(نشر هذا المقال في موقع أيون وهذه ترجمة مأذونة له)
في صيف عام 2017، خرجت إلى النور مذكّرة تحظى بسمعةٍ سيئةٍ اليوم. ادّعت المذكرة، التي كتبها جيمس دامور، والذي كان يعمل حينها مهندسًا لدى شركة جوجل، أن انخفاض معدل تمثيل النساء في مجالات العمل المرتبطة بالتقنية يرجع جزئيًا إلى اختلافات بيولوجية خلقيّة ومتأصّلة بين الرجال والنساء. لم تقدّم لنا المذكرة أي دليل جديد، بل استندت، على النقيض، إلى تصورات نمطية متحيزة جنسيًا وقديمة لطالما دُحِضَت مرارًا وتكرارًا، وتضمّنت فقط إشارة بالكاد تذكر لعقود من الأبحاث في المجالات ذات الصلة مثل دراسات النوع الاجتماعي. وبالنظر إلى الحجم الهائل للموارد في شركة جوجل، لا يمكن اعتبار إسقاطاته وتجاوزاته ناجمة عن تعذّر الوصول إلى المعرفة. على العكس تمامًا، فهي تُشير إلى إعراض عن القبول بأن النظرية الاجتماعية هي معرفة سليمة بالأساس.
تعتبر مذكرة جوجل تلك مثالًا فجًا على وجود خلل في الطريقة التي يتم بها تقدير سُبل المعرفة المختلفة. فشركات التقنية في وادي السيليكون تستند إلى نظرية تقنية مُبتكرة، لكن لا يزال عليها أن تأخذ بالتطورات التي تشهدها النظرية الاجتماعية. يتضّح عدم الاكتراث بهذا النوع من المعرفة عندما تخفق الخوارزميات في تطبيقاتها في الحياة الواقعية، من فشل عبوات الصابون الآلية في العمل عندما يكون المستخدم ذا بشرةٍ بُنية داكنة، وحتى عجز جهاز آيفون إكس الجديد على التمييز بين نساء آسيويات مختلفات.
لقد أوضح المنظّرون الاجتماعيون في مجالاتٍ مثل علم الاجتماع والجغرافيا ودراسات العلوم والتكنولوجيا كيف تؤثر التحيزات العرقية والجنسية والطبقية في التصاميم التقنية. لذا فهناك مفارقة في أن الموظفين يمتلكون توجهات عنصرية ومتحيزة جنسيًا، ومع هذا ’يُفتَرَض منا تصديق أنهم ذاتهم يطورون أدوات اتخاذ قرار «مُحايدة» أو «موضوعية»، حسبما تُجادل صفية أوموجا نوبل، الباحثة في علوم الاتصال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية في كتابها «خوارزميات الاضطهاد» 2018 (Algorithms of Oppression).
في كثيرٍ من الحالات، التحيز غير المقصود هو ما يُقوّض قيمة المعرفة الاجتماعية، ويصبح ذلك جليًا عندما يصدُر عن دُعاة بارزين للمساواة في مجالات العلوم والتقنية ما يحُط من قدر البحوث في العلوم الاجتماعية. إذ قلل عالم الفيزياء نيل ديجراس تايسون، على سبيل المثال، من أهمية الصلة بين التحيز الجنسي وانخفاض التمثيل في مجالات العلوم. وهو يشعر بسعادة، على ما يبدو، لتجاهله كمًّا هائلًا من الأبحاث تُشير إلى أن الثقافات المؤسسية لمجالات العلوم الطبيعية التي يُهيمن عليها الذكور تُعد عاملًا رئيسيًا لتناقص واستنزاف العالمات الإناث في كل مراحل مسيرتهن المهنية.
هناك مفارقة في أن الموظفين يمتلكون توجهات عنصرية ومتحيزة جنسيًا، ومع هذا ’يُفتَرَض منا تصديق أنهم ذاتهم يطورون أدوات اتخاذ قرار «مُحايدة» أو «موضوعية»
أبدى المنظّرون الاجتماعيون، في المقابل، اهتمامًا بالغًا بتفسير كيف تؤثر العلاقات الاجتماعية المجحفة في تطور العلوم والتكنولوجيا. ففي ثمانينيات القرن الماضي، أوضحت الأنثروبولوجية لوسي سوشمان، وهي حاليًا أستاذة بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، أنه حتى الموظفون بشركة زيروكس في كاليفورنيا عانوا في استخدام آلات الطباعة التي أنتجتها الشركة، ما جعلهم يضحكون ويتمتمون ويسألون بشكل متكرر أسئلة من قبيل: «أين زر البدء؟». لقد بذل مصممو الآلات جهدًا من أجل كتابة تعليمات تشغيل واضحة، إلا أن الناس فهمت تلك التعليمات بطرق مختلفة، بناءً على عوامل شملت جنسهم وطبقتهم. وكانت النتيجة آلةً فهمها المهندسون أنفسهم، لكنها لم تعمل بنفس التناغم مع أي شخص آخر.
تلعب النظرية الاجتماعية دورًا حاسمًا، أيضًا، في فهم وقائع كارثية ونادرة الحدوث، لا يمكن تقييمها من منطلق الفشل التقني وحسب. كثيرًا ما تلعب الأخطاء البشرية وأشكال التنظيم الاجتماعي، مثل التنظيمات الهرمية المستخدمة لإدارة التكنولوجيات الحساسة، دورًا حاسمًا في تحديد إمكانية تفادي الأزمة من عدمه، بحسب عالم الاجتماع شارلز بيرو في كتابه «حوادث عادية: العيش مع تكنولوجيات شديدة الخطورة» (1984). فقبل كارثة تشالنجر، على سبيل المثال، في عام 1986، عندما انفجر مكوك فضاء بعد وقتٍ قصير من إطلاقه، وقُتل على متنه جميع أفراد الطاقم، تبيّن أن بعض العاملين بوكالة ناسا كانوا على دراية بوجود مخاطر محتملة، تسببت فيها المواد المستخدمة بغلق أجزاء المكوك الدوارة. لكن رغم ذلك، حالت بعض الأعراف المؤسسية دون وصول هذه المخاوف إلى مَن بيدهم سلطة تأخير الإطلاق. بسبب سوء تقدير لديناميكيات السُلطة في الهيكل المؤسسي لوكالة ناسا، لم تتمكن المعرفة العلمية من منع التحطم، حتى عندما رأى بعض العلماء بكل وضوح احتمالية وقوع كارثة.
تبيّن هذه الأمثلة أن النظرية الاجتماعية لا تعني أن يفصل المرء نفسه عن العالم، ليتسنى له مراقبته عن بعد. بل على العكس، غالبًا ما يحاول ممارسوها الكُثُر تطوير معرفة منطلقة من موقع المشاركين المنخرطين، مُسائلين حدود منظورهم الخاص. والغاية تحسين معرفتنا بالعالم الاجتماعي، وهو جهد يمضي جنبًا إلى جنب جهود حثيثة لتغيير المجتمع للأفضل، بينما نفكر أيضًا بشكل نقدي ومتواصل عن المقصود من كلمة «أفضل»، ومن أجل مَن.
منتقدو النظرية الاجتماعية يبغضونها، ليس لأنها عاجزة، بل لأنها فعّالة. إذ أنها حفّزت تحولات عميقة في علاقات العرق والنوع الاجتماعي في العقود الأخيرة. وفي أوساط الناشطين والمجموعات المجتمعية، أصبح هؤلاء المُستبعَدون تاريخيًا من الجامعات، مثل ذوي البشرة غير البيضاء والنساء، روادَ مدارس ووجهات نظر عن العالم كان لها الأثر الكبير على الحياة اليومية لملياراتٍ من البشر.
برغم هذه الإسهامات المتواصلة، لا تزال المعرفة التقنية تحظى بأفضلية على المعرفة الاجتماعية. والفجوة واضحة في أكثر من جانب، مثل أجور الباحثين. فمع أن العلماء الأكاديميين في الغالب يجنون رواتب أقل من نظرائهم المشتغلين في الصناعة، إلا أن الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانيات يجنون أقل من المجموعتين بوجهٍ عام، ويحصلون على منح وفرص توظيف أقل في المجمل. يُنظَر للعلوم والتقنية على أنها مُدرّة للدخل على المدى الطويل، لكن منافع تحسين الفهم الاجتماعي التي توفر التكاليف، والمنافع التي تتخطى مسألة التكاليف، يبدو أنها لا تحظى بأي تقدير.
ومن المفارقات، أن الأنظمة التمييزية التي تستهدفها النظرية الاجتماعية هي ذاتها التي تمنع الفئات ذات التمثيل المنخفض من الحصول على موطئ قدم في الأكاديميا، وهي التربة الخصبة لتلك الأفكار. إن مسائل التحرش الجنسي والعنصرية أكبر بكثير من محض حوادث فردية؛ إنها آليات ذات طابع مؤسسي غرضها الإبقاء على الحواجز النظامية. وكما أشارت المنظرة النسوية سارة أحمد في كتابها «عَيش حياة نسوية» (2017)، يُعد التحرش الجنسي «شبكة تمنع المعلومات من الظهور. إنه مجموعة من التحالفات دبّت فيها الحياة من أجل أن تمنع شيئًا ما». تزيد سلوكياتٌ مثل هذه مخاطرَ محاربة النظام، كما تقول، عبر تقديم الخيار لأولئك الواقعين على الطرف المتلقي: «تكيّفوا مع الأمر أو ارحلوا» خارج المؤسسة. «لا عجب، إذا كانت تلك هي الخيارات المتاحة، أن نجد الكثيرين يرحلون»، كما تقول.
يجب أن تشكل المؤسسات المشوهة الناجمة عن ذلك مصدر قلق للجميع. فإذا كانت شركات التقنية جادّة إزاء بناء مجتمع أفضل، ولا تتشدق بالحديث عن العدالة من أجل مصلحتها الخاصة، فعليها الاعتناء على نحوٍ أوثق بالنظرية الاجتماعية. إذا كانت الرؤى الاجتماعية يسيرة، وإذا كانت الممارسة تنبثق بسهولة من الفهم، لكانت العنصرية والفقر وأنظمة السلطة وانعدام المساواة المدمِّرة ضربًا من الماضي. إن مهمة إنتاج رؤى جديدة عن المجتمع عسيرة وشاقة تمامًا مثل إنتاج النظريات العلمية الأكثر تعقيدًا. ومواجهة المشاكل المعاصرة الملحة يتطلب أكبر عدد ممكن من أشكال المعرفة والعارفين ببواطن الأمور.
سبب قلة الإناث في قطاعات التكنولوجيا بسيط وواضح جدا و مش محتاج لا دراسات نسوية ولا دراسات مليئة بالأفكار النمطية ضد المرأة على حد تعبيركم
السبب ببساطة هو قلة عدد الإناث في كليات الهندسة (خصوصا تخصصات الإلكترونيات والاتصالات والكمبيوتر، وهي المعنية بمجال التكنولوجيا) و تكنولوجيا المعلومات. هاي الظاهرة مش محصورة في الأردن أو في الشرق الأوسط. هاي ظاهرة عالمية موجودة في الدول الغربية كمان. خلص يا عمي همه هيك البنات الله خلقهم ما بيحبوا هاي التحصصات زي ما انهم ما بيحبوا كرة القدم (معظمهم، برضو حتى في الدول الغربية). بدكم تزيدوا نسبة الإناث في شركات التكنولوجيا؟ اقنعوهم يدرسوا هاي التخحصصات! بدل ما توجعوا راسنا بنظريات مؤامرة بالنكهة الفيمينستية
و على فكرة ارتفاع رواتب علماء المجال التكنولوجيا مقارنة بعلماء الاجتماع نوعا ما عدل. يعني مش معقول واحد انعمى و هو يدرس بالآخر يكون راتبو زيو زي غيرو. لو الي خلص هندسة واللي خلص علم اجتماع بياخذوا نفس الراتب كل الناس بتدب علم اجتماع، والا الواحد شو الله جابرو يضيع عمره في هيك تخصصات (و فكوكم من قصة كل واحد يدرس اللي بيحبو لإنو لو بدنا نطبقها حرفيا كان ما حد بيدرس أصلا)
أول إشي كول خرا.
ثاني إشي شكلك دكتور ولا مهندس وبدك تحمل الناس جميلة. كيف حدا دارس علم اجتماع وبسترجي يفكر حاله بمقامك؟ غريب والله.
ثالث إشي أي حدا بستخدم كلمة “هيك البنات الله خلقهم” بكون بس خايف ع مساحته والدلع اللي اتدلعه، وبده البنات يعرفوا “حجمهم” وما ينافسوه ولا “يوجعوا راسه”. لو إنك بتفهم في علم الاجتماع اللي مش معبي عينك -حاشاك- كان بتعرف إنه فش حدا بنخلق وهو عنده أي تعريف لنفسه غير اللي ببنيله إياه المجتمع، فما بالك بإشي كثير محدد زي شو التخصص اللي حابب يدرسه ولا الرياضة اللي بحب سيتفرج عليها؟
رابع إشي كول خرا.
شكلو علم الاجتماع ما علم حضرتك الأسلوب الحضاري للنقاش
و ما علم حضرتك كمان تقرأ أو تفهم اللي بتقرأو
مكتوب فوق الكلام مش عن الدول العربية اللي انت أكيد بتعتبر(ي)ها مجتمعات ذكورية رجعية متخلفة تنميطية بيتنجانية، الكلام عن الدول الغربية (اللي الفيمينيستس زي معاليك(ي) بيقدسوا ليبراليتها وتقدميتها و تحررها) اللي بتعمل برامج تشجع الإناث يدرسوا تخصصات التكنولوجيا و في الشركات بيعطوا الإناث ميزات للتوظيف في هذا القطاع و بيعطوهم حوافز علشان يستلموا مناصب إدارية وبالآخر نسبة الإناث في هذه التخصصات ما بتوصلش 10%
مش خايف على مساحتي ولا على حاجة بس مشان الله احترموا المنطق. يعني إذا الإناث لازم يشتغلوا مهندسين و مبرمجين أتوقع المفروض يدرسوا هذي التخصصات من البداية
و بالنسبة لفرق الرواتب لا انا ولا انت بنتحكم فيه، السوق هو اللي بيتحكم و لهذا السبب الناس بتدرس تخصصات صعبة بتعطيهم مجال لوظائف مغرية نوعا ما. بعدين لاحظ(ي) انو الكلام عن الي بيشتغلوا في السيليكون فالي و أعتقد لو كنت أنا مهندس بيشتغل في السيليكون فالي كان مش قاعد هسا بناقش شخصية عظيمة زي حضرتك بتفرغ القاذورات الي معبية دماغها على شكل تعليقات ملهاش علاقة في الموضوع