شيوخ ساندهيرست: لماذا يتلقى العديد من ملوك وأمراء الخليج تدريبًا عسكريًا في المملكة المتحدة؟

بقلم ماثيو تيلر، (ترجمة لينا عجيلات ودعاء علي)

(نشر هذا التقرير بالإنجليزية على مجلة BBC في 25 آب 2014)

منذ عام ١٨١٢ كانت أكاديمية ساندهيرست الملكية العسكرية، على حدود مقاطعتي سري وبيركشاير، المكان الذي يدرّب فيه الجيش البريطاني ضباطه.

لدى الأكاديمية برنامج قاسٍ يمتد لأربعة وأربعين أسبوعاً ويختبر المهارات الجسدية والفكرية للطلاب العسكريين ويشرّبهم قيم الجيش البريطاني.

إلى جانب ضباط المستقبل البريطانيين، فإن لدى ساندهيرست تقليد باستقطاب متدربين من الخارج. العديد من عائلات النخبة في الشرق الأوسط أرسلت أولادها وبناتها إلى هناك، لعل الأبرز بينهم الملك حسين من الأردن.

أربعة من الملوك العرب الحاكمين حاليًا تخرجوا من ساندهيرست والكليات المرتبطة بها: الملك عبدالله من الأردن، الملك حمد من البحرين، الشيخ تميم أمير قطر، والسلطان قابوس من عُمان. ومن بين الملوك السابقين من خريجيها الكلية الشيخ سعد أمير الكويت، والشيخ حمد أمير قطر.

بقيت ساندهيرست محتفظة بصلاتها منذ أن كانت بريطانيا القوة الاستعمارية الأكبر في الخليج.

إنه مكان يتعرف فيه القادة المستقبليون على بعضهم

«الأمر الذي لطالما كان البريطانيون بارعين فيه هو تعزيز حكمهم عبر المشاهد العامة»، تقول حبيبة حميد، المستشارة الاستراتيجية السابقة لحكام دبي وأبو ظبي لشؤون السياسة الخارجية. «المواكب والفعاليات وعروض القوة العسكرية والصدمة والترويع – كلها خرجت من المؤسسة العسكرية البريطانية».

إنه مكان يتعرف فيه القادة المستقبليون على بعضهم، بحسب مايكل ستيفنز، نائب مدير مؤسسة الخدمات الملكية الموحدة في قطر. كما أن ساندهيرست تمنح المملكة المتحدة مدخلًا للتأثير في الخليج.

«تحظى المملكة المتحدة باهتماممن النخب السياسية الخليجية لا تحظى به دول أخرى بحجمها، كفرنسا وغيرها. إنها تمنحنا الفرصة للمنافسة على مستوى أعلى».

«لديك أشخاص قضوا وقتًا في بريطانيا، ولديهم فيها (..) علاقات مع أصدقائهم وشركائهم ومدرسيهم. المعرفة الشخصية أمر مفيد للغاية في السياق الخليجي».

«بالنسبة للبريطانيين الذين يجولون حول العالم كما فعلتُ حين كنت جنديًا»، يقول العميد بيتر سينكوك الملحق العسكري السابق في المملكة العربية السعودية، «فإنك حين تقابل شخصًا درس في ساندهيرست ستكوّن صلة به على الفور. وأعتقد أن ذلك مفيد جدًا في مجال المبيعات العسكرية، على سبيل المثال».

الصلة العاطفية لا تنجح دائمًا. في عام 2013، ورغم التدخل الشخصي لديفيد كاميرون [رئيس الوزراء البريطاني]، رفضت الإمارات العربية المتحدة شراء طائرات تايفوون البريطانية المقاتلة.

لكن في أماكن أخرى، يجلب شعور الزمالة أرباحًا طائلة. «ملكيات الخليج باتت مصادر هامة لرؤوس الأموال»، تقول جاين كينينمونت، نائب رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة تشاثام هاوس لأبحاث السياسة الخارجية. «ترى القطريين يمولون أطول بناية في لندن، وترى الإمارات تمول البنية التحتية وتنمية حقول النفط البريطانية. هناك رغبة -تبدو أحيانًا يائسة- في إبقائهم إلى جانبنا لأسباب تجارية».

إن السياسة البريطانية في الخليج «تجارية» بالدرجة الأولى، بحسب د. كريستين كوتس ألريتشسن من مؤسسة بيكر في هيوستن، تكساس. أما القلق بشأن حقوق الإنسان والإصلاح فهو مسألة ثانوية.

إن السياسة البريطانية في الخليج «تجارية» بالدرجة الأولى (..) أما القلق بشأن حقوق الإنسان والإصلاح فهو مسألة ثانوية.

في عام 2012 قبلت ساندهيرست تبرعًا بقيمة 15 مليون جنيه إسترليني من الإمارات لإقامة مبنى سكني جديد، سمي مبنى زايد تيمنًا بالحاكم المؤسس للبلاد.

وفي آذار 2013، أعيد افتتاح قاعة مونز، وهي مركز رياضي في ساندهيرست، باسم قاعة الملك حمد، عقب تبرع بقيمة 3 ملايين جنيه إسترليني من ملك البحرين الذي درس في واحدة من الكليات المرتبطة بساندهيرست.

إعادة التسمية هذه كانت مثيرة للجدل، أولًا بسبب ارتباطها بما يعتبر مذبحة لـ 1,600 بريطاني في معركة مونز في آب 1914 [على يد الجنود الألمان في الحرب العالمية الأولى]، وثانيًا بسبب الطريقة التي تعامل معها حمد وحكومته مع الاحتجاجات السياسية في البحرين في السنوات الثلاث الأخيرة.

قد يقول ناقد أن الفصل الثالث في برنامج ساندهيرست لضباط التكليف يقدم موادًا تتعلق بتقنيات مكافحة التمرد وطرق إدارة الاختلال في النظام العام.

منذ أن تفجر التوتر بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية الحاكمة في البحرين عام 2011، قُتل أكثر من 80 مدنيًا على يد قوات الأمن بحسب تقديرات المعارضة التي تنفيها الحكومة. ثلاثة عشر رجل شرطة فقدوا حياتهم كذلك خلال الصدامات.

«لطالما اعتبر الملك ساندهيرست مكانًا عظيمًا»، يقول سينكوك، رئيس جمعية البحرين التي تروّج لتحسين العلاقات بين البحرين والمملكة المتحدة. «قرابة عشرين فردًا من عائلته كانوا طلابًا فيها. لم يفهم تمامًا سبب كل هذا الاستياء».

كريسبين بلاك، خريج ساندهيرست والمدرس السابق فيها، يقول إنه لم يكن على الأكاديمية قبول تلك التبرعات. «كيفما نظرت تجد نصبًا تذكاريًا لشيء ما، مبنى أو لوحة تمثل معلمًا يأخذك مباشرة إلى قلب التاريخ العسكري البريطاني. تسمية القاعة ‘قاعة الملك حمد’ لن تفعل الشيء ذاته».

قدمت ساندهيرست ردًا مكتوبًا على هذه الانتقادات، قالت فيه إن «كل التبرعات التي تقبلها ساندهيرست تتفق مع التزامات المملكة المتحدة المحلية والدولية ومع قيمنا كأمة. عبر السنوات، وفّرت هذه التبرعات مبالغ كبيرة من المال على دافع الضرائب البريطاني».

اتبّع القذافي التقليد الذي يسلكه الضباط الأجانب الذين تدرّبوا على يد الجيش البريطاني، واستخدم معرفته الجديدة للاستيلاء على السلطة في بلده

لكن ماذا يحدث حين يصبح أصدقاء ساندهيرست أعداءً؟ في عام 2001، زار رئيس الوزراء في حينه توني بلير دمشق، في إشارة إلى بدء تحسن العلاقات بين بريطانيا وسوريا. بعدها بقليل، في عام 2003، كانت ساندهيرست تدرب ضباطًا في الجيش السوري. أما الآن، بالطبع، فقد أصبحت سوريا منبوذة دوليًا.

الصحفي مايكل كوكريل كتب عن الوقت الذي أمضاه الدكتاتور الليبي العقيد القذافي في كلية التعليم العسكري في بيكونفيلد عام 1966: «بعدها بثلاث سنوات، اتبّع القذافي التقليد الذي يسلكه الضباط الأجانب الذين تدرّبوا على يد الجيش البريطاني، واستخدم معرفته الجديدة للاستيلاء على السلطة في بلده».

هذا التقليد استمر. خلال تسعينيات القرن الماضي، درس الجنرال المصري أحمد علي في ساندهيرست. في عام 2013، كان علي واحدًا من الوجوه البارزة أثناء عزل الجيش المصري للرئيس الإسلامي محمد مرسي، لتتم مكافأته الآن بمنصب داخل الحلقة الضيقة لمستشاري الرئيس السيسي.

في أواخر التسعينيات كانت هناك محاولات لحكومة توني بلير لإنهاء تدريب ساندهيرست للطلاب الأجانب. اللواء آرثر دينارو، المستشار لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الدفاع والقائد الآمر في ساندهيرست في حينه، وصف تلك الفكرة على أنها جزء من «السياسة الخارجية الأخلاقية» التي روّج لها الراحل روبن كوك، وزير الخارجية في حينه.

لكن ساندهيرست تقول إن «بناء العلاقات الدولية من خلال التبادل والتعليم العسكريين هو عنصر أساسي في استراتيجية المملكة المتحدة للعمل الدولي».

قد تكون ساندهيرست عظيمة بالنسبة للمملكة المتحدة، التي يخضع فيها الجيش لأمر الحكومة، لكنها في الوقت نفسه توفر ضباطًا متدربين عسكريًا لملكيات الشرق الأوسط، حيث كثيرًا ما يبدو أن الجيوش تدافع عن العائلة الحاكمة، لا عن الأمة.

دعاء علي:
Related Post