تحدي العشر سنوات: مجرّد تسلية لا تضير؟

الخميس 17 كانون الثاني 2019
تصميم أليسا فووت. صور جيتي إيمجز.

نشر هذا المقال بالإنجليزية على موقع مجلة Wired في 15-1-2019.

إن كنت تستخدم السوشال ميديا، فلا بدّ أنك قد لاحظت الترند المنتشر عبر فيسبوك، وإنستغرام، وتويتر، حيث ينشر الناس صورًا لهم من نوع سابقًا/الآن، معظمها تكون لصورة قبل عشر سنوات مع أخرى حديثة.

بدلًا من المشاركة [في الترند]، كتبت تغريدةً شبه ساخرةٍ أقول فيها:

أنا، قبل 10 سنوات: غالبًا كنت سأجاري تحدي صورِ التقدم في السن المنتشرة عبر فيسبوك وإنستغرام.
أنا، اليوم: أفكر كيف يمكن لهذا الكم الهائل من البيانات أن يُستخرج ويستخدم لتدريب خوارزميات تمييز الوجوه على [أثر] التقدّم في السنّ وتحديد السنّ.

بدأت تغريدتي المشاكسة بجذب الانتباه. لم تكن نيتي أن أدعي خطورة التحدي نفسه، لكنني أعلم أن سيناريو تمييز الوجوه كان محتملًا بشكل عام، ويدلّ على ترند يجب على الناس أن تعيه. يجدر بنا أن نفكر في مدى تعمق واتساع البيانات الشخصية التي نشاركها دون تحفظّات.

بين أولئك الذين انتقدوا طرحي، حاجج الكثيرون بأن الصور متاحة أصلًا على أي حال. أكثر التفنيدات شيوعًا كان: «البيانات متاحة بالأصل. يمتلك فيسبوك جميع صور البروفايل».

بالطبع هم يملكونها. في نسخٍ مختلفة من التحدي، قيل للناس أن تنشر صورة البروفايل الأولى خاصتها بجانب الصورة الحالية، أو صورةً تعود لعشر سنوات إلى جانب صورة البروفايل الحالية. إذًا، أجل، صور البروفايل تلك موجودة، ولها تاريخ تحميل معروف، والعديد من الناس لديهم الكثير منها، والأهم من ذلك، أنها مفتوحة للعامة.

لكن دعونا نتوسع في هذه الفكرة.

تخيل أنك تريد تدريب خوارزمية لتمييز الوجوهٍ على صفات متعلّقة بالسنّ، وتحديدًا على [أثر] التقدّم في السنّ (مثلًا، كيف من المرجّح أن يبدو شخص عندما يتقدّم في السنّ). نظريًّا، ستحتاج إلى قاعدة بيانات واسعة ودقيقة فيها الكثير من صور الناس. سيساعدك لو عرفتَ أن بين موعد التقاط كل صورتين عدد ثابت من السنوات. لنقل إنها عشرة.

بالطبع، يمكنك استخراج صور البروفايل من فيسبوك والبحث في تواريخ النشر أو بيانات الـExif. لكن قد ينتج عن هذه المجموعة الهائلة من صور البروفايل الكثير من النتائج الناشزة، غير المفيدة [في البحث]. لا ينشر الناس، بالضرورة، صورهم بترتيب زمني. ولا يندر أن يضع المستخدمون صورًا لغير أنفسهم كصورٍ للبروفايل؛ فبنظرةٍ سريعة لصور البروفايل الخاصة بأصدقائي على فيسبوك، تبيّن أنها تحتوي على صورة للكلب الراحل مؤخرًا لأحد الأصدقاء، وعلى العديد من الشخصيات الكارتونية، وصورٍ لكلمات، وأنماط مجرّدة، والعديد غيرها.

بكلمات أخرى، سيساعدك لو حصلتَ على مجموعة نظيفة، وبسيطة، ومصنّفة على نحوٍ مفيد، من الصور التي على شاكلة سابقًا/الآن.

فضلًا عن ذلك، ففي صور البروفايل على فيسبوك، لا يطابق تاريخ النشر بالضرورة تاريخ التقاطها الفعلي. حتى أنه لا يمكن دائمًا الاعتماد على بيانات الـExif الوصفية للصورة لتحديد تاريخ الالتقاط.

لماذا؟ لأن من الممكن أن يكون الناس قد قاموا بمسحٍ ضوئي (scan) لصورٍ مطبوعة، أو ربما قد نشروا الصورة ذاتها أكثر من مرة على مدى السنين. ويلجأ بعض الأشخاص لتحميل سكرينشوتات لصورٍ وجدوها في مكانٍ ما على الشبكة. حتى أن بعض المنصّات تنزع بيانات الـExif لأهداف متعلقة بالخصوصية.

من خلال هذا التحدي على فيسبوك [وغيرها]، فإن معظم الناس كانوا يضيفون ذلك السياق على نحو مفيد (مثلًا: «أنا، عام 2008. وأنا، عام 2018«)، كما يضيفون معلومات أكثر أيضًا، حول مكان وكيفية اتخذا الصورة في معظم الأحيان (مثلًا: «عامَ 2008، في جامعة كذا، التقطها جُوِي؛ عامَ 2018، أثناء زيارتي لنيو سيتي لحضور فعالية الفلانية«).

بكلمات أخرى، فبفضل هذا التحدي، توجد الآن قاعدة بيانات ضخمة، ومنسّقةٍ بعناية، لصورٍ للناس تعود تقريبًا لعشر سنوات إلى جانب صورٍ حديثة.

بفضل هذا التحدي، توجد الآن قاعدة بيانات ضخمة، ومنسّقةٍ بعناية، لصورٍ للناس تعود تقريبًا لعشر سنوات إلى جانب صورٍ حديثة.

بالطبع، لم تكن جميع التعليقات الرافضة أسفل تغريدتي تتمحور حول أن الصور متاحة بالأصل، فبعضهم أشار إلى وجود كمّ كبير من البيانات غير المفيدة للاستخدام. لكن باحثي وعلماء البيانات يعرفون كيف يأخذون ذلك الأمر في الحسبان. مثلما يحدث في أي هاشتاغ ينتشر بشكل كبير، فإنك عادة ما تضع ثقة أكبر في صلاحية البيانات كلما كان ظهورها مبكّرًا في الترند أو الحملة، [أي] قبل أن يبدأ الناس بالمشاركة فيها بشكل ساخر، أو أن يحاولوا حرفَ الهاشتاغ عن هدفه الأول.

مثلما هو الحال بالنسبة للصور المزيّفة، فإن خوارزميات تمييز الوجوه متطوّرة للدرجة التي تستطيع فيها تمييز وجوه البشر [عن غيرهم]. إن حمّلتَ صورة لقطّةٍ قبل عشر سنوات وصورة لها الآن – كما فعل أحد أصدقائي، في بادرة لطيفة منه – فإنه من السهل تحييد هذه العيّنة [من الصور].

من جانبها، تنفي فيسبوك وجود أي دورٍ لها في هاشتاغ #10YearChallenge. «إنه تحدٍّ أنتجه المستخدمون وانتشر دون تدخّل»، يقول متحدّث باسم فيسبوك، ويضيف: «لم تبدأ فيسبوك هذا التحدي، وتستَخدَمُ صور موجودة بالأصل على فيسبوك. لا تجني فيسبوك أي شيء من هذا التحدي (بالإضافة إلى أن ذلك يذكّرنا بصيحات الموضة التي تستحق المراجعة في 2009). وللتذكير، فإن مستخدمي فيسبوك يستطيعون تعطيل وتفعيل خاصية تمييز الوجوه في أي وقت».

لكن، حتى لو لم يكن ذلك التحدي بعينه نوعًا من هندسة اجتماعية، فإن السنين الفائتة كانت حافلة بأمثلةٍ من الألعاب الاجتماعية، والتحديات، والميمز المصمّمة لاستخلاص البيانات وجمعها. فقط فكّر بالاستخلاص الضخم لبيانات أكثر من 70 مليون مستخدم أمريكيّ لفيسبوك من قِبل كامبريدج أناليتيكا.

هل من الخطير أن يستخدم شخص ما صور الفيسبوك الخاصة بك لتدريب خوارزمية تمييز وجوه؟ ليس بالضرورة، وبشكل ما، فإن ذلك لا مفرّ منه. مع ذلك، فإن المغزى العام هنا أنه علينا مقاربة تفاعلاتنا مع التكنولوجيا مع الأخذ بعين الاعتبار البيانات التي تنتج عن ذلك وكيف يمكن أن تستخدم على نطاق واسع. سوف أطرح ثلاثة حالات معقولة يمكن فيها استخدام تمييز الوجوه: إحداها حسنة، والأخرى عادية، والأخيرة خطرة.

السيناريو الحميد: يمكن لتكنولوجيا تمييز الوجوه، وتحديدًا لقدرتها على [تقدير أثر] التقدّم في السنّ، أن تساعد في إيجاد الأطفال المفقودين. العام الفائت، أفادتْ شرطة نيودلهي أنها عثرتْ على ما يقارب 3 آلاف طفل مفقود في غضون 4 أيام باستخدام تكنولوجيا تمييز الوجوه. لو ظل الأطفال مفقودين لفترة طويلة من الزمن، فإنه من المرجّح أن تختلف هيأتهم قليلًا عن آخر صورة معروفةٍ لهم. إذًا، خوارزمية فعّالة [تميّز أثر] التقدّم في السنّ قد تكون مفيدة جدًّا في هذه الحالة.  

غالبًا، إن إمكانات تمييز الوجوه تعدّ عاديّة: من المرجّح أن تكون الفائدة الأكبر لتحديد السنّ في مجال الإعلانات الموجّهة. إن عروض الإعلانات التي تستعمل الكاميرات وأجهزة الاستشعار، والتي تستطيع تكييف وسائل إيصالها إلى شرائح ديمغرافية مبنية على مجموعات عمريّة (بالإضافة لصفات وسياقات أخرى يمكن تمييزها ولمسها عن طريق الصورة) ستكون شائعة في وقت قصير. إن هذا التطبيق غير مشجّع، إلا أنه يُعنى بجعل التسويق والإعلان أكثر دقّة. لكن بينما تستمرّ البيانات في التدفق، وعند ربطها مع تتبّع موقعنا، واستجابتنا [للإعلانات]، وأنماط الشراء خاصّتنا، وأي مؤشرات أخرى، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاعلات مروّعة بحقّ.

مثلما هو الحال في كل التكنولوجيّات الصاعدة، فهنالك فرصة [لحدوث] تبعاتٍ مقلقة. إن [تمييز أثر] التقدّم في السنّ قد يؤثر يومًا ما في تقدير التأمين والرعاية الصحيّة. على سبيل المثال، لو بدا أنك سوف تكبر أسرع من أقرانك، فربما سيكون تأمينك مخاطرة كبيرة. قد تدفع المزيد حينها، أو تُرفض تغطيتك بالتأمين.

عندما طرحت أمازون خدمات تمييز وجوهٍ حيّةٍ نهاية 2016، بدأت ببيع تلك الخدمات للشرطة والهيئات الحكومية، مثل شرطة أورلاندو وواشنطن كاونتي في أوريغون [في الولايات المتحدة]. إلا أن هذه التكنولوجيا تستدعي مخاوف كبيرة في مجال الخصوصية؛ فالشرطة تستطيع من خلال هذه التكنولوجيا تتبّع الأشخاص المشكوك بارتكابهم أفعالًا جرميّة، بالإضافة أيضًا للأشخاص غير المجرمين؛ أمثال المتظاهرين وغيرهم الذين تحسبهم الشرطة مصدر إزعاج.

طلب اتحاد الحريّات المدنيّة الأمريكي من أمازون التوقّف عن بيع هذه الخدمة. واستجاب لذلك جزء من الموظفين والمساهمين في شركة أمازون، الذين طلبوا من الشركة قَطْعَ الخدمة، مشيرين إلى مآخذ تتعلّق بسمعة الشركة وتقييمها.

من الصعب أن نبالغ في تقدير قدرة التكنولوجيا على التأثير على الإنسانية. الفرصة متاحة أمامنا لنجعلها أفضل، لكن لفعل ذلك، علينا أن نعي بعض الوسائل التي قد تسوء [التكنولوجيا] من خلالها. عندما نفهم [هذه] المسائل، يصير علينا جميعًا المساهمة في [جعلها أفضل].

إذًا، هل هذا التحدي قصة كبيرة؟ هل ستحدث أمور خطيرة لأنك نشرت بعض صور البروفايل المتاحة أصلًا للعامة؟ هل من الخَطِرِ تدريب خوارزميّات تمييز الوجوه؟ ليس بالضبط.

بعيدًا عن أصل هذا التحدي أو النيّة وراءه، علينا جميعًا أن نصير أذكى في تعاملنا مع البيانات التي نخلقها وننشرها، وسماحنا بوصول الآخرين إليها، والصعوبات التي تصاحب استخدامها. لو كان السياق عبارة عن لعبة تقول بصراحة أنها تجمع أزواجًا من الصور التي على شاكلة سابقًا/الآن من أجل بحوث [أثر] التقدّم في السنّ، فإنك تستطيع أن تختار المشاركة [في الترند]، مع إدراكك للجهات التي تملك القدرة على الوصول للصور، وطبيعة الهدف وراء ذلك.

إن الرسالة الأعمّ هنا، بعيدًا عن تفاصيل أيّ تحدٍّ أو حتى أي منصّة اجتماعية، هي أن البشر هم أغنى مصدرٍ للبيانات بالنسبة لكل التكنولوجيّات الصاعدة في العالم. علينا أن نعرف ذلك، وأن نكمل [حياتنا] آخذين الحيطة الكافية ومتحلّين بالذكاء.

البشر هم الرابطة التي تصل ما بين العالم المادّي والرقمي. والتفاعلات البشريّة هي السبب الرئيسي في جعل إنترنت الأشياء جذّابًا. وبياناتنا هي الوقود الذي يجعل الشركات أذكى ومربحةً أكثر.

علينا أن نطالب بأن تعامل الشركات بياناتنا بقدرٍ من الاحترام، بشتّى الوسائل. لكن علينا أيضًا أن نعامل نحن بياناتنا الخاصة باحترام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية