بقلم هلا خلف
ثم أتانا زمننا الحالي وثقافته المغناه. ولوفر هذه الأغاني وكثرتها، كما ولإيقاعها السريع الجميل، نجحت في إقصاء أي أثر لكلمات درويش أو محمود أو التل، ودثرت أشعارهم، (إلا ما ندر منها) فجاءتنا أوامر القتل والتهميش، فلم تعد حيطاننا “واطية” لأحد، ومصير من عادانا الموت “الإحمر” وأُمرنا بأن نقلع العين التي لدّت تلانا، ونتغنى بالنشمي الذي نزل إلى الميدان وأحرق الأخضر واليابس. ماذا حصل لنا؟ أهذه الثقافة التي نريد؟ ثقافة العنف في بلد تربى فيه جيله الحالي في سلام تام لم يعرف العدوان أو النزاعات؟ فما عملت هذه الثقافة إلا أن شحنت النفوس وعلّمتها أن حب الوطن والقائد لا ينجح إلا بالضرب والقتل والعنف المفرط وحرق ما لدى الوطن من ندرة الخضار!
فأصبح الوطني في شبابنا من يستبيح الغلط لطالما يردد هذه الأغاني والشعارات، فلا حرج على الوطني أن يهين غيره، أو أن يتفاخر بألفاظ نابية، ولا حرج عليه أن يستبيح دماء غيره عند اعتقاده أن الآخر على خطأ، ولا حرج عليه أن ينزل نافذة سيارته ويرمي منها قمامته على شوارع وطنه، ولا حرج عليه أن يخرق القانون ويدخن في الأماكن العامة، ولا حرج عليه أن لا يلتزم في طابور، ولا حرج عليه أن يستعمل سيارة الوظيفة ووقودها للتنزه مع العائلة… والقائمة تطول. فما دام يتغنى بالوطن والملك في تلك الأغاني الانتقامية، اعتقد أنه أصبح مالك الوطن واستحق علوه على القانون وأعلن أفضليته على من سواه… فهو هكذا… وطني.
ثقافة أغانينا بحاجة إلى إثراء وتغيير في التعبير، فإذا شح مخزون الكلمات لدى كتّاب أغاني اليوم، فليأخذوا الإلهام من كلمات من حكمنا، فهي خطابات إيجابية لم تنطق إلا بالوحدة الوطنية وسعة القلب، وخوف الأخ على أخيه وإيثار الجار لجاره، وإن أحبوا أغاني الوعيد فكلماتهم توعدت أيضا لمن يخلق شرخ في المجتمع أو فتنة، أو من يفرق بين المِلل والأصول. فآن إلى الأقلام أن تكتب معروفا، كي تنتج جيلا…