بقلم جوشوا توبولسكي
ترجمة يزن الأشقر
(نشر هذا المقال بالإنجليزية على مجلة ذا نيويوركر في 29 كانون الثاني).
قبل مدة غير طويلة، كنت أجادل -أنا وآخرين أعرفهم- في أن تويتر أكثر من مجرد شبكة تواصل اجتماعي أخرى. كنتُ سأقول أن تويتر أشبه ببرنامج مفيد، وأنه خدمة أساسية لدرجة أن أنني أستطيع تخيل سيناريو تكون فيه أمرًا مسلمًا به بالكامل. كان لا بد لتويتر أن يُوجد. وسط تيار من التغريدات ذات المئة وأربعين حرفًا، كنت تعثر على أكثر القصص مصيريةً وخطورةً وإثارةً للتفكير في تلك اللحظة.
عندما انفجرت القنابل أثناء ماراثون بوسطن في نيسان 2013، التصق المستخدمون بالخط الزمني، مطلعين فجأة على شيء عميق وحقيقي، شيء يحدث الآن. ووفر تويتر المشهد: نظرة غير محررة أو معدّة سلفًا للعالم بينما هو يتغير، من خلال أصوات ماسحات الشرطة، وتقارير شهود العيان، وصور صحافة المواطن غير الواضحة. كان مادة خامًا، لكنها انسيابية.
لكن التصدعات في واجهة تويتر بدأت بالظهور منذ ذلك الحين. التغييرات التي طالت المنتج جعلت من الصعب متابعة المحادثات والقصص. وعدم الصرامة في التحقق من المصادر الموثوق بها جعلت المعلومات مربكة أو مشبوهة. وكان الأكثر إثارة للقلق هو الموجة المتزايدة من المضايقات والإساءات التي يتعرض لها المستخدمون – مستنقع تجسد بقطعان هائمة من جماعات بغيضة ومنظمة وكارهة للنساء غمرت دفق تغريدات المستخدمين بخطابات الكراهية والتهديدات، كما حدث في فضيحة صناعة ألعاب الفيديو. وبدا أن الشركة غير مهيأة تمامًا للتعامل مع عنف الغوغاء، بامتلاكها أدوات قليلة لإدارة المحتوى أو لقمع الانتفاضات. حتى مستخدموها المشاهير المحببون لم تتمكن من حمايتهم. في شهر آب من عام 2014، دُفعت زيلدا ابنة روبن ويليامز لإغلاق حسابها بعد سلسلة من الهجمات الشرسة.
بطبيعة الحال، ليس الإزعاج هو المشكلة الوحيدة التي يعاني منها تويتر اليوم، رغم كونه أحد الأعراض الأكثر وضوحًا لشركة فقدت توجهها، أو بصورة مقلقة أكثر (وربما أدق)، لم يكن لديها توجه منذ البداية. بعد صيف من الاضطراب والتردد – صيف قُضي معظمه بلا دفة تحكم بعد استقالة الرئيس التنفيذي ديك كوستولو – أعادت الشركة تعيين أحد مؤسسيها، عبقري وادي السيليكون جاك دورسي، مرسلة إشارة، بأن تويتر قد تستطيع إيجاد تركيزها، ربما للمرة الأولى منذ وقت طويل.
على ذلك التركيز أن يأتي بسرعة. في السنة التي سبقت عودة دورسي، نما عدد المستخدمين الفاعلين على تويتر بـ 11% فقط. الأكثر إثارة للقلق كان أن نسبة تغلغل الخدمة في الولايات المتحدة، ظلت ثابتة تمامًا في الأرباع الثلاثة الأولى من العام 2015. تجاوز فيسبوك تويتر من حيث الحجم، لكن فيسبوك ليس عدو تويتر الأول؛ إذ لدى كل من إنستغرام وواتساب وحتى وي تشات مستخدمون أكثر من تويتر، ويكاد سناب تشات أن يلحق بتويتر أيضًا.
في حالة فيسبوك، أظهرت الشركة إتقانًا في تركيزها على المُنتج والتزامها الطويل الأمد بتجربة المُستَخدِم. ورغم أن إمبراطورية مارك زكربيرغ توّهت المُستخدمين في بحار خرق الخصوصية في سنواتها الأولى، إلا أن الشركة في السنوات الخمس الماضية عادت لتسيطر وتعرّف مفهوم المحادثة الاجتماعية. إذا ما أصبح المستخدمون مُسيئين على فيسبوك، يتم التعامل معهم. إذا ما أراد أحدهم أن يَشنَّ حملة إزعاج وتطفل، فإن التداعيات متنوعة ومتعددة. ربما لا تتفق مع مفهوم زكربيرغ لـ «الهوية الواحدة»، لكن حقيقة أنَّ على المستخدمين التسجيل بأسمائهم الحقيقية جعل فيسبوك مكانًا أكثر أمنًا للتفاعل. هذا ناهيك عن الموبايل وعروض الإعلانات، التي قرنتها الشركة أخيرًا بأناقة، سامحة لفيسبوك أن يأكل اللقمة الأكبر من دولارات إعلانات الموبايل. أغلقت الشركة ربعها الأخير بإيرادات مرتفعة بـ 51% مقارنة بالسنة الماضية.
وسائل التواصل الاجتماعي لعبة حجم أو لعبة مُنتج، وتويتر يفشل في كليهما.
في الوقت ذاته دعت سلسلة من التغييرات المتواضعة على المُنتج في تويتر (مثل ميزة Moments التي أُعلن عنها بكثرة لكن النتيجة كانت مُربكة بالنهاية)، وقاعدة مُستخدِمين راكدة، وهجرة أدمغة تنفيذية هائلة، للتساؤل عما إذا كان بإمكان تويتر النجاة كمشروع تجاري. في الأسبوع الماضي، فقدت الشركة نائب الرئيس للميديا، ونائب الرئيس للمُنتج (لصالح إنستغرام)، ورئيس خدمة الفيديو المتنامية Vine (لصالح غوغل)، ونائب الرئيس للهندسة، ورئيس الموارد البشرية. وبما لا يثير الدهشة، خسر سهم الشركة 50% تقريبًا من قيمته على مدى الثلاثة أشهر الماضية.
لكن ما يجب أن يُقلق تويتر ليس قيمة أسهمه. (ذكرت جريدة USAToday أنه نظرًا لاحتياطاتها النقدية، يمكن تشغيل الخدمة لـ 412 سنة أخرى بحساب خسائرها الحالية). ما يجب أن يُقلق تويتر هو انعدام الصلة بالواقع، وهناك تزايد في البيانات التي تشير إلى أن هذا هو المكان الذي تتجه إليه الشركة. إذا كان شريط أخبار تويتر الذي يظهر بشكل آني وبترتيب زمني هو أقوى ما تملك (وهو كذلك)، فإنه ليس من الصعب أن نرى المستقبل الذي فيه إنستغرام، فيسبوك، سناب شات، أو حتى وافدًا جديدًا مثل Peach (نعم، أقول Peach) يركز بما فيه الكفاية على الأخبار الآنية التي تُغني عن الحاجة إلى أفكار تويتر الضيقة والمزعجة والمتغيرة كثيرًا عن التواصل الاجتماعي. وبالنظر إلى حقيقة أن كيفن ويل، رئيس المُنتج، ترك الشركة للانضمام لإنستغرام، فإنه من السهل تخيل رؤية الخدمة تتحول أو تتفرع إلى منصة أسرع وأكثر اجتماعية لتبادل الروابط والمحادثات.
وبالنسبة للعديد من المستخدمين – لاسيما الأصغر سنًا، وفقًا لآخر استبيان – فإن سناب تشات هو وجهتهم الأكثر أهمية. نحن نعيش في عصر التطوير (Upgrade)، والجيل الذي تربى على الإنترنت هو الأكثر تقليبًا في أبطال العلامات التجارية: يحب شيئًا بحماس، حتى يتوقف عن ذلك. ومن ثم ينتقل إلى شيء آخر.
في نهاية المطاف، خدمة تويتر مشوشة جدًا، وغير متميزة في السوق لدرجة أنه من الصعب على نحو متزايد تقديم حجة واضحة لوجودها. هناك حفنة صغيرة من الميزات يمكن أن يُضيفها فيسبوك، أو تطبيقٌ منفصل يمكن إنشاءه بسهولة (كما فعل مع المسنجر والتطبيق المستقل Moments لتبادل الصور) من شأنها أن توفر تجربة مماثلة بل أكثر اتساقًا، مع مدى انتشار أوسع بكثير مما يمكن للشركة أن تقدمه اليوم (أو غدًا). هذا ما نلاحظه نحن بصورة خاصة في عالم وسائل الإعلام، نحن الأشخاص الذين يملأون هذه الخدمات بمحتوى عالي الطلب وذو قيمة عالية مثل المادة التي تقرأونها حاليًا. وسائل التواصل الاجتماعي لعبة حجم أو لعبة مُنتج، وتويتر يفشل في كليهما.
ومع ذلك، ما يزال هناك شيء قادم لتويتر. تحول آخر، وإضافة أخرى. تدور الشائعات حاليًا (ولقد تم تأكيد جميعها تقريبًا من قبل دورسي) أن الخدمة، المعروفة والمحبوبة بحد المئة وأربعين حرفًا الضيقة – اقتصادٌ كثيرًا ما يُجبرعلى الوضوح – ستبدأ بالسماح بتغريدات من عشرة آلاف حرف مع صورٍ مُتعددة أو محتوى فيديو. الأمل هو أنه من بين العديد من منصات القص أخرى، سيتمكن تويتر أن يُنافس على المحتوى القصير والطويل على حد سواء. إنها خطوة تعارض كل شيء احتضنه مُستخدموها، وذلك أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر، خصوصًا أن الإيجاز هو أحد الأشياء القليلة التي تجعل من تويتر شبكة اجتماعية فريدة من نوعها.
لا يعني ذلك أن الأمل قد ضاع. هناك مئات الملايين من المُستخدِمين المخلصين (أعد نفسي واحدًا منهم) الذين ما زالوا يرون فيه خدمة ذات فائدة هائلة. المُثل الأساسية التي جعلت تويتر منتجًا عظيمًا لم تضيع، حتى الآن، حتى لو تم التشويش عليها. المباشَرة والقوة في قلب تويتر – رشقات قصيرة من المعلومات التي يمكن أن تجعلك تشعر بأنك موصول بخلية عقول كبيرة – ما تزالان أعظم ما تملكه. تحتاج الشركة فقط للعثورعلى الطريق الصحيح لإظهار قوة تلك الروابط لجمهور أكبر، وقيمة هذا الجمهور للمُعلنين والشركاء. هذه ليست مهمة بسيطة، لكن بالنسبة لتويتر، لا مفر منها.
في عام 2011، قال جاك دورسي للجمهور في مؤتمر AllThingsD الذي نظمته صحيفة «وول ستريت جورنال»، أنه عندما يسأل الناس ما هو تويتر؟، يقول «لا نملك جوابًا، ولا بأس بذلك». عندما قال ذلك، كان يعنيها بإيجابية: أي أن تويتر هو ما تصنعه به.
بعد خمس سنوات، يبدو أن السؤال الحقيقي هو: ما الذي صنعه تويتر لنفسه؟
* الصورة من موقع شترستوك.