بقلم: د. بركزار الضباطي
ما هي المواصفات التي تؤهل طالب الدراسات العليا للحصول على بعثة من الجامعة الأردنية للالتحاق ببرنامج الدكتوراه في الخارج؟ الجنسية الأردنية؟ صحيح. تفوق أكاديمي؟ مؤكد. قبول في جامعات معترف بها؟ بالطبع. انحداره من عائلة ثرية؟ معقول؟ هذا هو واقع الابتعاث الذي نادراً ما نناقشه وقليل منا يدرك مدى تأثيره على حصول الطلبة المتفوقين على بعثات من الجامعة الأم.
ليس لدي المعلومات الكافية عن مدى فعالية هذا النظام في ضمان عودة الموفد أو عن التجارب السابقة مع الموفدين التي دفعت الجامعة الأردنية إلى تطبيقه. ما أعرفه بالتأكيد، ومن تجربة شخصية، أن الشرط المالي من نظام الإبتعاث قد حرم مرشحين مؤهلين من الفرصة لخدمة الجامعة التي أحبوها. في عام ٢٠٠٤ حصلت على بعثة كاملة من الجامعة الأردنية للدراسة في برنامج الدكتوراه، وبعد قبولي في جامعة بريطانية مرموقة اضطررت للتخلي عن البعثة رغم إستعداد والدي، بكل كرم، لرهن كل مايملك، لأن أملاكه في ذلك الوقت لم تغط نصف المبلغ المطلوب. وقد حاولت إقناع المسؤولين في قسم الابتعاث بأن خسارة والدي لكل أملاكه، وهي الشقة الذي يسكنها مع والدتي، هو أكبر ضمان لعودتي إلى الأردن والإيفاء بالتزامي، ولكن الرد الذي تلقيته هو إما مائة ألف دينار أو لا بعثة.
عندما أُغلق باب الجامعة الأردنية طرقت باباً آخراً وحصلت على بعثة من برنامج فولبرايت، البرنامج الأمريكي للتبادل التعليمي الثقافي بين الطلبة العرب والأمريكيين والذي يخصص بعثات لأصحاب الكفاءات العلمية وبشرط وحيد، وهو العودة إلى البلد الأم وخدمتها لمدة عامين. بفضل توفر هذا البديل استطعت إتمام دراستي والحصول على درجة الدكتوراه وها أنا أعمل كأستاذة في الجامعة الأردنية بدون أي التزام مالي أو رهن أملاك تربطني وتجبرني على العمل هناك.
رغم تفهمي لمخاوف الجامعة الأردنية من خسارة الموفدين الذين لا يفون بالتزامهم للجامعة، على الجامعة دراسة كل حالة على حدى وتقدير الحالة المادية لكل مرشح. علينا إعادة النظر في هذا الجزء من عملية الإيفاد والنظر إلى الصورة الأكبر وهي المستقبل الأكاديمي. فما هو مستوى الإنتاج العلمي (بحثاً أو تدريساً) الذي سيقدمه الأستاذ الموفد العائد عندما يُجبر على العمل في مكان ما مكرهاً، خشية من خسارة مائة ألف دينار؟ أليس من الأفضل أن يكون الدافع هو الحوافز المهنية والأكاديمية التي تجعل الأساتذة تتنافس على العمل في الجامعة الأردنية بدون إكراه؟ وبأي حق يحرم الأردنيون من الطبقات الفقيرة والوسطى من فرصة الحصول على بعثة من جامعة هي امتداد لهم ولمستقبلهم كما هم امتداد لها؟ ومن صاحب القرار الأخير بأحقية المرشح في الحصول على بعثة: الأقسام الأكاديمية التي تدرس مؤهلات المرشح العلمية أم قسم الابتعاث الذي يتخذ القرار استناداً إلى تخمينات دائرة الأراضي؟
لم يتغير الكثير منذ تجربتي مع قسم الإيفاد، إلا زيادة قيمة الرهن إلى ١٢٠ ألف للمرشحين للدراسة في التخصصات الإنسانية، وبقيمة أعلى من ذلك للتخصصات العلمية. وما زال شرط رهن العقار المعيق الأكبر لفرصة ذوي الدخل المحدود لإتمام دراستهم في الخارج، خاصةً بعد إلغاء برنامج فولبرايت لبعثات الدكتوراه وحصرها في الماجستير، وتقليص الكثير من الجامعات الأجنبية للبعثات التي تمنحها للطلاب الأجانب بسبب الأزمات الاقتصادية. للأسف مازالت قدرة المرشح المالية هي المعيار الفاصل، في حين يبقى التفوق الأكاديمي تكميل وتجميل لا يكفي بذاته! فما هي نوعية أساتذة المستقبل، وما الذي سيحدث لمستقبلنا الأكاديمي إذا تحولت جامعاتنا إلى بنوك؟