«المؤثرون»: سوشال ميديا بدوام كامل

«المؤثرون»: سوشال ميديا بدوام كامل

الخميس 25 كانون الثاني 2018

«هذول همّ المؤثرين؟!»، هكذا كانت ردّة الفعل التي أتذكرها بعد نشر واحدة من الشركات المهتمّة بالتواصل الاجتماعي عام 2015 لقائمة أكثر خمسين حسابًا مؤثّرًا في الأردن. ربما لم تكن تلك هي المرّة الأولى التي أسمع فيها كلمة مؤثّر (influencer)، لكنّها المرّة الأولى، كما أذكر، التي يتعامل فيها مجتمع السوشال ميديا الأردني مع هذه الكلمة.

مشكلة كلمة «مؤثّر» هو أنها عامّة أكثر مما يجب، فهي تجمع  في خانة واحدة، من يحاول اقتراح حلٍّ للقضية الفلسطينية في غضون دقيقة عبر فيديو على فيسبوك، وآخر يكتب قصصًا خيالية.

في هذه المقال أحاول عرض مفهوم المؤثر، كما أحاول التعريف بالاقتصاد الدائر حول المفهوم، تحديدًا بما يُعرف بالتسويق عبر المؤثرين (Influencer Based Marketing) في الأردن، من خلال بعض المقابلات مع أناس مرتبطين بهذا القطاع.

من هم المؤثرون؟

ببساطة، يمكن اعتبار كل من له جمهور ما على السوشال ميديا مؤثرًا. قد يكون حجم هذا الجمهور ثلاثة أشخاص أو مئة مليون. أمّا شدّة التأثير فتختلف من شخص إلى آخر باختلاف عدة عوامل منها عدد المتابعين مثلًا.

«تعريفي للمؤثر إنه هو شخص عنده مجموعة تثق [ثقة] تامة برأيه»، يقول حمزة قاسم، متذوق طعام وصل عدد مشاهدات قناته على يوتيوب إلى المليون مشاهدة. ويتابع: «أنا ما بحب أحكي عن حالي مؤثر. أنا شخص عندي هواية وحب إني أنشر تجاربي مع المطاعم. (..) بلشت على صفحتي الشخصية وشوي شوي بلشت أتوسع». بدأ حمزة بنشر تجاربه مكتوبةً عبر مدونة، إلا أن مهارته ككاتب، والتحول في طبيعة التواصل على شبكة الانترنت، برأيه، لم يساعداه على انتشار هذا النمط من التدوين. لذلك، انتقل إلى نشر تعليقاته عن طريق الفيديو عبر إنستغرام ويوتيوب.

أمّا زينة قطيمش، مدوِّنة عراقية تعيش في الأردن وتهتم بالتدوين عن السفر، فتقول: «المؤثر هو اللي بترك فيك انطباع». وتضيف: «بلش معي الموضوع إني كنت بتركيا، وكان عندي كثير أصدقاء بلوغرز [مدونين] هناك. عالسريع عملت بحث عن كيفية عمل مدونة، عملت [المدونة] المجانية على ووردبريس، وكتبت أول تدوينة إلي». تصرّ زينة على التدوين بالكتابة، لأن المهتمين في الأمر، باعتقادها، سيستخدمون جوجل عندما يبحثون عن نصائح تخص دولة يريدون زيارتها.

وسيم نُقُل، مدير التسويق في شركة فاين التي تستخدم التسويق عبر المؤثرين، يقول إنه من الممكن تقسيم المؤثرين إلى ثلاث فئات على شكل هرم مقلوب موزعة حسب طبيعة المتابعين. تكون الفئة الأولى، في الأعلى، مخصصة للمشاهير الذين لديهم العديد من المتابعين والمحبين لنشاطهم خارج الشبكة، مثل صبا مبارك أو علا الفارس في الأردن. أما الفئة الثانية، فهي مقسمة إلى قسمين: الأول هم المؤثرون على صعيد ضخم (Macro-Influencer)، والذين لديهم العديد من المتابعين لنشاطهم تحديدًا على الشبكة، وقد يصل عدد المتابعين لبعضهم إلى بضعة ملايين. أما القسم الثاني فهم المؤثرون على صعيد صغير (Micro-Influencer)، وقد يصل عدد متابعيهم إلى مئة ألف. والفئة الأخيرة، هي ما يطلق عليها نُقُل فئة الواحد إلى واحد (peer-to-peer)؛ حيث يكون لديهم عدد متابعين قد يصل إلى 1500 شخص مثلًا، إلا أنهم متابعون مخلصون للمؤثر.

«ما باخد عليها مصاري»

مع التوسع في استعمال مواقع التواصل الاجتماعي، نشأ على الهامش اقتصاد ضخم جدًا، يقوم على الإعلانات في هذه المواقع. واليوم هناك ثلاثة ملايين شركة تستخدم الفيسبوك للإعلان عن منتجاتها وخدماتها.

تزايد عدد المستخدمين لمنصات السوشيال ميديا، وزاد بالتالي الجمهور المحتمل لمختلف الشركات داخل تلك المنصّات. لكنّ الطريقة التقليدية للتسويق من خلال الإعلانات المدفوعة على الصفحات الرسمية للمسوّقين، لم تعد مجدية بالمقارنة مع استخدام المؤثرين في عملية التسويق. وفي بحث يتناول أهمية المؤثرين في موقع تويتر، وُجد أن 49٪ من المستخدمين (المشاركين في استطلاع الرأي) يعتمدون على نصائح المؤثرين عند شراء سلعةٍ ما.

وفي السنوات الأخيرة بدأت هذه الوسيلة بالانتشار في الأردن بشكل كبير. يقول عبد الرزاق عربيّات، رئيس هيئة تنشيط السياحة في الأردن، في لقاء له على قناة رؤيا، أن الهيئة تنبّهتْ لصعود استخدام المؤثرين في التسويق سياحيًّا للأردن. ويقول: «تأثيرهم مهم جدا، بكون عندهم أربعة أو خمسة مليون متابع، بحط بوست على المنصة تبعته إنه الأردن فيها بترا، فيها أكل زاكي، وكرم ضيافة. بعدين هو مُصدَّق أكثر من الإعلان الرسمي».

لا توجد معايير تحكم أجور المؤثرين في الأردن بحسب حمزة، بينما يقول نُقُل: «اللي بأثّر [بالمردود المادي] هو شهرة المؤثر، والبلد اللي هو فيها، والعروض اللي عنده». في حين تقول هديل شحادة، مدوِّنة لديها 64 ألف متابع على إنستغرام وفيسبوك، عن المقابل المادي الذي قد يتقاضاه المؤثر في الأردن: «يعني على البوست، ممكن تبلش من 150 دينار و250 و350، في ناس باخدوا ألف وألفين». وتضيف: «في ناس بياخدوا 5000 – 7000 دينار، في منهم بكونوا مؤثرين بمعنى إنه كل ما يعلنوا عن محل أواعي مثلا المحل بنباع كلشي فيه».

لكن بعض المؤثرين ينشرون إعلانات دون الإشارة إلى أنها مدفوعة الأجر، يقول حمزة: «أنا ما باخذ أي أجر على تقييماتي. لكن في ناس [آخرين] بيحكوا إنه هذا التقييم [الذي أعدّوه] مدفوع. (..) كمية الناس اللي بحكوا إنه مدفوع قليلة جدا عنا». أما قطيمش فتعتقد أنه: «لازم المؤثر يحكي إذا كان الإعلان مدفوع. إذا أنت ما حكيت بتخسر ثقة اللي بتابعك. أنا كل اللي بتابعهم مثلا لما يتضمن الفيديو دعاية بحطوا هاشتاغ #Ad».

معايير اختيار المؤثر

تتنوع المجالات التي ينشر عنها المؤثّرون، فبينما يختصّ بعضهم في مجال ما، يكتب آخرون في مختلف القضايا، ربما كجزء من حضورهم في المشهد العام. لكن هنالك مجموعة من الصفات المشتركة التي تجمع بين المؤثرين في الأردن، من بينها عدم التطرّق لمواضيع صدامية أو حساسة. يقول حمزة: «أهم شيء عند حدا عنده متابعين إنه يبعد عن المواضيع الحساسة، اللي هي دينية أو سياسية»، ويتابع: «رح تصير تخسر جمهورك اللي كل حدا فيه رح يصفّ بجهة. غير طبعا وكالات الإعلان اللي رح تصير تحكي إنه هذا لأ بحكي بالسياسة».

يشير نُقُل إلى أن الاختيار يقع بالأصل على أشخاص لا يتحدثون بالسياسة أبدًا، لكن «إذا صار وحدا ما كان يحكي بالسياسة وقرر يحكي، ممكن نوقف العقد. لأنه رح يخسر مصداقيته والناس رح تبطل تسمعله. فببطّل هو من اهتماماتي». بينما تقول زينة: «شركات التسويق كانت تشترط أشياء على المحتوى، حسب ما المدونين بحكولي. كانوا المعلنين يبعثولهم النص بالزبط، وكثير من المدونين برفضوا لأنه بدهم طريقتهم الشخصية بالإعلان».

يبحث المعلنون عن مواصفات إضافية في المؤثر الذي يستثمرون أموالهم فيه. تقوم الشركات بداية بتحديد أولويّاتها من خلال اختيار الفئة التي ينتمي إليها المؤثر من ناحية حجم المتابعين، وما يترتب على ذلك من تكاليف مالية. بالإضافة إلى حجم التفاعل مع منشوراته، حيث أن العديد من الشركات تفضّل التعامل مع فئة المايكرو (مئات الآلاف من المتابعين) لأن فرصة تلقيهم للتعليقات والتفاعل معه تكون أكبر بأربع مرات من فئة الماكرو، وفي الغالب يكون أقرب إلى متابعيه ويتفاعل معهم بما يشعرهم بوجود صداقة معه. ومن ثم، بحسب نُقُل، تحدِّد طبيعة حياة المؤثر ونشاطه عملية اختياره أيضًا، فعند تسويقهم لأحد منتجات الأطفال، لم يكن من الممكن التعامل مع امرأة غير متزوجة نظرًا لعدم وجود طفل. إن وجود الطفل، إضافة إلى تقديم محتوى يتعلق بالموضة والرياضة والطعام مثلًا، سوف يبني مصداقية لها حين تنصح الآخرين بذلك المنتج.

تأثير بدوام كامل؟

خلال العمل على هذه المادة، وجدت صعوبة في معرفة طيف الأجور الذي يتقاضاه المؤثرون. إلا أنني، دون جهد يذكر، عرفت العديد من الأمور عن حياة بعضهم الشخصية: المولات والمطاعم والمقاهي التي يترددون عليها، عناوين سكنهم، أفراد عائلاتهم، أنواع سياراتهم، مواعيد الجيم والعمل الخاص بهم، والكثير من المعلومات التي لم تعد خاصة. يقول حمزة: «بالنسبة إلي، حياتي الخاصة الناس ما بيعرفوا اشي عنها. غير هيك في ناس بتنشر حياتها الخاصة، لأنه هاي هي الطريق لشهرتها. في ناس شهرتهم انبنتْ في البيت». وتؤكد هديل: «[زمان] يا دوب 2% يتأثروا [بمنشوراتي]. بعد ما دخّلت الناس بحياتي الشخصية، حسيت بالفرق (..) صرت أحط أشياء خاصة عني زي فيديو لعرسي وتجربتي مع الحمل. لما تقرّب الناس منك بهالطريقة، صاروا الناس يبعثولي إنه هديل شو بتنصحينا، بأي مستشفى نروح، كيف كانت عمليتك».

«ناوي يصير هذا شغلي الوحيد»، يقول حمزة. ويضيف: «على اليوتيوب بدك سنتين تقريبًا لحتى تبني جمهورك عنجد ويصير عندك ناس بتّابع. الموضوع بده سنين. في شخص أجنبي قعد 7 سنين لحتى انشهر حول العالم وبلش يعمل مراجعات [طعام] كشغل مستقل». في حين تقول هديل: «أنا بحكم وظيفتي بشركة، ما عندي الوقت الكافي للتدوين [باعتباره وسيلة للعيش]. بس بعرف صديقاتي عندهم 100 ألف متابع وهم متفرغين. وكثير ناجحين لأنه المدون إذا كان متفضي لمدونته بعتبرها شغله الخاص».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية