ببجي: التشِكِن دينَر الذي جذب الملايين

الثلاثاء 12 شباط 2019

«وينَرْ وينَرْ، تشيكن دينَرْ».

ما أجمل أن تظهر هذه العبارة أمامك على الشاشة بعد قضاء وقت مشحون في محاولة البقاء حيًّا، معلنةً فوزك في ما يمكن أن نسمّيه معركةَ البقاء في جزيرة لعبة ببجي. تبدأ عاريًا من الملابس ومن امتلاك أي شيء، ومن ثم تقرّر في أي مدينة ستنزل بالمظلية لكي تبدأ اللعب، وتبدأ عملية البحث عن موارد تمكّنك من الاستمرار في اللعب والقتال.

جذبت اللعبة اهتمام الكثيرين، ومن مختلف الأعمار، وحققت أرقامًا قياسية. بالإضافة إلى أنها ساهمت في انتشار هذا النوع من الألعاب وظهور العديد منها. لكن، ما المميّز في هذه اللعبة، ولماذا أحبها العديد من الناس في الأردن؟

الباتل رويال وتاريخها

البقاء حيًّا هو كل المطلوب للفوز في اللعبة. وهو ما يضع ببجي في فئة ما يُعرف بألعاب الباتل رويال، إلى جانب فورتنايت، وغيرها. فهنالك صفات حين تجتمع في لعبة ما فإنها تصنّف كباتل رويال، بحسب فِل هورنشوه، وهي أولًا أن يكون شرط الفوز في اللعبة هو البقاء حيًّا حتى النهاية (last man standing)، ووجود خريطة ضخمة جدًّا، ملأى بالموارد، تتقلّص حدودها مع مرور الوقت من خلال فرض حاجز يؤدي تجاوزه لموت اللاعب. بالإضافة إلى أن على اللاعبين البدء دومًا من الصفر، بلا موارد ولا أسلحة. كذلك، على الخريطة أن تحتوي العديد من الكنوز التي تضمر موارد وأسلحة مميزة تشجّع اللاعبين على البحث عنها. وأخيرًا، لدى كل لعبة في هذه الفئة صفة خاصة تميّزها عن أخواتها، كمثل خاصية القدرة على البناء في فورتنايت، واللمسة الواقعية الخاصة ببجي.

تصميم بيان حبيب.

يمكن تتبّع تاريخ فئة الباتل رويال، بحسب هورنشوه، وصولًا إلى لعبة كاونتر سترايك الشهيرة التي صدرتْ عام 2000، التي تُمكّن اللاعبين من المنافسة فيما بينهم، في فريقين يتوزعون عليهما، وعن طريق ربط أجهزة الكمبيوتر بشبكة محليّة فيما بينها. شدّت هذه اللعبة اهتمام الكثيرين، خصوصًا لوجود خاصية اللعب مع أقرانك.

استمرّت الألعاب في الظهور، إلى حين خروج لعبة Minecraft إلى الضوء عام 2012، التي كانت، بحسب هورنشوه، نقطة تحوّل ساهمت في تسريع ظهور ألعاب الباتل رويال، وألهمت الكثير من الألعاب، مثل فورتنايت، لفكرة ضرورة جمع الموارد والبناء. وفي نفس العام، ظهر مود (mode) خاص بلعبة ARMA II اسمه Dayz، حيث يُلقى اللاعبون في مدينة ملأى بالزومبيات، ويهدفون للبقاء أحياء عن طريق جمع الموارد اللازمة لاستمرارهم (أسلحة وإمدادات ووسائل نقل). يتمكّن اللاعبون في هذا المود من أن يلعبوا معًا في نفس الوقت، إلا أنهم ليسوا ضد بعضهم، مما جعل الأمر، بحسب بريندن غرين مصمم لعبة ببجي، مفتوحًا على الاحتمالات: من الممكن أن تشكّل فريقًا، من الممكن أن تقتل من تلتقيه، أو أن تتبادل معه الموارد.

وفي عام 2014، أطلق بريندن غرين مودًا خاصًّا بلعبة ARMA III أسماه Player Unknown’s Battle Royale، يشابه فكرة لعبة ببجي الحالية. ومن ثم في 2015، عيّنت شركة SOE غرين، وأطلقت الشركة لعبة H1Z1 التي ساهمت أيضًا في تطوير هذه الفئة من الألعاب.

وأخيرًا، أطلقت شركة Bluehole لعبة ببجي بداية عام 2017، واستمرّت في تطويرها والعمل على حل مشاكلها إلى حين الإطلاق الرسمي في أيلول من نفس العام، إلا أنها لم تكن مجّانية. لكن بسبب اللعبة المجانية التي أُطلقت في نفس الوقت، فورتنايت، صدرتْ نسخة الهاتف المجّانية من لعبة ببجي في شباط من عام 2018 في شكلها الحالي والمعروف اليوم.

لقطة من نهاية اللعبة.

«أكو عرب بالطيارة؟»

حققت ببجي رقمًا قياسيًّا (3.2 مليون) في عدد اللاعبين المتزامنين (الذين يلعبون في نفس الوقت) على موقع Steam (لكن فورتنايت عادت لتكسره بـ3.4 مليون لاعب). يعزو مهند الطريفي، وهو مهندس وممارِس مواظب للألعاب الإلكترونية، نجاح اللعبة إلى المغامرة وروح التحدي التي توفّرها، بالإضافة إلى «الحرفيّة العالية في تصاميمها وأفكارها». أما مَيّ علي، وهي مصممة غرافيك، فإنها ترى أن سر انتشار اللعبة يكمن في سهولة الاستخدام والتحكّم فيها، مما يفتح المجال لطيف واسع من الناس (متمرسين وهواة)، ومن الأعمار، للعبها دون عبء التعلّم لوقت طويل.

في حين أن حمزة وليد، وهو مهندس طيران يحمل صاحب رتبة (ace) على العالم في لعبة ببجي، وممارس مواظب للكثير من الألعاب الإلكترونية، يرى أن أهم مميّزات اللعبة وأسباب رواجها الواسع يتلخّص في مساحة الخريطة الكبيرة، والتي تتقلّص مع مرور الوقت، لكي ينحصر اللاعبون الأحياء في منطقة أصغر منعًا للملل ووصول اللعبة لنهاية مسدودة. ومما يزيد روح التحدي، برأي حمزة، هو أن موت اللاعب في اللعبة موت نهائي، حيث عليه أن يبدأ من الصفر مرة أخرى.

وتشير ميّ، إلى أن أجمل شيء في اللعبة هو اللعب ضد بشر آخرين، حيث كان النموذج السائد سابقًا أن يكون اللاعب وحيدًا يجابه المخاطر المصممة مسبقًا له، أما في ببجي، لا يوجد شكل متوقع للشكل الذي ستنتهي عليه هذه المعركة أو تلك، ويتفق حمزة وليد في ذلك أيضًا. يقول برندن غرين، مصمّم اللعبة: «[في اللعبة] لا نتعامل مع ذكاء صناعيّ، أنت لا تتعامل مع أجهزة يَسهُلُ توقّع [أفعالها]، وإنما نتعامل مع بشر. وهذا يجلب الكثير من المتعة، لأن هنالك الكثير من البشر المجانين وغريبي الأطوار حولنا».

أدّى انتشار اللعبة الواسع لظهور صفحات ساخرة متعلقة باللعبة، وشيوع جُمَلٍ قيلت أثناء اللَّعِب لتنتشر ومن ثم تصير تدلّ على اللعبة، مثل «شلّف من الزون» و«انزل في بوشنكي» و«ممنوع الزحف»، وفقًا لمهنّد، بالإضافة إلى «أكو عرب بالطيارة؟» التي صدرت حولها أغنية حققت 20 مليون مشاهدة على يوتيوب حتى الآن. وبحسب حمزة وليد، فإن منصّات بثّ الألعاب (مثل twitch)، واللاعبين (streamers) المشهورين حول العالم، ساهمت بشكل رئيسي في نشر هذه اللعبة ومثيلاتها.

لقطة من اللعبة.

يصف أحمد عواودة، وهو مصمم غرافيك، الوقت الذي يقضيه في لعب ببجي بالممتع، ويضيف: «الوقت الذي يضيع في سبيل المتعة ليس وقتًا ضائعًا أبدًا»، كما أن كل قتال يستغرق في أطول أحواله نصف ساعة، مما يعطي الناس فرصة تنظيم وقتها وعدم الانغماس في اللعبة لساعات طويلة إن لم يريدوا ذلك. ويتفق مهند وميّ في أن وقت اللعب يمرّ سريعًا. وبحسب مَيّ، فإن طقوس ممارسة اللعبة في الأردن تختلف باختلاف الأشخاص، فالبعض يفضّل أن يلعب الفريق متجمّعًا في مكان واحد (عادة ما يكون مقهى) أو كلّ في مكانه، ناهيك عمّن يفضّلون اللعب بمفردهم. بالإضافة إلى أن لكلّ فريق خططه وأسلوبه المميّز في اللعب.

مجّانية اللعبة لم تمنع الشركة من تحقيق أرباح عالية من الإعلانات وخاصية شراء الأزياء والأسلحة الخاصة، بل بحسب حمزة وليد، استمرّت الشركة في تطوير سيرفراتها لكي تتحمّل العدد المتزايد من اللاعبين المتزامنين (لكنّ ذلك، بالطبع، لا يمنع من حصول بعض المشاكل هنا وهناك)، ناهيك عن تطوير محتوى اللعبة وإدخال صفات جديدة عليها كإطلاق مواسم جديدة كل فترة أو خلق مدنٍ وموارد جديدة.

عنف وانعزال؟

قبل شهرين، عمّمت مديرية الأمن العام على كافّة مرتّباتها بعدم تحميل أو ممارسة لعبة ببجي. وحذرت، أفراد الأمن العام والمواطنين كافة، من أن اللعبة تساعد على تنمية العنف وتسيطر على نفسية اللاعب، كما أنها «تركّز في جوهرها على تشكيل جماعات وعصابات والتواصل بين اللاعبين بالصوت والصورة، حول العالم، ومن كلا الجنسين».

من جانبه، يختلف مهند مع هذا الادعاء، ويعتقد أن «لعبة ببجي من أقلّ ألعاب هذا العصر من النوع القتاليّ عنفًا، عدا عن كونها مضحكة جدًّا ومسليّة». أما أحمد عواودة يعتقد أن البيئة المحيطة التي ينشأ فيها الشخص هي المولّد الرئيسي للعنف لدى أي شخص، ويضيف: «اللي بستخدم اللعبة حتى يفرّغ فيها العنف تاعه بتكون هاي مشكلته مش مشكلة اللعبة».

ويشير مهنّد إلى أن اللعبة وطّدت علاقته مع من يلعب معهم، ومكّنته من خلق صداقات جديدة. وهمّش عواودة أثر اللعبة على حياته الاجتماعية، إذ لم تقرّبه من أحد ولم تبعده عن أحد. أما مَيّ، فتقول أنها أحبت الخاصية الموجودة في اللعبة التي مكّنتها من اللعب مع أصدقائها على فيسبوك، «في ناس تعرّفت عليهم جديد، في ناس رجعنا نحكي جوّا اللعبة بعد انقطاع ثلاث سنين»، تقول ميّ، لكنها تحاول الموازنة ما بين وقت اللعب ووقتها مع الناس، حيث أن «اللعبة بتقرّبك من الناس اللي بتلعب معهم وما بتشوفهم، بس فعليًّا بتبعدك عن اللي بأرض الواقع».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية