآن بشكل جيد، ما سيعكر صفوه، أو ربما يتركونه على حاله. بصراحة، لا فكرة لديّ عن كيفيّة تطوّر هذا الأمر.
شنايدر: قبل أن نصل إلى الزاوية الأمريكيّة، دعنا نتفحّص سجلّ الأمور المفيدة مقابل الضارّة. المزيد من الرقائق؟ يمكنهم الحصول عليها من خلال الشراكة مع شركات حوسبة سحابية عملاقة، وسيكون ذلك على الأرجح أقلّ إزعاجًا من محاولة العمل مع البيئة السحابية لبلدية بكين. هل هم بحاجة لحوافز ضريبية؟ لا، اعتمادات البحث والتطوير؟ لا. أمّا الأمور المزعجة التي قد تحدث فقد تشمل الأسهم الذهبيّة، أو إجبار الفريق على التنزّه في مدينة يانان لمدّة 10 أيّام لرؤية الكهوف وليصبحوا أكثر «شيوعيّة»، أو خلايا حزبيّة، او يحضروا اجتماعات حزبية، وهذا مزعج قليلًا، ولكنه ليس الأكثر إزعاجًا.
السؤال الكبير بالنسبة لي هو سؤال الأمد الطويل: عندما تصبح نماذج المصدر المفتوح قوية جدًّا بحيث لا يمكن السيطرة عليها؛ ما الذي ستفكّر فيه الحكومة الصينيّة بشأن محاولة شركاتها تجاوز حدود التقنيّة ودفعها إلى الأمام؟
شو: بالتأكيد هناك العديد من السيناريوهات السلبيّة. في ما يتعلّق بكيفيّة انسجام المصدر المفتوح مع منظور الحكومة، فعلى الأقلّ وممّا رأيته في الإصدارات الرسميّة للحكومة الصينيّة، فقد كانوا، حتى الآن، داعمين بشكل مثير للاهتمام للمصدر المفتوح في الكيفيّة التي يُسقِطون فيها تفكيرهم حول التكنولوجيا في الخارج، تقريبًا كوسيلة للقوة الناعمة سواء عن قصد أو لا.
قالت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينيّة، في تقرير لها، إنّها تريد رؤية مشروعين أو ثلاثة مشاريع للمصدر المفتوح مشهورة ومعترفًا بها عالميًّا بحلول عام 2025. وإذا كانوا سيقدّمون تقرير التقدّم في العمل اليوم، فسيكون «ديب سيك» موجودًا فيها، كلحظة مؤشر أداء رائعة للجميع في الوزارة، سواء كان لهم دور في ذلك أم لا.
وقد تحدّث وزير الخارجيّة وانغ يي مؤخّرًا في «الأمم المتحدة» عن الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر كشيءٍ تريد الصين أن تستخدمه لدعم دول الجنوب العالمي، ومساعدتهم على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعيّ لديهم.
على الأقلّ، من المنظور الخارجيّ، يبدون «مؤيّدين جدًا للمصدر المفتوح». وإذا كان أيّ من قادة الحكومة الصينية يستمعون ويريدون نصيحة مفيدة، فإنّ الشيء المفيد سيكون إتاحة بيانات ذات جودة أعلى للتدريب. بحسب ما أرى، دائما ما ستكون هناك مشكلة بيانات.
لقد عاد التعلّم المعزّز مرّة أخرى بسبب التقدم الذي أحرزه نموذج «ديب سيك آر 1»، لذا ربّما يمكن للبيانات الاصطناعية والنماذج التي تدرب بعضها البعض أن تأخذنا إلى نقطة أبعد. لكن، هناك دائمًا المزيد من البيانات عالية الجودة التي يمكن إتاحتها، ولدى الحكومة قدر كبير منها.
شنايدر: يقول مارك زوكربيرغ: «إذا كان هناك نموذج مفتوح المصدر سيستخدمه الجميع، فمن الأفضل أن يكون نموذجًا أمريكيًّا، أليس كذلك؟ هناك نموذج صيني رائع تم إصداره للتو – هذه الشركة، «ديب سيك» تقوم بعمل جيد جدًّا. إنّه نموذج متقدم جدًّا، وإذا طلبت منه أي آراء سلبية عن الرئيس الصيني تشي بينغ، فلن يعطيك شيئًا. وإن سألته إن كانت مذبحة تيانامن قد حدثت، فسوف ينكر ذلك». ما رأيك بذلك؟
شو: ما قاله زوك مثير جدًّا للاهتمام. هذا جزء من استراتيجيّته الأساسيّة لعدّة أعوام – حجّة «إمّا تشي أو أنا». نظرًا لأنّ «ميتا» كانت تحت ضغط تنظيميّ أمريكيّ لسنوات، فإنّ أحد أكثر حججه فاعليّة هو أنّه يمكنك تقييده، ولكنّ العالم آنذاك سيستخدم «تيك توك»، وهو ما يحدث فعلًا، أو يستخدم «إنستغرام» بشكل أقل، وهذا في الواقع أسوأ بالنسبة للتنافسية الأمريكيّة.
عندما يتعلق الأمر بالرقابة في النموذج، فقد أجريت بعض الاختبارات على هذا الأمر. مع نموذج مفتوح المصدر، الأمر يعتمد على مكان تشغيله، وليس على ما إذا كان النموذج نفسه خاضعًا للرقابة. كلّ نموذج صادر عن «ديب سيك»، والنماذج مفتوحة المصدر من «علي بابا»، على الأرجح جرى تدريبها على المعرفة العالمية المتاحة على الإنترنت كنقطة انطلاق. وهناك بعض الأمور التي يجري ضبطها في فترة التدريب اللاحقة، سواء إضافة أو حذفًا.
في حال استُخدِمَت هذه النماذج على الحاسوب المحمول الخاصّ عن طريق تحميلها لكونها مفتوحة المصدر، فإنّ سلوكها سيختلف تمامًا عن استخدامها كروبوت دردشة على موقعها الرسميّ. الرقابة أو المنطق الداخليّ للعمل الذي يمنع روبوت الدردشة من قول أشياء إشكالية معيّنة تحدث غالبًا في طبقة الحوسبة السحابيّة أكثر من كونه جزءًا من النموذج نفسه، بالرغم من أنّ بعض المنع قد يحدث داخل النموذج أيضًا.
هناك عنصر ثالث؛ إذا قمت بتشغيل «ديب سيك» على بيئة استضافة تابعة لجهة خارجية وغير رسميّة، فسيتصرّف أيضًا بشكل مختلف. إذ تشهد شركة «بريبليكسيتي»، وهي شركة ناشئة رائدة في البحث بالذكاء الاصطناعيّ، نجاحًا كبيرًا من خلال نشر «ديب سيك» على خوادمها السحابية الأمريكيّة، وبذلك تحصل على المزيد من المستخدمين الذين تعدهم بعدم وجود رقابة بينما لا تزال تستفيد من أفضل نموذج مفتوح المصدر لديهم وهو «ديب سيك آر 1».
شنايدر: هناك حجة أخرى أكثر تعقيدًا بعض الشيء، وهي أنّ «ديب سيك» يمكنه العمل الآن على معالجات Ascend 910s، وهي رقاقة الذكاء الاصطناعي الخاصّة بشركة «هواوي». والفكرة هي أنّه إذا أصبح «ديب سيك» معتادًا لدى الناس، وأصبحت الشركة في شراكة مع «هواوي»، فذلك قد يجعل من رقاقاتها –غير القادرة حاليًا على منافسة «إنفيديا»- خيارًا أكثر جاذبية للمشترين.
وهذا ينطبق على داخل الصين وعلى المزودين السحابيّين عالميًّا الذين سيواجهون صعوبة في الحصول على رقاقات غربية. وفي ذلك تشابه مع الطريقة التي تمكنت بها «هواوي» من التفوق على «إيريكسون» و«نوكيا».
شو: بعيدًا عن الأجهزة، ومن منظور التنافسية الأمريكية، ما يجب أن يثير قلق الناس حقًّا بشأن استفادة منظومة «هواوي» من هذا الأمر، هو قدرة مهندسي «ديب سيك» على العمل على مستوى ما دون برمجة CUDA لتحقيق أقصى استفادة من وحدات معالجة «إنفيديا» (GPU). ذلك المستوى من الهندسة البرمجية منخفضة المستوى يمكن أن يساعد في النهاية منظومة «هواوي» البرمجية.
المشكلة الأكبر التي تمنع الناس من تبني أيّ شيء غير «إنفيديا» هي أنّ برمجة CUDA لا تزال مهيمنة. تحاول «هواوي» الترويج لنظامها المكافئ لـ CUDA، إذ تعمل مع «باي تورش»، إطار التدريب مفتوح المصدر، لجعل تلك البيئة أكثر جاذبية للمطوّرين وتحفيزهم على الابتعاد عن CUDA –ولكن ليس بالضرورة وحدات معالجة الرسومات الخاصة بـ «إنفيديا» (GPUs). هناك حاجة إلى المزيد من مشاركة المعرفة حول كيفية قيام «ديب سيك» بتحسين هذا لجعل الطبقة البرمجيّة لسلسلة Ascend أكثر قدرة على المنافسة.
وهذا قد يؤدي إلى تآكل حصن CUDA، وهو من ناحية أخرى بمثابة حصن أمريكيّ، وهو أمر لا يزال الكثير من الناس لا يفهمونه تمامًا. حتّى لو كانت أجهزة Ascend تتمتع بقدرات إجراء معادلات حسابية معقدة (FLOPS) أفضل من غيرها، وبأداء أحسن على جميع المستويات، فإنّ الناس لن يستخدموها بشكل واسع بسبب CUDA. لكن هذا يمكنه أن يقلب المعادلة تمامًا. وهذه نقطة أخرى مجهولة حول الدور الذي يمكن أن يؤدّيه «ديب سيك».