بقلم علاءالساكت
يمكن القول، و بدرجة عالية من الثقة، أن الاضطرابات والثورات التي شهدتها الدول العربية أساسها حالة اليأس التي مرت بها هذه الشعوب نتيجة غياب العدالة الاجتماعية على الصعيد الاقتصادي، والمصحوبة بغياب الحريات وبالإذعان السياسي والقمع احياناً. ولا يمكن فصل العوامل التي أدت إلى ظاهرة الربيع العربي إلى سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، سيما وأن تغييب الشعب عن القرار السياسي والتفرد بالحكم ساهم في تفاقم الفجوة الاجتماعية من خلال هدر المال العام والتفريط بمقدرات الدولة وتطبيق سياسات لا تخدم المواطن. وبالتالي فان أي حديث عن الإصلاح يجب ان يعالج الاختلالات السياسية والاقتصادية من أجل تحقيق الحياة الأفضل التي تسمو إليها الشعوب العربية.
مع هذا هنالك آراء متفاوتة حول مدى أهمية التركيز على الإصلاح الاقتصادي وتسلسل الأولويات في مشروع الإصلاح، حيث يغلّب الكثيرون الإصلاحات السياسية ويرون أنها يجب أن تكون الشعار الوحيد في ساحة الإصلاح في المرحلة الحالية. ولكن ما هي تبعات هذا التوجه بالنسبة للمواطن؟ وما مدى نجاعة تطبيق مشروع سياسي جديد وفعال في ظل وضع اقتصادي رديء؟ و ما مدى ترابط الجوانب الاقتصادية والسياسية في بناء دولة أساسها العدالة والحرية؟ هذه أسئلة علينا إجابتها لكي يكون هنالك توافق على الاولويات و على الطريق الأنجح نحو الاصلاح.
إذا تناولنا الأردن مثالاً، نجد أن المطالب الشعبية تتوجه نحو عقد اجتماعي جديد مبني على الحرية السياسية والتعددية وفصل السلطات وسيادة القانون، كلّ في ظل النظام النيابي الملكي الذي ينص عليه الدستور. وفي ذات الحين يطالب المواطن بحماية اجتماعية تتضمن الرعاية الصحية والتعليم وخلق فرص العمل أو التوظيف ودعم المواد الأساسية من مستلزمات الحياة. و كما أسلفت فان هنالك قناعة تامة عند بعض دعاة الاصلاح بأنه لا يمكن تأمين المطالب الاقتصادية دون تطبيق الاستحقاقات السياسية نظرا لعدم قدرة الدولة المالية بسبب العجز المتزايد وشح الايرادات، والتي ينسبونها الى الاختلالات السياسية وغياب المساءلة الشعبية للنفقات الحكومية. فهم لا يعتقدون أن هنالك خللاً أساسياً في السياسات الاقتصادية بحد ذاتها. فنجد أنفسنا في حوار الدجاجة والبيضة: أيهما يأتي اولاً.
إن التاريخ يبين لنا أن الديمقراطية، التي يفترض أن تنظم الجهاز الحكومي من خلال تفعيل الرقابة الشعبية على السلطة التنفيذية، لا تضمن العدالة الاجتماعية ما لم يكون هنالك تكافؤ اجتماعي واقتصادي أساساً. وأفضل مثال على ذلك هو الهند – فبينما هي أكبر ديمقراطية وأعرقها، ومتقدمة في مجالات علمية وتقنية عديدة، ودولة تملك الأسلحة النووية، إلا أن فيها أكبر نسب البطالة والفقر المدقع، وذلك لأن الدولة أسست في ظل تفاوت اجتماعي واقتصادي كبير بين فئات وطبقات الشعب المختلفة.
هذا لا يعني أن نظاماً سياسياً مبنياً على الديمقراطية والتعددية يعتبر نظاماً فاشلاً في المطلق، ولكنه يعني أن الديمقراطية بحد ذاتها ليست كفيلة بتحقيق التنمية والحياة الكريمة، فيجب أن تكون هنالك أسس اجتماعية واقتصادية لإنجاح النظام المبني على الديمقراطية وضمان استمراريته. وطريق الاصلاح يبدأ بتحديد العوامل اللازمة لانجاح المشروع الديمقراطي ووضع الأولويات حسب توافر أو غياب هذه الأسس وسبل تطبيقها إما عن طريق تغيير سياسات وتوجهات الحكومة أو من خلال فعاليات المجتمع المدني التي تبدأ بالإصلاح من القاعدة الشعبية.
وبالنتيجة وبغض النظر عن سبل تحقيق الإصلاح فإن القول بأن الإصلاح السياسي هو الشعار الوحيد الذي يجب تبنيه يغفل عن واقع الترابط الوثيق ما بين النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فنجاح الإصلاح السياسي وضمان استمراريته يعتمد على مجتمع أساسه العدالة وسياسات اقتصادية تحقق هذه العدالة. وبالتالي فإن المخطط الإصلاحي يجب أن يراعي مبدأ حقوق المواطن كافة، وأن يدرك ويتدارك الاخطاء من خلال البحث عن العلة والالتفات إلى السياسات الاقتصادية التي ولدت ظروفاً اجتماعية سلبية ومعالجتها على الفور لأنها تمس حياة كافة المواطنين مباشرة وتهدد أمنهم المعيشي ومدى إيمانهم بمبادئ التعددية السياسية واحترام الغير والمواطنة الايجابية ومساواة الحقوق.